للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذِهِ الْإِبَاحَةِ فَحَصَلَ أَيْضًا فِي هَذَا الْمِثَالِ أَنَّ عِلَّةَ الْإِبَاحَةِ عَدَمُ عِلَّةِ التَّحْرِيمِ وَعَدَمُ سَبَبِ الْإِبَاحَةِ عِلَّةُ التَّحْرِيمِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنْ قُلْت لِمَ لَا يَكُونُ الْوُضُوءُ مَثَلًا هُوَ سَبَبُ الْإِبَاحَةِ وَعَدَمُهُ هُوَ عِلَّةُ التَّحْرِيمِ وَلَا حَاجَةَ إلَى اعْتِبَارِ تِلْكَ الْفَضَلَاتِ الْمُسْتَقْذَرَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمُلَامَسَةِ وَنَحْوِهَا قُلْت لَا خَفَاءَ أَنَّ الْوُضُوءَ مُوجِبٌ لِلْإِبَاحَةِ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى الصَّلَوَاتِ وَمَا هُوَ مُشْتَرَطٌ فِيهِ الْوُضُوءُ وَنَقُولُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ الطَّهَارَةُ سَبَبٌ لِلْإِبَاحَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ حَتَّى يَطْرَأَ الْحَدَثُ وَالْحَدَثُ سَبَبُ الْمَنْعِ الْمُسْتَمِرِّ حَتَّى تَطْرَأَ الطَّهَارَةُ وَيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ فَإِنَّ عَدَمَ الطَّهَارَةِ بِالْكُلِّيَّةِ سَبَبُ الْمَنْعِ وَعَدَمُ الْحَدَثِ بِالْكُلِّيَّةِ سَبَبُ الْإِبَاحَةِ فَإِنْ قُلْت فَمَنْ لَمْ يُحْدِثْ قَطُّ يَلْزَمْك أَنْ تُبَاحَ لَهُ الصَّلَاةُ وَإِنْ لَمْ يَتَطَهَّرْ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْإِبَاحَةِ مَوْجُودٌ فِي حَقِّهِ وَهُوَ عَدَمُ الْحَدَثِ قُلْت الْتَزَمَهُ مَعَ أَنَّهُ فَرْضٌ مُحَالٌ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا بُدَّ لَهُ أَنْ تَخْرُجَ مِنْهُ فَضَلَاتُ غِذَائِهِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ وَعِنْدَ الْوِلَادَةِ فَإِذَا فُرِضَ وُقُوعُ هَذَا الْمُحَالِ وَهُوَ عَدَمُ خُرُوجِ شَيْءٍ مِنْهُ أَلْبَتَّةَ لَا مَانِعَ لِي مِنْ الْتِزَامِ الْإِبَاحَةِ فِي حَقِّهِ لَا بِنَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ وَلَا قِيَاسٍ.

وَكَذَلِكَ أَقُولُ فِي الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فِي سَبَبِ الْمَنْعِ الْمُسْتَمِرِّ حَتَّى تَطْرَأَ الطَّهَارَةُ وَالطَّهَارَةُ سَبَبُ الْإِبَاحَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ حَتَّى تَطْرَأَ هَذِهِ الْأَحْدَاثُ وَعَدَمُ هَذِهِ الْأَحْدَاثِ سَبَبُ الْإِبَاحَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَلَوْلَا اشْتِرَاطُ صَاحِبِ الشَّرْعِ الْوُضُوءَ لَأَبَحْنَا الصَّلَاةَ لِمَنْ عُدِمَتْ فِي حَقِّهِ هَذِهِ الْأَحْدَاثُ الْكِبَارُ وَصَحَّ لَنَا حِينَئِذٍ فِي الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ وَالطَّهَارَةِ الْكُبْرَى وَالصُّغْرَى أَنَّ عَدَمَ سَبَبِ الْإِبَاحَةِ سَبَبُ الْمَنْعِ وَعَدَمُ سَبَبِ الْمَنْعِ سَبَبُ الْإِبَاحَةِ وَاطَّرَدَتْ الْقَاعِدَةُ وَهَذَا الْخِلَافُ سَبَبُ الْوُجُوبِ وَعِلَّتُهُ فَإِنَّ سَبَبَ وُجُوبِ إرَاقَةِ دَمِ الْمُرْتَدِّ رِدَّتُهُ فَإِذَا فُقِدَتْ الرِّدَّةُ كَانَ دَمُهُ حَرَامًا وَسَبَبُ وُجُوبِ النَّفَقَةِ الزَّوْجِيَّةُ أَوْ الْقَرَابَةُ، فَإِذَا عُدِمَ ذَلِكَ لَا تَحْرُمُ النَّفَقَةُ بَلْ يُنْدَبُ إلَيْهَا فِي الْأَجَانِبِ وَسَبَبُ وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ حُضُورُ مَحَلِّهَا الَّذِي هُوَ الْقِيَامُ فَإِذَا رَكَعَ وَسَجَدَ وَعُدِمَ الْقِيَامُ كُرِهَتْ الْقِرَاءَةُ فَلَمَّا كَانَ عَدَمُ سَبَبِ الْوُجُوبِ لَا يَسْتَلْزِمُ مِنْ ذَلِكَ حُكْمًا مُعَيَّنًا فَارَقَ بِذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ عِلَّةِ الْإِبَاحَةِ وَالْمَنْعِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ.

(الْفَرْقُ السِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ إثْبَاتِ النَّقِيضِ فِي الْمَفْهُومِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ إثْبَاتِ الضِّدِّ فِيهِ)

اعْلَمْ أَنَّ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ يَقْتَضِي أَنَّ الْحُكْمَ الْمَنْطُوقَ غَيْرُ ثَابِتٍ لِلْمَسْكُوتِ عَنْهُ فَهَلْ الْقَاعِدَةُ فِيهِ عِنْدَ الْقَضَاءِ بِأَنَّ حُكْمَ الْمَسْكُوتِ يَقْتَضِي إثْبَاتَ ضِدِّ الْحُكْمِ الْمَنْطُوقِ بِهِ أَوْ إثْبَاتَ نَقِيضِهِ، وَالثَّانِي هُوَ الْحَقُّ بِأَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ لِلْمَنْطُوقِ وَلَا يَتَعَرَّضُ لِإِثْبَاتِ حُكْمِ الْمَسْكُوتِ أَلْبَتَّةَ فَهُوَ يَنْقَسِمُ إلَى عَشْرَةِ أَقْسَامٍ كُلُّهَا مُسْتَقِيمَةٌ مَعَ النَّقِيضِ فَقَطْ مَفْهُومُ الْعِلَّةِ نَحْوَ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَهُوَ حَرَامٌ مَفْهُومُهُ مَا لَمْ يُسْكِرْ كَثِيرُهُ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَمَفْهُومُ الصِّفَةِ فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ مَفْهُومُهُ مَا لَيْسَ بِسَائِمَةٍ لَا زَكَاةَ فِيهِ وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ مَنْ تَطَهَّرَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ مَفْهُومُهُ مَنْ لَمْ يَتَطَهَّرْ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَمَفْهُومُ الْمَانِعِ لَا يُسْقِطُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

مِنْ الزَّمَنِ الْمَاضِي حَتَّى يَلْزَمَ الْمُحَالُ مِنْ رَفْعِ الْوَاقِعِ كَمَا تَقَدَّمَ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قَدِمَ زَيْدٌ فَهَلْ تَطْلُقُ مِنْ الْآنَ أَوْ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَهُوَ الَّذِي يَرَاهُ ابْنُ يُونُسَ مِنْ أَصْحَابِنَا مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ فَيَقْضِي بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَالتَّحْرِيمِ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَيُقَدَّرُ الْآنَ أَنَّ الْإِبَاحَةَ الْكَائِنَةَ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَوَسَطِهِ فِي حُكْمِ الْمُرْتَفِعَةِ لَا إنَّنَا نَجْزِمُ بِارْتِفَاعِهَا بِالْفِعْلِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَالْبَحْثُ فِيهَا مَعَ الشَّافِعِيِّ فِي بَابِ فَرْقِ الشُّرُوطِ فَلْتُطَالَعْ ثَمَّةَ، وَمِنْهَا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ مَسَائِلِ التَّقْدِيرِ الَّتِي لَا يَخْلُو بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ عَنْهَا، نَعَمْ لَيْسَ مِنْهَا تَقْدِيرُ الْمِلْكِ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ؛ إذْ لَا حَاجَةَ إلَى التَّقْدِيرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَالتَّقْدِيرُ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا مِنْهَا تَقْدِيرُ مِلْكِ الدِّيَةِ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ بَعْدَ إنْقَاذِ الْمُقَاتِلِ وَقَبْلَ زُهُوقِ الرُّوحِ بَلْ هُوَ مَوْضِعُ تَحْقِيقِ الْمِلْكِ كَمَا أَفَادَهُ ابْنُ الشَّاطِّ.

قُلْت: وَلَيْسَ مِنْهَا أَيْضًا مَسْأَلَةُ تَأْثِيرِ رَفْضِ النِّيَّةِ فِيمَا عَدَا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فِي الْأَثْنَاءِ اتِّفَاقًا فِي الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَعَلَى الْخِلَافِ فِي الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ وَالِاعْتِكَافِ وَلَا تَأْثِيرِ رَفْضِهَا فِي الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ وَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ بَعْدَ الْفَرَاغِ عَلَى الْخِلَافِ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلرَّفْضِ فِي الْأَثْنَاءِ فَلِأَنَّ الْحَقَّ صِحَّتُهُ فِي جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ بِدُونِ احْتِيَاجٍ إلَى التَّقْدِيرِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ قَاصِدًا بِالْعِبَادَةِ امْتِثَالَ الْأَمْرِ ثُمَّ أَتَمَّهَا بِنِيَّةٍ أُخْرَى لَيْسَتْ بِعِبَادَتِهِ الَّتِي شَرَعَ فِيهَا كَالْمُتَطَهِّرِ يَنْوِي أَوَّلًا رَفْعَ الْحَدَثِ ثُمَّ يَنْسَخُ تِلْكَ النِّيَّةَ ثَانِيًا بِنِيَّةِ التَّبَرُّدِ أَوْ التَّنَظُّفِ مِنْ الْأَوْسَاخِ الْبَدَنِيَّةِ.

وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلرَّفْضِ بَعْدَ الْفَرَاغِ فَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ صِحَّتِهِ فِي جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ ضَرُورَةَ أَنَّ صِحَّتَهُ حِينَئِذٍ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى رُجُوعِهِ لِلتَّقْدِيرِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ بَعْدَ كَمَالِهَا عَلَى مَشْرُوطِهَا قَصْدُهُ أَنْ لَا تَكُونَ عِبَادَةً وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا حُكْمُهَا مِنْ إجْزَاءٍ أَوْ اسْتِبَاحَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَالْوَاقِعُ يَسْتَحِيلُ رَفْعُهُ وَالتَّقْدِيرُ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ فَلَزِمَ أَنْ لَا يُؤَثِّرَ فِيهَا بَلْ تَكُونُ عَلَى حُكْمِهَا لَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْقَصْدُ.

وَخَرَجَ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ خِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالِاعْتِكَافِ فَمِنْ هُنَا نَقَلَ صَاحِبُ الْجَمْعِ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ تَأْثِيرِ الرَّفْضِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعِبَادَةِ عِنْدِي أَصَحُّ لِأَنَّ الْفَرْضَ يَرْجِعُ إلَى التَّقْدِيرِ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ يَسْتَحِيلُ رَفْضُهُ وَالتَّقْدِيرُ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>