للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضَعْفِهِ وَقِلَّةِ الْقَائِلِينَ بِهِ وَيَنْبَغِي لَك أَنْ تَتَفَطَّنَ لَهُ فَإِنَّ جَمَاعَةً مِمَّنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ وَقَعَ فِيهِ عِنْدَ الِاسْتِدْلَالِ وَمَا شَعَرَ.

وَقَالَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ التَّيَمُّمُ بِغَيْرِ التُّرَابِ لَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» وَفِي أُخْرَى «وَتُرَابُهَا طَهُورًا» وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ وَتُرَابُهَا طَهُورًا أَنَّ غَيْرَ التُّرَابِ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ، وَاسْتِدْلَالُهُ بِذَلِكَ عَلَى مَالِكٍ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَقَبٌ لَيْسَ حُجَّةً عِنْدَهُ وَلَا عِنْدَ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ اسْمُ جِنْسٍ فَقَدْ اسْتَدَلَّ بِمَا لَيْسَ حُجَّةً عِنْدَهُ وَلَا عِنْدَ خَصْمِهِ، وَكَذَلِكَ اسْتَدَلَّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ الْخَلَّ لَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «حُتِّيهِ ثُمَّ اقْرِضِيهِ بِالْمَاءِ» فَمَفْهُومُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُغْسَلَ بِغَيْرِهِ مِنْ الْخَلِّ وَغَيْرِهِ وَهَذَا أَيْضًا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فَإِنَّ الْمَاءَ اسْمُ جِنْسٍ فَمَفْهُومُهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَهُ وَلَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَلْ أَبُو حَنِيفَةَ لَمْ يَقُلْ بِالْمَفْهُومِ مُطْلَقًا فَضْلًا عَنْ مَفْهُومِ اللَّقَبِ فَاسْتِدْلَالُهُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ أَبْعَدُ مِنْ اسْتِدْلَالِهِ عَلَى مَالِكٍ بِسَبَبِ أَنَّ مَالِكًا قَالَ بِالْمَفْهُومِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَلَا فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَالتَّنْبِيهُ عَلَيْهِ بِالْمِثْلِ.

(الْفَرْقُ الثَّانِي وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَفْهُومِ إذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَبَيْنَ مَا إذَا لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ الْغَالِبِ)

فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ الْغَالِبِ كَانَ حُجَّةً عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالْمَفْهُومِ وَإِذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لَا يَكُونُ حُجَّةً إجْمَاعًا وَضَابِطُهُ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ الَّذِي وَقَعَ بِهِ التَّقْيِيدُ غَالِبًا عَلَى تِلْكَ الْحَقِيقَةِ وَمَوْجُودًا مَعَهَا فِي أَكْثَرِ صُوَرِهَا فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا مَعَهَا فِي أَكْثَرِ صُوَرِهَا فَهُوَ الْمَفْهُومُ الَّذِي هُوَ حُجَّةٌ، وَسِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْوَصْفَ إذَا كَانَ غَالِبًا عَلَى الْحَقِيقَةِ يَصِيرُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ لُزُومٌ فِي الذِّهْنِ فَإِذَا اسْتَحْضَرَ الْمُتَكَلِّمُ الْحَقِيقَةَ لِيَحْكُمَ عَلَيْهَا حَضَرَ مَعَهَا ذَلِكَ الْوَصْفُ الْغَالِبُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ لَوَازِمِهَا فَإِذَا حَضَرَ فِي ذِهْنِهِ نَطَقَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حَاضِرٌ فِي ذِهْنِهِ فَعَبَّرَ عَنْ جَمِيعِ مَا وَجَدَهُ فِي ذِهْنِهِ لَا أَنَّهُ قَصَدَ بِالنُّطْقِ بِهِ نَفْيَ الْحُكْمِ عَنْ صُورَةِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَفْهُومِ إذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَبَيْنَ مَا إذَا لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ الْغَالِبِ) فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ الْغَالِبِ كَانَ حُجَّةً عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالْمَفْهُومِ وَإِذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لَا يَكُونُ حُجَّةً إجْمَاعًا وَضَابِطُهُ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ الَّذِي وَقَعَ بِهِ التَّقْيِيدُ غَالِبًا عَلَى تِلْكَ الْحَقِيقَةِ مَوْجُودًا مَعَهَا فِي أَكْثَرِ صُوَرِهَا فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا مَعَهَا فِي أَكْثَرِ صُوَرِهَا فَهُوَ الْمَفْهُومُ الَّذِي هُوَ حُجَّةٌ وَسِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْوَصْفَ إذَا كَانَ غَالِبًا عَلَى الْحَقِيقَةِ يَصِيرُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ لُزُومٌ فِي الذِّهْنِ فَإِذَا اسْتَحْضَرَ الْمُتَكَلِّمُ الْحَقِيقَةَ لِيَحْكُمَ عَلَيْهَا حَضَرَ مَعَهَا ذَلِكَ الْوَصْفُ الْغَالِبُ لِأَنَّهُ مِنْ لَوَازِمِهَا فَإِذَا حَضَرَ فِي ذِهْنِهِ نَطَقَ بِهِ لِأَنَّهُ حَاضِرٌ فِي ذِهْنِهِ فَعَبَّرَ عَنْ جَمِيعِ مَا وَجَدَهُ فِي ذِهْنِهِ لَا أَنَّهُ قَصَدَ بِالنُّطْقِ بِهِ نَفْيَ الْحُكْمِ عَنْ صُورَةِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَالْقِيَاسُ عَدَمُ التَّدَاخُلِ مَعَ تَمَاثُلِ الْأَسْبَابِ بِأَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى كُلِّ سَبَبٍ مُسَبَّبُهُ.

الْجِهَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ التَّدَاخُلَ وَقَعَ فِي الشَّرِيعَةِ فِي سِتَّةِ أَبْوَابٍ:

الْأَوَّلُ: الطَّهَارَةُ فَمِنْ التَّدَاخُلِ فِيهِ إجْزَاءُ غُسْلٍ وَاحِدٍ مَعَ تَعَدُّدِ أَسْبَابِهِ الْمُخْتَلِفَةِ كَالْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ أَوْ الْمُتَمَاثِلَةِ كَالْجَنَابَتَيْنِ وَمِنْهُ إجْزَاءُ وُضُوءٍ وَاحِدٍ مَعَ تَعَدُّدِ أَسْبَابِهِ الْمُتَمَاثِلَةِ كَالْمُلَامَسَتَيْنِ أَوْ الْمُخْتَلِفَةِ كَالْمُلَامَسَةِ وَإِخْرَاجِ الرِّيحِ، وَمِنْهُ إجْزَاءُ الْغُسْلِ عَنْ الْوُضُوءِ وَإِنْ تَحَقَّقَ سَبَبُهُ الَّذِي هُوَ الْمُلَامَسَةُ مَعَ سَبَبِ الْغُسْلِ الَّذِي هُوَ الْجَنَابَةُ لِانْدِرَاجِ سَبَبِهِ فِي الْجَنَابَةِ فَلَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ وُجُوبُ وُضُوءٍ.

الثَّانِي: الصَّلَوَاتُ فَمِنْ التَّدَاخُلِ فِيهَا تَدَاخُلُ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ مَعَ تَعَدُّدِ سَبَبَيْهِمَا فَيَدْخُلُ دُخُولُ الْمَسْجِدِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ التَّحِيَّةِ فِي الزَّوَالِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الظُّهْرِ مَثَلًا فَيَقُومُ سَبَبُ الزَّوَالِ مَقَامَ سَبَبِ الدُّخُولِ فَيُكْتَفَى بِهِ.

الثَّالِثُ: الصِّيَامُ فَمِنْ التَّدَاخُلِ فِيهِ تَدَاخُلُ الصَّوْمِ الَّذِي سَبَبُهُ الِاعْتِكَافُ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ الَّذِي سَبَبُهُ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ فَيَقُومُ سَبَبُ الرُّؤْيَةِ مَقَامَ سَبَبِ الِاعْتِكَافِ فَيُكْتَفَى بِهِ.

الرَّابِعُ: الْكَفَّارَاتُ فَمِنْ التَّدَاخُلِ فِيهِ حَمْلُ الْأَيْمَانِ فِي الْمَشْهُورِ عَلَى التَّكْرَارِ لَا عَلَى الْإِنْشَاءِ فَتَكْفِيهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَمِنْهُ تَكْرَارُ الْوَطْءِ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ مِنْ رَمَضَانَ عِنْدَنَا عَلَى الْخِلَافِ وَفِي الْيَوْمَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَكْفِيهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَهُ قَوْلَانِ فِي الرَّمَضَانَيْنِ.

الْخَامِسُ: الْحُدُودُ الْمُتَمَاثِلَةُ فَمِنْ التَّدَاخُلِ فِيهِ تَدَاخُلُ أَسْبَابِهَا الْمُخْتَلِفَةِ كَالْقَذْفِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ الْمُتَمَاثِلَةِ كَالزِّنَا مِرَارًا وَالسَّرِقَةِ مِرَارًا وَالشُّرْبِ مِرَارًا قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ وَهِيَ مِنْ أَوْلَى الْأَسْبَابِ بِالتَّدَاخُلِ؛ لِأَنَّ تَكَرُّرَهَا مُهْلِكٌ.

السَّادِسُ: الْأَمْوَالُ فَمِنْ التَّدَاخُلِ فِيهَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي تَكْرَارِ وَطْءِ الشُّبْهَةِ الْمُتَّحِدَةِ إلَّا صَدَاقٌ وَاحِدٌ مِنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ، وَإِنْ كَانَتْ كُلُّ وَطْأَةٍ لَوْ انْفَرَدَتْ أَوْجَبَتْ مَهْرًا تَامًّا مِنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ وَمِنْهُ اكْتِفَاءُ صَاحِبِ الشَّرْعِ فِيمَا إذَا قَطَعَ أَطْرَافَهُ وَسَرَى ذَلِكَ لِنَفْسِهِ بِدِيَةٍ وَاحِدَةٍ لِلنَّفْسِ وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ قَبْلَ السَّرَيَانِ نَحْوَ عَشْرِ دِيَاتٍ بِحَسَبِ تَعَدُّدِ الْعُضْوِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَدَخَلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْكَثِيرُ وَهُوَ دِيَةُ الْأَطْرَافِ فِي الْقَلِيلِ وَهُوَ دِيَةُ النَّفْسِ، وَقَدْ يَدْخُلُ الْقَلِيلُ كَدِيَةِ الْأُصْبُعِ فِي الْكَثِيرِ كَدِيَةِ النَّفْسِ

(تَنْبِيهٌ) :

لَا يَتَنَافَى عِنْدَنَا فِي التَّدَاخُلِ إلَّا أَرْبَعُ صُوَرٍ: أَحَدُهَا دُخُولُ الْقَلِيلِ فِي الْكَثِيرِ. وَثَانِيهَا: دُخُولُ الْكَثِيرِ فِي الْقَلِيلِ وَقَدْ مَرَّتْ مِثْلُهُمَا. وَثَالِثُهَا:

<<  <  ج: ص:  >  >>