للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِذَا وَجَبَ لِلْمُبْتَدَأِ أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا أَوْ أَخَصَّ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ كَانَ الْحَصْرُ لَازِمًا فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوِيَ مُنْحَصِرٌ فِي مُسَاوِيهِ وَالْأَخَصُّ مُنْحَصِرٌ فِي الْأَعَمِّ فَالْإِنْسَانُ كَمَا هُوَ مُنْحَصِرٌ فِي النَّاطِقِ مُنْحَصِرٌ فِي الْحَيَوَانِ فَلَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ فَهَذَا بُرْهَانٌ عَقْلِيٌّ قَطْعِيٌّ فِي وُجُوبِ انْحِصَارِ الْمُبْتَدَأِ فِي خَبَرِهِ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ فَرَّقَ الْعُلَمَاءُ بَيْنَ قَوْلِنَا زَيْدٌ قَائِمٌ لَمْ يَجْعَلُوهُ لِلْحَصْرِ وَبَيْنَ قَوْلِنَا زَيْدٌ الْقَائِمُ فَجَعَلُوهُ لِلْحَصْرِ فَكَيْفَ صَحَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مُخَالَفَةُ الدَّلِيلِ الْقَاطِعِ فِي الْمُبْتَدَأِ إذَا كَانَ خَبَرُهُ نَكِرَةً.

وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ أَنَّ الْحَصْرَ حَصْرَانِ حَصْرٌ يَقْتَضِي نَفْيَ النَّقِيضِ فَقَطْ وَحَصْرٌ يَقْتَضِي نَفْيَ النَّقِيضِ وَالضِّدِّ وَالْخِلَافُ وَمَا عَدَا ذَلِكَ الْوَصْفَ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَهَذَا الْحَصْرُ الثَّانِي هُوَ الَّذِي نَفَاهُ الْعُلَمَاءُ عَنْ الْخَبَرِ إذَا كَانَ نَكِرَةً، وَأَمَّا الْحَصْرُ الْأَوَّلُ فَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ.

وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّك إذَا قُلْت: زَيْدٌ قَائِمٌ فَزَيْدٌ مُنْحَصِرٌ فِي مَفْهُومِ قَائِمٍ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَى نَقِيضِهِ لَكِنْ قَوْلُنَا قَائِمٌ مُطْلَقٌ فِي الْقِيَامِ فَهِيَ مُوجَبَةٌ جُزْئِيَّةٌ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَنَقِيضُهُ إنَّمَا هُوَ السَّالِبَةُ الدَّائِمَةُ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ زَيْدٌ قَائِمًا دَائِمًا لَا فِي الْمَاضِي وَلَا فِي الْحَالِ وَلَا فِي الِاسْتِقْبَالِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا النَّقِيضَ مَنْفِيٌّ إذَا صَدَقَ قَوْلُنَا زَيْدٌ قَائِمٌ فِي وَقْتِ كَذَا فَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَخْبَارِ الَّتِي هِيَ نَكِرَاتٌ فَالْحَصْرُ ثَابِتٌ بِحَسَبِ النَّقِيضِ لَا بِحَسَبِ غَيْرِهِ فَإِذَا صَدَقَ مَفْهُومُ الْحَصْرِ بِاعْتِبَارِ النَّقِيضِ صَدَقَ الْخَبَرُ وَلَمْ يُخَالِفْ الدَّلِيلَ الْعَقْلِيَّ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (وَإِذَا وَجَبَ لِلْمُبْتَدَأِ أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا أَوْ أَخَصَّ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ كَانَ الْحَصْرُ لَازِمًا فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوِيَ مُنْحَصِرٌ فِي مُسَاوِيهِ وَالْأَخَصُّ مُنْحَصِرٌ فِي الْأَعَمِّ فَالْإِنْسَانُ كَمَا هُوَ مُنْحَصِرٌ فِي النَّاطِقِ مُنْحَصِرٌ فِي الْحَيَوَانِ فَلَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ فَهَذَا بُرْهَانٌ عَقْلِيٌّ قَطْعِيٌّ فِي وُجُوبِ انْحِصَارِ الْمُبْتَدَأِ فِي خَبَرِهِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْمُبْتَدَأَ مُنْحَصِرٌ فِي الْخَبَرِ إذَا كَانَ الْخَبَرُ مُسَاوِيًا أَوْ أَعَمَّ غَيْرُ مُسَلَّمٍ كَمَا سَبَقَ.

قَالَ (وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ فَرَّقَ الْعُلَمَاءُ بَيْنَ قَوْلِنَا زَيْدٌ قَائِمٌ لَمْ يَجْعَلُوهُ لِلْحَصْرِ وَبَيْنَ قَوْلِنَا زَيْدٌ الْقَائِمُ فَجَعَلُوهُ لِلْحَصْرِ فَكَيْفَ صَحَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مُخَالَفَةُ الدَّلِيلِ الْقَاطِعِ فِي الْمُبْتَدَأِ إذَا كَانَ خَبَرُهُ نَكِرَةً.

وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ أَنَّ الْحَصْرَ حَصْرَانِ حَصْرٌ يَقْتَضِي نَفْيَ النَّقِيضِ فَقَطْ وَحَصْرٌ يَقْتَضِي نَفْيَ النَّقِيضِ وَالضِّدِّ وَالْخِلَافُ وَمَا عَدَا ذَلِكَ الْوَصْفُ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَهَذَا الْحَصْرُ الثَّانِي هُوَ الَّذِي نَفَاهُ الْعُلَمَاءُ عَنْ الْخَبَرِ إذَا كَانَ نَكِرَةً وَأَمَّا الْحَصْرُ الْأَوَّلُ فَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ) .

قُلْتُ قَوْلُهُ يَقْتَضِي نَفْيَ النَّقِيضِ فَقَطْ إنْ أَرَادَ يَقْتَضِي نَفْيَ النَّقِيضِ نُطْقًا وَصَرِيحًا فَلَيْسَ قَوْلُهُ بِصَحِيحٍ وَإِنْ أَرَادَ يَقْتَضِي ذَلِكَ ضَرُورَةً فَقَوْلُهُ صَحِيحٌ فَإِنَّ الْقَائِلَ إذَا قَالَ: زَيْدٌ قَائِمٌ فَقَدْ أَثْبَتَ لَهُ الْقِيَامَ وَمِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ الْقِيَامِ انْتِفَاءُ عَدَمِهِ فَالْقَائِلُ زَيْدٌ قَائِمٌ إنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ ثُبُوتِ الْقِيَامِ لِزَيْدٍ وَلَمْ يُخْبِرْ عَنْ انْتِفَاءِ عَدَمِ الْقِيَامِ عَنْهُ وَلَكِنْ ذَلِكَ لَازِمٌ ضَرُورَةً.

قَالَ (وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّكَ إذَا قُلْتَ زَيْدٌ قَائِمٌ فَزَيْدٌ مُنْحَصِرٌ فِي مَفْهُومِ قَائِمٌ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَى نَقِيضِهِ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ وَلَمْ يُخَالِفْ الدَّلِيلَ الْعَقْلِيَّ) قُلْتُ مَا قَالَهُ هُنَا صَحِيحٌ كَمَا قَالَ لَكِنْ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْلِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الْجُمْلَةِ ثَبَتَ الْقِيَاسُ وَالِاجْتِهَادُ فَلْنَجْرِ عَلَى مُقْتَضَاهُ وَيَبْقَى الْبَحْثُ فِي كَوْنِ ذَلِكَ وَاجِبًا أَوْ غَيْرَ وَاجِبٍ مَوْكُولًا إلَى عِلْمِهِ ثُمَّ إنَّهُ قَسَّمَ الْمَقَاصِدَ وَبَيَّنَ أَقْسَامَهَا بِمَسَائِلَ بَدِيعَةٍ فَانْظُرْهُ.

الْقِسْمُ الثَّانِي: الْوَسَائِلُ وَالْمَشْهُورُ فِي الِاصْطِلَاحِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا التَّعْبِيرُ عَنْهَا بِالذَّرَائِعِ وَهِيَ الطُّرُقُ الْمُفْضِيَةُ إلَى الْمَقَاصِدِ قِيلَ وَحُكْمُهَا حُكْمُ مَا أَفْضَتْ إلَيْهِ مِنْ وُجُوبٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا أَنَّهَا أَخْفَضُ رُتْبَةً فِي حُكْمِهَا مِمَّا أَفْضَتْ إلَيْهِ فَلَيْسَ كُلُّ ذَرِيعَةٍ يَجِبُ سَدُّهَا بَلْ الذَّرِيعَةُ كَمَا يَجِبُ سَدُّهَا يَجِبُ فَتْحُهَا وَتُكْرَهُ وَتُنْدَبُ وَتُبَاحُ بَلْ قَدْ تَكُونُ وَسِيلَةَ الْمُحَرَّمِ غَيْرَ مُحَرَّمَةٍ إذَا أَفْضَتْ إلَى مَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ كَالتَّوَسُّلِ إلَى فِدَاءِ الْأَسَارَى بِدَفْعِ الْمَالِ لِلْكُفَّارِ الَّذِي هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِنَاءً عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَنَا مِنْ خِطَابِهِمْ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَكَدَفْعِ مَالٍ لِرَجُلٍ يَأْكُلُهُ حَرَامًا حَتَّى لَا يَزْنِيَ بِامْرَأَةٍ إذَا عَجَزَ عَنْ دَفْعِهِ عَنْهَا إلَّا بِذَلِكَ وَكَدَفْعِ الْمَالِ لِلْمُحَارِبِ حَتَّى لَا يَقَعَ الْقَتْلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِ الْمَالِ عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَكِنَّهُ اشْتَرَطَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى حُسْنِ الْوَسَائِلِ الْحَسَنَةِ قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلا إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} [التوبة: ١٢٠] فَأَثَابَهُمْ اللَّهُ عَلَى الظَّمَأِ وَالنَّصَبِ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مِنْ فِعْلِهِمْ بِسَبَبِ أَنَّهُمْ حَصَلَا لَهُمْ بِسَبَبِ التَّوَسُّلِ إلَى الْجِهَادِ الَّذِي هُوَ وَسِيلَةٌ لِإِعْزَازِ الدِّينِ وَصَوْنِ الْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ الِاسْتِعْدَادُ وَسِيلَةَ الْوَسِيلَةِ فَالذَّرَائِعُ الْمُفْضِيَةُ إلَى الْمُحَرَّمِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ.

(وَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ) مَا أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى سَدِّهِ وَمَنْعِهِ وَحَسْمِهِ وَلَهُ مَثَلٌ مِنْهَا حَفْرُ الْآبَارِ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى إهْلَاكِهِمْ فِيهَا وَمِنْهَا إلْقَاءُ السُّمِّ فِي أَطْعِمَتِهِمْ، وَمِنْهَا سَبُّ الْأَصْنَامِ عِنْدَ مَنْ يُعْلَمُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يَسُبُّ اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ سَبِّهَا.

(وَالْقِسْمُ الثَّانِي) مَا أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى عَدَمِ مَنْعِهِ وَأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ لَا تُسَدُّ وَوَسِيلَةٌ لَا تُحْسَمُ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ مِنْهَا زِرَاعَةُ الْعِنَبِ وَسِيلَةٌ إلَى الْخَمْرِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِالْمَنْعِ مِنْهَا خَشْيَةَ الْخَمْرِ وَمِنْهَا الْمُجَاوَرَةُ فِي الْبُيُوتِ وَسِيلَةٌ إلَى الزِّنَا وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِمَنْعِهَا خَشْيَةَ الزِّنَا.

(وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ هَلْ يُسَدُّ أَمْ لَا، وَلَهُ أَمْثِلَةٌ مِنْهَا بُيُوعُ الْآجَالِ وَهِيَ كَمَا قِيلَ تَصِلُ إلَى أَلْفِ مَسْأَلَةٍ كَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ إلَى شَهْرٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِخَمْسَةٍ قَبْلَ الشَّهْرِ فَاخْتَصَّ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -

<<  <  ج: ص:  >  >>