للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَمْوَالِ الْمُتَنَوِّعَةِ فِي الدَّفْعِ وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ الْقَضَاءَ إنَّمَا قُدِّرَ بِقَدْرِ الْمَتْرُوكِ مِنْ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ جَعَلَ تَرْكَ كُلِّ يَوْمٍ سَبَبًا لِوُجُوبِ صَوْمِ يَوْمٍ بَعْدَ رَمَضَانَ كَمَا قُدِّرَتْ قِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ بَعْدَ الْبُلُوغِ لِزَوَالِ الْجُنُونِ بِحَسَبِ قَدْرِ الْمُتْلَفَاتِ مَعَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ فِي زَمَانِ الصِّبَا وَالْجُنُونِ، وَكَذَلِكَ هَاهُنَا وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْحَائِضِ شَيْءٌ مِنْ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ رُتَبِ الْوَاجِبِ أَنْ يُؤْذَنَ فِي فِعْلِهِ وَهَذَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهَا فِي فِعْلِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا مَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهَا فِيهِ، وَأَمَّا قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ إنَّهُ وَاجِبٌ مُوَسَّعٌ فَهُوَ فِي بَادِي الرَّأْيِ يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُمْ مَحْذُورٌ لِعَدَمِ التَّضْيِيقِ وَعِنْدَ التَّحْقِيقِ يَبْطُلُ مَا قَالُوهُ بِسَبَبِ أَنَّ الْوَاجِبَ الْمُوَسَّعَ مِنْ شَرْطِهِ إمْكَانُ وُقُوعِهِ فِي أَوَّلِ أَزْمِنَةِ التَّوْسِعَةِ وَهَذِهِ مَمْنُوعَةٌ إجْمَاعًا إلَى زَمَنِ الطُّهْرِ فِي جَمِيعِ زَمَنِ الْحَيْضِ فَلَا يَصِحُّ فِي حَقِّهَا أَنَّهُ وَاجِبٌ مُوَسَّعٌ.

وَلَوْ صَحَّ مَا قَالُوهُ لَصَحَّ أَنْ يُقَالَ إنَّ الظُّهْرَ يَجِبُ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا فَإِنَّهَا تُفْعَلُ بَعْدَ الزَّوَالِ كَمَا تَفْعَلُ فِي الصَّوْمِ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّ رَمَضَانَ يَجِبُ مِنْ رَجَبٍ وُجُوبًا مُوَسَّعًا وَيُفْعَلُ بَعْدَ انْسِلَاخِ شَعْبَانَ كَمَا يُفْعَلُ الصَّوْمُ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ وَلَكِنْ هَذَا كُلُّهُ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَلَا يَصِحُّ مَا قَالُوهُ مِنْ الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ وَيَتَّضِحُ حِينَئِذٍ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ وَبَيْنَ صَوْمِ الْحَائِضِ أَنَّ الْوَاجِبَ الْمُوَسَّعَ يُمْكِنُ فِعْلُهُ فِي أَوَّلِ أَزْمِنَةِ التَّوْسِعَةِ وَهَذِهِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

لَا يُطْلَبُ عِنْدَ وُجُودِ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ الْإِتْلَافُ بِإِيقَاعِ الْغَرَامَةِ يَوْمَ الْإِتْلَافِ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الصَّبِيَّ خَالٍ عَنْ شَرْطِ التَّكْلِيفِ بِخِلَافِهَا فَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِيهَا إنَّهَا مُكَلَّفَةٌ بِاعْتِبَارِ اتِّصَافِهَا بِشَرْطِ التَّكْلِيفِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِيهِ إنَّهُ مُكَلَّفٌ بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ وَيَصِحُّ فِيهِمَا مَعًا أَنْ يُقَالَ تَرَتُّبُ الْعِوَضِ فِي ذِمَّتِهِمَا يَوْمَ وُجُودِ السَّبَبِ وَالْمُوجِبُ لِصِحَّةِ الْقَوْلِ بِتَرَتُّبِ الْعِوَضِ فِي ذِمَّتِهِمَا وَصِحَّةِ الْقَوْلِ بِتَكْلِيفِهَا دُونَهُ أَنَّ لَفْظَ التَّكْلِيفِ وَلَفْظَ التَّرْتِيبِ فِي الذِّمَّةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ اخْتِلَافُ عِبَارَاتٍ مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِبَارَاتٍ وَالِاعْتِبَارَاتُ أُمُورٌ وَضْعِيَّةٌ تَتْبَعُ الْمَقَاصِدَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ (وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ الْقَضَاءَ إنَّمَا قُدِّرَ بِقَدْرِ الْمَتْرُوكِ مِنْ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ جَعَلَ تَرْكَ يَوْمٍ سَبَبًا لِوُجُوبِ صَوْمِ يَوْمٍ بَعْدَ رَمَضَانَ إلَى قَوْلِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا مَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهَا فِيهِ) قُلْتُ إنْ أَرَادَ أَنَّهَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا إيقَاعُ الصَّوْمِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ فَذَلِكَ صَحِيحٌ وَقَدْ حَكَى هُوَ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنَّ الْوُجُوبَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِذِمَّتِهَا عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ وَهُوَ رَمَضَانُ فَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ لُزُومِ تَقَرُّرِ الْعِبَادَاتِ فِي الذِّمَمِ بِدَلِيلِ أَوَائِلِ إجْزَاءِ الْعِبَادَاتِ ذَوَاتِ الْأَجْزَاءِ الْمُرَتَّبَةِ مَعَ أَوَاخِرِ أَجْزَائِهَا فَإِنَّهُ لَا قَائِلَ بِأَنَّ الْوُجُوبَ إنَّمَا تَوَجَّهَ عَلَى الْمُكَلَّفِ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعِبَادَاتِ بِأَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهَا دُونَ سَائِرِ أَجْزَائِهَا ثُمَّ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ تَوَجَّهَ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ بِالْجُزْءِ الثَّانِي ثُمَّ كَذَلِكَ إلَى آخِرِ الْأَجْزَاءِ.

قَالَ (وَأَمَّا قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ إنَّهُ وَاجِبٌ مُوَسَّعٌ فَهُوَ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُمْ مَحْذُورٌ إلَى آخِرِ الْفَرْقِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الْإِحْرَامِ لِلدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ كَمَا هُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ مُشْكِلٌ وَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ كَالْكَلَامِ فِي أَثْنَائِهَا سَهْوًا فِي كَوْنِهِ لَا يُبْطِلُهَا وَلَا يُحْوِجُ لِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ لِلدُّخُولِ فِيهَا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ نَافِعٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَالسَّلَامُ فِي أَثْنَائِهَا قَدْ يَقَعُ مَعَ نِيَّةِ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ وَقَدْ لَا يَقَعُ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهِ وَلَيْسَتْ النِّيَّةُ إذَا وَقَعَتْ بِرَفْضٍ حَتَّى يُقَالَ إنَّ رَفْضَ الصَّلَاةِ يَقْتَضِي إبْطَالَهَا فَلِذَلِكَ أَحْوَجَ لِلتَّكْبِيرِ؛ لِأَنَّ مَنْ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ عِنْدَ سَلَامِهِ أَثْنَاءَهَا لَمْ يَقْصِدْ إبْطَالَهَا بَلْ إنَّمَا اعْتَقَدَ أَنَّ صَلَاتَهُ كَمُلَتْ فَأَتَى بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ وَهَذَا لَيْسَ رَفْضًا وَكَوْنُ جِنْسِ السَّلَامِ مُبْطِلًا لِلصَّلَاةِ إجْمَاعًا فَيَلْحَقُ بِذَلِكَ الْفَرْدِ بَقِيَّةُ صُوَرِهِ بِالْقِيَاسِ مَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ قِيَاسٌ بِلَا جَامِعٍ ضَرُورَةَ أَنَّ السَّلَامَ دُعَاءٌ وَالدُّعَاءُ لَا يُنَافِي الصَّلَاةَ فَلَمْ يَكُنْ جَعْلُهُ مُخْرِجًا مِنْ الصَّلَاةِ بِمَعْقُولِ الْمَعْنَى حَتَّى يَتَأَتَّى الْقِيَاسُ عَلَيْهِ.

وَالْقِيَاسُ بِلَا جَامِعٍ لَا يَصِحُّ وَكَوْنُ عَدَمِ الصِّحَّةِ إنَّمَا هِيَ فِي قِيَاسِ الْمَعْنَى وَهَذَا قِيَاسُ الشَّبَهِ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ قِيَاسَ الشَّبَهِ ضَعِيفٌ، وَقَدْ مَنَعَ الْقَاضِي شَيْخُ الْأُصُولِيِّينَ مِنْ أَنَّهُ حُجَّةٌ عَلَى أَنَّ السَّلَامَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ مُعَارَضٌ بِالْمُقْتَضَى لِإِكْمَالِ الصَّلَاةِ وَالْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهَا وَفِي آخِرِ الصَّلَاةِ هُوَ سَالِمٌ عَنْ هَذِهِ الْمُعَارَضَةِ فَافْتَرَقَا وَلَا قِيَاسَ مَعَ الْفَارِقِ وَكَوْنُ اللَّامِ فِي السَّلَامِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «تَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» لِلْعُمُومِ فَيَشْمَلُ السَّلَامَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ قَرِينَةَ السِّيَاقِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّامَ هَا هُنَا إنَّمَا أُرِيدَ بِهَا حَقِيقَةُ الْجِنْسِ الَّذِي هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ إلَى الْعُمُومِ؛ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ مَعَهُ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» مِنْ الطَّهُورِ وَالتَّكْبِيرِ الْمُحَلَّيَيْنِ بِاللَّامِ إنَّمَا أُرِيدَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا الْفَرْدُ الْمُقَارِنُ لِأَوَّلِ الصَّلَاةِ فَقَطْ فَلَا يَدْخُلُ فِيهَا بِفَرْدِ التَّكْبِيرِ الَّذِي فِي أَثْنَائِهَا فَكَذَلِكَ بِحَمْلِ السَّلَامِ عَلَى فَرْدِهِ الْمُقَارِنِ لِآخِرِ الصَّلَاةِ تَسْوِيَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قُرِنَ مَعَهُ وَلِأَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ لِلذِّهْنِ، وَلَوْ كَانَ السَّلَامُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ يُخْرِجُ مِنْ حُرُمَاتِ الصَّلَاةِ وَيُحْوِجُ لِلتَّكْبِيرِ لَبَطَلَ مَا مَضَى مِنْ الصَّلَاةِ وَابْتُدِئَتْ مِنْ أَوَّلِهَا، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ مَالِكٌ فِي السَّهْوِ أَلْبَتَّةَ فَلَمَّا لَمْ تَعُدْ الصَّلَاةُ مِنْ أَوَّلِهَا كَانَ الْمُصَلِّي فِي حُرُمَاتِ الصَّلَاةِ قَالَ الْأَصْلُ وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا أَجِدُ مَشْهُورَ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي أَنَّ السَّلَامَ سَهْوًا مُحْوِجٌ لِلتَّكْبِيرِ إلَّا مُشْكِلًا وَالْمُتَّجَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>