للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّ صَاحِبَهُ لَابِسٌ فِي صَلَاتِهِ مَا هُوَ مُبْطِلٌ لِصَلَاتِهِ بِالْإِجْمَاعِ فَقَدْ خَالَفَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ وَمَقْطُوعًا بِهِ فَلَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِخِلَافِ مَنْ لَا يَتَدَلَّكُ فِي غُسْلِهِ أَوْ لَمْ يُبَسْمِلْ لَمْ يُخَالِفْ مُجْمَعًا عَلَيْهِ وَلَا مَقْطُوعًا بِهِ بَلْ ظَاهِرًا مُحْتَمِلَ التَّأْوِيلِ فَأَيْنَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الْمُجْتَهِدُونَ فِي الثِّيَابِ الَّتِي اخْتَلَطَ طَاهِرُهَا بِنَجَسِهَا إذَا اخْتَلَفُوا وَهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ النَّجَاسَةَ مُبْطِلَةٌ لِلصَّلَاةِ إمَّا بِاجْتِهَادِهِمْ أَوْ بِاجْتِهَادِ إمَامٍ قَلَّدُوهُ لَا يُقَلِّدُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الْأَوَانِي بِعَيْنِهِ حَرْفًا بِحَرْفٍ.

(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) إنَاءٌ وَقَعَ فِيهِ رَوْثُ عُصْفُورٍ وَتَوَضَّأَ بِهِ مَالِكِيٌّ وَصَلَّى يَجُوزُ لِلشَّافِعِيِّ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَهُ وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ الشَّافِعِيَّ كَمَا لَا يَضُرُّهُ تَرْكُ الْمَالِكِيِّ الْبَسْمَلَةَ وَغَيْرَهَا مِمَّا يَعْتَقِدُهُ الشَّافِعِيُّ وَلَوْ اخْتَلَطَ هَذَا الْإِنَاءُ بِإِنَاءٍ طَاهِرٍ فَاجْتَهَدَ فِيهِ هَذَا الشَّافِعِيُّ مَعَ شَافِعِيٍّ آخَرَ لَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَقْتَدِيَ بِالْآخَرِ إذَا اخْتَلَفَا فِي الِاجْتِهَادِ وَلَوْ اجْتَمَعَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَاجْتَهَدَا فِي رَوْثِ الْعُصْفُورِ فَحَكَمَ مَالِكٌ بِطَهَارَتِهِ وَالشَّافِعِيُّ بِنَجَاسَتِهِ جَازَ لِلشَّافِعِيِّ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ مَالِكٍ إذَا تَوَضَّأَ بِالْمَاءِ الَّذِي هُوَ فِيهِ مَعَ تَعَيُّنِ رَوْثِ الْعُصْفُورِ فِي جِهَةِ الْإِمَامِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى يَجُوزُ الْمَأْمُومُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي إنَاءِ الْإِمَامِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ فَهُوَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ مِنْ أَنْ يُعَيِّنَ وَمَعَ ذَلِكَ فَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى امْتِنَاعِ التَّقْلِيدِ فِي الْإِنَاءَيْنِ إذَا اجْتَهَدَا فِي الطَّاهِرِ مِنْهُمَا دُونَ أَنْ يَتَعَيَّنَ فِي جِهَةِ الْإِمَامِ.

وَهَذَا أَيْضًا مِنْ أَشْكَلِ الْمَسَائِلِ وَجَوَابُهُ أَنَّ لِلشَّافِعِيَّيْنِ إذَا اجْتَهَدَا فِي الْإِنَاءَيْنِ فَهُمَا مُقَلِّدَانِ لِمَنْ يَعْتَقِدُ نَجَاسَةَ رَوْثِ الْعُصْفُورِ وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِي حَقِّ الشَّافِعِيِّ وَحَقِّ مَنْ قَلَّدَهُ مَا ظَهَرَ فِي اجْتِهَادِهِ فَالشَّافِعِيُّ يَعْتَقِدُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ الْآخَرَ قَدْ أَصَابَ فِي صَلَاتِهِ مَا هُوَ مُبْطِلٌ لِصَلَاتِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَمَنْ اعْتَقَدْنَا فِيهِ مُخَالَفَةَ الْإِجْمَاعِ لَا نُقَلِّدُهُ بِخِلَافِ صَلَاةِ هَذَا الشَّافِعِيِّ خَلْفَ الْمَالِكِيِّ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى فِي حَقِّ مَالِكٍ وَالْمَالِكِيِّ صِحَّةُ صَلَاتِهِ بِرَوْثِ الْعُصْفُورِ إجْمَاعًا وَأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ إجْمَاعًا بَلْ خَالَفَ قِيَاسًا مَظْنُونًا أَوْ ظَاهِرَ نَصٍّ غَيْرِ مَقْطُوعٍ بِهِ وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيُّ إذَا صَلَّى خَلْفَ مَالِكٍ وَعَلَيْهِ رَوْثُ عُصْفُورٍ أَوْ فِي مَائِهِ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ يَعْتَقِدُ أَنَّ مَالِكًا لَمْ يُخَالِفْ إجْمَاعًا وَلَا مَقْطُوعًا بِهِ بَلْ ظَاهِرَ قِيَاسٍ أَوْ ضَرْبًا مِنْ ضُرُوبِ الِاجْتِهَادِ فَجَازَ لَهُ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ بِخِلَافِ أَنْ يَكُونَ إمَامُهُ يَعْتَقِدُ مَا يَعْتَقِدُهُ مِنْ إبْطَالِ رَوْثِ الْعُصْفُورِ لِلصَّلَاةِ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْمَسَائِلَ وَهَذِهِ الْمَبَاحِثَ فَهِيَ كُلُّهَا دَائِرَةٌ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ مَنْ اعْتَقَدْنَا فِيهِ أَنَّهُ خَالَفَ مَقْطُوعًا بِهِ لَمْ يَجُزْ لَنَا تَقْلِيدُهُ وَإِنْ لَمْ نَعْتَقِدْ فِيهِ ذَلِكَ جَازَ لَنَا تَقْلِيدُهُ وَالصَّلَاةُ خَلْفَهُ وَهُوَ رُوحُ الْفَرْقِ وَهُوَ فَرْقٌ جَيِّدٌ جِدًّا وَلَكِنْ بَعْدَ التَّأَمُّلِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ وَهُوَ أَجْلَى مِنْ قَوْلِنَا إنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى قِلَّةِ الْجَمَاعَاتِ أَوْ كَثْرَتِهَا.

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

مُرَتَّبَةً عَقْدًا بَعْدَ عَقْدٍ وَحَالَ مَا إذَا عَقَدَ عَلَيْهِنَّ عَقْدًا وَاحِدًا فَالِاحْتِمَالَاتُ الْمُسْتَوِيَةُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ لَيْسَتْ فِي الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى الْحُكْمِ حَتَّى يَقْدَحَ فِي الدَّلَالَةِ بَلْ هِيَ فِي مَحَلِّ الْحُكْمِ وَالِاحْتِمَالَاتُ الْمُسْتَوِيَةُ فِي مَحَلِّ الْحُكْمِ لَا تَقْدَحُ فِي الدَّلَالَةِ فَمِنْ هُنَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَهُ الْخِيَارُ فِي الْحَالَيْنِ بِلَا فَرْقٍ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى مِنْ الْمُؤَخَّرَاتِ لِفَسَادِ عُقُودِهِنَّ بَعْدَ أَرْبَعِ عُقُودٍ فَإِنَّ عَقْدَ الْخَامِسَةِ وَمَا فَوْقَهَا بَاطِلٌ وَالْخِيَارُ فِي الْبَاطِلِ لَا يَجُوزُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَوْ أَرَادَ أَحَدَ الْحَالَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى لَاسْتَفْصَلَ غَيْلَانُ عَنْ ذَلِكَ وَحَيْثُ لَمْ يَسْتَفْصِلْ وَالْأَصْلُ عَدَمُ عِلْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَالَةِ غَيْلَانَ وَهُوَ فِي مَقَامِ تَقْرِيرِ قَاعِدَةٍ كُلِّيَّةٍ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ وَمَنْ كَانَ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ شَأْنُهُ الْبَيَانُ وَالْإِيضَاحُ كَانَ أَبَيْنَ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ الْحَالَيْنِ سَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ.

٢ -

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ لَيْسَ فِي جَوَابِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْوُضُوءِ بِنَبِيذِ التَّمْرِ فَقَالَ «تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ» احْتِمَالُ مَا فِي مَحَلِّ الْحُكْمِ بَلْ وَلَا فِيهِ احْتِمَالَاتٌ مُتَسَاوِيَةٌ كَمَا قِيلَ فِي نَفْسِ الدَّلِيلِ حَتَّى يَدَّعِيَ سُقُوطَ اسْتِدْلَالِ الْحَنَفِيَّةُ بِهِ عَلَى جَوَازِ الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ بَعْدَ تَغَيُّرِهِ بِالتَّمْرِ إذْ لَا شَكَّ كَمَا قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ أَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَرَادَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ أَصْلَ النَّبِيذِ تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ وَأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ مِنْ الطِّيبِ وَالطَّهُورِيَّةِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا سُئِلَ عَنْ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ وَالنَّبِيذُ اسْمٌ لِلْمَاءِ الْمُسْتَنْقَعِ فِيهِ التَّمْرُ حَتَّى يَتَغَيَّرَ حَقِيقَةً أَمَّا قَبْلَ التَّغَيُّرِ فَلَا يُسَمَّى نَبِيذًا إلَّا مَجَازًا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَئُولُ إلَى ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ عَلَى الشَّارِعِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - أَنْ يُسْأَلَ عَنْ شَيْءٍ ثُمَّ لَا يُجِيبَ عَنْهُ وَلَا أَنْ يُخْبِرَ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ فَالْوَاجِبُ حِينَئِذٍ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ تَوَضَّأْ بِالنَّبِيذِ الَّذِي لَيْسَ هُوَ إلَّا الْمُتَغَيِّرُ لَكِنْ لَا بِاللَّفْظِ بَلْ بِاقْتِضَاءِ الْمُسَاقِ وَضَرُورَةِ حَمْلِ كَلَامِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْفَائِدَةِ وَعَلَى جَوَابٍ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قِيلَ إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّغَيُّرِ وَلَا لِعَدَمِهِ بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ وَصْفَيْ الْمُجْتَمِعَيْنِ اهـ.

٢ -

(التَّنْبِيهُ الثَّانِي) لَيْسَ الِاحْتِمَالَانِ فِي تَقْدِيرِ مُتَعَلِّقِ إلَيْك فِي «قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَجِّ الْخَيْرُ كُلُّهُ بِيَدَيْك وَالشَّرُّ لَيْسَ إلَيْك» أَعْنِي تَقْدِيرَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالشَّرُّ لَيْسَ مَنْسُوبًا إلَيْك وَتَقْدِيرَ الْأَشْعَرِيَّةِ وَالشَّرُّ لَيْسَ قُرْبَةً إلَيْك بِمُسْتَوِيَيْنِ حَتَّى يُقَالَ بِسُقُوطِ

<<  <  ج: ص:  >  >>