للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُفِيدُ الطَّلَاقَ بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ بِخِلَافِ الْكِنَايَاتِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إنَّمَا يُفِيدُ ذَلِكَ بِالْوَضْعِ الْعُرْفِيِّ، وَهَذَا اللَّفْظُ إنَّمَا وُضِعَ لُغَةً لِلْخَبَرِ عَنْ كَوْنِهَا طَالِقًا وَهُوَ لَوْ أَخْبَرَ عَنْ كَوْنِهَا طَالِقًا لَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقٌ قَصَدَ الْكَذِبَ أَوْ الصِّدْقَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَقَدَّمَ طَلَاقُهَا فَسَأَلَ عَنْهَا هَلْ هِيَ مُطَلَّقَةٌ أَوْ بَاقِيَةٌ فِي الْعِصْمَةِ فَقَالَ هِيَ طَالِقٌ جَوَابًا لِهَذَا السُّؤَالِ لَمْ يَلْزَمْهُ بِهَذَا طَلْقَةٌ ثَانِيَةٌ وَإِنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً فِي الْعِدَّةِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الطَّلَاقُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ بِالْإِنْشَاءِ الَّذِي هُوَ وَضْعٌ عُرْفِيٌّ لَا لُغَوِيٌّ أَلَا تَرَى أَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ الطَّاءُ وَاللَّامُ وَالْقَافُ مَوْضُوعَةٌ فِي اللُّغَةِ لِإِزَالَةِ مُطْلَقِ الْقَيْدِ، يُقَالُ لَفْظٌ مُطْلَقٌ وَوَجْهٌ طَلْقٌ وَحَلَالٌ طَلْقٌ وَأُطْلِقَ فُلَانٌ مِنْ الْحَبْسِ وَانْطَلَقَتْ بَطْنُهُ وَإِزَالَةُ قَيْدِ الْعِصْمَةِ أَحَدُ أَنْوَاعِ الْقَيْدِ، فَكَانَ يَنْبَغِي إذَا أَتَى اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى إزَالَةِ الْقَيْدِ الْعَامِّ الْمُطْلَقِ أَنْ يَزُولَ الْخَاصُّ كَمَا إذَا زَالَ الْحَيَوَانُ زَالَ الْإِنْسَانُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ فَرَّقَ الْفُقَهَاءُ بَيْنَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَبَيْنَ قَوْلِهِ أَنْتِ مُنْطَلِقَةٌ، وَأَلْزَمُوا بِالْأَوَّلِ الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، وَلَمْ يُلْزِمُوا بِالثَّانِي إلَّا بِالنِّيَّةِ وَلَمْ يَكْتَفُوا بِالْوَضْعِ الْأَوَّلِ، وَمَا ذَلِكَ إلَّا أَنَّ لَفْظَ طَالِقٍ نُقِلَ لِلْإِنْشَاءِ وَلَمْ يُنْقَلْ مُنْطَلِقَةٌ لَهُ، فَلَوْ اتَّفَقَ زَمَانٌ يَنْعَكِسُ الْحَالُ فِيهِ وَيَصِيرُ مُنْطَلِقَةٌ مَوْضُوعًا لِلْإِنْشَاءِ وَطَالِقٌ مَهْجُورًا لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا عَلَى النُّدْرَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلَاقُ بِطَالِقٍ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَأَلْزَمْنَاهُ بِمُنْطَلِقَةٍ بِغَيْرِ نِيَّةٍ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

يُفِيدُ الطَّلَاقَ بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ بِخِلَافِ الْكِنَايَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إنَّمَا يُفِيدُ ذَلِكَ بِالْوَضْعِ الْعُرْفِيِّ، وَهَذَا اللَّفْظُ إنَّمَا وُضِعَ لُغَةً لِلْخَبَرِ عَنْ كَوْنِهَا طَالِقًا، وَهُوَ إذَا أَخْبَرَ عَنْ كَوْنِهَا طَالِقًا لَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقٌ قَصَدَ الْكَذِبَ أَوْ الصِّدْقَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَقَدَّمَ طَلَاقُهَا فَسَأَلَ عَنْهَا هَلْ هِيَ مُطَلَّقَةٌ أَوْ بَاقِيَةٌ فِي الْعِصْمَةِ فَقَالَ هِيَ طَالِقٌ جَوَابًا لِهَذَا السُّؤَالِ لَمْ يَلْزَمْهُ بِهِ طَلْقَةٌ ثَانِيَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً فِي الْعِدَّةِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الطَّلَاقُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ بِالْإِنْشَاءِ الَّذِي هُوَ وَضْعٌ عُرْفِيٌّ لَا لُغَوِيٌّ أَلَا تَرَى أَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ الطَّاءُ وَاللَّامُ وَالْقَافُ مَوْضُوعَةٌ فِي اللُّغَةِ لِإِزَالَةِ مُطْلَقِ الْقَيْدِ، يُقَالُ لَفْظٌ مُطْلَقٌ وَوَجْهٌ طَلْقٌ وَحَلَالٌ طَلْقٌ وَأُطْلِقَ فُلَانٌ مِنْ الْحَبْسِ وَانْطَلَقَ بَطْنُهُ وَإِزَالَةُ قَيْدِ الْعِصْمَةِ أَحَدُ أَنْوَاعِ الْقَيْدِ فَكَانَ يَنْبَغِي إذَا أَتَى اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى إزَالَةِ الْقَيْدِ الْعَامِّ الْمُطْلَقِ أَنْ يَزُولَ الْخَاصُّ كَمَا إذَا زَالَ الْحَيَوَانُ زَالَ الْإِنْسَانُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ فَرَّقَ الْفُقَهَاءُ بَيْنَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَبَيْنَ قَوْلِهِ أَنْتِ مُنْطَلِقَةٌ فَأَلْزَمُوا بِالْأَوَّلِ الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، وَلَمْ يُلْزِمُوا بِالثَّانِي إلَّا بِالنِّيَّةِ وَلَمْ يَكْتَفُوا بِالْوَضْعِ) .

قُلْت: لَا نُسَلِّمُ لَهُ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ عِبَارَةٌ عَنْ إزَالَةِ مُطْلَقِ الْقَيْدِ بَلْ الظَّاهِرُ مِنْ اللُّغَةِ أَنَّهُ لَفْظٌ مَوْضُوعٌ فِيهَا لِإِزَالَةِ قَيْدِ عِصْمَةِ النِّكَاحِ أَوْ لِلْإِخْبَارِ عَنْ ذَلِكَ، وَمَا اُسْتُدِلَّ بِهِ مِنْ أَنَّ لَفْظَ الطَّاءِ وَاللَّامِ وَالْقَافِ مَوْضُوعَةٌ فِي اللُّغَةِ لِإِزَالَةِ مُطْلَقِ الْقَيْدِ لَا يَسْلَمُ أَيْضًا، وَهُوَ دَعْوَى ذَلِكَ هُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَ النُّحَاةِ بِالِاشْتِقَاقِ الْكَبِيرِ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ لَفْظَ أَنْتِ طَالِقٌ دَلَالَتُهُ عَلَى إنْشَاءِ إزَالَةِ قَيْدِ الْعِصْمَةِ عُرْفِيَّةٌ لَا لُغَوِيَّةٌ يُتَّجَهُ لِرُجْحَانِ دَعْوَى الْمَجَازِ عَلَى دَعْوَى الِاشْتِرَاكِ قَالَ (وَمَا ذَلِكَ إلَّا أَنَّ لَفْظَ طَالِقٌ نَقْلٌ لِلْإِنْشَاءِ وَلَمْ يَنْقُلْ مُنْطَلِقَةً لَهُ فَلَوْ اتَّفَقَ زَمَانٌ يَنْعَكِسُ الْحَالُ فِيهِ وَتَصِيرُ مُنْطَلِقَةً مَوْضُوعَةً لِلْإِنْشَاءِ، وَطَالِقٌ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا عَلَى النُّدْرَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلَاقُ بِطَالِقٍ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَأَلْزَمْنَاهُ بِمُنْطَلِقَةٍ بِغَيْرِ نِيَّةٍ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الطَّاءُ وَاللَّامُ وَالْقَافُ، وَإِنْ اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْفُقَهَاءِ لِشُمُولِهِ الِانْطِلَاقَ وَمَا اُشْتُقَّ مِنْهُ كَمُنْطَلِقَةٍ وَمَطْلُوقَةٍ وَهِيَ مُشْكِلٌ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْقَرَافِيِّ؛ لِأَنَّ الِانْطِلَاقَ وَإِنْ وَافَقَ لَفْظَ الطَّلَاقِ فِي تِلْكَ الْمَادَّةِ إلَّا أَنَّهُ لُغَةً بِمَعْنَى السَّيْرِ لَا بِمَعْنَى إزَالَةِ عِصْمَةِ النِّكَاحِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَلُزُومُ الطَّلَاقِ مُنْتَفٍ عَنْ الِانْطِلَاقِ لِمُغَايَرَةِ حَقِيقَةِ الطَّلَاقِ لِحَقِيقَةِ الِانْطِلَاقِ، فَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ أَنْتِ طَالِقٌ فَهُوَ إمَّا إخْبَارٌ عَنْ زَوَالِ الْعِصْمَةِ أَوْ إنْشَاءٌ لَهُ، وَإِذَا قَالَ أَنْتِ مُنْطَلِقَةٌ فَهُوَ إخْبَارٌ عَنْ الْمَسِيرِ وَيَسُوغُ اسْتِعْمَالُهُ إنْشَاءً لِلْأَمْرِ بِهِ إنْ قُلْنَا إنَّ اسْتِعْمَالَ الْأَلْفَاظِ الْخَبَرِيَّةِ فِي الْإِنْشَاءِ قِيَاسٌ، وَإِلَّا فَيَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى السَّمَاعِ وَالْمُتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ أَنَّ هَذَا الصَّرِيحَ يُفِيدُ الطَّلَاقَ بِالْوَضْعِ بِخِلَافِ الْكِنَايَةِ، وَهُوَ وَإِنْ أَمْكَنَ تَوَجُّهُهُ بِأَنَّ الطَّلَاقَ وَإِزَالَةَ الْعِصْمَةِ لَيْسَ أَمْرًا مُخْتَصًّا بِالشَّرِيعَةِ بَلْ الْعَرَبُ كَانَتْ تَنْكِحُ وَتُطَلِّقُ وَقَدْ كَانَتْ تُطَلِّقُ بِالظِّهَارِ، وَلَفْظُ الطَّلَاقِ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْعَرَبِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ فَتَكُونُ إزَالَةُ الْعِصْمَةِ بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ السَّابِقِ عَلَى الشَّرِيعَةِ لَا بِأَمْرٍ يَتَجَدَّدُ بَعْدَ الشَّرِيعَةِ إلَّا أَنَّ الْحَقَّ أَنَّهُ يُفِيدُ ذَلِكَ بِالْوَضْعِ الْعُرْفِيِّ لِوُجُوهٍ:.

(الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) رُجْحَانُ دَعْوَى الْمَجَازِ عَلَى دَعْوَى الِاشْتِرَاكِ.

(الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ إنَّمَا وُضِعَ لُغَةً لِلْخَبَرِ عَنْ كَوْنِهَا طَالِقًا وَهُوَ إذَا أَخْبَرَ عَنْ كَوْنِهَا طَالِقًا لَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقٌ قَصَدَ الْكَذِبَ أَوْ الصِّدْقَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَقَدَّمَ طَلَاقُهَا فَسَأَلَ عَنْهَا هَلْ هِيَ مُطَلَّقَةٌ أَوْ بَاقِيَةٌ فِي الْعِصْمَةِ فَقَالَ هِيَ طَالِقٌ جَوَابًا لِهَذَا السُّؤَالِ لَمْ يَلْزَمْهُ بِهِ طَلْقَةٌ ثَانِيَةٌ.

وَإِنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً فِي الْعِدَّةِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الطَّلَاقُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ بِالْإِنْشَاءِ الَّذِي هُوَ وَضْعٌ عُرْفِيٌّ لَا لُغَوِيٌّ.

(الْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّا وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الطَّلَاقَ وَإِزَالَةَ الْعِصْمَةِ كَانَا مَعْلُومَيْنِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ النَّبَوِيَّةِ عِنْدَ الْعَرَبِ إلَّا أَنَّا نَقُولُ الْإِنْشَاءَاتُ عِنْدَ الْعَرَبِ أَيْضًا تَتَقَدَّمُ عَلَى الشَّرِيعَةِ، وَتَكُونُ عُرْفِيَّةً أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْعَوَائِدَ قَدْ تَحْدُثُ مَعَ طُولِ الْأَيَّامِ بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّنَا أَمْ لَا فَالْجَاهِلِيَّةُ تَحْدُثُ لَهَا عَوَائِدُ كَمَا تَحْدُثُ لَنَا.

وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَسْتَعْمِلُ قَبْلَ الْبَعْثَةِ الرَّاوِيَةَ وَالْبَحْرَ وَالْغَائِطَ وَالْخَلَا وَمَعَ ذَلِكَ قَدْ نَصَّ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>