للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اعْلَمْ أَنَّ أَسْبَابَ التَّكْلِيفِ وَشُرُوطَهُ وَانْتِفَاءَ مَوَانِعِهِ لَا يَجِبُ تَحْصِيلُهَا إجْمَاعًا إنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ إيقَاعُ الْوَاجِبِ بَعْدَ وُجُوبِهِ، وَفِيهِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ ثَالِثُهَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَسْبَابِ فَتَجِبُ دُونَ غَيْرِهَا فَلَا تَجِبُ أَمَّا مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوُجُوبُ فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِوُجُوبِ تَحْصِيلِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ أَنْ يُحَصِّلَ نِصَابًا حَتَّى تَجِبَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ وُجُوبِهَا وَلَا يُوفِيَ الدَّيْنَ لِغَرَضِ أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّهُ مَانِعٌ مِنْهَا، وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِقَامَةُ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ؛ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ شَرْطٌ فِي وُجُوبِهِ هَذَا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ إنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ إيقَاعُ الْوَاجِبِ بَعْدَ وُجُوبِهِ وَتَقْتَضِي هَذِهِ الْقَاعِدَةُ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْنَا الْفَحْصُ عَنْ أَسْبَابِ الصَّلَوَاتِ وَلَا أَسْبَابِ وُجُوبِ الصَّوْمِ وَجَمِيعِ الْوَاجِبَاتِ غَيْرَ أَنَّ الْوَاجِبَاتِ انْقَسَمَتْ قِسْمَيْنِ قِسْمٌ يَجِبُ فِيهِ الْفَحْصُ، وَقِسْمٌ لَا يَجِبُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَاعِدَةٌ تَخُصُّهُ.

وَتَحْرِيرُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَالضَّابِطُ لَهُمَا أَنَّ الْوَاجِبَ تَارَةً يَقْتَضِي الْحَالُ فِيهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ طَرَيَان سَبَبِهِ وَتَرَتُّبِ التَّكَالِيفِ عَلَيْهِ جَزْمًا لَا مَحِيدَ عَنْهُ كَالزَّوَالِ وَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي الْوُجُودِ.

وَيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ وُجُودُ الْفِعْلِ قَطْعًا فَهَذَا يَجِبُ الْفَحْصُ عَنْهُ كَانَ شَرْطًا أَوْ سَبَبًا بِسَبَبِ أَنَّهُ لَوْ أُهْمِلَ لَوَقَعَ التَّكْلِيفُ.

وَالْمُكَلَّفُ غَافِلٌ عَنْهُ فَيَعْصِي بِتَرْكِ الْوَاجِبِ بِسَبَبِ إهْمَالِهِ، وَهُوَ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ وَلَا عُذْرَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فَهَذَا هُوَ ضَابِطُ مَا يَجِبُ الْفَحْصُ عَنْهُ كَانَ شَرْطًا أَوْ سَبَبًا مِنْ أَسْبَابِ الْوُجُوبِ، وَمِنْهُ أَوْقَاتُ الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا وَهِلَالُ رَمَضَانَ وَهِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ عَلَى مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَهِلَالُ شَوَّالٍ لِوُجُوبِ الْفِطْرِ وَإِخْرَاجِ زَكَاتِهِ وَأَيَّامُ الرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ، وَمِنْ ذَلِكَ مَنْ نَذَرَ يَوْمًا مُعَيَّنًا أَوْ شَهْرًا مُعَيَّنًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَفْحَصَ عَنْ هِلَالِ ذَلِكَ الشَّهْرِ وَتَحَرِّي ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يُوقِعَ ذَلِكَ الْوَاجِبَ وَلَا يَتَعَدَّاهُ فَيَعْصِيَ بِالْإِهْمَالِ مَعَ إمْكَانِ الضَّبْطِ لَهُ.

وَمِنْ ذَلِكَ قَضَاءُ رَمَضَانَ يَسُدُّ فِي بَقِيَّةِ الْعَامِ إلَى شَعْبَانَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ إذَا أَخَّرَ أَنْ يَتَفَقَّدَ الْأَهِلَّةَ لِئَلَّا يَدْخُلَ شَعْبَانُ وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِهِ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى ضَيَاعِ الْقَضَاءِ عَنْ وَقْتِهِ.

أَمَّا مَا لَا يَتَعَيَّنُ وُقُوعُهُ مِنْ الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالظُّرُوفِ الْوَاجِبَاتِ فَلَا يَجِبُ الْفَحْصُ عَنْهُ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ الْأَصْلُ عَدَمُ طَرَيَانِهِ لِأَجْلِ عَدَمِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

أَشْيَاءَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى مَا هُوَ مِنْ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ؛ لِأَنَّ فُرُوضَ الْكِفَايَاتِ لَا تَخُصُّ كُلَّ مُكَلَّفٍ وَلَا تَتَوَجَّهُ عَلَى مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ بِخِلَافِ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الْمُتَطَهِّرَ يَنْوِي رَفْعَ الْحَدَثِ أَيْ يَنْوِي بِفِعْلِهِ ارْتِفَاعَ ذَلِكَ الْمَنْعِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ الرَّفْعَ كَمَا يَرْتَفِعُ تَحْرِيمُ الْأَجْنَبِيَّةِ بِالْعَقْدِ عَلَيْهَا وَتَحْرِيمُ الْمُطَلَّقَةِ بِالرَّجْعَةِ وَتَحْرِيمُ الْمَيْتَةِ بِالِاضْطِرَارِ وَأَمَّا رَفْعُ تِلْكَ الْفَضَلَاتِ الْخَارِجَةِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ بِالْوُضُوءِ فَمُتَعَذِّرٌ بِالضَّرُورَةِ فَالْحَدَثُ الَّذِي أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى رَفْعِهِ بِالطَّهَارَةِ هُوَ الْمَنْعُ مِنْ الْإِقْدَامِ عَلَى الصَّلَاةِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالْمَمْنُوعُ مِنْ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا هُوَ الْمُكَلَّفُ لَا أَنَّ الْعُضْوَ هُوَ الْمَمْنُوعُ مِنْ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا وَالْمَنْعُ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ بَاقٍ وَلَوْ غَسَلَ جَمِيعَ الْأَعْضَاءِ إلَّا لُمْعَةً وَاحِدَةً فَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْحَدَثَ يَرْتَفِعُ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ بِانْفِرَادِهِ غَيْرُ مَعْقُولٍ وَتَخْرِيجُ مَسْأَلَةِ الْخُفِّ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ لَا يَصِحُّ وَقِيَاسُ ارْتِفَاعِ الْمَنْعِ بِغُسْلِ الرِّجْلِ عَنْ الْمُكَلَّفِ بِاعْتِبَارِ لُبْسِ الْخُفِّ خَاصَّةً وَيَبْقَى الْمُكَلَّفُ مَمْنُوعًا مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى ارْتِفَاعِ الْجَنَابَةِ بِوُضُوءِ النَّوْمِ لِلْجُنُبِ بِاعْتِبَارِ النَّوْمِ خَاصَّةً وَيَبْقَى الْمُكَلَّفُ مَمْنُوعًا مِنْ الصَّلَاةِ لَا يَصِحُّ بِوُجُوهٍ.

الْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَنَّ قَوْلَهُمْ الْحَدَثُ يَرْتَفِعُ عَنْ عُضْوٍ وَحْدَهُ لَمْ يُخَصِّصُوا بِهِ الرِّجْلَ بَلْ عَمَّمُوهُ فِي جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ غَسْلَ الْوَجْهِ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ بِاعْتِبَارِ خُفٍّ وَلَا غَيْرِهِ وَكَذَا الْيَدَانِ وَالرَّأْسُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثُ بِاعْتِبَارِ شَيْءٍ.

الْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْوُضُوءَ إنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ يَرْفَعُ الْجَنَابَةَ بِاعْتِبَارِ الْيَوْمِ خَاصَّةً لِوُرُودِ النَّصِّ فِيهِ وَرَفْعُ الْحَدَثِ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ وَحْدَهُ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ تَعَبُّدِيَّةٌ وَمَعَ التَّعَبُّدِ لَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّ الْأُمُورَ الَّتِي عَلَّلُوا بِهَا رَفْعَ وُضُوءِ النَّوْمِ لِلْجَنَابَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّوْمِ خَاصَّةً كُلُّهَا لَا تَصِحُّ وَعَلَى فَرْضِ صِحَّتِهَا فَلَيْسَتْ مَوْجُودَةً فِي كُلِّ عُضْوٍ وَحْدَهُ.

الْوَجْهُ الرَّابِعُ أَنَّ الْوُضُوءَ إنَّمَا رَفَعَ الْجَنَابَةَ بِاعْتِبَارِ النَّوْمِ عَنْ الْمُكَلَّفِ لَا عَنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَظَهَرَ أَنَّ الْقَوْلَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ بِانْفِرَادِهِ قَوْلٌ بَاطِلٌ وَإِنَّمَا يَصِحُّ أَنْ لَوْ ثَبَتَتْ الْإِبَاحَةُ عَقِيبَهُ لَكِنَّ الْمَنْعَ بَاقٍ إجْمَاعًا فَالْحَدَثُ بَاقٍ وَإِنَّ الْقَوْلَ بِثُبُوتِ الْحَدَثِ فِي الْأَعْضَاءِ وَفِي كُلِّ عُضْوٍ وَحْدَهُ قَوْلٌ بَاطِلٌ أَيْضًا لِأَنَّ الْحَدَثَ هُوَ الْمَنْعُ الشَّرْعِيُّ عَنْ مُلَابَسَةِ الصَّلَاةِ وَالْعُضْوُ لَيْسَ مَمْنُوعًا مِنْ الصَّلَاةِ الْمَمْنُوعُ هُوَ الْمُكَلَّفُ فَلَا مَعْنَى لِثُبُوتِ الْمَنْعِ عَلَى الْعُضْوِ وَحْدَهُ.

(وَصْلٌ) يُسْتَفَادُ مِنْ الْبَحْثِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ بَاطِلٌ قَطْعًا وَذَلِكَ أَنَّ الْحَدَثَ هُوَ الْمَنْعُ الشَّرْعِيُّ مِنْ الصَّلَاةِ وَهَذَا الْحَدَثُ الَّذِي هُوَ الْمَنْعُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُكَلَّفِ وَهُوَ بِالتَّيَمُّمِ قَدْ أُبِيحَتْ لَهُ الصَّلَاةُ إجْمَاعًا وَارْتَفَعَ الْمَنْعُ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ لَا مَنْعَ مَعَ الْإِبَاحَةِ فَإِنَّهُمَا ضِدَّانِ وَالضِّدَّانِ لَا يَجْتَمِعَانِ إجْمَاعًا وَإِذَا كَانَتْ الْإِبَاحَةُ ثَابِتَةً قَطْعًا وَالْمَنْعُ مُرْتَفِعٌ قَطْعًا كَانَ التَّيَمُّمُ رَافِعًا لِلْحَدَثِ قَطْعًا «وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحَسَّانَ لَمَّا تَيَمَّمَ وَصَلَّى بِالنَّاسِ أَصْلَيْت بِأَصْحَابِك وَأَنْتَ جُنُبٌ» لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ لِأَنَّهُ وَإِنْ سَمَّاهُ جُنُبًا مَعَ التَّيَمُّمِ إلَّا أَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الِاسْتِفْهَامِ لِلِاسْتِطْلَاعِ عَلَى مَا عِنْدَ الْمَسْئُولِ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>