للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أُمُورٍ

أَحَدُهَا أَنَّ الْكَلَامَ فِي هَذَا إنَّمَا وَقَعَ فِيمَنْ بَعُدَ عَنْ الْكَعْبَةِ أَمَّا مَنْ قَرُبَ فَإِنَّ فَرْضَهُ اسْتِقْبَالُ السَّمْتِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَاَلَّذِي بَعُدَ لَا يَقُولُ أَحَدٌ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَيْهِ اسْتِقْبَالَ عَيْنِ الْكَعْبَةِ وَمُقَابَلَتَهَا وَمُعَايَنَتَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ بَلْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَبْذُلَ جَهْدَهُ فِي تَعْيِينِ جِهَةٍ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْكَعْبَةَ وَرَاءَهَا، وَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ بَعْدَ بَذْلِ الْجَهْدِ فِي الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْكَعْبَةِ أَنَّهَا وَرَاءَ الْجِهَةِ الَّتِي عَيَّنَتْهَا أَدِلَّتُهُ، وَجَبَ عَلَيْهِ اسْتِقْبَالُهَا إجْمَاعًا فَصَارَتْ الْجِهَةُ مُجْمَعًا عَلَيْهَا وَالسَّمْتُ الَّذِي هُوَ الْعَيْنُ وَالْمُعَايَنَةُ مُجْمَعٌ عَلَى عَدَمِ التَّكْلِيفِ بِهِ، وَإِذَا كَانَ الْإِجْمَاعُ فِي الصُّورَتَيْنِ فَأَيْنَ يَكُونُ الْخِلَافُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

وَإِذَا كَانَ الْإِجْمَاعُ فِي الصُّورَتَيْنِ فَأَيْنَ يَكُونُ الْخِلَافُ) قُلْت أَمَّا مُعَايِنُ الْكَعْبَةِ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ فَرْضَهُ اسْتِقْبَالُ سَمْتِهَا كَمَا ذَكَرَ.

وَأَمَّا غَيْرُ الْمُعَايِنِ فَنَقْلُ الْخِلَافِ فِيهِ مَعْرُوفٌ هَلْ فَرْضُهُ اسْتِقْبَالُ السَّمْتِ كَالْمُعَايِنِ أَمْ فَرْضُهُ اسْتِقْبَالُ الْجِهَةِ وَظَاهِرُ الْمَنْقُولِ عَنْ الْقَائِلِينَ بِالسَّمْتِ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمُسْتَقْبِلَ لِلْكَعْبَةِ فَرْضُهُ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ قُدِّرَ خُرُوجُ خَطٍّ مُسْتَقِيمٍ عَلَى زَوَايَا قَائِمَةٍ مِنْ بَيْنِ عَيْنَيْهِ نَافِذًا إلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ لَمَرَّ بِالْكَعْبَةِ قَاطِعًا لَهَا لَا أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنَّ فَرْضَهُ اسْتِقْبَالُ عَيْنِهَا وَمُعَايَنَتُهَا فَإِنَّ ذَلِكَ كَمَا قَالَ مِنْ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ وَلَا قَائِلَ بِهِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ مُرَادُهُمْ يَلْزَمُ مِنْهُ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ إذْ فِيهِ تَكْلِيفُ الْمُعَايَنَةِ مَعَ عَدَمِهَا، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ فَالْخِلَافُ مُعْجَمٌ فِي الْجِهَةِ هَلْ هِيَ الْمَطْلُوبُ أَمْ لَا وَفِي السَّمْتِ هَلْ هُوَ الْمَطْلُوبُ أَمْ لَا، لَكِنَّ تَرْجِيحَ الْقَوْلِ بِالْجِهَةِ مِنْ الْإِجْمَاعِ عَلَى صِحَّةِ صَلَاةِ الصَّفِّ الْمُسْتَقِيمِ الطَّوِيلِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْمَوْضِعَيْنِ الْمُتَحَاذِيَيْنِ أَوْ الْمَوَاضِعِ، وَيُرَجَّحُ أَيْضًا بِأَنَّ التَّوَصُّلَ إلَى تَحْقِيقِ الْجِهَةِ مُتَيَسِّرٌ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ أَوْ أَكْثَرِهِمْ بِخِلَافِ التَّوَصُّلِ إلَى تَحْقِيقِ السَّمْتِ، وَالْحَنِيفِيَّةُ سَمْحَةٌ وَدِينُ اللَّه يُسْرٌ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

مِنْ تِلْكَ الْأَمْثَالِ.

وَأَمَّا إذَا عَقَدَ عَلَى صَاعٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِنْ جِنْسِ هَذِهِ الصُّبْرَةِ أَوْ عَلَى رِطْلٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِنْ جِنْسِ هَذَا الزَّيْتِ فَإِنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ يَكُونُ فِي الذِّمَّةِ فَلَهُ الْخُرُوجُ عَنْهُ بِأَيِّ مِثْلٍ شَاءَ مِنْ تِلْكَ الْأَمْثَالِ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُعَيَّنَاتُ لَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَمِ وَمَا فِي الذِّمَمِ لَا يَكُونُ مُعَيَّنًا بَلْ يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ فِيهِ بِوَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِنْ الْأُمُورِ الْكُلِّيَّةِ وَالْأَجْنَاسِ الْمُشْتَرَكَةِ فَيَقْبَلُ مَا لَا يَتَعَيَّنُ مِنْهَا الْبَدَلَ وَالْمُعَيَّنُ لَا يَقْبَلُ الْبَدَلَ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُحَالٌ.

وَأَمَّا فِي الصَّلَوَاتِ وَالزَّكَوَاتِ فَفِي قَاعِدَةِ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الِانْتِقَالِ إلَى الذِّمَّةِ تَعَذُّرَ الْمُعَيَّنِ وَالصَّلَاةُ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا فِعْلٌ لَا تَعَيُّنَ لَهَا مَا لَمْ تَقَعْ مِنْ أَدَاءِ الصَّلَوَاتِ الَّتِي لَمْ تَقَعْ مَعَ بَقَاءِ وَقْتِهَا وَقَضَاءُ الصَّلَوَاتِ الَّتِي لَمْ تَقَعْ مَعَ خُرُوجِ وَقْتِهَا يَكُونُ فِي الذِّمَّةِ إذْ لَا يَصِحُّ فِي الْفِعْلِ الَّذِي لَمْ يَقَعْ وَإِنْ تَعَيَّنَ بِتَعَيُّنِ وَقْتِهِ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا لِأَنَّ تَعَيُّنَهُ بِتَعَيُّنِ وَقْتِهِ لَا يَقْتَضِي جَعْلَهُ مُعَيَّنًا بِمَكَانِهِ وَسَائِرِ أَحْوَالِهِ وَالزَّكَاةُ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا حَقٌّ وَاجِبٌ فِي الْمَالِ الْمُعَيَّنِ لَا تَكُونُ إلَّا حَقًّا مُعَيَّنًا بِمَعْنَى أَنَّهُ جُزْءٌ لِمُعَيِّنٍ فَلَا تَكُونُ فِي الذِّمَّةِ مَا وُجِدَ نِصَابُهَا فَإِذَا تَلِفَ بِعُذْرٍ لَمْ يَنْتَقِلْ الْحَقُّ الْوَاجِبُ لِتَعَيُّنِهِ إلَى الذِّمَّةِ فَلَا يَضْمَنُ مَالِكُ النِّصَابِ حِينَئِذٍ نَصِيبَ الْفُقَرَاءِ وَإِذَا تَلِفَ بِغَيْرِ عُذْرٍ تَرَتَّبَ الْحَقُّ الْوَاجِبُ فِي الذِّمَّةِ فَيَضْمَنُ مَالِكُ النِّصَابِ حِينَئِذٍ نَصِيبَ الْفُقَرَاءِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الضَّمَانِ تَأَخُّرُ الْجَائِحَةِ عَنْ زَمَنِ الْوُجُوبِ فِي الزَّرْعِ أَوْ الثَّمَرَةِ مَثَلًا فَافْهَمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَصْلٌ) هَذَا الْفَرْقُ غَيْرُ مُطَّرِدٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ بَلْ خَالَفُوهُ فِي صُورَتَيْنِ.

الصُّورَةُ الْأُولَى قَوْلُهُمْ لَا يَتَعَيَّنُ النَّقْدَانِ بِالتَّعْيِينِ وَإِنَّمَا تَقَعُ الْمُعَامَلَةُ بِهِمَا عَلَى الذِّمَمِ وَإِنْ عُيِّنَتْ النُّقُودُ إلَّا أَنْ تَخْتَصَّ بِأَمْرٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْغَرَضُ كَشُبْهَةٍ فِي أَحَدِهِمَا أَوْ سِكَّةٍ رَائِجَةٍ دُونَ النَّقْدِ الْآخَرِ وَأَنَّهُ إذَا غَصَبَ غَاصِبٌ دِينَارًا مُعَيَّنًا فَلَهُ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَهُ مِثْلَهُ فِي الْمَحَلِّ وَيَمْنَعَ رَبَّهُ مِنْ أَخْذِ ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ الْمَغْصُوبِ مُعَلِّلِينَ بِأَنَّ خُصُوصَاتِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ لَا تَتَعَلَّقُ بِهَا الْأَغْرَاضُ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهَا فِي نَظَرِ الشَّرْعِ إذْ لَا يَعْتَبِرُ صَاحِبُ الشَّرْعِ إلَّا مَا فِيهِ نَظَرُهُ صَحِيحٌ وَيَرِدُ عَلَيْهِ سُؤَالَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ لَا تَكُونَ أَعْيَانُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ مَمْلُوكَةً أَيْضًا إذْ لَوْ كَانَتْ الْخُصُوصَاتُ مَمْلُوكَةً لَكَانَ لِصَاحِبِ الْمُعَيَّنِ الْمُطَالَبَةُ بِمِلْكِهِ وَأَخْذُهُ الْمُعَيَّنَ مِنْ الْغَاصِبِ وَالْمُشْتَرِي وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّ لِلْغَاصِبِ الْمَنْعَ مِنْ الْمُعَيَّنِ وَكَذَلِكَ الْمُشْتَرِي فِي الْعُقُودِ وَإِذَا لَمْ تُمْلَكْ أَعْيَانُ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ عِنْدَهُمْ لَمْ يَكُنْ الْمَمْلُوكُ إلَّا الْجِنْسَ الْكُلِّيَّ وَالْجِنْسُ الْكُلِّيُّ لَا يَصِحُّ أَنْ يُمْلَكَ أَمَّا عَلَى قَوْلِ نَافِيهِ فَظَاهِرٌ.

وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُثْبِتِهِ فَلِأَنَّهُ ذِهْنِيٌّ صِرْفٌ وَالذِّهْنِيُّ الصِّرْفُ لَا يَتَأَتَّى مِلْكُهُ فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ مَنْ مَلَكَ دِينَارًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ النُّقُودِ إمَّا أَنْ نَقْطَعَ بِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا عِنْدَ مَنْ يَنْفِي الْأَجْنَاسَ أَوْ يَقَعُ الشَّكُّ فِي أَنَّهُ مَلَكَهُ أَوْ لَمْ يَمْلِكْهُ عِنْدَ مَنْ يَشُكُّ فِي الْأَجْنَاسِ وَهَذَا كُلُّهُ خُرُوجٌ عَنْ الْمَعْقُولِ وَلَا شَكَّ فِي شَنَاعَتِهِ فَلَا وَجْهَ لِالْتِزَامِهِ وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ لِشَنَاعَتِهِ وَكَيْفَ يَسُوغُ لِعَاقِلٍ الْتِزَامُ مَا لَا يَصِحُّ وَلَا يُعْقَلُ قَالَهُ ابْنُ الشَّاطِّ.

قُلْتُ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ عَلَى مَا حَقَّقَهُ الْجَلَالُ الدَّوَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَنَّ الْجِنْسَ قَدْ يُعْتَبَرُ لَا بِشَرْطِ شَيْءٍ مِنْ تَشَخُّصٍ أَوْ كُلِّيَّةٍ فَيَتَحَقَّقُ أَفْرَادُهُ وَهُوَ الْحَقُّ كَمَا مَرَّ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ لَا يَظْهَرُ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ مَنْ مَلَكَ دِينَارًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ النُّقُودِ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا أَوْ يَقَعُ الشَّكُّ فِي مِلْكِهِ وَعَدَمِهِ بَلْ إنَّمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>