إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْجِهَةِ هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ وُجُوبَ الْوَسَائِلِ، وَأَنَّ النَّظَرَ فِيهَا إنَّمَا هُوَ لِتَحْصِيلِ عَيْنِ الْكَعْبَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِذَا أَخْطَأَ فِي الْجِهَةِ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَيْضًا أَنَّ الْوَسِيلَةَ إذَا لَمْ يَحْصُلْ مَقْصِدُهَا سَقَطَ اعْتِبَارُهَا وَالنَّظَرُ فِي الْجِهَةِ وَاجِبٌ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ، وَأَنَّ الْكَعْبَةَ لَمَّا بَعُدَتْ عَنْ الْأَبْصَارِ جِدًّا، وَتَعَذَّرَ الْجَزْمُ بِحُصُولِهَا جَعَلَ الشَّرْعُ الِاجْتِهَادَ فِي الْجِهَةِ هُوَ الْوَاجِبُ نَفْسُهُ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ دُونَ عَيْنِ الْكَعْبَةِ فَإِذَا اجْتَهَدَ ثُمَّ تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ.
وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ يَصِيرُ الْخِلَافُ فِي السَّمْتِ هَلْ يَجِبُ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ أَوْ لَا يَجِبُ أَلْبَتَّةَ لَا وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ وَلَا وُجُوبَ الْوَسَائِلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَسِيلَةً لِغَيْرِهِ قَوْلَانِ وَهَلْ تَجِبُ الْجِهَةُ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ أَمْ وُجُوبَ الْوَسَائِلِ قَوْلَانِ هَذَا هُوَ تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْجِهَةِ هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ وُجُوبَ الْوَسَائِلِ، وَأَنَّ النَّظَرَ فِيهَا إنَّمَا هُوَ لِتَحْصِيلِ عَيْنِ الْكَعْبَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا أَخْطَأَ فِي الْجِهَةِ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَيْضًا أَنَّ الْوَسِيلَةَ إذَا لَمْ يَحْصُلْ مَقْصِدُهَا سَقَطَ اعْتِبَارُهَا، وَالنَّظَرُ فِي الْجِهَةِ وَاجِبٌ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ، وَأَنَّ الْكَعْبَةَ لَمَّا بَعُدَتْ مِنْ الْأَبْصَارِ جِدًّا وَتَعَذَّرَ الْجَزْمُ بِحُصُولِهَا جَعَلَ الشَّرْعُ الِاجْتِهَادَ فِي الْجِهَةِ هُوَ الْوَاجِبُ نَفْسُهُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ دُونَ عَيْنِ الْكَعْبَةِ، فَإِذَا اجْتَهَدَ ثُمَّ تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ) قُلْت: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِالْخَطَأِ خَطَأَ عَيْنِ الْكَعْبَةِ لَا خَطَأَ الْجِهَةِ فَإِنَّ خَطَأَ الْجِهَةِ خَطَأُ الْمَقْصُودِ فَتَلْزَمُ الْإِعَادَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي خَطَأِ الْعَيْنِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ.
قَالَ: (فَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ يَصِيرُ الْخِلَافُ فِي السَّمْتِ هَلْ يَجِبُ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ أَوْ لَا يَجِبُ أَلْبَتَّةَ لَا وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ وَلَا وُجُوبَ الْوَسَائِلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَسِيلَةً لِغَيْرِهِ قَوْلَانِ وَهَلْ تَجِبُ الْجِهَةُ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ أَمْ وُجُوبَ الْوَسَائِلِ؟ قَوْلَانِ هَذَا هُوَ تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
سَقَطَتْ الصَّلَاةُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ فُعِلَتْ قَبْلَ طَرَيَان الْعُذْرِ وَلَا عِبْرَةَ بِمَا وُجِدَ مِنْ الْوَقْتِ فِي أَوَّلِهِ أَوْ وَسَطِهِ سَالِمًا مِنْ الْعُذْرِ وَكَذَلِكَ إذَا ذَهَبَ الْعُذْرُ آخِرَ الْوَقْتِ فَظَهَرَتْ الْحَائِضُ حِينَئِذٍ وَجَبَتْ الصَّلَاةُ وَلَا عِبْرَةَ بِوُجُودِ الْعُذْرِ أَوَّلَ الْوَقْتِ أَوْ وَسَطَهُ وَيَسْقُطُ مَا أَوْرَدَهُ الشَّافِعِيَّةُ عَلَيْهِمْ حَيْثُ وَافَقُوهُمْ فِي الشِّقِّ الثَّانِي وَخَالَفُوهُمْ فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ وَقَالُوا إنَّكُمْ مَعَاشِرَ الْمَالِكِيَّةِ أَجْمَعْتُمْ مَعَنَا عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ فِي الصَّلَاةِ وُجُوبٌ مُوَسَّعٌ مُتَعَلِّقٌ بِمُطْلَقٍ مِنْ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْقَامَةِ وَإِذَا وُجِدَ أَوَّلُ الْوَقْتِ فَقَدْ وُجِدَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ فِي ضِمْنِهِ وَهُوَ مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ وَسَبَبُهُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ كَالْحَيْضِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ وُجِدَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلصَّلَاةِ أَوَّلَ الْوَقْتِ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْوُجُوبُ فَإِذَا حَاضَتْ بَعْدَ ذَلِكَ حَاضَتْ بَعْدَ تَرَتُّبِ الْوُجُوبِ عَلَيْهَا فَتُقْضَى بِعُذْرٍ وَانْقِضَاءِ مُدَّةِ الْحَيْضِ وَأَنْتُمْ إذَا قُلْتُمْ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا بِذَلِكَ شَيْءٌ بَلْ إنَّمَا يُعْتَبَرُ آخِرُ الْوَقْتِ فِي طَرَيَان الْعُذْرِ وَزَوْلِهِ فَهَذَا مِنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقْتَضِي أَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْوُجُوبَ مُتَعَلِّقٌ بِآخِرِ الْوَقْتِ كَمَا قَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ مَعَ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ لَا تُسَاعِدُ عَلَى ذَلِكَ فَيَكُونُ مَذْهَبُ مَالِكٍ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ اعْتِبَارِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ وَعَدَمِ جَرْيِهِ عَلَى أَصْلِهِ فِي الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ مُشْكِلًا جِدًّا وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ مِنْ جِهَةِ اعْتِبَارِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ وَالْجَرْيُ عَلَى أَصْلِهِ فِي الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ سَالِمًا عَنْ الْإِشْكَالِ وَبَيَانُ سُقُوطِهِ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَالِكًا لَمْ يَعْتَبِرْ السَّبَبَ الْمُوجِبَ السَّالِمَ مِنْ الْمُعَارِضِ وَخَالَفَ أَصْلَهُ فِي الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ إذْ لَيْسَ كُلُّ سَبَبٍ كَذَلِكَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ بَلْ إنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ حَيْثُ كَانَ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ كَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ أَمَّا حَيْثُ كَانَ مَعَ التَّخْيِيرِ كَمَا هُنَا فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ إلَّا إذَا تَعَيَّنَ الْجُزْءُ الْأَخِيرُ مِنْ بَيْنِ أَجْزَاءِ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ الْمُخَيَّرِ فِيهَا بِفَوَاتِ مَا عَدَاهُ.
فَالْفَرْقُ فِي الشَّرْعِ وَاقِعٌ بَيْنَ وُجُودِ السَّبَبِ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ مَعَ عَدَمِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ أَفْرَادِهِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ لِتَحَقُّقِ شَرْطِ التَّرَتُّبِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ التَّخْيِيرِ كَمَا قُلْنَاهُ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَغَيْرِهِ وَبَيْنَ وُجُودِهِ مَعَ التَّخْيِيرِ فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ شَرْطِ التَّرَتُّبِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ التَّخْيِيرِ كَمَا قُلْنَاهُ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَلَهُ نَظَائِرُ فِي الشَّرِيعَةِ الْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ أَحَدُهَا إذَا بَاعَ صَاعًا وَاحِدًا مِنْ صُبْرَةٍ فَتَصَرَّفَ بِمُقْتَضَى التَّخْيِيرِ فِيمَا عَدَا الصَّاعَ الْوَاحِدَ بِبَيْعٍ مِنْ غَيْرِ مُشْتَرِي الصَّاعِ أَوْ نَحْوِهِ وَتَلِفَ الصَّاعُ الْبَاقِي بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَلَمْ يُنْقَلْ الصَّاعُ لِلذِّمَّةِ كَمَا لَوْ تَلِفَتْ الصُّبْرَةُ كُلُّهَا بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ ضَرُورَةَ أَنَّ الْعَقْدَ لَمَّا تَعَلَّقَ بِمُطْلَقِ صَاعٍ مِنْ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ صِيعَانِ الصُّبْرَةِ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ مُقْتَضَى التَّخْيِيرِ فِيمَا عَدَا الصَّاعَ الْوَاحِدَ كَانَتْ الْآفَةُ فِي الصَّاعِ الْوَاحِدِ حِينَئِذٍ كَالْآفَةِ فِي الْجَمِيعِ إذْ مِنْ حُجَّةِ الْبَائِعِ أَنْ يَقُولَ إنَّ تَسَلُّطِي بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ صِيعَانِ الصُّبْرَةِ فِي تَوْفِيَتِهِ يَنْفِي عَنِّي الْعُدْوَانَ فِيمَا تَعَدَّيْتُ فِيهِ فَلَا أَضْمَنُ.
وَالسِّرُّ فِي ذَلِكَ هُوَ التَّخْيِيرُ إذْ لَوْلَا التَّخْيِيرُ لَكَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقُولَ الْعَقْدُ اقْتَضَى مُطْلَقَ الصَّاعِ وَقَدْ وُجِدَ فِي صَاعٍ مِنْ الصِّيعَانِ الَّتِي تَعَدَّيْتُ عَلَيْهَا أَيُّهَا الْبَائِعُ وَمَنْ تَعَدَّى عَلَى الْمَبِيعِ ضَمِنَهُ فَيَلْزَمُك أَيُّهَا الْبَائِعُ الضَّمَانُ وَثَانِيهَا إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ فِي الْكَفَّارَةِ وَعِنْدَهُ رِقَابٌ فَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِالْعِتْقِ وَغَيْرِهِ فِيمَا عَدَا الْوَاحِدَ فَإِذَا تَصَرَّفَ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا