للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى تَقْدِيمِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِلْإِمَامَةِ وَهَذَا فِي ظَاهِرِ الْحَالِ لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ التَّقْدِيمِ فِي الصَّلَاةِ التَّقْدِيمُ فِي الْخِلَافَةِ.

وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ هُوَ الْمُتَعَيِّنُ لِلْخِلَافَةِ، وَلَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَتَّبِعُ مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ، وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فَعِنْدَ ذَلِكَ، وُكِّلَ الْأَمْرُ فِيهِ إلَى الِاجْتِهَادِ فَكَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُشِيرُ إلَى خِلَافَتِهِ بِالْإِيمَاءِ وَأَنْوَاعِ التَّكْرِيمِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِمَحَاسِنِهِ الَّتِي تُوجِبُ تَقْدِيمَهُ فَمِنْ ذَلِكَ تَقْدِيمُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الصَّلَاةِ «وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي مَرَضِ مَوْتِهِ يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُسْلِمُونَ إلَّا أَبَا بَكْرٍ» مُشِيرًا بِذَلِكَ إلَى أَنَّ مَنْ كَانَ مُتَعَيِّنًا لِلْخِلَافَةِ كَيْفَ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ لِلصَّلَاةِ فَمُرَادُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّك رَضِيَك النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِدِينِنَا الرِّضَا الْخَاصَّ الَّذِي تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْنَا أَنْ نَرْضَاك لِلْخِلَافَةِ.

وَلَيْسَ الْمُرَادُ مُطْلَقَ الرِّضَا بِحَيْثُ يَقْتَصِرُ عَلَى أَهْلِيَّتِهِ لِلْإِمَامَةِ فِي الصَّلَاةِ خَاصَّةً الثَّانِي أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَصَدَ بِذَلِكَ تَسْكِينَ الثَّائِرَةِ وَالْفِتْنَةِ وَرَدْعَ الْأَهْوَاءِ بِذِكْرِ حُجَّةٍ ظَاهِرَةٍ لِيَسْكُنَ لَهَا أَكْثَرُ النَّاسِ فَيَنْدَفِعَ الْفَسَادُ.

وَثَالِثُهَا أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُ عُمَرَ رَضِيَك النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِدِينِنَا عَلَى ظَاهِرِهِ وَتُجْعَلَ الْإِضَافَةُ عَلَى بَابِهَا مُوجِبَةً لِلْعُمُومِ كَمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ هُوَ اللُّغَةُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ فَجَعَلُوهَا مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ لُغَةً، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» فَكَانَ ذَلِكَ عَامًّا فِي جَمِيعِ مَاءِ الْبَحْرِ وَمَيْتَتِهِ بِسَبَبِ الْإِضَافَةِ فَفَهِمَ عُمَرُ مِنْ إشَارَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ الصِّدِّيقَ مَرْضِيٌّ لِجَمِيعِ حُرُمَاتِ الدِّينِ وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ أَحْوَالُ الْأُمَّةِ وَالنَّظَرُ فِي مَصَالِحِ الْمِلَّةِ فَإِنَّهُ مِنْ أَعَمِّ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى تَقْدِيمِهِ لِلْإِمَامَةِ، وَهَذَا فِي ظَاهِرِ الْحَالِ لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ التَّقْدِيمِ فِي الصَّلَاةِ التَّقْدِيمُ فِي الْخِلَافَةِ، وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ مِنْ وُجُوهٍ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

فَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ بِمِنًى عِنْدَ التَّوَجُّهِ لِعَرَفَةَ أَفْضَلُ مِنْهَا بِمَسْجِدِ مَكَّةَ وَإِنْ انْتَفَتْ عَنْهَا الْمُضَاعَفَةُ، وَمِنْهَا أَنَّ فِي الشَّعِيرِ مِنْ الْخَوَاصِّ الطَّيِّبَةِ مَا لَيْسَ فِي الْبُرِّ وَفِي الْخَوَاصِّ النَّافِعَةِ بِالْحَالِ وَغَيْرِهَا مَا لَيْسَ فِي الذَّهَبِ، وَمِنْهَا أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي الْمَدِينَةِ فَقِيرٌ عِنْدَهُ ابْنَةٌ حَسْنَاءُ أَوْ تُحْفَةٌ غَرِيبَةٌ لَيْسَتْ عِنْدَ مَلِكِهَا، وَمَجْمُوعُ مَا حَصَلَ لِلْمَلِكِ قَدْرُ مَا حَصَلَ لِذَلِكَ الْفَقِيرِ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَبِالْجُمْلَةِ فَبِسَبَبِ قَاعِدَةِ أَنَّ الْمَفْضُولَ يَجُوزُ أَنْ يَخْتَصَّ بِمَا لَيْسَ لِلْفَاضِلِ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَانْدَفَعَ التَّنَاقُصُ فِي مِثْلِ كَوْنِ الصَّلَاةِ أَفْضَلَ مِنْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمَا أَنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنْهُمَا دُونَهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَائِدَةٌ) ذَكَرَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ بْنُ أَحْمَدَ بَابَا التنبكتي فِي نَيْلِ الِابْتِهَاجِ آخِرَ تَرْجَمَةِ الْإِمَامِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْعَبْدُوسِيِّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الرَّصَّاعِ أَنَّ صَاحِبَ التَّرْجَمَةِ كَانَ يَقُولُ فِي مَجْلِسِهِ بِجَامِعِ الْقَصْرِ مِنْ تُونُسَ مِمَّا جُرِّبَ لِتَسْهِيلِ الرِّزْقِ وَالْأَمَانِ وَالتَّحَصُّنِ مِنْ آفَاتِ الزَّمَانِ أَنْ تَكْتُبَ فِي وَرَقَةٍ، وَيُجْعَلَ عَلَى الرَّأْسِ مَنَاقِبَ السَّادَاتِ الْكِرَامِ مِنْ الصَّحَابَةِ جَمَعَهُمْ مِنْ كُتُبٍ عَدِيدَةٍ أَثْنَى عَلَيْهِمْ سَيِّدُ الْمُرْسَلِينَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الرَّصَّاعُ: وَقَدْ قَيَّدْتهَا قَدِيمًا وَوَجَدْت لَهَا بَرَكَاتٍ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ.

قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهِيَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَحَبَّ أَبَا بَكْرٍ فَقَدْ أَقَامَ الدِّينَ وَمَنْ أَحَبَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَدْ أَوْضَحَ السَّبِيلَ وَمَنْ أَحَبَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَقَدْ اسْتَضَاءَ بِنُورِ اللَّهِ وَمَنْ أَحَبَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى أَلَا وَإِنَّ أَرْأَفَ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ وَإِنَّ أَقْوَاهُمْ صَلَابَةً فِي دِينِ اللَّهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَإِنَّ أَشَدَّهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَإِنَّ أَقْضَاهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَلِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيٌّ وَحَوَارِيِّي الزُّبَيْرُ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى شَهِيدٍ يَمْشِي عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَلْيَنْظُرْ إلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ مِنْ أَحْبَابِ الرَّحْمَنِ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ يَدُورُ مَعَ الْحَقِّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ تَاجِرُ اللَّهِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ أَمِينُ اللَّهِ وَمَا أَقَلَّتْ الْغَبْرَاءُ وَلَا أَظَلَّتْ الْخَضْرَاءُ أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنْ أَبِي ذَرٍّ. وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى زُهْدِ عِيسَى فَلْيَنْظُرْ إلَى زُهْدِ أَبِي ذَرٍّ وَإِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى لِرِضَا سَلْمَانَ وَيَسْخَطُ لِسُخْطِ سَلْمَانَ وَإِنَّ الْجَنَّةَ لَتَشْتَاقُ إلَى سَلْمَانَ أَشَدَّ مِنْ اشْتِيَاقِ سَلْمَانَ إلَى الْجَنَّةِ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ حَلِيمٌ وَحَلِيمُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ مِنْ أَصْفِيَاءِ الرَّحْمَنِ وَإِنَّ أَعْلَمَ النَّاسِ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَإِنَّ أَعْلَمَ النَّاسِ بِالْفَرَائِضِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَإِنَّ أَقْرَأَ أُمَّتِي أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ وَحَمْزَةُ أَسَدُ اللَّهِ وَأَسَدُ رَسُولِهِ. وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ سَيْفُ اللَّهِ وَسَيْفُ رَسُولِهِ وَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ذُو الْجَنَاحَيْنِ فِي الْجَنَّةِ يَطِيرُ بِهِمَا فِيهَا حَيْثُ يَشَاءُ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَبُوهُمَا خَيْرٌ مِنْهُمَا وَالْعَبَّاسُ عَمِّي وَصِنْوُ أَبِي وَرَضِيت لِأُمَّتِي مَا رَضِيَ لَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَصَوْتُ أَبِي طَلْحَةَ فِي الْجَيْشِ خَيْرٌ مِنْ مِائَةٍ أَوْ خَيْرٌ مِنْ فِئَةٍ وَلِكُلِّ نَبِيٍّ خَادِمٌ وَخَادِمِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَلِكُلِّ نَبِيٍّ خَلِيلٌ وَخَلِيلِي سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ فَارِسٌ وَفَارِسُ الْقُرْآنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ وَأَوَّلُ مَنْ يَقْرَعُ بَابَ الْجَنَّةِ بِلَالٌ وَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ يَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا أَبُو الدَّحْدَاحِ وَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ تُصَافِحُهُ الْمَلَائِكَةُ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ يَرِدُ حَوْضِي صُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ وَالْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ مِنْ الصِّدِّيقِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>