للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ قِبَلِ اللُّغَةِ حَتَّى يَثْبُتَ اللُّزُومُ مِنْ جِهَةِ الْعُرْفِ كَمَا فِي مُنْطَلِقَةٍ لَيْسَ فِيهِ إلَّا مُجَرَّدُ اللُّغَةِ فَلَا جَرَمَ لَا يَزَالُ يُنْفَى عَنْهُ اللُّزُومُ حَتَّى يَتَحَقَّقَ النَّقْلُ الْعُرْفِيُّ، وَيَظْهَرُ أَثَرُ هَذَا الْفَرْقِ فِيمَا يُتَنَازَعُ فِيهِ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ صَرِيحًا أَوْ كِنَايَةً، فَيَكُونُ الْحَقُّ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ هُوَ عَدَمُ اللُّزُومِ حَتَّى يُثْبِتَهُ النَّقْلُ الْعُرْفِيُّ فَلَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ قُلْنَا بِاللُّغَةِ كَانَ الْحَقُّ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ هُوَ اللُّزُومُ حَتَّى يَثْبُتَ النَّاسِخُ، وَهَذَا فَرْقٌ عَظِيمٌ وَأَثَرٌ عَظِيمٌ يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْفَقِيهُ فِيمَا يَعْرِضُ لَهُ مِنْ الْأَلْفَاظِ.

(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) وَقَعَ فِي الْمَذْهَبِ لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِأَصْحَابِهِ فِي كِتَابِ التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ حَبْلُك عَلَى غَارِبِكِ قَالَ فِيهَا مَالِكٌ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ وَلَا تُقْبَلُ نِيَّتُهُ إنْ أَرَادَ أَقَلَّ مِنْهَا وَخَلِيَّةٌ وَبَرِيَّةٌ وَبَائِنَةٌ قَالَ مِنِّي أَوْ مِنْكِ أَوْ لَمْ يَقُلْ أَوْ أَبَنْتُكِ أَوْ رَدَدْتُكِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَلَاثٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَلَا يَنْوِي فِي أَقَلَّ مِنْهَا، وَيَنْوِي فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا فِي طَلْقَةٍ فَأَكْثَرَ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَثَلَاثٌ.

وَقَالَ رَبِيعَةُ الْخَلِيَّةُ وَالْبَرِيَّةُ وَالْبَائِنُ ثَلَاثٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَوَاحِدَةٌ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَمَّا قَوْلُهُ أَنَا مِنْكِ بَائِنٌ أَوْ أَنْتِ مِنِّي بَائِنَةٌ فَلَا يَنْوِي قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَا بَعْدَهُ بَلْ يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ، وَإِذَا قَالَ فِي الْخَلِيَّةِ وَالْبَرِّيَّةِ وَالْبَائِنِ لَمْ أُرِدْ طَلَاقًا فَإِنْ تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِهِ مَا يَكُونُ هَذَا جَوَابًا لَهُ صَدَقَ، وَإِلَّا فَلَا فَهَذَا كُلُّهُ نَقْلُ التَّهْذِيبِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ النِّيَّةُ نَافِعَةٌ فِيمَا يَنْوِيهِ مَنْ تَعَدُّدٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ نَوَى الثَّلَاثَ لَزِمَهُ الثَّلَاثُ أَوْ وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَكَذَلِكَ قَوْلَاهُمَا فِي حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ.

وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالْخَلِيَّةِ وَالْبَرِيَّةِ وَالْبَائِنِ وَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ وَالْحَقِي بِأَهْلِكِ وَالْبَتَّةَ وَالْبَتْلَةَ بِغَيْرِ نِيَّةٍ لِشُهْرَتِهَا، وَيَلْزَمُ بِالْخَلِيَّةِ وَالْبَرِيَّةِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

مِنْ قِبَلِ اللُّغَةِ حَتَّى يَثْبُتَ اللُّزُومُ مِنْ جِهَةِ الْعُرْفِ كَمَا فِي مُنْطَلِقَةٍ لَيْسَ فِيهَا إلَّا مُجَرَّدُ اللُّغَةِ فَلَا جَرَمَ لَا يَزَالُ يَنْفِي عَنْهُ اللُّزُومَ حَتَّى يَتَحَقَّقَ النَّقْلُ الْعُرْفِيُّ، وَيَظْهَرُ أَثَرُ هَذَا الْفَرْقِ فِيمَا يُتَنَازَعُ فِيهِ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ صَرِيحًا أَوْ كِنَايَةً، فَيَكُونُ الْحَقُّ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ هُوَ عَدَمُ اللُّزُومِ حَتَّى يُثْبِتَهُ النَّقْلُ الْعُرْفِيُّ فَلَا يَلْزَمُ طَلَاقٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ قُلْنَا بِاللُّغَةِ كَانَ الْحَقُّ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ هُوَ اللُّزُومُ حَتَّى يَثْبُتَ النَّاسِخُ، وَهَذَا فَرْقٌ عَظِيمٌ وَأَثَرٌ عَظِيمٌ يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْفَقِيهُ فِيمَا يَعْرِضُ لَهُ مِنْ الْأَلْفَاظِ) .

قُلْت قَوْلُهُ ذَلِكَ وَتَمْثِيلُهُ بِقَوْلِهِ كَمَا فِي مُنْطَلِقَةٍ لَيْسَ فِيهِ إلَّا مُجَرَّدُ اللُّغَةِ كُلُّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى دَعْوَاهُ أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ تَصَرَّفَ مِنْ مَادَّةِ الطَّاءِ وَاللَّامِ وَالْقَافِ فَهُوَ دَالٌّ عَلَى إزَالَةِ مُطْلَقِ الْقَيْدِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُسَلَّمٍ وَلَا صَحِيحٍ بَلْ لَفْظَةُ " طَالِقٌ " وَإِنْ كَانَتْ مِنْ تِلْكَ الْمَادَّةِ هِيَ دَالَّةٌ عَلَى إزَالَةِ عِصْمَةِ النِّكَاحِ لُغَةً، وَلَفْظَةُ " مُنْطَلِقَةٌ " وَإِنْ كَانَتْ مِنْ تِلْكَ الْمَادَّةِ أَيْضًا فَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى الْمَسِيرِ، وَهُمَا مَعْنَيَانِ مُتَغَايِرَانِ فَلَمْ يَنْتَفِ لُزُومُ الطَّلَاقِ عَنْ لَفْظَةِ " مُنْطَلِقَةٌ " لِأَنَّهَا لَيْسَ فِيهَا إلَّا مُجَرَّدُ اللُّغَةِ، بَلْ انْتَفَى لِمُغَايَرَةِ حَقِيقَةِ الطَّلَاقِ لِحَقِيقَةِ الِانْطِلَاقِ فَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ: أَنْتِ طَالِقٌ فَهُوَ إمَّا إخْبَارٌ عَنْ زَوَالِ الْعِصْمَةِ أَوْ إنْشَاءٌ لَهُ، وَإِذَا قَالَ: أَنْتِ مُنْطَلِقَةٌ فَهُوَ إخْبَارٌ عَنْ الْمَسِيرِ، وَيَسُوغُ اسْتِعْمَالُهُ إنْشَاءً لِلْأَمْرِ بِهِ إنْ قُلْنَا بِأَنَّ اسْتِعْمَالَ الْأَلْفَاظِ الْخَبَرِيَّةِ فِي الْإِنْشَاءِ قِيَاسٌ، وَإِلَّا فَيَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى السَّمَاعِ

قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ)

وَقَعَ لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمَذْهَبِ وَلِأَصْحَابِهِ فِي كِتَابِ التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ تَتَخَرَّجُ الْفَتَاوَى فِي الْأَلْفَاظِ.

(قُلْت) جَمِيعُ ذَلِكَ نَقْلٌ لَا كَلَامَ فِيهِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَرَدَ عَلَيْنَا مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ فَإِنَّا نَحْمِلُهُ عَلَى عُرْفِهِ أَوْ عَلَى اللُّغَةِ أَوْ عُرْفِهَا.

وَإِنْ كَانَتْ عُرْفِيَّةً بِعُرْفٍ حَادِثٍ فَهَذِهِ هِيَ الَّتِي يَنْتَقِلُ الْحُكْمُ بِهَا بِانْتِقَالِ الْعُرْفِ كَبَتَّةٍ وَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ.

قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ يَلْزَمُ الْقَائِلَ ذَلِكَ الثَّلَاثُ وَلَا يَنْوِي دَخَلَ أَوْ لَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ نَقَلَهُ عُرْفُ ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَى الْعَدَدِ الْمُعَيَّنِ وَهُوَ الثَّلَاثُ حَتَّى صَارَ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ.

وَالْمَجَازُ لَا يَدْخُلُ فِي النُّصُوصِ كَأَسْمَاءِ الْعَدَدِ بَلْ فِي الظَّوَاهِرِ كَأَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ وَصِيَغِ الْعُمُومِ وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ لُغَوِيَّةٌ وَكُلُّ لَفْظٍ لَا يَجُوزُ دُخُولُ الْمَجَازِ فِيهِ لَا تُؤَثِّرُ النِّيَّةُ فِي صَرْفِهِ عَنْ مَوْضُوعِهِ وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ شَرْعِيَّةٌ مُحَمَّدِيَّةٌ بُنِيَتْ عَلَى الْأُولَى.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ إنْ نَوَى الثَّلَاثَ لَزِمَهُ الثَّلَاثُ أَوْ وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ.

وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالْبَتَّةِ وَالْبَتْلَةِ وَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ لِشُهْرَتِهَا، وَيَلْزَمُ بِحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِك الثَّلَاثُ وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِ الْقَبَسِ لَهُ الصَّحِيحُ أَنَّ حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ وَالْبَائِنَ وَالْخَلِيَّ وَالْبَرِيَّةَ وَالْبَتْلَةَ وَالْبَتَّةَ وَاحِدَةٌ لَا تَزِيدُ عَلَى قَوْلِكَ أَنْتِ طَالِقٌ وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ «ابْنِ كِنَانَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي طَلَّقْتُ امْرَأَتِي أَلْبَتَّةَ فَقَالَ مَا أَرَدْتَ فَقُلْتُ وَاحِدَةً فَقَالَ هِيَ مَا أَرَدْتَ فَرَدَّهَا إلَيَّ» .

(قُلْتُ) قَالَ الْأَمِيرُ فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ وَقَدْ تَعَارَفَ الْآنَ حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ فِي مُطْلَقِ الْإِهْمَالِ حَتَّى يُخَاطِبَ الرَّجُلُ ابْنَهُ مَثَلًا انْتَهَى أَيْ فَعَلَيْهِ يَكُونُ كَالْكِنَايَةِ الْخَفِيَّةِ يَجْرِي عَلَى قَوْلِهِمْ وَإِنْ قَصَدَهُ بِأَيِّ كَلَامٍ لَزِمَ كَاسْقِنِي فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ الْآنَ أَنْ يُفْتِيَ فِيهِ بِالطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ إلَّا إذَا تَجَدَّدَ بِذَلِكَ عُرْفٌ وَكَحَرَامٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا شَيْءَ عَلَى قَائِلِهِ إذَا كَانَ فِي بَلَدٍ لَا يُرِيدُونَ بِهِ الطَّلَاقَ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ حَرَامٌ الْكَذِبَ بِالْإِخْبَارِ عَنْ كَوْنِهَا حَرَامًا وَهِيَ حَلَالٌ حَرُمَتْ وَلَا يَنْوِي قَالَ صَاحِبُ الِاسْتِذْكَارِ فِي الْحَرَامِ أَحَدَ عَشَرَ قَوْلًا قَالَ مَالِكٌ يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَيَنْوِي فِي غَيْرِهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ حَتَّى يَنْوِيَ وَاحِدَةً فَتَكُونَ رَجْعِيَّةً.

وَإِنْ نَوَى تَحْرِيمَهَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَلَا يَكُونُ مُوَلِّيًا

<<  <  ج: ص:  >  >>