للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَصْفِ الْمَطْلُوبِ إمَّا بِالرُّؤْيَةِ أَوْ بِكَمَالِ الْعِدَّةِ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّهُ لَا يُعْدَلُ إلَى الْمَظِنَّةِ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ انْضِبَاطِ الْوَصْفِ دَائِمًا أَوْ فِي الْأَغْلَبِ، وَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَلِذَلِكَ سَقَطَ اعْتِبَارُ الْمَظَانِّ مِنْ الْأَزْمِنَةِ، وَكَذَلِكَ أَوْقَاتُ الصَّلَوَاتِ لَمَّا كَانَتْ مُنْضَبِطَةً فِي نَفْسِهَا لِحُصُولِ الْقَطْعِ بِهَا فِي أَكْثَرِ صُوَرِهَا لَمْ تَقُمْ مَظَانُّهَا فِي الصُّوَرِ مَقَامَهَا، وَبِهَذَا ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْبِقَاعِ أُقِيمَتْ مَظَانُّهَا مَقَامَهَا وَبَيْنَ الْأَزْمِنَةِ لَمْ يَقُمْ مَظَانُّهَا فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ، وَسِرُّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَاعِدَةِ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهَا قَبْلُ.

(الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالتِّسْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْبِقَاعِ الْمُعَظَّمَةِ مِنْ الْمَسَاجِدِ تُعَظَّمُ بِالصَّلَاةِ، وَيَتَأَكَّدُ طَلَبُ الصَّلَاةِ عِنْدَ مُلَابَسَتِهَا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَزْمِنَةِ الْمُعَظَّمَةِ كَالْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَغَيْرِهَا لَا تُعَظَّمُ بِتَأَكُّدِ الصَّوْمِ فِيهَا)

مَعَ أَنَّ نِسْبَةَ الصَّلَوَاتِ إلَى الْبِقَاعِ كَنِسْبَةِ الصَّوْمِ إلَى الْأَزْمَانِ فَالْمَكَانُ يُصَلَّى فِيهِ، وَالزَّمَانُ يُصَامُ فِيهِ وَلَيْسَ لَنَا مَكَانٌ يُصَامُ فِيهِ إلَّا بِطَرِيقِ الْغَرَضِ كَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ بِمَكَّةَ جَبْرًا لِمَا عَرَضَ مِنْ النُّسُكِ وَصَوْمِ أَيَّامِ الِاعْتِكَافِ فِي الْمَسَاجِدِ لِمَا عَرَضَ مِنْ الِاعْتِكَافِ، وَيُصَامُ رَمَضَانُ وَغَيْرُهُ لِعَيْنِ ذَلِكَ الزَّمَانِ لَا لِمَا عَرَضَ فِيهِ فَالصَّوْمُ بِوَصْفِهِ خَاصٌّ بِالزَّمَانِ، وَالصَّلَاةُ تَكُونُ لِلْمَكَانِ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَتَكُونُ لِلزَّمَانِ كَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَالْوِتْرِ وَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالضُّحَى وَنَحْوِهَا، وَالْفَرْقُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ فِي كَوْنِ الْمَسَاجِدِ تُعَظَّمُ بِالتَّحِيَّاتِ إذَا دُخِلَ إلَيْهَا وَالْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَنَحْوِهَا لَا تُعَظَّمُ بِالصَّوْمِ هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى غَنِيٌّ عَنْ الْخَلْقِ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَا تَزِيدُهُ طَاعَتُهُمْ وَلَا تُنْقِصُهُ مَعْصِيَتُهُمْ وَالْأَدَبُ مَعَهُ تَعَالَى اللَّائِقُ بِجَلَالِهِ مُتَعَذِّرٌ مِنَّا فَأَمَرَنَا تَعَالَى أَنْ نَتَأَدَّبَ مَعَهُ كَمَا نَتَأَدَّبُ مَعَ أَكَابِرِنَا؛ لِأَنَّهُ وَسِعَنَا، وَلِذَلِكَ أَمَرَنَا تَعَالَى بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْمَدْحِ لَهُ وَإِكْرَامِ خَاصَّتِهِ وَعَبِيدِهِ، وَلَمَّا كَانَ الْوَاحِدُ مِنَّا إذَا أَرَادَ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَهُوَ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَالْحَمْلُ فِيهِ عَلَيْهِ اهـ.

وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَنْ بَعُدَ عَنْ الْكَعْبَةِ بِأَنْ كَانَ بِغَيْرِ مَكَّةَ هَلْ فَرْضُهُ اسْتِقْبَالُ السَّمْتِ كَالْمُعَايِنِ أَوْ فَرْضُهُ اسْتِقْبَالُ الْجِهَةِ قَوْلَانِ فِي الْمَذْهَبِ وَخَارِجِهِ، وَيَرْجِعُ لِلثَّانِي أَمْرَانِ

أَحَدُهُمَا أَنَّ الْأَوَّلَ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرَ الْمَنْقُولِ عَنْ الْقَائِلِينَ بِهِ أَنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمُسْتَقْبِلَ لِلْكَعْبَةِ فَرْضُهُ اسْتِقْبَالُ عَيْنِهَا وَمُعَايَنَتُهَا حَتَّى يُقَالُ إنَّهُ مِنْ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ وَلَا قَائِلَ بِهِ، وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ أَنَّ فَرْضَهُ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ قُدِّرَ خُرُوجُ خَطٍّ مُسْتَقِيمٍ عَلَى زَوَايَا قَائِمَةٍ مِنْ بَيْنِ عَيْنَيْهِ نَافِذًا إلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ لَمَرَّ بِالْكَعْبَةِ قَاطِعًا لَهَا إلَّا أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ هَذَا الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ مُرَادُهُمْ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ إذْ فِيهِ تَكْلِيفُ السَّمْتِ وَالْمُعَايَنَةِ مَعَ عَدَمِهَا بِخِلَافِ الْقَوْلِ بِالْجِهَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا فِيهِ التَّكْلِيفُ بِتَحْقِيقِ الْجِهَةِ، وَالتَّوَصُّلُ إلَيْهِ مُتَيَسِّرٌ عَلَى جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ أَوْ أَكْثَرِهِمْ. وَثَانِيهِمَا إجْمَاعُ النَّاسِ عَلَى صِحَّةِ صَلَاةِ الصَّفِّ الْمُسْتَقِيمِ الطَّوِيلِ الَّذِي طُولُهُ مِائَةُ ذِرَاعٍ فَأَكْثَرُ، وَصِحَّةِ صَلَاةِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْمَوْضِعَيْنِ الْمُتَحَاذِيَيْنِ أَوْ الْمَوَاضِعِ مَعَ أَنَّ بَعْضَ الصَّفِّ وَأَحَدَ الْمَوْضِعَيْنِ أَوْ الْمَوَاضِعِ خَارِجٌ عَنْ السَّمْتِ قَطْعًا فَإِنَّ الْكَعْبَةَ عَلَى مَا قِيلَ عَرْضُهَا عِشْرُونَ ذِرَاعًا وَطُولُهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَمْرِ الثَّانِي بِأَنَّ الْقَوْلَ بِالسَّمْتِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةِ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَوْجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ الِاسْتِقْبَالَ الْعَادِيَّ لَا الْحَقِيقِيَّ، وَالْعَادَةُ أَنَّ الصَّفَّ الطَّوِيلَ إذَا قَرُبَ مِنْ الشَّيْءِ الْقَصِيرِ الَّذِي يُسْتَقْبَلُ يَكُونُ أَطْوَلَ مِنْهُ، وَيَجِدُ بَعْضُهُمْ نَفْسَهُ خَارِجَةً عَنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ الْمُسْتَقْبَلِ الَّذِي هُوَ قَصِيرٌ مِنْ الصَّفِّ الطَّوِيلِ.

وَإِذَا بَعُدَ ذَلِكَ الصَّفُّ الطَّوِيلُ بُعْدًا كَثِيرًا عَنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ الْقَصِيرِ بِأَنْ كَانَ بِمِصْرَ أَوْ خُرَاسَانَ يَجِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِمَّنْ فِي ذَلِكَ الصَّفِّ الطَّوِيلِ نَفْسَهُ مُسْتَقْبِلًا لِذَلِكَ الشَّيْءِ الْقَصِيرِ فِي نَظَرِ الْعَيْنِ بِسَبَبِ الْبُعْدِ، أَلَا تَرَى أَنَّ النَّخْلَةَ الْبَعِيدَةَ أَوْ الشَّجَرَةَ إذَا اسْتَقْبَلَهُمَا الرَّكْبُ الْعَظِيمُ الْكَثِيرُ الْعَدَدِ مِنْ الْبُعْدِ يَجِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الرَّكْبِ نَفْسَهُ قُبَالَةَ تِلْكَ الشَّجَرَةِ أَوْ النَّخْلَةِ، وَيَقُولُ الرَّاكِبُ بِجُمْلَتِهِ نَحْنُ قُبَالَةَ تِلْكَ الشَّجَرَةِ أَوْ النَّخْلَةِ وَنَحْنُ سَايِرُونِ إلَيْهَا.

وَإِذَا قَرُبُوا مِنْهَا جِدًّا لَمْ يَبْقَ قُبَالَتَهَا إلَّا النَّفَرُ الْيَسِيرُ مِنْ ذَلِكَ الرَّكْبِ، وَكَذَلِكَ الْبَلَدَانِ الْمُتَقَارِبَانِ لَوْ كُشِفَ الْغِطَاءُ بَيْنَ مَنْ فِيهِمَا وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ لَرَأَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نَفْسَهُ قُبَالَةَ الْكَعْبَةِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِالسَّمْتِ الْعَادِيِّ دُونَ الْحَقِيقِيِّ مَآلُهُ إلَى الْقَوْلِ بِالْجِهَةِ فَهُوَ عَلَى التَّحْقِيقِ تَسْلِيمٌ لِقَوْلِ الْمُخَالِفِ وَتَحْرِيرُ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ وَسِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ: إنَّ اسْتِقْبَالَ الْجِهَةِ يَكْفِي عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهَا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ: إنَّ اسْتِقْبَالَ السَّمْتِ لَا بُدَّ مِنْهُ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهَا هُوَ مَا كَانَ يَذْكُرُهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - جَوَابًا عَنْ اسْتِشْكَالِهِ أَنَّ مَنْ بَعُدَ عَنْ مَكَّةَ لَا يَقُولُ أَحَدٌ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَيْهِ اسْتِقْبَالَ عَيْنِ الْكَعْبَةِ وَمُقَابَلَتَهَا وَمُعَايَنَتَهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ بَلْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَبْذُلَ جَهْدَهُ فِي تَعْيِينِ جِهَةٍ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْكَعْبَةَ وَرَاءَهَا، وَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهَا وَرَاءَ الْجِهَةِ الَّتِي عَيَّنَتْهَا أَدِلَّتُهُ، وَجَبَ عَلَيْهِ اسْتِقْبَالُهَا إجْمَاعًا فَصَارَتْ الْجِهَةُ مُجْمَعًا عَلَيْهَا وَالسَّمْتُ الَّذِي هُوَ الْعَيْنُ وَالْمُعَايَنَةُ مُجْمَعٌ عَلَى عَدَمِ التَّكْلِيفِ بِهِ، وَإِذَا كَانَ الْإِجْمَاعُ فِي الصُّورَتَيْنِ فَأَيْنَ يَكُونُ الْخِلَافُ بِقَوْلِهِ الشَّيْءُ قَدْ يَجِبُ إيجَابَ الْوَسَائِلِ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الشَّرِيعَةِ كَالنَّظَرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>