للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عُدِمَتْ النِّيَّةُ فَقِيلَ يُحْمَلُ عَلَى الْأَقَلِّ اسْتِصْحَابًا لِلْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَقِيلَ عَلَى الْأَكْثَرِ احْتِيَاطًا، وَالْمَشْهُورُ فِي الْحَرَامِ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الْبَيْنُونَةِ، وَأَنَّهَا لَا تَحْصُلُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا إلَّا بِالثَّلَاثِ وَفِي غَيْرِهَا بِالْوَاحِدَةِ وَلِكَوْنِهَا غَالِبَةً فِي الثَّلَاثِ حُمِلَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى الثَّلَاثِ وَيَنْوِي فِي الْأَقَلِّ، وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الْبَيْنُونَةِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ ثُبُوتِهَا وَوَضْعِهَا لِلثَّلَاثِ فِي الْعُرْفِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَالْقَوْلُ بِالْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ مُطْلَقًا بِنَاءً عَلَى حُصُولِ الْبَيْنُونَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَ الدُّخُولِ، وَأَنَّهَا لَا تُفِيدُ عَدَدًا.

وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ مَسْلَمَةَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا كَالطَّلَاقِ قَالَ وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ تَتَخَرَّجُ الْفَتَاوَى فِي الْأَلْفَاظِ قُلْت مَعْنَى التَّحْرِيمِ فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ فَقَوْلُهُ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ مَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ عَنْ كَوْنِهَا مَمْنُوعَةً فَهُوَ كَذِبٌ لَا يَلْزَمُ فِيهِ إلَّا التَّوْبَةُ فِي الْبَاطِنِ وَالتَّعْزِيرُ فِي الظَّاهِرِ كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْكَذِبِ لَيْسَ فِي مُقْتَضَاهَا لُغَةً إلَّا ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ خَلِيَّةٌ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ الْإِخْبَارُ عَنْ الْخَلَاءِ، وَأَنَّهَا فَارِغَةٌ وَأَمَّا مِمَّ هِيَ فَارِغَةٌ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ اللَّفْظُ لَهُ، وَكَذَلِكَ بَائِنٌ مَعْنَاهُ لُغَةً الْمُفَارَقَةُ فِي الزَّمَانِ أَوَالْمَكَان، وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِزَوَالِ الْعِصْمَةِ فَهِيَ إخْبَارَاتٌ صِرْفَةٌ لَيْسَ فِيهَا تَعَرُّضٌ لِلطَّلَاقِ أَلْبَتَّةَ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ فَهِيَ إمَّا كَاذِبَةٌ وَهُوَ الْغَالِبُ وَإِمَّا صَادِقَةٌ إنْ كَانَتْ مُفَارِقَةً لَهُ فِي الْمَكَانِ، وَلَا يَلْزَمُ بِذَلِكَ طَلَاقٌ كَمَا لَوْ صَرَّحَ وَقَالَ لَهَا أَنْتِ فِي مَكَان غَيْرِ مَكَانِي، وَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ مَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ عَنْ كَوْنِهَا حَبْلُهَا عَلَى كَتِفِهَا، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا كَانَ يَرْعَى بَقَرَةً وَقَصَدَ التَّوْسِعَةَ عَلَيْهَا فِي الْمَرْعَى تَرَكَ حَبْلَهَا مِنْ يَدِهِ وَوَضَعَهُ عَلَى غَارِبِهَا وَهُوَ كَتِفُهَا فَتَنْتَقِلُ فِي الْمَرْعَى كَيْفَ شَاءَتْ فَإِذَا لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ نِيَّةً كَانَ إخْبَارُهُ عَنْ كَوْنِ الْمَرْأَةِ كَذَلِكَ كَذِبًا

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ قُلْت مَعْنَى التَّحْرِيمِ فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ فَقَوْلُهُ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ مَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ عَنْ كَوْنِهَا مَمْنُوعَةً فَهُوَ كَذِبٌ لَا يَلْزَمُهُ فِيهِ إلَّا التَّوْبَةُ فِي الْبَاطِنِ وَالتَّعْزِيرُ فِي الظَّاهِرِ كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْكَذِبِ، لَيْسَ فِي مُقْتَضَاهَا لُغَةً إلَّا ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ خَلِيَّةٌ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ الْإِخْبَارُ عَنْ الْخَلَاءِ، وَأَنَّهَا فَارِغَةٌ، وَأَمَّا مِمَّ هِيَ فَارِغَةٌ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ اللَّفْظُ، وَكَذَلِكَ بَائِنٌ مَعْنَاهُ الْمُفَارَقَةُ فِي الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ، وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِزَوَالِ الْعِصْمَةِ فَهِيَ إخْبَارَاتٌ صِرْفَةٌ لَيْسَ فِيهَا تَعَرُّضٌ لِلطَّلَاقِ أَلْبَتَّةَ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ، فَهِيَ إمَّا كَاذِبَةٌ وَهُوَ الْغَالِبُ، وَإِمَّا صَادِقَةٌ إنْ كَانَتْ مُفَارِقَةً لَهُ فِي الْمَكَانِ وَلَا يَلْزَمُ بِذَلِكَ طَلَاقٌ كَمَا لَوْ صَرَّحَ.

وَقَالَ لَهَا أَنْتِ فِي مَكَان غَيْرِ مَكَانِي وَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ مَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ عَنْ كَوْنِهَا حَبْلَهَا عَلَى كَتِفِهَا، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا كَانَ يَرْعَى بَقَرَةً وَقَصَدَ التَّوْسِعَةَ عَلَيْهَا فِي الْمَرْعَى تَرَكَ حَبْلَهَا مِنْ يَدِهِ وَوَضَعَهُ عَلَى كَتِفِهَا فَتَنْتَقِلُ فِي الْمَرْعَى كَيْفَ شَاءَتْ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ نِيَّةٌ كَانَ إخْبَارُهُ عَنْ كَوْنِ الْمَرْأَةِ كَذَلِكَ كَذِبًا) .

قُلْت الْأَصْلُ وَالْقَاعِدَةُ الْمُعْتَمَدَةُ فِي الْعُقُودِ كُلِّهَا إنَّمَا هُوَ النِّيَّةُ وَالْقَصْدُ مَعَ اللَّفْظِ الْمُشْعِرِ بِذَلِكَ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ مِنْ إشَارَةٍ وَشَبَهِهَا، ثُمَّ اللَّفْظُ إمَّا أَنْ يُشْعِرَ بِالْقَصْدِ لُغَةً أَوْ عُرْفًا وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يُشْعِرُ بِهِ فِي الْقَضَاءِ دُونَ تَنْوِيَةٍ وَفِي الْفَتْوَى هُمَا، وَإِمَّا مَا لَا يُشْعِرُ بِالْمَقْصُودِ لُغَةً وَلَا عُرْفًا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّنْوِيَةِ فِي الْفَتْوَى وَالْقَضَاءِ مَعًا، وَبَعْدَ تَقْرِيرِ ذَلِكَ لَا تَخْلُو الْأَلْفَاظُ الْمَذْكُورَةُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا مُطْلَقُ الطَّلَاقِ أَوْ مُقَيَّدُهُ مِنْ أَنْ تَكُونَ إرَادَةُ ذَلِكَ بِهَا بِاللُّغَةِ أَوْ بِعُرْفِ اللُّغَةِ أَوْ بِعُرْفِ الشَّرْعِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الْأَصْحَابِ فِي أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ كَمَا قَالَ الْمَازِرِيُّ أَنَّ اللَّفْظَ إنْ تَضَمَّنَ الْبَيْنُونَةَ وَالْعَدَدَ نَحْوَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لَزِمَ الثَّلَاثُ وَلَا يَنْوِي اتِّفَاقًا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا أَيْ لَا يُصَدَّقُ فِي أَنَّهُ قَصَدَ أَقَلَّ مِنْ الثَّلَاثِ فِيهِمَا لَا فِي الْقَضَاءِ وَلَا فِي الْفَتْوَى نَعَمْ يُصَدَّقُ قَوْلُهُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهَا طَلُقَتْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ الْوَلَدِ فِي الْفَتْوَى دُونَ الْقَضَاءِ نَظَرًا لِلْقَاعِدَتَيْنِ اللُّغَوِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ السَّابِقَتَيْنِ فَقَبِلُوا النِّيَّةَ فِي رَفْعِ الطَّلَاقِ بِجُمْلَتِهِ لِتَحْوِيلِهِ لِجِنْسٍ آخَرَ نَظَرًا لِجَوَازِ دُخُولِ الْمَجَازِ فِي أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الظَّوَاهِرِ وَلَمْ يَقْبَلُوهَا فِي رَفْعِ بَعْضِ الطَّلَاقِ نَظَرًا لِكَوْنِ أَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ نُصُوصًا لَا يَدْخُلُ فِيهَا الْمَجَازُ، وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ بُطْلَانَ ذَلِكَ وَأَنَّ النِّيَّةَ إذَا قُبِلَتْ فِي رَفْعِ الْكُلِّ فَأَوْلَى أَنْ تُقْبَلَ فِي رَفْعِ الْبَعْضِ، وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ إلَّا عَلَى الْبَيْنُونَةِ نُظِرَ هَلْ تُمْكِنُ الْبَيْنُونَةُ بِالْوَاحِدَةِ أَوْ تَتَوَقَّفُ عَلَى الثَّلَاثِ إذَا لَمْ تَكُنْ مُعَارَضَةٌ فِيهِ خِلَافٌ أَوْ يَدُلُّ عَلَى عَدَدٍ غَالِبًا.

وَيُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ نَادِرًا فَيُحْمَلُ عَلَى الْغَالِبِ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ وَعَلَى النَّادِرِ مَعَ وُجُودِهَا فِي الْفَتْوَى وَإِنْ تَسَاوَى الِاسْتِعْمَالُ أَوْ تَقَارَبَ قُبِلَتْ نِيَّتُهُ مَعَ الْفَتْوَى وَالْقَضَاءِ فَإِنْ عُدِمَتْ النِّيَّةُ فَقِيلَ يُحْمَلُ عَلَى الْأَقَلِّ اسْتِصْحَابًا لِلْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَقِيلَ عَلَى الْأَكْثَرِ احْتِيَاطًا وَالْمَشْهُورُ فِي الْحَرَامِ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الْبَيْنُونَةِ، وَأَنَّهَا لَا تَحْصُلُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا إلَّا بِالثَّلَاثِ وَفِي غَيْرِهَا بِالْوَاحِدَةِ وَلِكَوْنِهَا غَالِبَةً فِي الثَّلَاثِ حُمِلَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى الثَّلَاثِ وَيَنْوِي فِي الْأَقَلِّ.

وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الْبَيْنُونَةِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ ثُبُوتِهَا وَوَضْعِهَا لِلثَّلَاثِ فِي الْعُرْفِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَالْقَوْلُ بِالْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ مُطْلَقًا بِنَاءً عَلَى حُصُولِ الْبَيْنُونَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا، وَأَنَّهَا لَا تُفِيدُ عَدَدًا أَوْ نُقِلَ عَنْ ابْنِ مَسْلَمَةَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا كَالطَّلَاقِ قَالَ وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ تَتَخَرَّجُ الْفَتَاوَى فِي الْأَلْفَاظِ اهـ وَهُوَ يُشِيرُ إلَى أُمُورٍ

أَحَدُهَا أَنَّ نَحْوَ الْحَرَامِ مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي لَمْ تُسْتَعْمَلْ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ وَلَا فِي عُرْفِهَا وَلَا فِي عُرْفِ الشَّرْعِ فِي إزَالَةِ الْعِصْمَةِ إمَّا أَنْ يَنْقُلَهُ الْعُرْفُ الْحَادِثُ الْوَقْتِيُّ مِنْ مَوْضُوعِهِ إلَى الْبَيْنُونَةِ فَقَطْ أَوْ مَعَ الْعَدَدِ أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>