للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُقَالَ شَارِبُ الْخَمْرِ مَفْسَدَةٌ، وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ شَارِبُ الْخَمْرِ سَاقِطُ الْعَدَالَةِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ شُرْبُ الْخَمْرِ سَاقِطُ الْعَدَالَةِ فَظَهَرَ أَنَّ أَحْكَامَ الصِّفَاتِ لَا تَنْتَقِلُ لِلْمَوْصُوفَاتِ وَأَحْكَامَ الْمَوْصُوفَاتِ لَا تَنْتَقِلُ لِلصِّفَاتِ، وَظَهَرَ أَنَّ النَّهْيَ فِي الصَّوْمِ عَنْ الْمَوْصُوفِ وَفِي الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ عَنْ الصِّفَةِ، وَأَنَّ الْأَحْكَامَ عَلَى إحْدَى الْجِهَتَيْنِ لَا تَنْتَقِلُ لِلْأُخْرَى فَإِنْ قُلْت لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ كَمَا فِي صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ فَهُمَا سَوَاءٌ قُلْت لَا لِأَنَّهُمْ قَالُوا إنَّ الصَّلَاةَ إذْ وَقَعَتْ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ تُبْرِئُ الذِّمَّةَ.

وَقَالُوا إذَا وَقَعَ الصَّوْمُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَيَوْمِ الْفِطْرِ لَا يَنْعَقِدُ قُرْبَةً وَبَرَاءَةُ الذِّمَّةِ بِالصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ يَقْتَضِي أَنَّهَا انْعَقَدَتْ قُرْبَةً؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ لَا تَبْرَأُ مِنْ الْوَاجِبِ بِمَا لَيْسَ وَاجِبًا فَضْلًا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ فَتَكُونُ الصَّلَاةُ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ قُرْبَةً وَاجِبَةً مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا صَلَاةٌ لَا مِنْ جِهَةِ اشْتِمَالِهَا عَلَى الْغَصْبِ فَإِنْ قُلْت الصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ كِلَاهُمَا قُرْبَةٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَالنَّهْيُ وَالْمَفْسَدَةُ إنَّمَا جَاءَ مِنْ جِهَةِ أَمْرٍ خَارِجِيٍّ وَهُوَ الزَّمَانُ فِي الصَّوْمِ وَالْمَكَانُ فِي الصَّلَاةِ فَأَنْتَ إذَنْ فَرَّعْت عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْوَصْفِ لَا يَتَعَدَّى إلَى الْأَصْلِ لَزِمَ ذَلِكَ فِيمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي عُقُودِ الرِّبَا أَنَّ الْوَصْفَ يَبْطُلُ وَيَصِحُّ الْأَصْلُ لِسَلَامَتِهِ عَنْ النَّهْيِ وَالْمَفْسَدَةِ فَيَلْزَمُكَ أَنْ تَلْتَزِمَ مَذْهَبَهُ وَإِنْ فَرَّعْت عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى أَنَّ الْبَابَيْنِ وَاحِدٌ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ فَيَلْزَمُك أَنْ تَلْتَزِمَ مَا قَالَهُ فِي إبْطَالِ الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ وَبِالثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ وَإِبْطَالِ الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ فُرُوعِ الْحَنَابِلَةِ وَأَنْتَ لَمْ تَقُلْ بِهَذَا الْمَذْهَبِ وَلَا بِذَاكَ فَكَانَ مَذْهَبُنَا مُشْكِلًا فَتَحْتَاجُ الْجَوَابَ لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ وَإِنْ تُبْطِلْ الْفَرْقَ الَّذِي ذَكَرْته بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَإِنَّك إنْ اعْتَبَرْت الْأَصْلَ وَالْوَصْفَ وَفَرَّقْت بَيْنَهُمَا كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَزِمَك الصِّحَّةُ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لِأَمْرٍ خَارِجِيٍّ وَهُوَ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ وَإِنْ سَوَّيْت كَمَا قَالَهُ أَحْمَد لَزِمَك الْبُطْلَانُ فِيهِمَا، وَعَلَى

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

عَلَى نِظَامٍ وَاحِدٍ طُولَ الدَّهْرِ بِتَقْدِيرِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس: ٣٩] .

وَقَالَ تَعَالَى {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} [الرحمن: ٥] أَيْ هُمَا ذُو حِسَابٍ فَلَا يَنْخَرِمُ ذَلِكَ أَبَدًا كَمَا لَا يَنْخَرِمُ حِسَابُ الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي هِيَ الصَّيْفُ وَالشِّتَاءُ وَالرَّبِيعُ وَالْخَرِيفُ، وَالْعَوَائِدُ إذَا اسْتَمَرَّتْ أَفَادَتْ الْقَطْعَ كَمَا إذَا رَأَيْنَا شَيْخًا نَجْزِمُ بِأَنَّهُ لَمْ يُولَدْ كَذَلِكَ بَلْ طِفْلًا لِأَجْلِ عَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ جَوَّزَ الْعَقْلُ وِلَادَتَهُ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ يُعْتَمَدُ فِي خُرُوجِ الْأَهِلَّةِ مِنْ الشُّعَاعِ عَلَى حُصُولِ الْقَطْعِ بِالْحِسَابِ كَمَا اُعْتُمِدَ عَلَيْهِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَا غَايَةَ بَعْدَ حُصُولِ الْقَطْعِ بِسَبَبِ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ لَمْ يَنْصِبْ خُرُوجَ الْأَهِلَّةِ مِنْ الشُّعَاعِ سَبَبًا لِلصَّوْمِ كَمَا نَصَبَ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ سَبَبًا لِوُجُوبِهَا نَصَبَ رُؤْيَةَ الْهِلَالِ خَارِجًا مِنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ أَوْ إكْمَالَ الْعِدَّةِ ثَلَاثِينَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِخُرُوجِ الْهِلَالِ عَنْ الشُّعَاعِ فَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» وَلَمْ يَقُلْ لِخُرُوجِهِ عَنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: ٧٨] ثُمَّ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ أَيْ خَفِيَتْ عَلَيْكُمْ رُؤْيَتُهُ فَاقْدِرُوا لَهُ وَفِي رِوَايَةٍ «فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ» .

قَالَ الْبُنَانِيُّ عَلَى عبق وَفِي الْحَدِيثَيْنِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ لِلْإِمَامِ مَالِكٍ أَنَّ الثَّانِيَ تَفْسِيرٌ لِلْأَوَّلِ. وَالثَّانِي لِلطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ نَاسِخٌ، وَأَنَّ التَّقْدِيرَ فِي الْأَوَّلِ مَعْنَاهُ أَنْ يُنْظَرَ إلَى الْهِلَالِ لَيْلَةَ الْوَاحِدِ وَالثَّلَاثِينَ فَإِنْ سَقَطَ لِسِتَّةِ أَسْبَاعِ سَاعَةٍ فَهُوَ مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَإِنْ سَقَطَ لِضِعْفِهَا فَمَا قَبْلَهَا، وَالثَّالِثُ لِابْنِ رُشْدٍ بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَأَنَّ التَّقْدِيرَ فِي الْأَوَّلِ أَنْ يُنْظَرَ فِي الشُّهُورِ الَّتِي قَبْلَ شَعْبَانَ فَإِنْ تَوَالَى ثَلَاثَةٌ عَلَى الْكَمَالِ حُمِلَ عَلَى النَّقْضِ، وَإِلَّا حُمِلَ عَلَى الْكَمَالِ وَهُوَ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ الثَّانِي قَالَ الْحَطَّابُ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا غُبَارَ عَلَيْهِ اهـ.

وَقَدْ تَبِعَ عج فِي قَوْلِهِ لَا يَتَوَالَى النَّقْصُ فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ الشُّهُورِ يَا فَطِنُ كَذَا تَوَالِي خَمْسَةٍ مُكَمِّلَةٍ هَذَا الصَّوَابُ وَسِوَاهُ أَبْطِلْهُ لِابْنِ رُشْدٍ إلَّا أَنَّ فِيهِ بَعْضَ مُخَالَفَةٍ لَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَشَارَ بِقَوْلِهِ هَذَا الصَّوَابُ إلَخْ لِكَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَالطَّحَاوِيِّ لَا كَمَا فَهِمَ عبق وَمَحِلُّ ثُبُوتِ رَمَضَانَ بِكَمَالِ شَعْبَانَ إذَا لَمْ تَكُنْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً لَيْلَةَ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ، وَقَدْ كَانَ هِلَالُ شَعْبَانَ ثَبَتَ بِرُؤْيَةِ عَدْلَيْنِ لَيْلَةَ ثَلَاثِينَ مِنْ رَجَبٍ وَإِلَّا فَلَا يَثْبُتُ بِكَمَالِ شَعْبَانَ لِتَكْذِيبِ الشَّاهِدَيْنِ أَوَّلًا كَمَا فِي خش، وَهُوَ صَحِيحٌ اهـ بِتَصَرُّفٍ وَلَا دَلَالَةَ فِي قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: ١٨٥] عَلَى هَذَا الْمَطْلُوبِ لِمَا مَرَّ أَوَّلَ الْكِتَابِ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ مِنْ أَنَّ شَهِدَ فِيهِ بِمَعْنَى حَضَرَ.

قَالَ وَالتَّقْدِيرُ فَمَنْ حَضَرَ مِنْكُمْ الْمِصْرَ فِي الشَّهْرِ فَلْيَصُمْهُ أَيْ حَاضِرًا مُقِيمًا احْتِرَازًا مِنْ الْمُسَافِرِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ، وَإِذَا كَانَ شَهِدَ بِمَعْنَى حَضَرَ لَا بِمَعْنَى شَاهَدَ وَرَأَى لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى اعْتِبَارِ الرُّؤْيَةِ وَلَا عَلَى اعْتِبَارِ الْحِسَابِ أَيْضًا فَإِنَّ الْحُضُورَ فِي الشَّهْرِ أَيْضًا أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ ثَبَتَ بِالرُّؤْيَةِ أَوْ بِالْحِسَابِ فَالْحَقُّ مِنْ تَرْدِيدِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي اعْتِبَارِ دَلَالَةِ الْحِسَابِ عَلَى خُرُوجِ الْهِلَالِ مِنْ الشُّعَاعِ وَعَدَمِ اعْتِبَارِهِ مَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبَيْنِ مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِهِ حَتَّى قَالَ سَنَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا فَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ يَرَى الْحِسَابَ فَأَثْبَتَ الْهِلَالَ بِهِ لَمْ يَتَّبِعْ لِإِجْمَاعِ السَّلَفِ عَلَى خِلَافِهِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَصَاحِبُ الشَّرْعِ نَصَبَ تَحْقِيقَ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ سَبَبًا لِوُجُوبِهَا بِحَيْثُ لَا يَكُونُ الْحِسُّ دَالًّا عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>