للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ الْإِجْمَاعُ وَالنُّصُوصُ.

وَأَمَّا التَّحْرِيمُ فِي الْوُضُوءِ فِي الرَّابِعَةِ فَمَشْرُوطٌ أَيْضًا بِتَيَقُّنِ الثَّالِثَةِ أَوْ ظَنِّهَا وَلَمْ يَحْصُلْ فَاسْتُصْحِبَ النَّدْبُ النَّاشِئُ عَنْ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى الثَّلَاثِ وَهُوَ فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَوْلُهُ فِي ذَلِكَ فَهَذِهِ قَوَاعِدُ فِي الْعِبَادَاتِ يَنْبَغِي الْإِحَاطَةُ بِهَا لِئَلَّا تَضْطَرِبَ الْقَوَاعِدُ وَتُظْلِمَ عَلَى طَالِبِ الْعِلْم.

(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ صَوْمِ رَمَضَانَ وَسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ صَوْمِهِ وَصَوْمِ خَمْسٍ، أَوْ سَبْعٍ مِنْ شَوَّالٍ)

اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ» فَوَرَدَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَبَاحِثُ لِلْفُضَلَاءِ، وَإِشْكَالَاتٌ لِلنُّبَهَاءِ وَقَوَاعِدُ فِقْهِيَّةٌ وَمَعَانٍ شَرِيفَةٌ عَرَبِيَّةٌ.

الْأَوَّلُ: لِمَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسِتٍّ وَلَمْ يَقُلْ بِسِتَّةٍ، وَالْأَصْلُ فِي الصَّوْمِ إنَّمَا هُوَ الْأَيَّامُ دُونَ اللَّيَالِي وَالْيَوْمُ مُذَكَّرٌ وَالْعَرَبُ إذَا عَدَّتْ الْمُذَكَّرَ أَنَّثَتْ عَدَدَهُ فَكَانَ اللَّازِمُ فِي هَذَا اللَّفْظِ أَنْ يَكُونَ مُؤَنَّثًا؛ لِأَنَّهُ عَدَدٌ مُذَكَّرٌ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا} [الحاقة: ٧] أَنَّثَ مَعَ الْمُذَكَّرِ وَذَكَّرَ مَعَ الْمُؤَنَّثِ.

الثَّانِي: لِمَ قَالَ مِنْ شَوَّالٍ وَهَلْ لِشَوَّالٍ مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الشُّهُورِ أَمْ لَا.

الثَّالِثُ: لِمَ قَالَ بِسِتٍّ، وَهَلْ لِلسِّتِّ مَزِيَّةٌ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ: (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ صَوْمِ رَمَضَانَ وَسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ صَوْمِهِ وَصَوْمِ خَمْسٍ، أَوْ سَبْعٍ مِنْ شَوَّالٍ) .

قُلْت: جَمِيعُ مَا قَالَهُ فِيهِ صَحِيحٌ إلَّا مَا قَالَهُ فِي جَوَابِ السُّؤَالِ الثَّانِي مِنْ أَنَّ تَخْصِيصَ شَوَّالٍ رِفْقٌ بِالْمُكَلَّفِ وَسَدٌّ لِلذَّرِيعَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَإِلَّا مَا قَالَهُ فِي تَأْوِيلِ ذِكْرِ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ أَنَّهُ لِكَوْنِ السِّتَّةِ عَدَدًا تَامًّا فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَمَا قَالَهُ فِي الْفَرْقَيْنِ بَعْدَ هَذَا صَحِيحٌ.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الْمُرَادُ مِنْ حَدِيثِ التَّقَدُّمِ هُوَ التَّقَدُّمُ بِصَوْمِ رَمَضَانَ حَتَّى لَا يُزَادُ عَلَى صَوْمِ رَمَضَانَ كَمَا زَادَ أَهْلُ الْكِتَابِ عَلَى صَوْمِهِمْ، وَإِنَّمَا كُرِهَ تَحْرِيمًا لِصُورَةِ النَّهْيِ فِي حَدِيثِ الْعِصْيَانِ وَهُوَ وَإِنْ رُوِيَ فِي الْبُخَارِيِّ مَوْقُوفًا عَلَى عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ إلَّا أَنَّهُ فِي مِثْلِهِ كَالْمَرْفُوعِ كَمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَفِي الْفَتْحِ، وَأَخْرُجهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ وَغَيْرُهُمْ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ قَالَ كُنَّا عِنْدَ عَمَّارٍ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَأَتَى بِشَاةٍ مَصْلِيَّةٍ فَتَنَحَّى بَعْضُ الْقَوْمِ فَقَالَ عَمَّارٌ مَنْ صَامَ هَذَا الْيَوْمَ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَكَأَنَّهُ فَهِمَ مِنْ الرَّجُلِ الْمُتَنَحِّي أَنَّهُ قَصَدَ صَوْمَهُ عَنْ رَمَضَانَ اهـ.

وَحَدِيثُ السِّرَارِ مَحْمُولٌ عَلَى صَوْمِهِ اسْتِحْبَابًا لَا عَنْ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِحَدِيثِ التَّقَدُّمِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ مَا أَمْكَنَ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْفَتْحِ اهـ وَفِي الْمُخْتَصَرِ، وَإِنْ غَيَّمَتْ وَلَمْ يُرَ فَصَبِيحَتُهُ يَوْمُ شَكٍّ وَصِيمَ عَادَةً وَتَطَوُّعًا وَقَضَاءً وَلِنَذْرٍ صَادَفَ لَا احْتِيَاطًا قَالَ الْحَطَّابُ يَعْنِي أَنَّ يَوْمَ الشَّكِّ لَا يُصَامُ لِأَجْلِ الِاحْتِيَاطِ لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ، وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ مَنْ صَامَ إلَخْ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ كَابْنِ الْحَاجِبِ هَلْ النَّهْيُ عَلَى الْكَرَاهَةِ أَوْ التَّحْرِيمِ.

قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ التَّحْرِيمُ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نَسَبَهُ اللَّخْمِيُّ لِمَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ قَالَ وَمَنَعَهُ مَالِكٌ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يَنْبَغِي صِيَامُ يَوْمِ الشَّكِّ، وَحَمَلَهَا أَبُو الْحَسَنِ عَلَى الْمَنْعِ وَفِي الْجَلَّابِ يُكْرَهُ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ.

وَقَالَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ الْكَافَّةُ مُجْمِعُونَ عَلَى كَرَاهَةِ صَوْمِهِ احْتِيَاطًا اهـ وَنَحْوُهُ فِي ابْنِ فَرْحُونٍ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الظَّاهِرُ أَنَّ النَّهْيَ عَلَى التَّحْرِيمِ لِقَوْلِهِ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ اهـ، وَزَادَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ يُونُسَ مِنْ الْوَاضِحَةِ وَمَنْ صَامَهُ حَوْطَةً ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَلْيُفْطِرْ مَتَى مَا عَلِمَ اهـ.

وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الشَّيْخِ بِلَفْظِ آخِرِ النَّهَارِ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَحَمَلَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى الْمَنْعِ اهـ وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي الرِّسَالَةِ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ فِي الْحِيَاطَةِ مِنْ رَمَضَانَ مَكْرُوهٌ وَلَا يُكْرَهُ صَوْمُهُ تَطَوُّعًا، وَقَالَ بَعْدَهُ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَا يُصَامُ يَوْمُ الشَّكِّ يُرِيدُ عَلَى الْكَرَاهَةِ لَا عَلَى التَّحْرِيمِ اهـ ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ يُصَامُ احْتِيَاطًا وَلَا أَعْلَمُهُ فِي الْمَذْهَبِ اهـ.

وَخَرَّجَ اللَّخْمِيُّ وُجُوبَ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ مِنْ مَسْأَلَةِ الشَّاكِّ فِي الْفَجْرِ وَمِنْ الْحَائِضِ إذَا جَاوَزَتْ عَادَتَهَا، وَرَدَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ ابْنُ بَشِيرٍ وَغَيْرُهُ، وَبَحَثَ فِي ذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ فَلْيَنْظُرْهُ مَنْ أَرَادَهُ، ثُمَّ قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: وَإِنَّمَا هَذَا الْخِلَافُ إذَا كَانَ الْغَيْمُ أَمَّا إذَا كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً فَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى كَرَاهَةِ صَوْمِهِ احْتِيَاطًا إذْ لَا وَجْهَ لِلِاحْتِيَاطِ فِي الصَّحْوِ اهـ بِحَذْفٍ وَتَصَرُّفٍ مَا.

قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ مَا مَعْنَاهُ فَتَحْرِيمُ الْمَالِكِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ صَوْمَهُ جَارٍ عَلَى قَاعِدَةِ أَنَّ كُلَّ يَوْمِ شَكٍّ مَنْهِيٌّ عَنْ صِيَامِهِ عَنْ رَمَضَانَ نَهْيَ تَحْرِيمٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْحَدِيثِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الشَّهْرِ فَلَا يُنْتَقَلُ عَنْهُ بِالشَّكِّ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ جَارٍ عَلَى قَاعِدَةِ تَعَارُضِ النَّدْبِ وَالتَّحْرِيمِ نَظَرًا لِنَدْبِهِ عَلَى احْتِمَالِ كَوْنِهِ مِنْ شَعْبَانَ وَتَحْرِيمِهِ عَلَى احْتِمَالِ كَوْنِهِ مِنْ رَمَضَانَ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ قُرْبَةٍ بِدُونِ شَرْطِهَا حَرَامٌ وَالنِّيَّةُ الْجَازِمَةُ شَرْطٌ لِصَوْمِهِ مِنْ رَمَضَانَ وَهِيَ هَاهُنَا مُتَعَذِّرَةٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مِنْ شَعْبَانَ لَا عَلَى الْقَطْعِ لَا يَقْتَضِي نَدْبَهُ بَلْ تَحْرِيمَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>