للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّذْكِيرِ الَّذِي هُوَ شَأْنُ اللَّيَالِي، وَالْمُرَادُ الْأَيَّامُ مِثْلُ هَذِهِ الْآيَاتِ.

وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا قَالَ مِنْ شَوَّالٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ رِفْقًا بِالْمُكَلَّفِ؛ لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِالصَّوْمِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ أَسْهَلَ، وَتَأْخِيرُهَا عَنْ رَمَضَانَ أَفْضَلُ عِنْدَهُمْ لِئَلَّا يَتَطَاوَلَ الزَّمَانُ فَيُلْحَقَ بِرَمَضَانَ عِنْدَ الْجُهَّالِ قَالَ لِي الشَّيْخُ زَكِيُّ الدِّينِ عَبْدُ الْعَظِيمِ الْمُحَدِّثُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّ الَّذِي خَشِيَ مِنْهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَدْ وَقَعَ بِالْعَجَمِ فَصَارُوا يَتْرُكُونَ الْمُسَحِّرِينَ عَلَى عَادَتِهِمْ، وَالْقَوَانِينَ، وَشَعَائِرَ رَمَضَانَ إلَى آخِرِ السِّتَّةِ الْأَيَّامِ فَحِينَئِذٍ يُظْهِرُونَ شَعَائِرَ الْعِيدِ وَيُؤَيِّدُ سَدَّ هَذِهِ الذَّرِيعَةِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد «أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ إلَى مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى الْفَرْضَ وَقَامَ لِيَتَنَفَّلَ عَقِبَ فَرْضِهِ، وَهُنَالِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَامَ إلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ لَهُ اجْلِسْ حَتَّى تَفْصِلَ بَيْنَ فَرْضِكَ وَنَفْلِكَ فَبِهَذَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصَابَ اللَّهُ بِكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ» وَمَقْصُودُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ اتِّصَالَ النَّفْلِ بِالْفَرْضِ إذَا حَصَلَ مَعَهُ التَّمَادِي اعْتَقَدَ الْجُهَّالُ أَنَّ ذَلِكَ النَّفَلَ مِنْ ذَلِكَ الْفَرْضِ وَلِذَلِكَ شَاعَ عِنْدَ عَوَامِّ مِصْرَ أَنَّ الصُّبْحَ رَكْعَتَانِ إلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ؛ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ الْإِمَامَ يُوَاظِبُ عَلَى قِرَاءَةِ السَّجْدَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَسْجُدُ فَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ تِلْكَ رَكْعَةٌ أُخْرَى وَاجِبَةٌ، وَسَدُّ هَذِهِ الذَّرَائِعِ مُتَعَيَّنٌ فِي الدِّينِ وَكَانَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - شَدِيدَ الْمُبَالَغَةِ فِيهَا.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: خُصُوصُ شَوَّالٍ مُرَادٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُبَادَرَةِ لِلْعِبَادَةِ وَالِاسْتِبَاقِ إلَيْهَا لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: ١٤٨] وَ {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: ١٣٣] وَلِظَاهِرِ لَفْظِ الْحَدِيثِ وَمَنْ سَاعَدَهُ الظَّاهِرُ فَهُوَ أَوْلَى وَجَوَابُهُمْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ سَدِّ الذَّرِيعَةِ وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ مَزِيَّةٌ السِّتِّ عَلَى السَّبْعِ، أَوْ الْخَمْسِ تَظْهَرُ بِتَقْرِيرِ مَعْنَى السِّتَّةِ وَذَلِكَ أَنَّ شَهْرًا بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وَسِتَّةَ أَيَّامٍ بِسِتِّينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشَرَةٍ وَالسِّتُّونَ يَوْمًا بِشَهْرَيْنِ، وَشَهْرَانِ مَعَ عَشَرَةِ أَشْهُرٍ سَنَةٌ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

تَضْعِيفَ الْحَسَنَاتِ إلَى عَشَرَةٍ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَحِينَئِذٍ فَيَصِيرُ صَائِمُ رَمَضَانَ مِنْهُمْ كَصَائِمِ عَشَرَةِ أَشْهُرٍ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَصَائِمُ سِتَّةٍ بَعْدَهُ مِنْهُمْ كَصَائِمِ شَهْرَيْنِ مِنْ غَيْرِهِمْ فَيَكُونُ صَائِمُ الْمَجْمُوعِ مِنْهُمْ كَصَائِمِ سَنَةٍ مِنْ غَيْرِهِمْ سُدُسُهَا فَقَطْ نَفْلٌ وَبَاقِي أَسْدَاسِهَا فَرْضٌ فَإِذَا تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْ صَائِمِهِ مِنْهُمْ كَانَ كَصَائِمِ جَمِيعِ الْعُمُرِ مِنْ غَيْرِهِمْ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ فَرْضٌ وَسُدُسُهُ نَفْلٌ فَالْمُرَادُ بِالدَّهْرِ عُمُرُهُ، فَبِإِتْبَاعِ رَمَضَانَ بِسِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ مَعَ التَّضْعِيفِ فِي هَذِهِ الْمِلَّةِ حَسَنُ التَّشْبِيهِ بِصِيَامِ الدَّهْرِ مِنْ غَيْرِهَا لَكِنْ بِنِسْبَةِ أَنَّ خَمْسَةَ أَسْدَاسِهِ فَرْضٌ وَسُدُسَهُ نَفْلٌ فَلَا يَحْصُلُ التَّشْبِيهُ الْحَقِيقِيُّ بِالْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ إلَّا بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: الْأَوَّلُ بِالسِّتِّ لَا بِالسَّبْعِ لِأَنَّ السَّبْعَ بِالتَّضْعِيفِ سَبْعُونَ يَوْمًا وَهِيَ زَائِدَةٌ عَنْ الشَّهْرَيْنِ وَتَشْبِيهُ الْأَعْلَى بِالْأَدْنَى بَاطِلٌ، وَلَوْ زَادَ عَلَى السَّبْعِ لَكَانَ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ وَلَا بِالْخَمْسِ لِأَنَّ الْخَمْسَ بِالتَّضْعِيفِ خَمْسُونَ وَهِيَ نَاقِصَةٌ عَنْ الشَّهْرَيْنِ وَكَذَلِكَ مَا دُونَ الْخَمْسِ، وَتَشْبِيهُ الْأَدْنَى بِالْأَعْلَى، وَإِنْ كَانَ جَائِزًا إجْمَاعًا إلَّا أَنَّهُ مَعَ الْمُسَاوَاةِ أَحْسَنُ مِنْهُ مَعَ عَدَمِهَا فَقَاعِدَةُ السِّتِّ مُبَايِنَةٌ لِقَاعِدَةِ السَّبْعِ فَمَا فَوْقَهَا وَالْخَمْسِ فَمَا دُونَهَا.

الْأَمْرُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ صَوْمُ الدَّهْرِ عَلَى حَالٍ مَخْصُوصَةٍ بِأَنْ يَكُونَ نِسْبَةُ السِّتَّةِ الْمُقَدَّرَةِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمِلَّةِ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهَا فَرْضٌ وَسُدُسُهَا وَهُوَ الشَّهْرَانِ النَّاشِئَانِ عَنْ السِّتَّةِ أَيَّامٍ نَفْلٌ، وَمِنْ التَّشْبِيهِ مَعَ الْمُسَاوَاةِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمَّا آلَمَتْهُ رِجْلُهُ فَمَدَّهَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَيُّ شَيْءٍ تُشْبِهُ هَذِهِ فَأَشْكَلَ ذَلِكَ عَلَى الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - أَيَّ شَيْءٍ يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَدَّ رِجْلَهُ الْأُخْرَى وَقَالَ هَذِهِ» فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ بَسْطِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَأْنِيسِهِ مَعَ أَصْحَابِهِ وَكَرَاهَةِ أَنْ يَمُدَّ رِجْلَهُ بَيْنَهُمْ إلَّا لِعُذْرٍ فَأَظْهَرَ هَذَا السُّؤَالُ عُذْرًا وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ الرِّجْلَيْنِ بَعِيدٌ جِدًّا، فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَبَانَتْ مَزِيَّةُ السِّتِّ عَلَى الْخَمْسِ، أَوْ السَّبْعِ وَأَنَّ التَّشْبِيهَ فِي الْحَدِيثِ جَارٍ عَلَى قَاعِدَةِ الْعَرَبِ فِي كَوْنِ التَّشْبِيهِ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ، أَوْ التَّقْرِيبَ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسِتٍّ وَلَمْ يَقُلْ بِسِتَّةٍ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الصَّوْمِ إنَّمَا هُوَ الْأَيَّامُ دُونَ اللَّيَالِي، وَالْيَوْمُ مُذَكَّرٌ وَقَاعِدَةُ الْعَرَبِ مَا فِي قَوْلِهِ فِي الْخُلَاصَةِ:

ثَلَاثَةٌ بِالتَّاءِ قُلْ لِلْعَشَرَهْ ... فِي عَدِّ مَا آحَادُهُ مُذَكَّرَهْ

لِأَنَّ عَادَةَ الْعَرَبِ تَغْلِيبُ اللَّيَالِي عَلَى الْأَيَّامِ فَمَتَى أَرَادُوا عَدَّ الْأَيَّامِ عَدُّوا اللَّيَالِيَ وَمُرَادُهُمْ الْأَيَّامُ وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: ٢٣٤] وَلَمْ يَقُلْ وَعَشَرَةً، مَعَ أَنَّهَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَلَوْ قِيلَ عَشَرَةً لَكَانَ لَحْنًا وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا عَشْرًا} [طه: ١٠٣] {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا يَوْمًا} [طه: ١٠٤] قَالَ الْعُلَمَاءُ يَدُلُّ الْكَلَامُ الْأَخِيرُ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى إلَّا يَوْمًا عَلَى أَنَّ الْمَعْدُودَ الْأَوَّلَ أَيَّامٌ وَلِلْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ شَوَّالٍ أَقْوَالٌ:

الْأَوَّلُ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي الْأَحْكَامِ أَنَّهُ عَلَى جِهَةِ التَّمْثِيلِ وَالْمُرَادُ أَنَّ صِيَامَ رَمَضَانَ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَصِيَامَ سِتَّةِ أَيَّامٍ بِشَهْرَيْنِ وَذَلِكَ الْمَذْهَبُ فَلَوْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ شَوَّالٍ لَكَانَ الْحُكْمُ فِيهَا كَذَلِكَ قَالَ وَهَذَا مِنْ بَدِيعِ النَّظَرِ فَاعْلَمُوهُ اهـ

الْقَوْلُ الثَّانِي لِابْنِ الْمُبَارَكِ وَاللَّخْمِيِّ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّهُ عَلَى جِهَةِ التَّعْيِينِ مِنْ أَوَّلِهِ وَأَنَّ خُصُوصَ شَوَّالٍ مُرَادٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُبَادَرَةِ لِلْعِبَادَةِ وَالِاسْتِبَاقِ إلَيْهَا لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: ١٤٨] ، {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: ١٣٣]

<<  <  ج: ص:  >  >>