مَثُوبَةُ هَذَا الْفَرْضِ أَنْ لَوْ فَعَلَهُ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْمِلَّةِ وَكَذَلِكَ نَقُولُ فِي جَمِيعِ رُتَبِ الْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ، وَإِنْ عَلَتْ فَظَهَرَ أَنَّ التَّشْبِيهَ إنَّمَا وَقَعَ عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ.
وَعَنْ السَّابِعِ أَنَّ السِّتَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَدْ تَقَدَّمَتْ حِكْمَتُهَا وَهِيَ كَوْنُهَا شَهْرَيْنِ فَتَكْمُلُ السَّنَةُ بِهَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ وَأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا يَحْصُلُ بِمَا فَوْقَهَا مِنْ الْعَدَدِ وَلَا بِمَا دُونَهَا مِنْ الْعَدَدِ.
وَأَمَّا السِّتَّةُ فِي الْآيَةِ فَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: الْأَعْدَادُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ عَدَدٌ تَامٌّ وَعَدَدٌ زَائِدٌ وَعَدَدٌ نَاقِصٌ فَالْعَدَدُ التَّامُّ هُوَ الَّذِي إذَا جُمِعَتْ أَجْزَاؤُهُ انْقَامَ مِنْهَا ذَلِكَ الْعَدَدُ كَالسِّتَّةِ فَإِنَّ أَجْزَاءَهَا النِّصْفُ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَالثُّلُثُ اثْنَانِ وَالسُّدُسُ وَاحِدٌ فَلَا جُزْءَ لَهَا غَيْرُ هَذِهِ وَمَجْمُوعُهَا سِتٌّ وَهُوَ أَصْلُ الْعَدَدِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ، وَالْأَرْبَعَةُ لَهَا نِصْفٌ وَرُبُعٌ خَاصَّةً وَمَجْمُوعُهَا ثَلَاثَةٌ فَلَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ الْعَدَدُ فَالْأَرْبَعَةُ عَدَدٌ نَاقِصٌ وَالْعَشَرَةُ لَهَا نِصْفٌ وَهُوَ خَمْسَةٌ وَخُمُسٌ وَهُوَ اثْنَانِ وَعُشْرٌ وَهُوَ وَاحِدٌ، وَمَجْمُوعُهَا ثَمَانِيَةٌ فَهُوَ عَدَدٌ نَاقِصٌ وَالِاثْنَا عَشَرَ لَهَا نِصْفٌ وَهُوَ سِتَّةٌ وَثُلُثٌ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَسُدُسٌ وَهُوَ اثْنَانِ وَنِصْفُ سُدُسٍ وَهُوَ وَاحِدٌ وَمَجْمُوعُهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَهُوَ عَدَدٌ زَائِدٌ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْأَجْزَاءِ أَنْ تَكُونَ بِغَيْرِ كَسْرٍ فِي هَذِهِ الطَّرِيقَةِ فَالْعَدَدُ النَّاقِصُ عِنْدَهُمْ كَآدَمِيٍّ خُلِقَ بِغَيْرِ يَدٍ، أَوْ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ فَهُوَ مَعِيبٌ، وَالْعَدَدُ الزَّائِدُ أَيْضًا مَعِيبٌ؛ لِأَنَّهُ كَإِنْسَانٍ خُلِقَ بِإِصْبَعٍ زَائِدَةٍ، وَالْعَدَدُ التَّامُّ كَإِنْسَانٍ خُلِقَ خَلْقًا سَوِيًّا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ وَهُوَ عِنْدَهُمْ أَفْضَلُ الْأَعْدَادِ كَمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ السَّوِيَّ أَفْضَلُ الْآدَمِيِّينَ خَلْقًا، وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ السِّتَّةَ عَدَدٌ تَامٌّ مَحْمُودٌ فَهُوَ أَوَّلُ الْأَعْدَادِ التَّامَّةِ فَلِذَلِكَ ذُكِرَ لِتَمَامِهِ وَلِأَنَّهُ أَوَّلُهَا وَذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [الأعراف: ٥٤] وَكَانَ الْمَقْصُودُ تَنْبِيهَ الْعِبَادِ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّعْجِيلِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ أَنَاةٌ فَمَا دَخَلَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إلَّا زَانَهُ وَلَا فُقِدَ مِنْ شَيْءٍ إلَّا شَانَهُ «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَشَجِّ عَبْد الْقِيس إنَّ فِيكَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
أَوْ دَارًا فَأَجَرَهَا سِنِينَ رَجَعَ جَمِيعُ ذَلِكَ لِحُكْمِ أَصْلِهِ مِنْ التِّجَارَةِ فَإِنَّ مَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ لَا يَبْطُلُ إلَّا بِنِيَّةِ الْقِنْيَةِ فَالْعَبْدُ الْمَأْخُوذُ وَنَحْوُهُ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ أَصْلِهِ قَالَ سَنَدٌ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فَلَوْ ابْتَاعَ الدَّارَ بِقَصْدِ الْغَلَّةِ فَفِي اسْتِئْنَافِ الْحَوْلِ بَعْدَ الْبَيْعِ رِوَايَتَانِ لِمَالِكٍ وَلَوْ ابْتَاعَهَا لِلتِّجَارَةِ وَالسُّكْنَى فَلِمَالِكٍ أَيْضًا قَوْلَانِ أَيْ بِالِاسْتِئْنَافِ لِلْحَوْلِ بَعْدَ الْبَيْعِ مُرَاعَاةً لِقَصْدِ التَّنْمِيَةِ بِالْغَلَّةِ وَالتِّجَارَةِ، وَعَدَمِ الِاسْتِئْنَافِ لَهُ بَعْدَهُ تَغْلِيبًا لِلنِّيَّةِ فِي الْقِنْيَةِ عَلَى نِيَّةِ التَّنْمِيَةِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْعُرُوضِ، وَفِي شَرْحِ الْمُنْتَقَى لِلْبَاجِيِّ عَلَى الْمُوَطَّإِ: وَالْأَمْوَالُ عَلَى ضَرْبَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا مَالٌ أَصْلُهُ التِّجَارَةُ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَهَذَا عَلَى حُكْمِ التِّجَارَةِ حَتَّى يَنْتَقِلَ عَنْهُ إلَى الْقِنْيَةِ، وَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ إلَيْهَا إلَّا بِالنِّيَّةِ وَالْعَمَلِ وَالْعَمَلُ الْمُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ الصِّيَاغَةُ.
وَثَانِيهِمَا مَالٌ أَصْلُهُ الْقِنْيَةُ كَالْعُرُوضِ وَالثِّيَابِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ وَالْأَطْعِمَةِ فَهَذَا عَلَى حُكْمِ الْقِنْيَةِ حَتَّى يَنْتَقِلَ عَنْهُ إلَى التِّجَارَةِ، وَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ إلَيْهَا إلَّا بِالنِّيَّةِ وَالْعَمَلِ، وَالْعَمَلُ الْمُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ الِابْتِيَاعُ اهـ بِتَصَرُّفٍ، ثُمَّ قَالَ مَا مَعْنَاهُ وَالِابْتِيَاعُ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا التَّقْلِيبُ عَلَى وَجْهِ الِادِّخَارِ وَانْتِظَارِ الْأَسْوَاقِ فَهَذَا لَا زَكَاةَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فِيهِ، وَإِنْ أَقَامَ أَعْوَامًا حَتَّى يَبِيعَ فَيُزَكِّيَ لِعَامٍ وَاحِدٍ.
الثَّانِي التَّقْلِيبُ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ غَيْرِ انْتِظَارِ سُوقٍ كَفِعْلِ أَرْبَابِ الْحَوَانِيتِ الْمُدِيرِينَ فَهَذَا فِيهِ الزَّكَاةُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فِي كُلِّ عَامٍ عَلَى شُرُوطٍ: أَحَدُهَا أَنْ يُقَوِّمَ الْعَرَضَ فِي رَأْسِ الْحَوْلِ مِنْ يَوْمِ كَانَ زَكَّى الْمَالَ قَبْلَ أَنْ يُدِيرَهُ، أَوْ مِنْ يَوْمِ أَفَادَهُ.
وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ التَّقْوِيمُ قِيمَةَ عَدْلٍ بِمَا تُسَاوِي الْعَرَضَ حِينَ تَقْوِيمِهَا.
وَالثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْبَيْعِ الْمَعْرُوفِ دُونَ بَيْعِ الضَّرُورَةِ.
وَالرَّابِعُ أَنْ تَبْلُغَ قِيمَتُهُ مَعَ مَا يَحْسُبُهُ مِنْ عَيْنِهِ وَنَقْدِهِ حَيْثُ كَانَ بَيْعُهُ فِي أَكْثَرِ مِنْ عَامِهِ بِالْعَيْنِ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَيُزَكِّيَهُ بِأَنْ يُخْرِجَ فِي الْعِشْرِينَ دِينَارًا نِصْفَ دِينَارٍ وَمَا زَادَ فَبِحِسَابِهِ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْجَمِيعُ عِشْرِينَ دِينَارًا بِأَنْ نَقَصَ وَلَوْ قَلَّ مِنْ ثُلُثِ دِينَارٍ فَلَا زَكَاةَ اهـ. وَفِي عبق مَعَ الْمَتْنِ مَا خُلَاصَتُهُ: وَإِنَّمَا يُزَكِّي عِوَضَ عَرَضٍ أَيْ قِيمَتَهُ فِي الْمُدِيرِ حَيْثُ قُوِّمَ وَثَمَنُهُ حَيْثُ بَاعَ كَالْمُحْتَكِرِ بِسِتَّةِ شُرُوطٍ أَشَارَ.
لِأَوَّلِهَا بِقَوْلِهِ: لَا زَكَاةَ فِي عَيْنِهِ فَخَرَجَ مَا فِي عَيْنِهِ زَكَاةٌ كَمَاشِيَةٍ وَحَرْثٍ وَحُلِيٍّ.
وَلِثَانِيهَا بِقَوْلِهِ: مُلِّكَ بِمُعَاوَضَةٍ عَلَيْهِ مَالِيَّةٍ فَخَرَجَ نَحْوُ الْمَوْهُوبِ وَنَحْوُ الْمَمْلُوكِ بِخُلْعٍ.
وَلِثَالِثِهَا بِقَوْلِهِ: وَكَانَ مَصْحُوبًا بِنِيَّةِ تَجْرٍ مُنْفَرِدَةٍ، أَوْ مَعَ نِيَّةِ غَلَّةٍ كَنِيَّةِ كِرَائِهِ عِنْدَ شِرَائِهِ، وَإِنْ وَجَدَ رِبْحًا بَاعَ، أَوْ مَعَ نِيَّةِ قِنْيَةٍ كَنِيَّةِ انْتِفَاعٍ بِوَطْءٍ، أَوْ خِدْمَةٍ عِنْدَ نِيَّةِ بَيْعِهِ إنْ وَجَدَ رِبْحًا وَأَوْ لِمَنْعِ الْخُلُوِّ لِأَنَّ انْضِمَامَهُمَا لِنِيَّةِ التَّجْرِ كَانْضِمَامِ أَحَدِهِمَا لَهُ عَلَى الْمُخْتَارِ وَالْمُرَجَّحُ بِلَا نِيَّةٍ فَلَا زَكَاةَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَرَضِ الْقِنْيَةُ، أَوْ مَعَ نِيَّةِ قِنْيَةٍ فَقَطْ فَلَا زَكَاةَ اتِّفَاقًا، أَوْ نِيَّةِ غَلَّةٍ فَقَطْ كَشِرَائِهِ بِنِيَّةِ كِرَائِهِ فَلَا زَكَاةَ كَمَا رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ خِلَافًا لِاخْتِيَارِ اللَّخْمِيِّ الزَّكَاةَ فِيهِ - قَائِلًا - لَا فَرْقَ بَيْنَ الْتِمَاسِ الرِّبْحِ مِنْ رِقَابٍ، أَوْ مَنَافِعَ، أَوْ نِيَّتِهِمَا - أَيْ الْقِنْيَةِ وَالْغَلَّةِ - فَلَا زَكَاةَ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ أَسْقَطَ الزَّكَاةَ مِنْ الْمُغْتَلِّ أَمَّا عِنْدَ مَنْ يُوجِبُهَا فِي الْمُغْتَلِّ فَيَجْتَمِعُ هَهُنَا مُوجِبٌ وَمُسْقِطٌ فَقَدْ يَخْتَلِفُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُرَاعَى الْخِلَافُ.
وَلِرَابِعِهَا بِقَوْلِهِ: وَكَانَ أَصْلُهُ عَيْنًا، وَإِنْ قَلَّ، أَوْ كَهُوَ أَيْ كَأَصْلِهِ عَرَضًا مُلِّكَ بِمُعَاوَضَةٍ، سَوَاءٌ كَانَ عَرَضَ تِجَارَةٍ أَوْ قِنْيَةٍ فَإِذَا كَانَ عِنْدَهُ عَرَضُ تَجْرٍ فَبَاعَهُ بِعَرَضٍ