للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ فَمَا مِنْ نَبِيٍّ إلَّا حَجَّهَا آدَم فَمَنْ سِوَاهُ وَلَوْ كَانَ لِمَلِكٍ دَارَانِ فَأَوْجَبَ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَأْتُوا إحْدَاهُمَا وَوَعَدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِمَغْفِرَةِ سَيِّئَاتِهِمْ وَرَفْعِ دَرَجَاتِهِمْ دُونَ الْأُخْرَى لَعُلِمَ أَنَّهَا عِنْدَهُ أَفْضَلُ.

وَرَابِعُهَا أَنَّ التَّعْظِيمَ وَالِاسْتِلَامَ نَوْعٌ مِنْ الِاحْتِرَامِ وَهُمَا خَاصَّانِ بِالْكَعْبَةِ

وَخَامِسُهَا وُجُوبُ اسْتِقْبَالِهَا يَدُلُّ عَلَى تَعْظِيمِهَا

وَسَادِسُهَا تَحْرِيمُ اسْتِقْبَالِهَا وَاسْتِدْبَارِهَا عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ يَدُلُّ عَلَى تَعْظِيمِهَا وَلَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ لِغَيْرِهَا

وَسَابِعُهَا تَحْرِيمُهَا يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ تُحَرَّمْ الْمَدِينَةُ إلَّا فِي زَمَانِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَلِكَ دَلِيلُ فَضْلِهَا

وَثَامِنُهَا كَوْنُهَا مَثْوَى إبْرَاهِيمَ، وَإِسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

وَتَاسِعُهَا كَوْنُهَا مَوْلِدَ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

وَعَاشِرُهَا كَوْنُهَا لَا تُدْخَلُ إلَّا بِإِحْرَامٍ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى تَعْظِيمِهَا

وَحَادِيَ عَشَرَهَا قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: ٢٨]

وَثَانِيَ عَشَرَهَا الِاغْتِسَالُ لِدُخُولِهَا دُونَ الْمَدِينَةِ

وَثَالِثَ عَشَرَهَا ثَنَاءُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} [آل عمران: ٩٦] وَاعْلَمْ أَنَّ تَفْضِيلَ الْأَزْمَانِ وَالْبِقَاعِ قِسْمَانِ: تَفْضِيلٌ دُنْيَوِيٌّ كَتَفْضِيلِ الرَّبِيعِ عَلَى غَيْرِهِ، وَكَتَفْضِيلِ بَعْضِ الْبُلْدَانِ بِالثِّمَارِ وَالْأَنْهَارِ وَطِيبِ الْهَوَاءِ وَمُوَافَقَةِ الْأَهْوَاءِ، وَدِينِيٌّ كَتَفْضِيلِ رَمَضَانَ عَلَى الشُّهُورِ وَعَاشُورَاءَ عَلَى الْأَيَّامِ وَكَذَلِكَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَيَّامُ الْبِيضِ وَعَشْرُ الْمُحَرَّمِ وَالْخَمِيسُ وَالِاثْنَيْنِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا وَرَدَ الشَّرْعُ بِتَفْضِيلِهِ وَتَعْظِيمِهِ مِنْ الْأَزْمِنَةِ وَالْبِقَاعِ نَحْوِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَعَرَفَةَ وَالْمَطَافِ وَالْمَسْعَى وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى وَمَرْمَى الْجِمَارِ، وَمِنْ الْأَقَالِيمِ الْيَمَنُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْإِيمَانُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ» وَالْمَغْرِبُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ قَائِمِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ» وَمِنْ الْأَزْمِنَةِ الثُّلُثُ الْأَخِيرُ مِنْ اللَّيْلِ فَضَّلَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِإِجَابَةِ الدَّعَوَاتِ وَمَغْفِرَةِ الزَّلَّاتِ، وَإِعْطَاءِ السُّؤَالِ وَنَيْلِ الْآمَالِ، وَأَسْبَابُ التَّفْضِيلِ كَثِيرَةٌ لَا أَقْدِرُ عَلَى إحْصَائِهَا خَشْيَةَ الْإِسْهَابِ، وَإِنَّمَا بَعَثَنِي عَلَى الْوُصُولِ فِيهَا إلَى هَذِهِ الْغَايَةِ مَا أَنْكَرَهُ بَعْضُ فُضَلَاءِ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى الْقَاضِي عِيَاضٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ قَوْلِهِ إنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى أَنَّ الْبُقْعَةَ الَّتِي ضَمَّتْ أَعْضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ الْبِقَاعِ فَقَالَ الثَّوَابُ هُوَ سَبَبُ التَّفْضِيلِ وَالْعَمَلُ هَهُنَا مُتَعَذَّرٌ فَلَا ثَوَابَ فَكَيْفَ يَصِحُّ هَذَا الْإِجْمَاعُ وَشَنَّعَ عَلَيْهِ كَثِيرًا فَأَرَدْت أَنْ أُبَيِّنَ تَعَدُّدَ الْأَسْبَابِ فِي ذَلِكَ فَبَطَلَ مَا قَالَهُ مِنْ الرَّدِّ عَلَى الْقَاضِي وَبَلَغَنِي أَيْضًا عَنْ الْمَأْمُونِ بْنِ الرَّشِيدِ الْخَلِيفَةِ أَنَّهُ قَالَ أَسْبَابُ التَّفْضِيلِ أَرْبَعَةٌ وَكُلُّهَا كَمَلَتْ فِي عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَهُوَ أَفْضَلُ الصَّحَابَةِ وَأَخَذَ يَرُدُّ بِذَلِكَ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ فَأَرَدْت أَيْضًا أَنْ أُبْطِلَ مَا ادَّعَاهُ مِنْ الْحَصْرِ، وَمَسَائِلُ التَّفْضِيلِ كَثِيرَةٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَبَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَهِيَ أَشْبَهُ بِأُصُولِ الدِّينِ وَهَذَا الْكِتَابُ إنَّمَا قَصَدْت فِيهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ خَاصَّةً فَلِذَلِكَ اقْتَصَرْت عَلَى تَفْضِيلِ الصَّلَاةِ وَمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ وَأَحَلْتُ مَا عَدَاهَا عَلَى مَوْضِعِهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

(الْفَرْقُ الرَّابِعَ عَشَرَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ حِينَ خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ الْتَفَتَ إلَيْهَا فَبَكَى، ثُمَّ قَالَ يَا مُزَاحِمُ نَخْشَى أَنْ نَكُونَ مِمَّا نَفَتْ الْمَدِينَةُ قَالَ الْبَاجِيَّ يُرِيدُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا تَنْفِي خَبَثَهَا فَخَافَ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ نَفَتْهُ الْمَدِينَةُ لِكَوْنِهِ مِنْ الْخَبَثِ لِمُخَالَفَةِ سُنَّةٍ، أَوْ ضَلَالٍ عَنْ هُدًى وَمِثْلُهُ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالدِّينِ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ اهـ فَافْهَمْ.

(الْمُهِمُّ الرَّابِعُ) مَسَائِلُ التَّفْضِيلِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ، وَإِنْ كَانَتْ كَثِيرَةً إلَّا أَنَّهَا تَرْجِعُ إلَى التَّفْضِيلِ بِالطَّاعَاتِ وَكَثْرَةِ الْمَثُوبَاتِ وَالْأَحْوَالِ السُّنِّيَّاتِ وَشَرَفِ الرِّسَالَاتِ وَالدَّرَجَاتِ الْعَلِيَّاتِ فَمَنْ كَانَ فِيهَا أَتَمَّ فَهُوَ أَفْضَلُ قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ السَّلَامِ عَلَى الْجَوْهَرَةِ: وَتَلْخِيصُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ النَّاظِمُ أَوَّلًا وَآخِرًا أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ الْمَخْلُوقَاتِ عَلَى الْعُمُومِ وَيَلِيهِ إبْرَاهِيمُ، ثُمَّ مُوسَى، ثُمَّ عِيسَى، ثُمَّ نُوحٌ، ثُمَّ بَقِيَّةُ الرُّسُلِ، ثُمَّ الْأَنْبِيَاءُ غَيْرُ الرُّسُلِ، ثُمَّ هُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ مُتَفَاضِلُونَ أَيْضًا عِنْدَ اللَّهِ، ثُمَّ أَرْأَسُ رُسُلِ الْمَلَائِكَةِ، ثُمَّ مَنْ يَلِيهِ مِنْهُمْ ثُمَّ بَقِيَّةُ رُسُلِهِمْ، ثُمَّ بَقِيَّتُهُمْ غَيْرُ الرُّسُلِ، ثُمَّ هُمْ مُتَفَاضِلُونَ أَيْضًا فِيمَا بَيْنَهُمْ، ثُمَّ قَالَ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ النَّظْمِ أَنَّ التَّفْضِيلَ إمَّا بِاعْتِبَارِ أَفْرَادِ الصَّحَابَةِ فَأَبُو بَكْرٍ هُوَ الْأَفْضَلُ، ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانُ، ثُمَّ عَلِيٌّ، وَإِمَّا بِاعْتِبَارِ الْأَصْنَافِ فَأَفْضَلُهُمْ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ، ثُمَّ السِّتَّةُ الْبَاقِيَةُ مِنْ الْعَشَرَةِ، ثُمَّ بَقِيَّةُ الْبَدْرِيِّينَ، ثُمَّ بَقِيَّةُ أَصْحَابِ أُحُدٍ، ثُمَّ بَقِيَّةُ أَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَهُوَ فِي كَلَامِ الشَّمْسِ الْبِرْمَاوِيِّ اهـ وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ، وَإِنْ كَانَتْ أَشْبَهَ بِأُصُولِ الدِّينِ إلَّا أَنَّ لَهَا تَعَلُّقًا بِالْفِقْهِ بِوَجْهٍ مَا، سِيَّمَا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ مَا أُخِذَ مِنْ الْكِتَابِ، أَوْ السُّنَّةِ، أَوْ الْإِجْمَاعِ وَلَا عَلَى طَرِيقِ الِاعْتِدَادِ لَا الِاسْتِقْلَالِ كَأَغْلَبِ مَسَائِلِ التَّوْحِيدِ الَّتِي يَسْتَقِلُّ بِهَا الْعَقْلُ وَهَذَا الْكِتَابُ الْمَقْصُودُ الِاقْتِصَارُ فِيهِ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ خَاصَّةً وَلَوْ بِوَجْهٍ مَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>