للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جُعْلًا عَلَى ذَلِكَ وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَجَازَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجْعَلُ لِغَيْرِ مَنْ فِي دِيوَانِهِ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ لِذَلِكَ وَثَوَابُ الْجِهَادِ حَاصِلٌ لِلْخَارِجِ فَلَا يَجْتَمِعُ لَهُ الْعِوَضُ وَالْمُعَوَّضُ لِأَنَّ حِكْمَةَ الْمُعَاوَضَةِ انْتِفَاعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاوِضَيْنِ بِمَا بُذِلَ لَهُ حُجَّةُ مَالِكٍ عَمَلُ النَّاسِ فِي ذَلِكَ وَلِأَنَّهُ بَابُ ضَرُورَةٍ أَنْ يَنُوبَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ إذَا كَانُوا أَهْلَ دِيوَانٍ وَاحِدٍ فَإِنْ تَعَدَّدَتْ الدَّوَاوِينُ فَلَا ضَرُورَةَ تُخَالَفُ لِأَجْلِهَا الْقَاعِدَةُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا: الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ

مَسْأَلَةُ الْمُسَابَقَةِ بَيْنَ الْخَيْلِ فَقُلْنَا السَّابِقُ لَا يَأْخُذُ مَا جُعِلَ لِلسَّابِقِ لِأَنَّ السَّابِقَ لَهُ أَجْرُ التَّسَبُّبِ لِلْجِهَادِ فَلَا يَأْخُذُ الَّذِي جُعِلَ فِي الْمُسَابَقَةِ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ لَهُ الْعِوَضُ وَالْمُعَوَّضُ فَلِهَذِهِ الْحِكْمَةِ وَبِسَبَبِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ اشْتَرَطَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الثَّالِثَ الْمُحَلِّلَ لَأَخْذِ الْعِوَضِ

(الْفَرْقُ الْخَامِسَ عَشَرَ وَالْمِائَةَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَرْزَاقِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِجَارَاتِ)

كِلَاهُمَا بَذْلُ مَالٍ بِإِزَاءِ الْمَنَافِعِ مِنْ الْغَيْرِ غَيْرَ أَنَّ بَابَ الْأَرْزَاقِ أَدْخَلُ فِي بَابِ الْإِحْسَانِ وَأَبْعَدُ عَنْ بَابِ الْمُعَاوَضَةِ وَبَابُ الْإِجَارَةِ أَبْعَدُ مِنْ بَابِ الْمُسَامَحَةِ وَأَدْخَلُ فِي بَابِ الْمُكَايَسَةِ وَيَظْهَرُ تَحْقِيقُ ذَلِكَ بِسِتِّ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى

الْقُضَاةُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ أَرْزَاقٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى الْقَضَاءِ إجْمَاعًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَأْجَرُوا عَلَى الْقَضَاءِ إجْمَاعًا بِسَبَبِ أَنَّ الْأَرْزَاقَ إعَانَةٌ مِنْ الْإِمَامِ لَهُمْ عَلَى الْقِيَامِ بِالْمَصَالِحِ لَا أَنَّهُ عِوَضٌ وَجَبَ عَلَيْهِمْ مِنْ تَنْفِيذِ الْأَحْكَامِ عِنْدَ قِيَامِ الْحِجَاجِ وَنُهُوضِهَا وَلَوْ اُسْتُؤْجِرُوا عَلَى ذَلِكَ لَدَخَلَتْ التُّهْمَةُ فِي الْحُكْمِ بِمُعَاوَضَةِ صَاحِبِ الْعِوَضِ وَلِذَلِكَ تَجُوزُ الْوَكَالَةُ بِعِوَضٍ وَيَكُونُ الْوَكِيلُ عَاضِدًا وَنَاصِرًا لِمَنْ بَذَلَ لَهُ الْعِوَضَ وَيَجُوزُ فِي الْأَرْزَاقِ الَّتِي تُطْلَقُ لِلْقَاضِي الدَّفْعُ وَالْقَطْعُ وَالتَّقْلِيلُ وَالتَّكْثِيرُ وَالتَّغْيِيرُ وَلَوْ كَانَ إجَارَةً لَوَجَبَ تَسْلِيمُهُ بِعَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ وَالْوَفَاءُ بِالْعُقُودِ وَاجِبٌ وَالْأَرْزَاقُ مَعْرُوفٌ وَصَرَفَ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ وَقَدْ تَعْرِضُ مَصْلَحَةٌ أَعْظَمُ مِنْ مَصْلَحَةِ الْقَضَاءِ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْإِمَامِ الصَّرْفُ فِيهَا وَالْأُجْرَةُ فِي الْإِجَارَاتِ تُورَثُ وَيَسْتَحِقُّهَا الْوَارِثُ وَيُطَالِبُ بِهَا وَالْأَرْزَاقُ لَا يَسْتَحِقُّهَا الْوَارِثُ وَلَا يُطَالِبُ بِهَا لِأَنَّهَا مَعْرُوفٌ غَيْرُ لَازِمٍ لِجِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ

: الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ

أَرْزَاقُ الْمَسَاجِدِ وَالْجَوَامِعِ يَجُوزُ أَنْ تُنْقَلَ عَنْ جِهَاتِهَا إذَا تَعَطَّلَتْ أَوْ وُجِدَتْ جِهَةٌ هِيَ أَوْلَى بِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْجِهَةِ الْأُولَى وَلَوْ كَانَتْ وَقْفًا أَوْ إجَارَةً لِتَعَذُّرِ ذَلِكَ فِيهَا لِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يَجُوزُ تَغْيِيرُهُ وَالْوَفَاءَ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ وَاجِبٌ وَهُوَ عَقْدٌ لَازِمٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ الْإِمَامُ لِمُتَوَلِّي الْمَسْجِدِ أَنْ يَسْتَنِيبَ دَائِمًا وَيَكُونَ لَهُ تِلْكَ الْأَرْزَاقِ وَتِلْكَ الرَّزْقَةُ مِنْ الْخَرَاجِ وَالطِّينِ عَلَى النَّظَرِ لَا عَلَى الْقِيَامِ بِالْوَظِيفَةِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِمَنْ تَقَدَّمَهُ عَلَى

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

بِإِزَاءِ الْمُلَازَمَةِ فِي الْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ وَهُوَ غَيْرُ الصَّلَاةِ وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِأَنَّ ثَوَابَ صَلَاتِهِ لَهُ فَلَوْ حَصَلَتْ لَهُ الْأُجْرَةُ أَيْضًا لَحَصَلَ لَهُ اجْتِمَاعُ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ الثَّالِثُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ أَنْ يُضَمَّ إلَيْهَا الْأَذَانُ فَتَصِحَّ أَوْ لَا يُضَمَّ إلَيْهَا فَلَا تَصِحَّ لِأَنَّ الْأَذَانَ لَا يَلْزَمُهُ فَيَصِحُّ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ فَإِذَا ضُمَّ إلَى الصَّلَاةِ قَرُبَ الْعَقْدُ مِنْ الصِّحَّةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَفِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِابْنِ رُشْدٍ وَأَمَّا إجَارَةُ الْمُؤَذِّنِ فَإِنْ قَوْمًا لَمْ يَرَوْا فِي ذَلِكَ بَأْسًا قِيَاسًا عَلَى الْأَفْعَالِ غَيْرِ الْوَاجِبَةِ وَقَوْمًا كَرِهُوا ذَلِكَ وَحَرَّمُوهُ مُحْتَجِّينَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ قَالَ قَالَ «رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أُجْرَةً» وَسَبَبُ الِاخْتِلَافِ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَمْ لَيْسَ بِوَاجِبٍ.

اهـ بِتَصَرُّفِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)

أَخَذَ الْخَارِجُ فِي الْجِهَادِ مِنْ الْقَاعِدِ مِنْ أَهْلِ دِيوَانِهِ جُعْلًا عَلَى ذَلِكَ أَجَازَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِعَمَلِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ وَلِأَنَّهُ بَابُ ضَرُورَةٍ أَنْ يَنُوبَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ إذَا كَانُوا أَهْلَ دِيوَانٍ وَاحِدٍ وَإِلَّا فَلَا ضَرُورَةَ تُخَالَفُ لِأَجْلِهَا الْقَاعِدَةُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا فَيُقَالُ بِالْجَوَازِ مَعَ اجْتِمَاعِ ثَوَابِ الْجِهَادِ وَالْجُعْلُ لِلْخَارِجِ وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ كَانَ الْخَارِجُ مِنْ أَهْلِ دِيوَانِهِ لَا مِنْ أَهْلِ دِيوَانٍ آخَرَ عَمَلًا بِالْقَاعِدَةِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ)

الْمُسَابَقَةُ بِجَعْلِ أَيِّ مَالٍ يُجْعَلُ بَيْنَ الْمُتَسَابِقَيْنِ لِيَأْخُذَهُ السَّابِقُ أَوْ مَنْ حَضَرَ فِي الْخَيْلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَالْإِبِلُ كَذَلِكَ وَالْخَيْلُ مِنْ جَانِبٍ وَالْإِبِلُ مِنْ جَانِبٍ جَائِزَةٌ بِمَعْنَى الْإِذْنِ الصَّادِقِ بِالْوُجُوبِ إنْ تَوَقَّفَ أَصْلُ الْجِهَادِ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْوَسَائِلَ تُعْطَى حُكْمَ الْمَقَاصِدِ وَلِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ وَبِالنَّدْبِ إنْ تَوَقَّفَتْ الْبَرَاعَةُ فِيهِ عَلَيْهَا وَبِالْإِبَاحَةِ إنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَيْهَا شَيْءٌ أَنْ يَصِحَّ تَبَعُ الْجُعْلِ وَإِخْرَاجُهُ غَيْرَ الْمُتَسَابِقَيْنِ لِيَأْخُذَهُ مَنْ سَبَقَ مِنْهُمَا أَوْ أَخْرَجَهُ أَحَدُهُمَا فَإِنْ سَبَقَ غَيْرُهُ أَخَذَهُ السَّابِقُ وَإِنْ سَبَقَ هُوَ فَلِمَنْ حَضَرَ كَمَا فِي مُخْتَصَرِ خَلِيلٍ وَشُرَّاحِهِ فَاشْتَرَطُوا الثَّالِثَ الْمُحَلِّلَ لِأَخْذِ الْعِوَضِ وَفِي الْمِنَحِ عَنْ الْأَصْلِ وَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ ثَلَاثِ قَوَاعِدَ لِلْمَنْعِ الْقِمَارُ وَتَعْذِيبُ الْحَيَوَانِ لِغَيْرِ أَكْلِهِ وَحُصُولِ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>