الِاسْتِحْقَاقُ لِغَيْرِهِ كَالْبَطْنِ الثَّانِي إذَا طَرَأَ بَعْدَ الْأَوَّلِ وَهَذَا أَيْضًا يُوَضِّحُ لَك الْفَرْقَ بَيْنَ الْإِجَارَةِ وَالْوَقْفِ وَالْأَرْزَاقِ وَالْإِقْطَاعِ وَمِمَّا يُوَضِّحُ لَك الْفَرْقَ أَيْضًا أَنَّ الْإِمَامَ إذَا قَطَعَ أَمِيرًا أَوْ جُنْدِيًّا إقْطَاعًا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُحَوِّلَهُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ عَلَى حَسَبِ مَا تَقْتَضِيه الْمَصْلَحَةُ وَلَوْ كَانَ عَقْدَ إجَارَةٍ لَامْتَنَعَ نَقْلُهُ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ
وَقَعَ فِي كِتَابِ الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ لِأَبِي الْوَلِيدِ بْنِ رُشْدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا ظَاهِرُهُ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُوقِفَ وَقْفًا عَلَى جِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ وَوَقَعَ لِلشَّافِعِيَّةِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مِثْلُ ذَلِكَ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ أَوْقَافَهُمْ أَعْنِي الْمُلُوكَ وَالْخُلَفَاءَ إذَا وَقَعَتْ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ وَالْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهَا تَنْفُذُ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْهَا شَيْئًا إلَّا إذَا قَامَ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُطْلِقَ ذَلِكَ الْوَقْفَ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَقُمْ بِذَلِكَ الْوَقْفِ فَقَدْ صَارَ ذَلِكَ الشَّرْطُ لَازِمًا لِلنَّاسِ وَلِلْإِمَامِ كَسَائِرِ الْأَوْقَافِ فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ تَحْوِيلُهُ عَنْ تِلْكَ الْجِهَةِ وَإِطْلَاقُهُ لِمَنْ لَمْ يَقُمْ بِتِلْكَ الْوَظِيفَةِ فَإِنْ وَقَفُوا عَلَى أَوْلَادِهِمْ أَوْ جِهَاتِ أَقَارِبِهِمْ لِهَوَاهُمْ وَحِرْصِهِمْ عَلَى حَوْزِ الدُّنْيَا لَهُمْ وَذَرَارِيِّهِمْ وَاتِّبَاعًا لِغَيْرِ الْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ لَمْ يَنْفُذْ هَذَا الْوَقْفُ وَحَرُمَ عَلَى مَنْ وُقِفَ عَلَيْهِ تَنَاوُلُهُ بِهَذَا الْوَقْفِ وَلِلْإِمَامِ انْتِزَاعُهُ مِنْهُ وَصَرْفُهُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ عَلَى حَسَبِ مَا تَقْتَضِيه مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ.
وَأَمَّا الْوَقْفُ الْأَوَّلُ فَهُوَ بَاطِلٌ وَمَنْ تَنَاوَلَ مِنْهُ شَيْئًا بِهَذَا الْوَقْفِ كَانَ لِلْإِمَامِ أَخْذُهُ مِنْهُ وَلَهُ وَقْفُ هَذِهِ الْجِهَةِ عَلَى جِهَةٍ أُخْرَى عَلَى الْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَوْ صَحَّ الْوَقْفُ الْأَوَّلُ لِمُصَادَفَتِهِ لِلْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ تَحْوِيلُهُ.
فَإِنْ قُلْت فَإِنْ وَقَفَ عَلَى وَلَدٍ، بِنَصٍّ أَرَاضِيِ الْمُسْلِمِينَ وَقُرَاهُمْ أَوْ أَحَدٍ مِنْ أَقَارِبِهِ وَاشْتَرَى ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ الَّذِي اكْتَسَبَهُ فِي زَمَنِ مَمْلَكَتِهِ هَلْ يَصِحُّ ذَلِكَ الْوَقْفُ أَمْ لَا قُلْت الْمُلُوكُ فُقَرَاءُ مَدِينُونَ بِسَبَبِ مَا جَنَوْهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِمْ فِي أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ بِالْهَوَاءِ فِي أَبْنِيَةِ الدُّورِ الْعَالِيَةِ الْمُزَخْرَفَةِ وَالْمَرَاكِبِ النَّفِيسَةِ وَالْأَطْعِمَةِ الطَّيِّبَةِ وَإِعْطَاءِ الْأَصْدِقَاءِ وَالْمُزَاحِ بِالْبَاطِلِ مِنْ أَمْوَالٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا شَرْعًا فَهَذِهِ كُلُّهَا دُيُونٌ عَلَيْهِمْ فَتَكْثُرُ مِنْ تَطَاوُلِ الْأَيَّامِ فَيَتَعَذَّرُ بِسَبَبِهَا أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا الْأَوْقَافُ وَالتَّبَرُّعَاتُ وَالْبُيُوعَاتُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَنْ وَافَقَهُ فَإِنَّ تَبَرُّعَاتِ الْمَدْيُونِ الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْ تَقَرُّرِ الدَّيْنِ بَاطِلَةٌ فَيَتَخَرَّجُ ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَثَانِيهمَا الْإِرْثُ لِأَنَّهُ لَا مِيرَاثَ مَعَ الدَّيْنِ إجْمَاعًا فَلَا يُورَثُ عَنْهُمْ شَيْءٌ وَمَا تَرَكُوهُ مِنْ الْمَمَالِيكِ لَا يَنْفُذُ عِتْقُ الْوَارِثِ فِيهِمْ بَلْ هُمْ أَمْوَالُ بَيْتِ الْمَالِ مُسْتَحَقُّونَ بِسَبَبِ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ الدَّيْنِ فَلَا يَنْفُذُ فِيهِمْ إلَّا عِتْقُ مُتَوَلِّي بَيْتِ الْمَالِ عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ وَإِعْتَاقُهُمْ لِغَيْرِ مَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ لَا يَجُوزُ فَإِنْ وَقَفُوا وَقْفًا عَلَى جِهَاتِ الْبِرِّ وَالْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَنَسَبُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَالَ الَّذِي فِي بَيْتِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فِي مَذْهَبِ ابْنِ حَنْبَلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا نَصُّهُ مَعَ الْمَتْنِ قَالَ الشَّيْخُ وَالنِّيَابَةُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ الْمَشْرُوطَةِ مِنْ تَدْرِيسٍ وَإِمَامَةٍ وَخَطَابَةٍ وَأَذَانٍ وَغَلْقِ بَابٍ وَنَحْوِهَا جَائِزَةٌ وَلَوْ عَيَّنَهُ الْوَاقِفُ وَفِي عِبَارَةٍ أُخْرَى لَهُ وَلَوْ نَهَى الْوَاقِفُ عَنْهُ إذَا كَانَ النَّائِبُ مِثْلُ مُسْتَنِيبِهِ فِي كَوْنِهِ أَهْلًا لِمَنْ اُسْتُنِيبَ فِيهِ وَقَدْ يَكُونُ هَكَذَا فِي الْفُرُوعِ وَالِاخْتِيَارَاتِ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ صَوَابُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مَفْسَدَةٌ رَاجِحَةٌ هَكَذَا هُوَ فِي فَتَاوَى الشَّيْخِ اهـ وَكَذَا ذَكَرَ مَعْنَاهُ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ وَجَوَازُ النِّيَابَةِ بِهِ فِي هَذِهِ الْأَعْمَالِ كَالْأَعْمَالِ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى عَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ كَخِيَاطَةِ الثَّوْبِ وَبِنَاءِ الْحَائِطِ.
اهـ بِلَفْظِهِ وَهُوَ فُسْحَةٌ فِي الدِّينِ وَسَيَأْتِي فِي الْفَرْقِ السَّادِسَ عَشَرَ وَالْمِائَتَيْنِ بِزِيَادَةِ بَيَانٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالنِّسْبَةِ لِمَذْهَبِنَا فَتَرَقَّبْ وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ فِيمَا يَدْفَعُهُ لِمُتَوَلِّيهَا مِنْ الْخَرَاجِ وَالطِّينِ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ دَائِمًا وَيَكُونَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى النَّظَرِ لَا عَلَى الْقِيَامِ بِالْوَظِيفَةِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِمَنْ تَقَدَّمَهُ عَلَى الْقِيَامِ بِالْوَظِيفَةِ لِمَصْلَحَةٍ أُخْرَى رَآهَا.
(وَمِنْهَا) أَنَّ تَنَاوُلَ الْأُجْرَةِ عَلَى إمَامَةِ الصَّلَاةِ قَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي جَوَازِهِ وَمَنْعِهِ وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدُ مُكَايَسَةٍ وَمُغَابَنَةٍ وَمِنْ بَابِ الْمُعَاوَضَاتِ الَّتِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ الْعِوَضَانِ فِيهَا لِشَخْصٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ إنَّمَا شُرِعَتْ لِيَنْتَفِعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاوِضَيْنِ بِمَا بُذِلَ لَهُ وَأَجْرُ الصَّلَاةِ لِلْإِمَامِ فَلَوْ أَخَذَ الْعِوَضَ عَنْهَا لَاجْتَمَعَ لَهُ الْعِوَضَانِ وَتَنَاوُلُ الْأَرْزَاقِ عَلَى الْإِمَامَةِ مُجْمَعٌ عَلَى جَوَازِهِ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الْمَعْرُوفِ كَمَا مَرَّ لَا مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ كَمَا ظَنَّهُ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ فَقَالَ إنَّمَا يَجُوزُ تَنَاوُلُ الرِّزْقِ عَلَى الْإِمَامَةِ فِي الصَّلَاةِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْإِجَارَةِ عَلَيْهَا وَتَوَرَّعَ عَنْ تَنَاوُلِهِ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ فِي جَوَازِ الْإِجَارَةِ عَلَيْهَا وَلَمْ يَفْهَمْ أَنَّ جَوَازَ الْأَرْزَاقِ عَلَيْهَا كَجَوَازِ الْوَقْفِ عَلَيْهَا بِدُونِ أَدْنَى خِلَافٍ إذْ الرِّزْقُ لَيْسَ بِمُعَاوَضَةٍ أَلْبَتَّةَ وَكَيْفَ يَكُونُ كَذَلِكَ وَقَدْ أَجَازُوا تَنَاوُلَهُ فِي أَضْيَقِ الْمَوَاضِعِ الَّذِي تَمْتَنِعُ فِيهِ الْمُعَاوَضَةُ قَطْعًا وَهُوَ الْقَضَاءُ وَالْحُكْمُ بَيْنَ النَّاسِ فَحِينَئِذٍ لَا وَرَعَ فِي تَنَاوُلِ الْأَرْزَاقِ عَلَى الْإِمَامَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَإِنَّمَا الْوَرَعُ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَنَاوَلَ