للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيْنَ الْخُصُوصِيَّاتِ لِأَنَّهَا مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ وَلَا تَخْيِيرَ فِيهِ فَلَا جَرَمَ لَيْسَ لَهُ الْعُدُولُ عَنْهُ بِهَوَاهُ وَشَهْوَتِهِ بَلْ يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ.

وَأَمَّا الْخُصُوصِيَّاتُ فَلَهُ ذَلِكَ فِيهَا فَهَذَا هُوَ مَعْنَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ فِي حَقِّ الْحَانِثِ وَأَمَّا التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْخِصَالِ الْخَمْسِ فِي حَقِّ الْأُسَارَى عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَنْ وَافَقَهُ وَهِيَ الْقَتْلُ وَالِاسْتِرْقَاقُ وَالْمَنُّ وَالْفِدَاءُ وَالْجِزْيَةُ فَهَذِهِ الْخِصَالُ الْخَمْسُ لَيْسَ لَهُ فِعْلُ أَحَدِهَا بِهَوَاهُ وَلَا لِأَنَّهَا أَخَفُّ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَذْلُ الْجَهْدِ فِيمَا هُوَ أَصْلَحُ لِلْمُسْلِمِينَ فَإِذَا فَكَّرَ وَاسْتَوْعَبَ فِكْرَهُ فِي وُجُوهِ الْمَصَالِحِ وَوَجَدَ بَعْدَ ذَلِكَ مَصْلَحَةً هِيَ أَرْجَحُ لِلْمُسْلِمِينَ وَجَبَ عَلَيْهِ فِعْلُهَا وَتَحَتَّمَتْ عَلَيْهِ وَيَأْثَمُ بِتَرْكِهَا فَهُوَ لَا يُوجَدُ فِي حَقِّهِ الْإِبَاحَةُ وَالتَّخْيِيرُ الْمُقَرَّرُ فِي خِصَالِ كَفَّارَةِ الْحِنْثِ أَبَدًا لَا قَبْلَ الِاجْتِهَادِ وَلَا بَعْدَ الِاجْتِهَادِ أَمَّا قَبْلَ الِاجْتِهَادِ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ وَبَذْلُ الْجَهْدِ فِي وُجُوهِ الْمَصَالِحِ وَلَا تَخْيِيرَ هَاهُنَا فِي هَذَا الْمَقَامِ وَلَا إبَاحَةَ بَلْ الْوُجُوبُ الصِّرْفُ.

وَأَمَّا بَعْدَ الِاجْتِهَادِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِالرَّاجِحِ مِنْ الْمَصَالِحِ وَلَا خِيرَةَ لَهُ فِيهِ وَمَتَى تَرَكَهُ أَثِمَ فَالْوُجُوبُ قَبْلُ وَالْوُجُوبُ بَعْدُ وَالْوُجُوبُ حَالَةَ الْفِكْرَةِ فَلَا تَخْيِيرَ أَلْبَتَّةَ وَإِنَّمَا هُوَ وُجُوبٌ صِرْفٌ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَتَسْمِيَةُ الْفُقَهَاءِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - ذَلِكَ خِيرَةً إنَّمَا يُرِيدُونَ بِهِ أَنَّهُ لَا يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْفِكْرِ فِعْلُ خَصْلَةٍ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ الْخَمْسِ بَلْ يَجْتَهِدُ حَتَّى يَتَحَصَّلَ لَهُ الْأَصْلَحُ فَيَفْعَلُهُ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ رَدِّ الْغُصُوبِ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ فَإِنَّهَا تَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ فِي ذَلِكَ اجْتِهَادٌ وَلَا خِيرَةَ لَهُ بِهَذَا التَّفْسِيرِ فَهَذَا هُوَ وَجْهُ تَسْمِيَةِ الْفُقَهَاءِ ذَلِكَ خِيرَةً وَإِنَّ هَذِهِ الْخِصَالَ مَوْكُولَةٌ إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ وَخِيرَتِهِ وَوَجْهُ مَا يَعْتَمِدُهُ فِي الْأُسَارَى أَنْ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ شَدِيدَ الدَّهَاءِ كَثِيرَ التَّأْلِيبِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِرَأْيِهِ وَدَهَائِهِ فَالْوَاجِبُ عَلَى الْإِمَامِ فِيهِ الْقَتْلُ إذَا ظَهَرَ لَهُ ذَلِكَ مِنْهُ فِي اجْتِهَادِهِ بِالسُّؤَالِ عَنْ أَخْبَارِهِ وَأَحْوَالِهِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ سِيرَتِهِ وَإِنْ كَانَ الْأَسِيرُ قَدْ ظَهَرَ لَهُ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ بَلْ هُوَ مَأْمُونُ الْغَائِلَةِ وَتَتَأَلَّفُ بِإِطْلَاقِهِ طَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ عَلَى الْإِسْلَامِ أَوْ إطْلَاقُ خَلْقٍ كَثِيرٍ مِنْ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ إذَا مَنَّ عَلَيْهِ قُوبِلَ عَلَى ذَلِكَ بِمِثْلِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَالِحِ الَّتِي تَعْرِضُ فِي النَّظَرِ وَالْفِكْرِ الْمُسْتَقِيمِ بَعْدَ بَذْلِ الْجَهْدِ فَإِنَّهُ يَمُنُّ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ وَإِنْ كَانَ لَا يُرْتَجَى مِنْهُ ذَلِكَ وَالْإِمَامُ مُحْتَاجٌ لِلْمَالِ لِمَصَالِحِ الْغَزْوِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَفْدِيه بِالْمَالِ.

وَإِنْ رَأَى الْمُسْلِمِينَ مُحْتَاجِينَ إلَى مَنْ يَخْدُمُهُمْ وَاسْتَرَقَّهُمْ إنْ انْتَفَتْ هَذِهِ الْوُجُوهُ كُلُّهَا وَلَمْ يَجِدْ فِي اجْتِهَادِهِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مَصْلَحَةً وَرَأَى أَنَّ ضَرْبَ الْجِزْيَةِ مَصْلَحَةٌ لِمَا يَتَوَقَّعُ مِنْ إسْلَامِهِمْ وَأَنَّهُمْ قَرِيبُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ إذَا اطَّلَعُوا عَلَى مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ بِمُخَالَطَةِ أَهْلِهِ وَرُؤْيَتِهِمْ لِشَعَائِرِهِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

النَّاسِ وَيُمْكِنُهُ تَحْصِيلُهُمْ وَالنَّظَرُ فِي أَمْرِهِمْ وَاَلَّذِي صَارَ إلَيْهِ مَالِكٌ مِنْ أَنَّهُ يَجْتَهِدُ الْإِمَامُ وَيَتَحَرَّى مَوْضِعَ الْحَاجَةِ هُوَ الْأَقْوَى ثُمَّ قَالَ مَا مَعْنَاهُ وَيَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ فِي اللَّامِ أَيْضًا أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ بِعَدَمِ بَقَاءِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ إلَى الْيَوْمِ إمَّا أَنْ يَعُودَ سَهْمُهُمْ إلَى سَائِرِ الْأَصْنَافِ كُلِّهَا أَوْ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي أَهْلِ الْخِلَافِ.

وَقَالَ الزُّهْرِيُّ يُعْطَى نِصْفَ سَهْمِهِمْ لِعُمَّارِ الْمَسَاجِدِ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَالْأَوَّلُ أَيْ عَوْدُهُ لِلْأَصْنَافِ عَلَى الْخِلَافِ هُوَ الْأَصَحُّ وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّك عَلَى أَنَّ الْأَصْنَافَ الثَّمَانِيَةَ مَحَلٌّ لَا مُسْتَحِقُّونَ إذْ لَوْ كَانُوا مُسْتَحَقِّينَ لَسَقَطَ سَهْمُهُمْ بِسُقُوطِهِ عَنْ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ وَلَمْ يَرْجِعْ إلَى غَيْرِهِمْ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ لَمْ يَرْجِعْ نَصِيبُهُ إلَى مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ بَلْ حَقُّ الْمُؤَلَّفَةِ بَاقٍ إلَى الْيَوْمِ لِأَنَّ الْإِمَامَ رُبَّمَا احْتَاجَ أَنْ يَسْتَأْلِفَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَقَدْ قَطَعَهُمْ عُمَرُ لَمَّا رَأَى مِنْ إعْزَازِ الدِّينِ وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ إنْ قَوِيَ الْإِسْلَامُ زَالُوا وَإِنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِمْ أُعْطُوا سَهْمَهُمْ كَمَا كَانَ يُعْطِيه رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ الصَّحِيحَ قَدْ رُوِيَ فِيهِ «بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ» اهـ.

وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ الْمَصْرُوفُ مِنْهَا لِلْمُجَاهِدِينَ إجَارَةً مَعَ أَنَّ الْمَصْرُوفَ مِنْهَا لِلْقَائِلِينَ كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِهِ يَدُلُّ قَوْله تَعَالَى {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة: ٦٠] وَهُمْ الَّذِينَ يَقُومُونَ لِتَحْصِيلِهَا وَيُوَكَّلُونَ عَلَى جَمْعِهَا عَلَى مَسْأَلَةٍ بَدِيعَةٍ وَهِيَ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ فَالْقَائِمُ بِهِ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ وَمِنْ ذَلِكَ الْإِمَامَةُ فَإِنَّ الصَّلَاةَ وَإِنْ كَانَتْ مُتَوَجِّهَةً عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ فَإِنَّ تَقَدُّمَ بَعْضِهِمْ بِهِمْ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ فَلَا جَرَمَ يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهَا وَهَذَا أَصْلُ الْبَابِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «مَا تَرَكْت بَعْدَ نَفَقَةِ عِيَالِي وَمُؤْنَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ» قَالَ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ مَلَّكَهَا لَهُ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا وَلَيْسَ لَهُ وَصْفٌ يَأْخُذُ بِهِ مِنْهَا سِوَى الْخِدْمَةِ فِي جَمْعِهَا.

اهـ قَالَ الْأَصِيلُ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيمَا يُصْرَفُ مِنْهَا لِلْمُجَاهِدِينَ شُرُوطُ الْإِجَارَةِ مِنْ مِقْدَارِ الْعَمَلِ وَالْمُدَّةِ الْمُوجِبَةِ لِتَعَيُّنِ الْعَمَلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ نَعَمْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْلِ الْأَرْزَاقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>