تَوْحِيدَ اللَّهِ تَعَالَى وَتَوَحُّدَهُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ وَإِنْ أُضِيفَ شَيْءٌ مِنْهَا لِغَيْرِهِ تَعَالَى فَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الرَّبْطِ الْعَادِيِّ لَا أَنَّ ذَلِكَ الْمُشَارَ إلَيْهِ فَعَلَ شَيْئًا حَقِيقَةً كَقَوْلِنَا قَتَلَهُ السُّمُّ وَأَحْرَقَتْهُ النَّارُ وَرَوَاهُ الْمَاءُ فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ يَفْعَلُ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ حَقِيقَةً بَلْ اللَّهُ تَعَالَى رَبَطَ هَذِهِ الْمُسَبَّبَاتِ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ كَمَا شَاءَ وَأَرَادَ وَلَوْ شَاءَ لَمْ يَرْبِطْهَا وَهُوَ الْخَالِقُ لِمُسَبِّبَاتِهَا عِنْدَ وُجُودِهَا لَا أَنَّ تِلْكَ الْأَسْبَابَ هَذِهِ الْمُوجِدَةُ.
وَكَذَلِكَ إخْبَارُ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَيُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَيُبْرِئُ عِنْدَ إرَادَةِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِذَلِكَ لَا أَنَّ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هُوَ الْفَاعِلُ لِذَلِكَ حَقِيقَةً بَلْ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْخَالِقُ لِذَلِكَ وَمُعْجِزَةُ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي ذَلِكَ رَبْطُ وُقُوعِ ذَلِكَ الْإِحْيَاءِ وَذَلِكَ الْإِبْرَاءِ بِإِرَادَتِهِ فَإِنَّ غَيْرَهُ يُرِيدُ ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُ إرَادَتُهُ ذَلِكَ فَاللُّزُومُ بِإِرَادَتِهِ هُوَ مُعْجِزَتُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا يَظْهَرُ عَلَى أَيْدِي الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ مِنْ الْمُعْجِزَاتِ وَالْكَرَامَاتِ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ خَالِقُهَا وَكَذَلِكَ يَجِبُ تَوْحِيدُهُ تَعَالَى بِاسْتِحْقَاقِ الْعِبَادَةِ وَالْإِلَهِيَّةِ وَعُمُومُ تَعَلُّقِ صِفَاتِهِ تَعَالَى فَيَتَعَلَّقُ عِلْمُهُ بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ وَإِرَادَتُهُ بِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ وَبَصَرُهُ بِجَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ الْبَاقِيَاتِ وَالْفَانِيَاتِ وَسَمْعُهُ بِجَمِيعِ الْأَصْوَاتِ وَخَبَرُهُ بِجَمِيعِ الْمُخْبَرَاتِ فَهَذَا وَنَحْوُهُ تَوْحِيدٌ وَاجِبٌ بِالْإِجْمَاعِ مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ لَا مُشَارَكَةَ لِأَحَدٍ فِيهِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ الْمُتَّفَقُ عَلَى عَدَمِ التَّوْحِيدِ فِيهِ وَالتَّوَحُّدِ، كَتَوْحِيدِهِ بِالْوُجُودِ وَالْعِلْمِ وَنَحْوِهِمَا فَمَفْهُومُ الْوُجُودِ مُشْتَرَكٌ فِيهِ سَوَاءٌ قُلْنَا هُوَ عَيْنُ الْمَوْجُودِ أَوْ غَيْرُهُ فَإِنْ قُلْنَا الْوُجُودُ زَائِدٌ عَلَى الْمَوْجُودِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ
(الْقِسْمُ الثَّانِي وَهُوَ الْمُتَّفَقُ عَلَى عَدَمِ التَّوْحِيدِ فِيهِ وَالتَّوَحُّدُ كَتَوْحِيدِهِ تَعَالَى بِالْوُجُودِ وَالْعِلْمِ وَنَحْوِهِمَا إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْقِسْمِ)
قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ تَقُولَ إنَّ الْوُجُودَ هُوَ عَيْنُ الْمَوْجُودِ أَوْ غَيْرُهُ فَإِنْ قُلْت بِالْأَوَّلِ لَمْ يَصِحَّ الْقَوْلُ بِعَدَمِ التَّوْحِيدِ وَالتَّوَحُّدِ مِنْ حَيْثُ إنَّ وُجُودَ الْبَارِي تَعَالَى عَيْنُ ذَاتِهِ وَوُجُودُ غَيْرِهِ عَيْنُ ذَاتِهِ وَالْغَيْرَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدٌ بِذَاتِهِ غَيْرُ مُشَارَكٍ فِيهَا فَلَا يَصِحُّ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلُ بِعَدَمِ التَّوْحِيدِ وَالتَّوَحُّدِ عَلَى هَذَا بِاعْتِبَارِ الْوُجُودِ الْخَارِجِ عَنْ الذِّهْنِ.
وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ الْأَمْرِ الذِّهْنِيِّ فَلَا يَصِحُّ عَلَى ذَلِكَ الِاتِّفَاقُ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ التَّوْحِيدِ وَالتَّوَحُّدِ لِلْخِلَافِ فِي الْأَمْرِ الذِّهْنِيِّ وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَمْرِ الثَّانِي فَلَا يَصِحُّ أَيْضًا الْقَوْلُ بِعَدَمِ التَّوْحِيدِ وَالتَّوَحُّدِ مِنْ حَيْثُ إنَّ وُجُودَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْغَيْرَيْنِ يَخْتَصُّ بِهِ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِإِنْكَارِ الْحَالِ
وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالْحَالِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يُقَالَ إنَّ الْحَالَ هِيَ الْأَمْرُ الذِّهْنِيُّ أَوْ لَا فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ لَمْ يَصِحَّ الِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ التَّوْحِيدِ وَالتَّوَحُّدِ لِلْخِلَافِ فِي الْأَمْرِ الذِّهْنِيِّ وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي لَمْ يَصِحَّ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَقَالَ إنَّمَا عَاهَدْنَاهُمْ عَلَى إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا حَارَبَ أَهْلَ الذِّمَّةِ وَظُفِرَ بِهِمْ وَالْإِمَامُ عَدْلٌ قُتِلُوا وَتُسْبَى نِسَاؤُهُمْ وَلَا نَتَعَرَّضُ لِمَنْ يُظَنُّ أَنَّهُ مَغْلُوبٌ مَعَهُمْ كَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالضَّعِيفِ وَلَوْ ذَهَبُوا لِبَلَدِ الْحَرْبِ وَتَرَكُوا أَوْلَادَهُمْ نَقْضًا لِلْعَهْدِ لَمْ يُسْبَوْا بِخِلَافِ مَا إذَا ذَهَبُوا بِهِمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِظُلْمٍ أَصَابَهُمْ إلَّا أَنْ يُعِينُوا عَلَيْنَا الْمُشْرِكِينَ فَهُمْ كَالْمُحَارِبِينَ وَقَالَ أَيْضًا إذَا حَارَبُوا وَالْإِمَامُ عَدْلٌ اسْتَحَلَّ سَبْيَهُمْ وَذَرَارِيَّهُمْ إلَّا مَنْ يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ مَغْلُوبٌ كَالضُّعَفَاءِ وَلَمْ يَسْتَثْنِ أَصْبَغُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَحَدًا وَأَلْحَقَ الضُّعَفَاءَ بِالْأَقْوِيَاءِ فِي النَّقْضِ كَمَا انْدَرَجُوا مَعَهُمْ فِي النَّقْدِ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَبَى ذَرَارِيَّ قُرَيْظَةَ وَنِسَاءَهُمْ بَعْدَ نَقْضِ الْعَهْدِ» قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا اسْتَوْلَى الْعَدُوُّ عَلَى مَدِينَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهَا ذِمَّةٌ فَغَزَوْا مَعَهُمْ ثُمَّ اعْتَذَرُوا لَنَا بِالْقَهْرِ الَّذِي لَا يُعْلَمُ إلَّا بِقَوْلِهِمْ فَمَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ مُسْلِمًا قُتِلَ وَإِلَّا أُطِيلَ سَجْنُهُ قَالَ الْمَازِرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُنْتَقَضُ عَهْدُهُمْ إذَا صَارُوا عَوْنًا لِلْحَرْبِيِّينَ عَلَيْنَا
(الْقِسْمُ الثَّانِي)
مَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُنَافِي عَقْدَ الذِّمَّةِ كَتَرْكِ الزِّنَا وَرُكُوبِ الْخَيْلِ وَتَرْكِ ضِيَافَةِ الْمُسْلِمِينَ وَنَقْشِ خَوَاتِيمِهِمْ بِالْعَرَبِيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا تَخِفُّ مَفْسَدَتُهُ فَفِي الْأَصْلِ عَنْ الْأَصْحَابِ إذَا أَظْهَرُوا مُعْتَقَدَهُمْ فِي الْمَسِيحِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْ غَيْرِهِ أَدَّبْنَاهُمْ وَلَا يُنْقَضُ بِهِ الْعَهْدُ وَإِنَّ حُكْمَهُمْ فِي الْقَتْلِ الْمُوجِبِ لِلْقِصَاصِ
(الْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا اخْتَلَفُوا فِي كَوْنِهِ هَلْ يُلْحَقُ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَيُنْتَقَضُ بِهِ عَقْدُ الْجِزْيَةِ أَوْ بِالْقِسْمِ الثَّانِي فَلَا يُنْتَقَضُ بِهِ عَقْدُ الْجِزْيَةِ كَإِكْرَاهِ الْمُسْلِمَةِ عَلَى الزِّنَا وَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَتَعَرُّضِهِمْ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِغَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا عَظُمَتْ مَفْسَدَتُهُ فَفِي الْأَصْلِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَإِنَّمَا يُنْقَضُ بِالْقِتَالِ وَمَنْعِ الْجِزْيَةِ وَالتَّمَرُّدِ عَلَى الْأَحْكَامِ وَالتَّطَلُّعِ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَإِكْرَاهِ الْمُسْلِمَةِ عَلَى الزِّنَا.
وَأَمَّا قَطْعُ الطَّرِيقِ فَحُكْمُهُمْ فِيهِ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ، وَتَعَرُّضُهُمْ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِغَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - مُوجِبٌ لِلْقَتْلِ إلَّا أَنْ يُسْلِمُوا وَرُوِيَ يُوجَعُ أَدَبًا وَيُشَدُّ ذَنَبُهُ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ قُبِلَ مِنْهُ