للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَفَّارَةٌ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي بَقِيَّةِ النِّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ الَّتِي تَعْرِضُ لِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَزُولُ كَالتَّعَلُّقَاتِ فِي الصِّفَاتِ وَغَيْرِهَا قُلْت سُؤَالٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَنَا أَقُولُ مَتَى أَرَادَ الْحَالِفُ تِلْكَ النِّسْبَةَ الَّتِي هِيَ مَدْلُولُ اللَّفْظِ لُغَةً امْتَنَعَ وَسَقَطَتْ الْكَفَّارَةُ وَمَتَى نَقَلَهَا الْعُرْفُ إلَى أَمْرٍ وُجُودِيٍّ قَدِيمٍ جَازَ وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ.

وَعَلَيْهِ الْعُرْفُ الْيَوْمَ وَهُوَ الَّذِي أَفْتَى بِهِ مَالِكٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَمْرِ وَالْبَقَاءِ الْبَاقِي فَهُوَ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ فَإِنْ تَغَيَّرَ الْعُرْفُ تَغَيَّرَ الْحُكْمُ كَمَا تَقَدَّمَ قَبْلَ هَذَا.

اللَّفْظُ الثَّالِثُ عَهْدُ اللَّهِ قَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَتَلْزَمُ بِهِ الْكَفَّارَةُ وَأَصْلُ هَذَا اللَّفْظِ فِي اللُّغَةِ الِالْتِزَامُ وَالْإِلْزَامُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} [البقرة: ٤٠] مَعْنَاهُ أَوْفُوا بِتَكَالِيفِي أُوفِ لَكُمْ بِثَوَابِي الْمَوْعُودِ بِهِ عَلَى الطَّاعَةِ وَمِنْهُ الْعُهْدَةُ فِي الْبَيْعِ أَيْ مَا يَلْزَمُ مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَرَدِّ الثَّمَنِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا} [البقرة: ١٧٧] أَيْ بِمَا الْتَزَمُوا وَمِنْهُ عُهْدَةُ الرَّقِيقِ أَيْ مَا يَلْزَمُ فِيهِ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي مَوَادِّ الِاسْتِعْمَالِ فَعَهْدُ اللَّهِ تَعَالَى إلْزَامُهُ لِخَلْقِهِ تَكَالِيفَهُ وَإِلْزَامُهُ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ وَأَمْرُهُ وَنَهْيُهُ كَلَامُهُ الْقَدِيمُ وَكَلَامُهُ الْقَدِيمُ صِفَتُهُ وَصِفَتُهُ الْقَدِيمَةُ يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهَا كَمَا تَقَدَّمَ عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ فَإِنْ أُرِيدَ بِعَهْدِ اللَّهِ تَعَالَى الْعَهْدُ الْحَادِثُ الَّذِي شَرَعَهُ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ٤] وَنَحْوِهِ مِنْ الْعُهُودِ الَّتِي بَيْنَ خَلْقِهِ انْدَرَجَ فِي الْحَلِفِ الْمَمْنُوعِ وَسَقَطَتْ الْكَفَّارَةُ.

وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَهَرَ اللَّفْظُ فِيهِ عَادَةً وَعُرْفًا امْتَنَعَ وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ حِينَئِذٍ فَإِنْ قُلْت الْإِضَافَةُ تَكْفِي فِيهَا أَدْنَى مُلَابَسَةٍ كَمَا نَصَّ عَلَيْهَا النُّحَاةُ وَيَكُونُ اللَّفْظُ حَقِيقَةً وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِ أَحَدِ حَامِلِي الْخَشَبَةِ شِلْ طَرَفَك فَجَعَلَ طَرَفَ الْخَشَبَةِ طَرَفًا لِلْحَامِلِ بِسَبَبِ الْمُلَابَسَةِ زَمَنَ الْحَمْلِ وَتَقُولُ حِجُّ الْبَيْتَ وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَتَكُونُ الْإِضَافَةُ حَقِيقَةَ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِذَا كَانَتْ الْإِضَافَةُ حَقِيقِيَّةً وَالْعَهْدُ بِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ صَدَقَتْ فِي قَوْلِنَا عَلَى عَهْدِ اللَّهِ بِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ وَذَلِكَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ إضَافَةِ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ وَالْعَهْدِ الْحَادِثِ وَالدَّالُّ عَلَى الْأَعَمِّ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى الْأَخَصِّ فَلَا يَدُلُّ قَوْلُنَا عَهْدُ اللَّهِ عَلَى خُصُوصِ الْقَدِيمِ فَلَا يَتَعَيَّنُ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلْجَوَازِ وَلِلُزُومِ الْكَفَّارَةِ فَلِمَ قَضَيْتُمْ بِالْجَوَازِ وَلُزُومِ الْكَفَّارَةِ بِمُجَرَّدِ الْإِطْلَاقِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ قُلْت سُؤَالٌ حَسَنٌ قَوِيٌّ غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ الْإِضَافَةَ الْخَاصَّةَ لَمْ نَسْتَفِدْهَا مِنْ مُجَرَّدِ اللُّغَةِ بَلْ بِاشْتِهَارٍ عُرْفِيٍّ فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ الْعُرْفُ فِي كُلِّ وَقْتٍ هَلْ هُوَ كَذَلِكَ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ.

وَيَتَحَقَّقُ الْجَوَازُ أَوْ لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْجَوَازُ وَلَا الْكَفَّارَةُ وَلِأَجْلِ هَذَا التَّرَدُّدِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ الْعَهْدُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ تَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ فِي وَاحِدٍ وَتَسْقُطُ فِي اثْنَيْنِ وَيُخْتَلَفُ فِي الرَّابِعِ فَالْأَوَّلُ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَالِاثْنَانِ لَك عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَأُعْطِيك عَهْدَ اللَّهِ وَالرَّابِعُ أُعَاهِدُك اللَّهَ اعْتَبَرَهُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (اللَّفْظُ الثَّالِثُ عَهْدُ اللَّهِ تَعَالَى إلَى قَوْلِهِ وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ حِينَئِذٍ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ قَالَ (فَإِنْ قُلْت إلَى قَوْلِهِ وَهَذَا الْقِسْمُ هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الْعُدُولُ عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا فَهُوَ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْوُجُوهِ إنَّمَا يَفْعَلُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إبَاحَةٍ وَلَا خِيرَةٍ فِي ذَلِكَ لَا قَبْلَ الِاجْتِهَادِ وَلَا بَعْدَهُ وَلَا حَالَةَ الِاجْتِهَادِ فَهُوَ أَبَدًا يَنْتَقِلُ مِنْ وَاجِبٍ إلَى وَاجِبٍ وَلَا يَنْفَكُّ عَنْهُ فَقَبْلَ الِاجْتِهَادِ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ وَبَذْلُ الْجَهْدِ فِي وُجُوهِ الْمَصَالِحِ وَحَالَةُ الِاجْتِهَادِ هُوَ سَاعٍ فِي أَدَاءِ الْوَاجِبِ فَفِعْلُهُ حِينَئِذٍ وَاجِبٌ وَبَعْدَ الِاجْتِهَادِ يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُ مَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ فَلَا تَخْيِيرَ أَلْبَتَّةَ وَإِنَّمَا هُوَ وُجُوبُ صَرْفٍ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَتَسْمِيَةُ الْفُقَهَاءِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ خِيرَةً إنَّمَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ يُرِيدُونَ بِهِ أَنَّهُ لَا يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْفِكْرِ قَبْلَ خَصْلَةٍ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ الْخَمْسِ بَلْ يَجْتَهِدُ حَتَّى يَتَحَصَّلَ لَهُ الْأَصْلَحُ فَيَفْعَلُهُ حِينَئِذٍ وَمِنْهَا تَخْيِيرُ الْإِمَامِ فِي حَدِّ الْمُحَارِبِينَ بَيْنَ الْخِصَالِ الْأَرْبَعِ وَهِيَ الْقَتْلُ وَالصَّلْبُ وَالْقَطْعُ مِنْ خِلَافِ وَالنَّفْيُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ بَذْلُ الْجَهْدِ فِيمَا هُوَ الْأَصْلَحُ لِلْمُسْلِمِينَ فَإِذَا تَعَيَّنَ لَهُ الْأَصْلَحُ وَجَبَ عَلَيْهِ.

وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْعُدُولُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ الْمُحَارِبُ صَاحِبَ رَأْيٍ وَجَبَ عَلَيْهِ قَتْلُهُ وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ فِي اجْتِهَادِهِ أَنَّهُ لَا رَأْيَ لَهُ بَلْ لَهُ قُوَّةٌ وَبَطْشٌ قَطَعَهُ مِنْ خِلَافٍ لِتَزُولَ مَفْسَدَتُهُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ بِذَلِكَ وَإِنْ عَرَفَ مِنْ حَالِهِ الْعَفَافَ وَأَنَّهُ إنَّمَا وَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الْفَلْتَةِ وَالْمُوَافَقَةِ لِغَيْرِهِ مَعَ تَوَقُّعِ النَّدَمِ مِنْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ نَفْيُهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُ وَلَا قَطْعُهُ فَهُوَ أَبَدًا يَنْتَقِلُ مِنْ وَاجِبٍ إلَى وَاجِبٍ فَلَا يَنْفَكُّ فِعْلُهُ عَنْ الْوُجُوبِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ وَإِنَّمَا تَخْيِيرُهُ مُفَسَّرٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَتَّمْ عَلَيْهِ ذَلِكَ ابْتِدَاءً وَلَهُ النَّظَرُ وَفِعْلُ مَا ظَهَرَ رُجْحَانُهُ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ بِخِلَافِ مَا عَيَّنَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَحَتَّمَهُ وَلَمْ يَجْعَلْ لِأَحَدٍ فِيهِ اجْتِهَادًا مِنْ الْحُدُودِ وَغَيْرِهَا كَالصَّلَاةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَأَخْذِ الزَّكَاةِ وَتَعْيِينِ مَصْرِفِهَا فِي الْوُجُوهِ الثَّمَانِيَةِ وَرَجْمِ الزَّانِي وَقَطْعِ السَّارِقِ وَأَنْ لَا يَحُدَّ فِي الزِّنَا إلَّا بِأَرْبَعَةٍ وَفِي الْأَمْوَالِ وَالدِّمَاءِ بِشَاهِدَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَمِنْهَا قَوْلُهُمْ إنَّ تَفْرِقَةَ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ مَوْكُولَةٌ إلَى خِيرَتِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ فِي مَصَالِحِ الصَّرْفِ وَيَجِبَ عَلَيْهِ تَقْدِيمُ أَهَمِّهَا فَأَهَمِّهَا وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْعُدُولُ عَنْ ذَلِكَ وَلَا خِيرَةَ لَهُ إلَّا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ ابْتِدَاءً بَلْ لَهُ النَّظَرُ فِي الْمَصْلَحَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>