ذِكْرُهُ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ وَلَمَّا لَمْ تَكُنْ صِفَةً مَعْنَوِيَّةً زَائِدَةً عَلَى الذَّاتِ سَمَّاهَا الْعُلَمَاءُ صِفَاتٍ ذَاتِيَّةً فَهَذَا هُوَ تَحْقِيقُهَا.
وَأَمَّا حُكْمُهَا فِي الشَّرِيعَةِ إذَا حَلَفَ بِهَا فَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا قَالَ: عَمْرُ اللَّهِ يَمِينِي يُكَفِّرُ مَعَ أَنَّ الْعَمْرَ هُوَ الْبَقَاءُ وَالْبَقَاءُ يَرْجِعُ إلَى مُقَارَنَةِ الْوُجُودِ فِي الْأَزْمِنَةِ وَالْمُقَارَنَةُ نِسْبَةٌ لَا وُجُودَ لَهَا فِي الْأَعْيَانِ فَقَدْ اعْتَبَرَ النِّسْبَةَ وَجَعَلَ حُكْمَهَا حُكْمَ الصِّفَةِ الْوُجُودِيَّةِ فَلَعَلَّهُ يَقُولُ فِي هَذِهِ الصِّفَاتِ كَذَلِكَ وَيُوجِبُ بِهَا الْكَفَّارَةَ إذَا قَالَ الْحَالِفُ: وَأَزَلِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَوُجُوبِ وُجُودِهِ وَأَبَدِيَّتِهِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا غَيْرَ مَا ذَكَرْته لَك مِنْ التَّخْرِيجِ فَإِنْ قُلْت الْأَبَدِيَّةُ لَا تَكُونُ فِي الْأَزَلِ كَمَا أَنَّ الْأَزَلِيَّةَ لَا تَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بَلْ الْأَبَدِيَّةُ اقْتِرَانُ الْوُجُودِ بِجَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ وَالْأَزَلِيَّةُ اقْتِرَانُ الْوُجُودِ بِجَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ الْمُتَوَهَّمَةِ إلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ مِنْ جِهَةِ الْأَزَلِ فَالْأَزَلُ وَالْأَبَدُ مُتَنَافِيَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ.
وَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا فِي الزَّمَنِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْآخَرُ فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ الْأَبَدُ إلَّا مُتَجَدِّدًا بَعْدَ الْأَزَلِ فَإِنْ جَعَلْتُمْ الْحَلِفَ لَا يَكُونُ إلَّا بِقَدِيمٍ لَمْ يَنْعَقِدْ الْحَلِفُ بِأَبَدِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى لِتَجَدُّدِهَا بَعْدَ الْأَزَلِ ثُمَّ إنْ جَعَلْتُمْ الْحَلِفَ بِالْقَدِيمِ كَيْفَ كَانَ وُجُودًا أَوْ عَدَمًا يَلْزَمُكُمْ أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِعَدَمِ الْعَامِّ أَنْ يَكُونَ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قُلْت مُسَلَّمٌ أَنَّ الْأَبَدِيَّةَ لَا تَكُونُ أَزَلِيَّةً وَهِيَ مُتَجَدِّدَةٌ بَعْدَ الْأَزَلِيَّةِ غَيْرَ أَنَّ أَبَدِيَّةَ اللَّهِ تَعَالَى تَرْجِعُ إلَى وُجُودِهِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ كَالْبَقَاءِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (وَأَمَّا حُكْمُهَا فِي الشَّرِيعَةِ إذَا حَلَفَ بِهَا فَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا قَالَ عَمْرُ اللَّهِ يَمِينِي يُكَفِّرُ مَعَ أَنَّ الْعَمْرَ هُوَ الْبَقَاءُ وَالْبَقَاءُ يَرْجِعُ إلَى مُقَارَنَةِ الْوُجُودِ فِي الْأَزْمِنَةِ إلَى قَوْلِهِ مِنْ التَّخْرِيجِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ غَيْرُ مَا قَالَهُ فِي الْبَقَاءِ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى مُقَارَنَةِ الْوُجُودِ فِي الْأَزْمِنَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ تَعَالَى مُتَّصِفٌ بِالْبَقَاءِ سَوَاءٌ وُجِدَ زَمَانٌ أَوْ لَمْ يُوجَدْ فَإِنَّ الزَّمَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْحَوَادِثِ قَالَ فَإِنْ قُلْت الْأَبَدِيَّةُ لَا تَكُونُ فِي الْأَزَلِ كَمَا أَنَّ الْأَزَلِيَّةَ لَا تَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إلَى قَوْلِهِ فَمَعَ الْفَرْقِ لَا يَصِحُّ التَّخْرِيجُ قُلْت السُّؤَالُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَجَوَابُهُ كَذَلِكَ أَمَّا عَدَمُ صِحَّةِ السُّؤَالِ فَمِنْ جِهَةِ أَنَّ وُجُودَ الْبَارِي تَعَالَى وَجَمِيعَ صِفَاتِهِ لَا يَلْحَقُهَا الزَّمَانُ وَالْأَزَلِيَّةُ وَالْأَبَدِيَّةُ قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُمَا بِالسَّلْبِ فَكَيْفَ يَقُولُ السَّائِلُ إنَّهُمَا لَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا فِي الزَّمَنِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْآخَرُ وَهَلْ الْكَوْنُ إلَّا مِنْ لَوَاحِقِ الْوُجُودِ أَوْ هُوَ هُوَ فَمَا أَلْزَمُ مِنْ أَنَّ الْأَبَدَ لَا يَكُونُ إلَّا مُتَجَدِّدًا لَا يَلْزَمُ وَمَا قَالَهُ هُوَ فِي الْجَوَابِ مِنْ أَنَّ الْبَقَاءَ فِي الْمُحْدَثَاتِ لَا يُعْقَلُ إلَّا بَعْدَ الْحُدُوثِ مُسَلَّمٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ مَا بُنِيَ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ مَالِكًا اعْتَبَرَ الْبَقَاءَ مِنْ غَيْرِ مُلَاحَظَةِ كَوْنِهِ ثَانِيًا عَنْ الْحُدُوثِ وَمَتَى يَصِحُّ فِي حَقِّهِ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ بَقَاؤُهُ بِتِلْكَ الْمَثَابَةِ حَتَّى يَلْزَمَ أَنَّ مَالِكًا لَمْ يَعْتَبِرْ ذَلِكَ فَيَخْرُجُ عَلَى قَوْلِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْأَبَدِيَّةِ مَعَ تَسْلِيمِ تَجَدُّدِهَا هَذَا كُلُّهُ تَخْلِيطٌ فَاحِشٌ لَا يُفَوَّهُ بِمِثْلِهِ مَنْ حَصَّلَ شَيْئًا مِنْ عِلْمِ الْكَلَامِ وَمَا قَالَهُ بَعْدَ ذَلِكَ صَحِيحٌ أَوْ حِكَايَةُ خِلَافٍ وَلَا كَلَامَ فِيهِ.
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ بِكِتَابَةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ لَا نَعْرِفُ الرَّحْمَنَ إلَّا صَاحِبَ الْيَمَامَةِ» وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُمْ كَانُوا يُطْلِقُونَهُ مُعَرَّفًا وَمُنَكَّرًا فَلَا تَنْفَعُ هَذِهِ الدَّعْوَى وَكَذَا لَا مَحَلَّ لِدَعْوَى أَنَّ الِاخْتِصَاصَ شَرْعِيٌّ لَا لُغَوِيٌّ وَدَعْوَى أَنَّهُ لَا إشْكَالَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ شَرْعِيٌّ دُونَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لُغَوِيٌّ عَلِمْت مَا فِيهَا وَأَنَّ الْوَاقِعَ عَكْسُ ذَلِكَ وَعَلِمْت أَنَّ دَعْوَى أَنَّ عِلَّةَ اخْتِصَاصِهِ هِيَ كَوْنُ مَعْنَاهُ الْمُنْعِمَ الْحَقِيقِيَّ الْبَالِغَ مِنْ الْإِنْعَامِ غَايَتَهُ أَوْ الْمُنْعِمَ بِجَلَائِلِ النِّعَمِ وَذَلِكَ لَا يَصْدُقُ عَلَى غَيْرِهِ تَعَالَى الْمُقْتَضِي أَنَّ الِاخْتِصَاصَ شَرْعِيٌّ لَا لُغَوِيٌّ لَا تَصِحُّ إذْ لَا وَجْهَ لِرَدِّ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ بِمُجَرَّدِ عَدَمِ الِاطِّلَاع عَلَى دَلِيلِهِمْ فَالْحَقُّ أَنَّ مَنْعَ إطْلَاقِ الرَّحْمَنِ عَلَى غَيْرِهِ تَعَالَى لُغَوِيٌّ وَشَرْعِيٌّ وَأَنَّهُ مَجَازٌ لَا حَقِيقَةٌ لَهُ اهـ.
أَيْ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الرَّحْمَةِ وَهِيَ وَرِقَّةُ الْقَلْبِ مُسْتَحِيلَةٌ فِي حَقِّهِ تَعَالَى فَالْمُرَادُ مِنْهَا لَازِمُهَا وَهُوَ إرَادَةُ الْإِحْسَانِ أَوْ الْإِحْسَانُ
(الْقِسْمُ الثَّانِي) قَالَ الْأَصْلُ مَا لَا يَجِبُ التَّوْحِيدُ وَالتَّوَحُّدُ بِهِ كَتَوْحِيدِهِ بِالْوُجُودِ لِأَنَّهُ إمَّا عَيْنُ الْمَوْجُودِ أَوْ غَيْرُهُ وَمَفْهُومُهُ عَلَى الثَّانِي مُشْتَرَكٌ فِيهِ خَارِجًا وَعَلَى الْأَوَّلِ مُشْتَرَكٌ فِيهِ ذِهْنًا لَا خَارِجًا لِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِنَا وُجُودُ كُلِّ شَيْءٍ نَفْسُ مَاهِيَّتِه أَنَّهُ نَفْسُهَا فِي الْخَارِجِ وَأَمَّا فِي الذِّهْنِ فَنَتَصَوَّرُ مِنْ مَعْنَاهُ مَعْنًى عَامًّا يَشْمَلُ الْوُجُودَ الْوَاجِبَ وَالْوُجُودَ الْمُمْكِنَ فَوَقَعَتْ الشَّرِكَةُ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ الذِّهْنِيَّةِ فَلَمْ يَقَعْ التَّوْحِيدُ فِي أَصْلِ الْوُجُودِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ وَكَتَوْحِيدِهِ بِالْعِلْمِ وَالْحَيَاةِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْإِرَادَةِ وَالْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ وَأَنْوَاعِهِ مِنْ الطَّلَبِ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْخَبَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِثُبُوتِ الشَّرِكَةِ فِي أُصُولِ هَذِهِ الْمَفْهُومَاتِ وَإِلَّا فَقِيَاسُ الْغَائِبِ عَلَى الشَّاهِدِ بِغَيْرِ مُشْتَرَكٍ مُتَعَذِّرٌ إذْ لَا يَصِحُّ قِيَاسُ الْمُبَايِنِ عَلَى مُبَايِنِهِ وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ قِيَاسٌ لِلْغَائِبِ عَلَى الشَّاهِدِ تَعَذَّرَ إثْبَاتُ الصِّفَاتِ فَإِنَّهُ مُسْتَنَدُهَا وَكَوْنُ السَّلْبِ فِي قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١] عَامًّا فِي الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَإِنْ أَوْرَدَهُ الْفُضَلَاءُ لَا يُرَدُّ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَ صِحَّةِ سَلْبِ الْمِثْلِيَّةِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الْآيَةِ وَبَيْنَ صِحَّةِ الْقِيَاسِ بِكَوْنِ السَّلْبِ بِاعْتِبَارِ مَعَانِي تِلْكَ الصِّفَاتِ وَالْقِيَاسُ بِاعْتِبَارِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute