هُوَ أَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ حَاثَّةً لَهُ عَلَى التَّرْكِ وَإِلَّا كَانَ يَكْفِيهِ الْعَزْمُ عَلَى عَدَمِ الْفِعْلِ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ وَكَانَ يَسْتَرِيحُ مِنْ لُزُومِ الْكَفَّارَةِ وَإِنَّمَا أَقْدَمَ عَلَى الْيَمِينِ لِيَكُونَ اسْتِحْضَارُهَا فِي نَفْسِهِ مَانِعًا لَهُ مِنْ الْإِقْدَامِ أَوْ الْإِحْجَامِ فَإِذَا نَسِيَهَا لَمْ يَقْصِدْ بِهَذِهِ الْحَالَةِ حَالَةَ الْحَلِفِ بَلْ مَقْصُودُهُ مَحْصُورٌ فِي حَالَةِ حُضُورِهَا فِي نَفْسِهِ حَتَّى تَمْنَعَهُ.
وَكَذَلِكَ الْعِلْمُ بِعَيْنِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ شَرْطٌ فِي الْحِنْثِ بِهِ فَإِذَا جَهِلَهُ اسْتَحَالَ مَعَ الْجَهْلِ الْحَثُّ عَلَى مَا لَمْ يَعْلَمْهُ فَهَذِهِ الْحَالَةُ يُعْلَمُ خُرُوجُهَا عَنْ الْيَمِينِ بِقَصْدِ الْحَالِفِينَ فَلَا يَلْزَمُ فِيهَا حِنْثٌ وَيُشْتَرَطُ التَّكْرَارُ وَأَمَّا الْإِكْرَاهُ عَلَى الْيَمِينِ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا طَلَاقَ فِي إغْلَاقٍ» أَيْ فِي إكْرَاهٍ فَيُقَاسُ عَلَى الطَّلَاقِ غَيْرُهُ فَلَا يَلْزَمُ وَرَأَى أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْحِنْثِ لَا يُؤَثِّرُ كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْحِنْثِ حَالَةَ النِّسْيَانِ وَالْجَهْلِ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ مَقَاصِدِ النَّاسِ فِي أَيْمَانِهِمْ، تَنْبِيهٌ إذَا قُلْنَا بِأَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْحِنْثِ يَمْنَعُ مِنْ لُزُومِ مُوجَبِ الْيَمِينِ فَأُكْرِهَ عَلَى أَوَّلِ مَرَّةٍ مِنْ الْفِعْلِ ثُمَّ فَعَلَهُ مُخْتَارًا حَنِثَ قَالَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَهُوَ مُقْتَضَى الْفِقْهِ بِسَبَبِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَمْ يَنْدَرِجْ فِي الْيَمِينِ فَالْوَاقِعُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالِاخْتِيَارِ هُوَ أَوَّلُ مَرَّةٍ صَدَرَتْ مُخَالِفَةً لِلْيَمِينِ وَالْأُولَى لَا عِبْرَةَ بِهَا وَتَقَعُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الْفَتَاوَى كَثِيرًا وَيَقَعُ الْغَلَطُ فِيهَا لِلْمُفْتِيَيْنِ فَيَقُولُ السَّائِلُ حَلَفْت بِالطَّلَاقِ لَا أَخْدُمَ الْأَمِيرَ الْفُلَانِيَّ فِي إقْطَاعِهِ وَقَدْ أُكْرِهَتْ بِالضَّرْبِ الشَّدِيدِ عَلَى خِدْمَتِهِ فَيَقُولُ لَهُ الْمُفْتِي لَا حِنْثَ عَلَيْك مَعَ أَنَّ ذَلِكَ الْحَالِفَ مُسْتَمِرٌّ عَلَى الْخِدْمَةِ مَعَ زَوَالِ سَبَبِ الْإِكْرَاهِ وَإِمْكَانِ الْهُرُوبِ مِنْهُ وَالتَّغَيُّبِ عَنْ ذَلِكَ الْأَمِيرِ وَهَذَا يَحْنَثُ بِسَبَبِ أَنَّهُ إذَا مَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُهُ التَّغَيُّبُ عَنْ خِدْمَةِ ذَلِكَ الْأَمِيرِ وَلَمْ يَتَغَيَّبْ فَقَدْ خَدَمَهُ مُخْتَارًا فَيَحْنَثُ وَلَا يُقَالُ إنَّ الْخِدْمَةَ السَّابِقَةَ حَصَلَ بِهَا مُخَالَفَةُ الْيَمِينِ وَالْمُخَالَفَةُ لَا تَتَكَرَّرُ فَلَا يَحْنَثُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّا نَقُولُ الْحَالَةُ السَّابِقَةُ لَمْ تَنْدَرِجْ فِي الْيَمِينِ لِأَجْلِ الْإِكْرَاهِ وَالْمَرَّةُ الْأَخِيرَةُ الَّتِي هِيَ أَوَّلُ الْفِعْلِ الِاخْتِيَارِيِّ هِيَ أَوَّلُ مُخَالَفَاتِ الْيَمِينِ فَهِيَ الْمُعْتَبَرَةُ دُونَ مَا قَبْلَهَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَمِثْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا فَخَالَعَ امْرَأَتَهُ وَكَلَّمَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ بِهَذَا الْكَلَامِ طَلَاقٌ فَلَوْ رَدَّ امْرَأَتَهُ وَكَلَّمَهُ حَنِثَ عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِسَبَبِ أَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ يَحُثَّهُ الطَّلَاقُ عَلَى عَدَمِ كَلَامِهِ بِسَبَبِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ حِينَئِذٍ فَمَا حَلَفَ إلَّا عَلَى نَفْيِ كَلَامٍ يَلْزَمُهُ بِهِ الطَّلَاقُ وَالْكَلَامُ حَالَةُ الْخُلْعِ لَمْ يَلْزَمْهُ بِهِ طَلَاقٌ لِعَدَمِ قَبُولِ الْمَحَلِّ لَهُ فَلَا يَكُونُ مِنْ الْكَلَامِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَأَوَّلُ كَلَامٍ يَقَعُ بَعْدَ رَدِّ امْرَأَتِهِ هُوَ أَوَّلُ مُخَالَفَةِ الْيَمِينِ فِيهِ فَيَلْزَمُ الطَّلَاقُ بِهِ لَا بِمَا قَبْلَهُ لِمَا قُلْنَاهُ فِي الْإِكْرَاهِ حَرْفًا بِحَرْفٍ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَهَذِهِ الصُّوَرُ الثَّلَاثَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ يَحْصُلُ فِيهَا التَّكَرُّرُ فِي صُورَةِ الْمُخَالَفَةِ لَا فِي الْمُخَالَفَةِ الْمُعْتَبَرَةِ بِسَبَبِ مَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
لَا خُصُوصُ السَّبْعِينَ. وَقَوْلُ أَهْلِ الْعُرْفِ سَأَلْتُك أَلْفَ مَرَّةٍ فَمَا قَضَيْت لِي حَاجَةً وَقَوْلُهُمْ زُرْتُك مِائَةَ مَرَّةٍ فَلَمْ تَرْعَ لِي ذَلِكَ لَا يُرِيدُونَ خُصُوصَ الْأَلْفِ وَالْمِائَةِ بَلْ الْكَثْرَةَ فَهَذَا مَجَازٌ قَدْ دَخَلَ فِي السَّبْعِينَ وَالْمِائَةِ وَالْأَلْفِ مِنْ أَلْفَاظِ الْعَدَدِ وَكَذَا دَخَلَ فِيمَا هُوَ بِمَعْنَى أَسْمَاءِ الْعَدَدِ كَلَفْظِ كَرَّتَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} [الملك: ٤] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ الْمُرَادُ بِكْرَتَيْنِ الْمُرَاجَعَةُ الْكَثِيرَةُ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ فَعَبَّرَ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ عَنْ أَصْلِ الْكَثْرَةِ مَجَازًا وَإِذَا انْفَتَحَ الْبَابُ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الْعَدَدِ وَنَحْوِهَا انْخَرَمَ الْجَزْمُ فِي بَقِيَّتِهَا فَلَمْ يَبْقَ لَنَا نُصُوصٌ أَلْبَتَّةَ فِي أَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ غَيْرَ أَنَّ الْفُقَهَاءَ مُطْبِقُونَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَالْوَاقِعُ كَمَا تَرَى فَتَأَمَّلْهُ وَعَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ صِحَّةِ الْقَاعِدَتَيْنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا تَتَخَرَّجُ أَرْبَعُ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)
إذَا حَلَفَ لِيُعْتِقَنَّ ثَلَاثَةَ عَبِيدٍ الْيَوْمَ فَأَعْتَقَ عَبْدَيْنِ وَقَالَ أَرَدْت بِلَفْظِ ثَلَاثَةٍ الِاثْنَيْنِ حَنِثَ إنْ خَرَجَ الْيَوْمُ وَلَمْ يُعْتِقْ الثَّالِثَ وَلَمْ تُفِدْهُ نِيَّتُهُ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ لَفْظِ الثَّلَاثَةِ فِي الِاثْنَيْنِ مَجَازٌ فِي لَفْظٍ مِنْ أَسْمَاءِ الْعَدَدِ وَهُوَ لَا يَدْخُلُ فِي أَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ فَلَا تُفِيدُ فِيهَا النِّيَّةُ لَا فِي الْأَيْمَانِ وَلَا فِي الطَّلَاقِ وَلَا فِي غَيْرِهِمَا (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)
إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَأُعْتِقَنَّ عَبِيدِي وَقَالَ أَرَدْت بَعْضَهُمْ عَلَى سَبِيلِ التَّخْصِيصِ أَوْ أَرَدْت بِعَبِيدِي دَوَابِّي وَبِالْعِتْقِ بَيْعَهَا أَفَادَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ لَفْظَ الْعَبِيدِ وَلَفْظَ الْعِتْقِ مِنْ الظَّوَاهِرِ فَيَدْخُلُهَا الْمَجَازُ وَتُفِيدُ فِيهَا النِّيَّةُ وَعَلَاقَةُ اسْتِعْمَالِ الْعَبِيدِ فِي الْبَعْضِ إطْلَاقُ الْعَامِّ وَإِرَادَةُ الْخَاصِّ وَفِي الدَّوَابِّ الْمُجَاوَرَةُ فِي الْمِلْكِ وَعَلَاقَةُ اسْتِعْمَالِ الْعِتْقِ فِي الْبَيْعِ الْمُشَابَهَةُ فِي بُطْلَانِ الْمِلْكِ بِكُلٍّ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ)
إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَأُعْتِقَنَّ ثَلَاثَةَ عَبِيدٍ وَنَوَى أَنَّهُ يَبِيعُ ثَلَاثَ دَوَابَّ مِنْ دَوَابِّهِ صَحَّ وَأَفَادَتْهُ نِيَّتُهُ لِأَنَّ لَفْظَ ثَلَاثَةٍ لَمْ يَدْخُلْهُ مَجَازٌ وَإِنَّمَا دَخَلَ الْمَجَازُ فِي لَفْظَيْ الْعَبِيدِ وَالْعِتْقِ لِكَوْنِهِمَا مِنْ الظَّوَاهِرِ كَمَا تَقَدَّمَ
(تَنْبِيهٌ) إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ أَرَدْت اثْنَتَيْنِ أَوْ وَاحِدَةً لَا يُفِيدُهُ ذَلِكَ وَأَمَّا إنْ قَالَ أَرَدْت أَنَّك طَلُقَتْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ يُفِيدُهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقٌ لَا فِي الْفُتْيَا وَلَا فِي الْقَضَاءِ حَيْثُ كَانَ هُنَاكَ مِنْ الْقَرَائِنِ مَا يُعَضِّدُهُ وَلَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَإِلَّا لَزِمَهُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ فِي الْقَضَاءِ دُونَ الْفُتْيَا وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّغْيِيرَ وَالْمَجَازَ لَمْ يَدْخُلْ