للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَيْرِ الثَّلَاثَةِ وَإِنْ نَذَرَهُ.

وَأَمَّا مَا وَقَعَ مِنْ قَوْلِهِ يَمْشِي إلَى الْقَرِيبِ فَمُرَاعَاةً لِضَرُورَةِ النَّذْرِ عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ دُونَ الْإِلْزَامِ وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ يَمْشِي إلَى مَسْجِدِ الْجُمُعَةِ مُشْكِلٌ يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَاعِدَةِ وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْأَصْحَابِ يَمْشِي إلَى الْمَسْجِدِ الْقَرِيبِ اسْتِحْسَانٌ مِنْ غَيْرِ مُدْرَكٍ ظَاهِرٍ وَالصَّوَابُ مَا تَقَدَّمَ فَإِنْ قُلْت الْقَاعِدَةُ فِي النَّذْرِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِعْلٌ الْأَعْلَى عَنْ فِعْلِ الْأَدْنَى إذَا نَذَرَهُ فَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِرَغِيفٍ لَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثَوْبٍ وَإِنْ كَانَ أَعْظَمَ مِنْهُ وَقْعًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَعِنْدَ الْمُسْلِمِينَ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يَوْمًا لَمْ يُجِزْهُ أَنْ يُصَلِّيَهُ بَدَلًا عَنْ الصَّوْمِ وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ أَفْضَلَ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ لَمْ يُجِزْهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِآلَافٍ مِنْ الدَّنَانِيرِ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ وَالضُّعَفَاءِ وَلَا أَنْ يُصَلِّيَ السِّنِينَ مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ مِنْ الْحَجِّ وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ.

وَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ كَيْفَ صَحَّ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ مَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ يُصَلِّي بِالْمَدِينَةِ أَوْ بِمَكَّةَ إذَا كَانَ مُقِيمًا بِهِمَا وَلَا يَأْتِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَغَايَتُهُ أَنَّهُ تَرَكَ الْمَفْضُولَ لِفِعْلِ الْفَاضِلِ وَالْقَاعِدَةُ مَنْعُ ذَلِكَ فَكَيْفَ سَاغَ ذَلِكَ هُنَا قُلْت ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُصَلِّي بِالْحَرَمَيْنِ إذَا كَانَ مُقِيمًا بِهِمَا حَالَةَ النَّذْرِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ نَذَرَ الْخُرُوجَ وَتَرْكَ الصَّلَاةِ فِي

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (وَأَمَّا مَا وَقَعَ مِنْ قَوْلِهِ يَمْشِي إلَى الْقَرِيبِ فَمُرَاعَاةٌ لِضَرُورَةِ النَّذْرِ عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ دُونَ الْإِلْزَامِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ كَلَامٌ ضَعِيفٌ لَا يَصِحُّ إلَّا بِحُجَّةٍ وَلَمْ يَأْتِ بِهَا قَالَ (وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ يَمْشِي إلَى مَسْجِدِ الْجُمُعَةِ مُشْكِلٌ إلَى قَوْلِهِ مِنْ الْقَاعِدَةِ) قُلْت إنْ ثَبَتَ لَهُ دَلِيلٌ فَلَا إشْكَالَ وَإِلَّا أُشْكِلَ قَالَ (وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْأَصْحَابِ يَمْشِي إلَى الْمَسْجِدِ الْقَرِيبِ اسْتِحْسَانٌ مِنْ غَيْرِ مُدْرَكٍ وَالصَّوَابُ مَا تَقَدَّمَ) قُلْت كَلَامُهُ هَذَا كَلَامٌ مُتَنَاقِضٌ وَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْأَصْحَابِ اسْتِحْسَانًا مِنْ غَيْرِ مُدْرَكٍ وَهَلْ الِاسْتِحْسَانُ إلَّا مُدْرَكٌ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ.

قَالَ (فَإِنْ قُلْت الْقَاعِدَةُ فِي النَّذْرِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِعْلٌ الْأَعْلَى عَنْ فِعْلِ الْأَدْنَى إلَى قَوْلِهِ وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ) قُلْت إنَّمَا لَمْ يُجِزْهُ فِعْلٌ الْأَعْلَى عَنْ فِعْلِ الْأَدْنَى وَإِنْ كَانَ الْأَعْلَى أَعْظَمَ قَدْرًا لِأَنَّ فِي تَرْكِ الْأَدْنَى الْمَنْذُورِ مُخَالَفَةَ النَّذْرِ وَإِذَا خُولِفَ الْمَنْذُورُ حَصَلَ ارْتِكَابُ الْمَمْنُوعِ وَهُوَ عَدَمُ الْوَفَاءِ لِلَّهِ تَعَالَى بِمَا الْتَزَمَ لِوَجْهِهِ.

قَالَ (وَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ كَيْفَ صَحَّ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ مَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ بِالْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ يُصَلِّي بِالْمَدِينَةِ أَوْ بِمَكَّةَ إلَى قَوْلِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ) قُلْت نَقُول إذَا كَانَ النَّاذِرُ مُقِيمًا بِالْحَرَمَيْنِ كَانَ فِي ضِمْنِ نَذْرِهِ الصَّلَاةُ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ تَرْكُ الرَّاجِحِ وَهُوَ الصَّلَاةُ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ لَيْسَ بِالظَّاهِرِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَكُنْ تَرَكَ التَّنَفُّلَ بِالْمَسْجِدَيْنِ جَائِزًا أَمَّا وَتَرْكُ التَّنَفُّلِ بِهِمَا جَائِزٌ فَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ وُرُودُ السُّؤَالِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

تَأْيِيدُ التَّفْتَازَانِيِّ قَوْلُ الْعَضُدِ بِاسْتِعَارَةِ الْفِعْلِ بِاعْتِبَارِ النِّسْبَةِ الْمَبْنِيِّ عَلَى دُخُولِهَا فِيهِ أَوْ غَيْرِ دَاخِلَةٍ فِيهِ وَهُوَ مُفَادُ ابْنِ مَالِكٍ فِي الْخُلَاصَةِ حَيْثُ قَالَ فِيهَا الْمَصْدَرُ اسْمُ مَا سِوَى الزَّمَانِ مِنْ مَدْلُولَيْ الْفِعْلِ إلَخْ وَعَزَاهُ الْفَنَارِيُّ فِي فُصُولِ الْبَدَائِعِ إلَى ابْنِ الْحَاجِبِ وَالصَّبَّانِ فِي حَوَاشِي الْأُشْمُونِيِّ لِلْجُمْهُورِ كَمَا فِي بَيَانِيَّةِ الصَّبَّانِ وَالْأُنْبَابِيُّ عَلَيْهَا وَقَالَ الصَّبَّانُ فِي بَيَانِيَّتِهِ فِي شَرْحِ شَيْخِنَا إنَّ الْحَقَّ عَدَمُ دُخُولِهَا فِيهِ نَعَمْ الْفِعْلُ مَلْحُوظٌ فِيهِ النِّسْبَةُ إلَى الْفَاعِلِ أَوْ نَائِبِهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي مَفْهُومِهِ أَوْ خَارِجَةٌ عَنْهُ كَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ اهـ الْمُرَادُ وَحَيْثُ لَمْ يَدُلَّ عَلَى الْمَأْكُولِ إلَّا بِالتَّضَمُّنِ أَوْ الِالْتِزَامِ وَلَمْ يَلْفِظْ بِهِ فَلَا يَجُوزُ دُخُولُ النِّيَّةِ مُحْتَجِّينَ عَلَى ذَلِكَ بِأُمُورٍ

(أَحَدُهَا) أَنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ اللَّفْظِ الْمَنْطُوقِ بِهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَخَالَفْنَا ذَلِكَ فِيمَا دَلَّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ مُطَابَقَةً وَبَقِيَ فِيمَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ تَحْكِيمَ النِّيَّةِ فِي اللَّفْظِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ فَرْعُ تَنَاوُلِ ذَلِكَ اللَّفْظِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى وَالتَّنَاوُلُ إنَّمَا هُوَ مُحَقَّقٌ فِي الْمُطَابِقَةِ وَأَمَّا التَّضَمُّنُ وَالِالْتِزَامُ فَتَبَعٌ جَاءَ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ وَذَلِكَ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْأَلْفَاظِ وَضْعِيَّةٌ لَا عَقْلِيَّةٌ وَلَمْ يُوضَعْ لَفْظُ الْمَسْجِدِ مَثَلًا إلَّا لِجُمْلَتِهِ لَا لِجُمْلَتِهِ وَبَعْضِهِ الَّذِي هُوَ السَّقْفُ مَثَلًا وَلَازِمِهِ الَّذِي هُوَ أَدَاءُ الْعِبَادَةِ فِيهِ مَثَلًا وَإِلَّا لَكَانَ ذَلِكَ اللَّفْظُ مُشْتَرِكًا وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَلَا دَلَالَةَ لِلَفْظِ الْمَسْجِدِ عَلَى السَّقْفِ وَلَا عَلَى أَدَاءِ الْعِبَادَةِ أَصْلًا نَعَمْ هُنَا أَمْرٌ وَهُوَ أَنَّ مَنْ يَذْكُرُ لَهُ لَفْظًا يَدُلُّ عَلَى مَجْمُوعِ أَشْيَاءَ بِالْوَضْعِ فَإِنَّهُ يَتَذَكَّرُ مَا تَرَكَّبَ مِنْهُ ذَلِكَ الْمَجْمُوعُ فَمَنْ اعْتَقَدَ هَذَا الْقَدْرَ وَسَمَّى هَذَا التَّذَكُّرَ دَلَالَةً فَلَا حَجْرَ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ يَدْخُلُ اللُّبْسُ فِي كَلَامِهِ عَلَى سَامِعِ ذَلِكَ مِنْهُ حِينَ يَذْكُرُ هَاتَيْنِ الدَّلَالَتَيْنِ اللَّتَيْنِ مَعْنَاهُمَا تَذَكُّرُ الشَّيْءِ عِنْدَ ذِكْرِ الشَّيْءِ مَعَ ذِكْرِهِ الدَّلَالَةَ الْوَضْعِيَّةَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ لَفْظَ الدَّلَالَةِ لَمْ يُوقِعْهُ عَلَى الْوَضْعِيَّةِ وَالتَّذَكُّرِ بِالتَّوَاطُؤِ بَلْ بِالِاشْتِرَاكِ وَذَلِكَ مِمَّا يُوقِعُ الْغَلَطَ كَثِيرًا وَإِذَا كَانَتْ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى الْجُزْءِ وَاللَّازِمِ تَبَعًا لِدَلَالَتِهِ عَلَى الْكُلِّ، وَالْمَلْزُومُ جَاءَ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ لَا مِنْ جِهَةِ الْوَضْعِ وَالْأَلْفَاظُ إنَّمَا تَدُلُّ وَضْعًا لَا عَقْلًا كَانَ تَقْرِيرُ اللَّفْظِ فِي الْجُزْءِ وَاللَّازِمِ ضَعِيفًا فَيَكُونُ تَصَرُّفُ النِّيَّةِ فِيهِ كَذَلِكَ فَلَا يُتْرَكُ مَا أَجْمَعْنَا عَلَيْهِ لِهَذَا الضَّعِيفِ

<<  <  ج: ص:  >  >>