للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ أَنَّ ذَلِكَ الْإِمَامَ كَانَ يَعْتَقِدُ هَذَا الْمَذْهَبَ فِي النَّحْوِ حَتَّى يُقَالَ أَصْلُهُ يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ مَذْهَبَهُ فِي النَّحْوِ كَذَلِكَ بَطَلَ أَيْضًا الِاعْتِذَارُ بِهِ عَنْ صَاحِبِ ذَلِكَ الْمَذْهَبِ.

وَمِنْ أَيْنَ لَنَا أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانَ فِي النَّحْوِ لَا يَجْتَمِعُ عَامِلَانِ عَلَى مَعْمُولٍ وَاحِدٍ وَأَنَّ الْعَامِلَ فِي الصِّفَةِ هُوَ الْعَامِلُ فِي الْمَوْصُوفِ فَلَعَلَّ مَذْهَبَهُمَا أَنَّ النَّعْتَ يَرْتَفِعُ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لِلْمَوْصُوفِ كَمَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ النُّحَاةِ لَا بِالْعَامِلِ فِي الْمَنْعُوتِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ التَّقَادِيرِ وَهِيَ مُتَعَذِّرَةٌ قُلْت كَلَامٌ صَحِيحٌ مُتَّجَهٌ فَإِنْ قُلْت أُعِيدَ النَّعْتُ عَلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى وَهُوَ قَوْلُهُ {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: ٢٣] فَيَكُونُ الدُّخُولُ شَرْطًا فِي تَحْرِيمِ الْأُمِّ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَيَكُونُ الدُّخُولُ شَرْطًا فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنَّا لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي شَرْطِيَّةِ الدُّخُولِ فِي تَحْرِيمِ الْبِنْتِ فَيَثْبُتُ الْحُكْمَانِ فِي الْجُمْلَتَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ وَالْآيَةِ وَيَكُونُ هَذَا أَوْلَى لِئَلَّا يَتَرَادَفَ الْإِجْمَاعُ وَالْآيَةُ عَلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّرَادُفِ وَمَهْمَا أَمْكَنَ تَكْثِيرُ فَوَائِدِ كَلَامِ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَجَعْلُ مَدْلُولٍ لِكُلِّ دَلِيلٍ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ التَّرَادُفِ وَالتَّأْكِيدِ وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ حُكْمُ الْمَجَازِ بِالْإِجْمَاعِ وَوَرَدَ لَفْظٌ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ حُمِلَ حَقِيقَتِهِ وَلَا يُجْعَلُ ذَلِكَ اللَّفْظُ مُسْتَنَدُ الْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْأَصْلَ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَلَا يَلْزَمُنَا أَنْ نُعَيِّنَ لِلْإِجْمَاعِ مُسْتَنَدًا بَلْ هُوَ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ وَلَا يَلْزَمُنَا طَلَبُ دَلِيلٍ لِلْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُسْتَنَدٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَذَلِكَ هَهُنَا لَا يَلْزَمُنَا طَلَبُ مُسْتَنَدِ الْإِجْمَاعِ فِي اشْتِرَاطِ الدُّخُولِ فِي تَحْرِيمِ الْبِنْتِ وَيُحْمَلُ اللَّفْظُ عَلَى فَائِدَةِ زَائِدَةٍ تَكْثِيرًا لِفَوَائِدِ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَقَدْ مَثَّلُوا ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٢٢] وَالنِّكَاحُ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ وَقَدْ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ يُحَرِّمُ عَلَى الِابْنِ فَنَحْمِلُ نَحْنُ الْآيَةَ عَلَى الْوَطْءِ فَعَلَى هَذَا إذَا وَطِئَهَا حَلَالًا أَوْ حَرَامًا حَرُمَتْ عَلَى الِابْنِ وَتَحْرُمُ بِالْعَقْدِ أَيْضًا.

وَيَكُونُ هَذَا أَوْلَى لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْكَلَامِ الْحَقِيقَةُ وَالْأَصْلُ أَيْضًا عَدَمُ التَّرَادُفِ عَلَى مَدْلُولٍ وَاحِدٍ فَكَذَلِكَ هَهُنَا قُلْت أَمَّا هَذَا السُّؤَالُ فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّا فِي آيَةِ الرَّبَائِبِ نَحْمِلُ اللَّفْظَ عَلَى الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ طَلَبًا لِمُسْتَنَدِ الْإِجْمَاعِ بَلْ لِأَنَّ الْقُرْبَ يُوجِبُ الرُّجْحَانَ فَإِنَّ اللَّفْظَ صَالِحٌ لِلْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَرُجِّحَتْ الثَّانِيَةُ بِالْقُرْبِ وَبِهَذَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا السُّؤَالِ وَبَيْنَ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا فَإِنَّ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ جَاءَ الْإِجْمَاعُ فِي الْمَجَازِ الْمَرْجُوحِ عَلَى

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

ضَرُورَةٍ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَسَبَبُ هَذَا النَّدْبِ التَّوْسِعَةُ فَقَطْ لَا مَعَ دَفْعِ ضَرُورَةٍ حَتَّى تَقْتَضِيَ الْوُجُوبَ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي بَقِيَّةِ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ فِي بَابَيْ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي

(الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ) إنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ كَمَا جَعَلَ الْأَحْكَامَ عَلَى قِسْمَيْنِ قِسْمٌ قَرَّرَهُ فِي أَصْلِ شَرْعِهِ وَلَمْ يَكِلْهُ إلَى خِيَرَةِ خَلْقِهِ كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقِسْمٌ وَكَلَ وُجُوبَهُ إلَى خِيَرَةِ خَلْقِهِ فَإِنْ شَاءُوا أَوْجَبُوهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِإِنْشَاءِ سَبَبِهِ وَهُوَ النَّذْرُ وَإِنْ شَاءُوا لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ كَذَلِكَ جَعَلَ الْأَسْبَابَ عَلَى قِسْمَيْنِ قِسْمٌ قَرَّرَهُ فِي أَصْلِ شَرْعِهِ وَلَمْ يَكِلْهُ إلَى خِيَرَةِ الْمُكَلَّفِ كَالزَّوَالِ وَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَمِلْكِ النِّصَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقِسْمٌ وَكَلَهُ لِلْعِبَادِ فَإِنْ شَاءُوا جَعَلُوهُ سَبَبًا وَإِنْ شَاءُوا لَمْ يَجْعَلُوهُ سَبَبًا وَهُوَ شَرْطُ النُّذُورِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهَا أَسْبَابٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهَا الْوُجُودُ وَمِنْ عَدَمِهَا الْعَدَمُ كَمَا هُوَ حَقِيقَةُ السَّبَبِ

(الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ) إنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ حَصَرَ مَا وَكَلَ وُجُوبَهُ إلَى خِيَرَةِ الْخَلْقِ مِنْ قِسْمَيْ الْأَحْكَامِ وَهُوَ النَّذْرُ فِي الْمَنْدُوبَاتِ فَلَا يُؤَثِّرُ النَّذْرُ الْوُجُوبَ إلَّا فِي نَقْلِ مَنْدُوبٍ وَلَمْ يَحْصُرْ مَا وَكَلَ جَعَلَهُ سَبَبًا إلَى خِيَرَةِ الْمُكَلَّفِ مِنْ قِسْمَيْ الْأَسْبَابِ فِي شَيْءٍ بَلْ عَمَّمَ ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْمُمَكَّنَاتِ الْمُسْتَقْبَلَاتِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَيْسَ مِنْ الْمُكْتَسَبَاتِ كَهُبُوبِ الرِّيَاحِ وَنُزُولِ الْأَمْطَارِ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَلَا اكْتِسَابٌ اخْتِيَارِيٌّ فَأَيُّ ذَلِكَ شَاءَ الْمُكَلَّفُ جَعَلَهُ سَبَبًا لِوُجُوبِ مَنْذُورِ عَلَيْهِ أَوْ لَزِمَ طَلَاقٌ أَوْ عَتَاقٌ لَهُ فَهَذِهِ الْأَسْبَابُ الْمَوْكُولُ جَعْلُهَا سَبَبًا إلَى خِيَرَةِ الْمُكَلَّفِ أَشَدُّ بُعْدًا عَنْ الْقَوَاعِدِ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمَوْكُولِ وُجُوبُهَا لِخِيَرَةِ الْخَلْقِ وَهُوَ النَّذْرُ مَعَ بُعْدِ الْأَحْكَامِ فِي أَنْفُسِهَا عَنْ الْقَوَاعِدِ أَيْضًا لِأَنَّ الْأَحْكَامَ وَإِنْ انْتَقَلَتْ فِيهَا الْمَنْدُوبَاتُ لِلْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتُ فِيهَا أَصْلُ الْمَصْلَحَةِ إلَّا أَنَّهَا بَعُدَتْ أَيْضًا بِإِقَامَةِ مَصْلَحَةِ النَّدْبِ لِلْوُجُوبِ عَنْ قَاعِدَةِ أَنَّ الْأَحْكَامَ تَتْبَعُ الْمَصَالِحَ عَلَى اخْتِلَافِ رُتَبِهَا كَمَا هُوَ عَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الشَّرَائِعِ وَأَمَّا الْأَسْبَابُ فَقَدْ يَجْعَلُ الْمُكَلَّفُ مَا هُوَ عَرِيٌّ عَنْ الْمَصْلَحَةِ أَلْبَتَّةَ كَطَيَرَانِ الْغُرَابِ وَصَرِيرِ الْبَابِ سَبَبًا لِنَذْرِهِ مَثَلًا عَلَى خِلَافِ قَاعِدَةِ أَنَّ الْأَسْبَابَ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَشْتَمِلَ عَلَى مَصْلَحَةِ مُسَبَّبَاتِهَا كَأَنْ يَقُولُ إنْ طَارَ الْغُرَابُ فَعَلَيَّ صَدَقَةٌ دِرْهَمٌ أَوْ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ مَا عَلَّقَهُ عَلَى ذَلِكَ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ إذَا وَجَدَ وَمَا اقْتَضَتْ الْحِكْمَةُ الْإِلَهِيَّةُ اعْتِبَارَ مَا لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ مِنْ الْأَسْبَابِ وَإِقَامَةِ مَصْلَحَةِ النَّدْبِ لِلْوُجُوبِ فِي النَّذْرِ وَخُرُوجِ مَسْأَلَةِ النُّذُورِ عَنْ الْقَوَاعِدِ مِنْ ذَيْنِكَ الْوَجْهَيْنِ إلَّا لِأَنَّهَا رَجَعَتْ إلَى الْقَوَاعِدِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَإِنَّ الْأَسْبَابَ يَخْلُفُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَعِظَمُ الْمَصْلَحَةِ الَّذِي

<<  <  ج: ص:  >  >>