للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ وَإِنَّمَا مُرَادُهُمْ إذَا كَانَ الْوَلَدُ قَدْ وُلِدَ تَامًّا فَإِنَّهُ لَا يَتِمُّ بَعْدَ الْوَطْءِ إلَّا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا أَمَّا أَقَلُّ فَلَا وَعَلَى هَذَا إذَا لَمْ تَلِدْهُ تَامًّا نُظِرَتْ نِسْبَةُ تِلْكَ الْمُدَّةِ لِذَلِكَ التَّخَلُّقِ إنْ كَانَتْ الْمُدَّةُ تَصْلُحُ لَهُ أَلْحَقَتْهُ بِالْوَطْءِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَصْلُحُ لَهُ لَمْ يَلْحَقْ فَقَدْ يَلْحَقُ بِهِ لِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ إذَا كَانَتْ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ تَصْلُحُ لِذَلِكَ التَّخَلُّقِ وَعَلَى هَذَا الْمِنْهَاجِ يَكُونُ إلْحَاقُ الْوَلَدِ بِنِسْبَةِ الْمُدَّةِ إلَى صُورَةِ التَّخَلُّقِ فَقَوْلُهُمْ حِينَئِذٍ أَنَّ الْوَلَدَ لَا يَلْحَقُ دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ بَلْ مُرَادُهُمْ إذَا كَانَ كَامِلَ الْخَلْقِ فَإِنَّهُ لَا يَكْمُلُ خَلْقُهُ فِي أَقَلَّ مِنْ هَذِهِ الْمُدَّةِ وَسَبَبُهُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ جُمَيْعٍ وَغَيْرُهُ فِي التَّحَدُّثِ عَلَى الْأَجِنَّةِ أَنَّ الْجَنِينَ يَتَحَرَّكُ لِمِثْلِ مَا يُخْلَقُ فِيهِ وَبِوَضْعٍ لِمِثْلَيْ مَا تَحَرَّكَ فِيهِ قَالُوا وَتَخَلُّقُهُ فِي الْعَادَةِ تَارَةً يَكُونُ لِشَهْرٍ وَتَارَةً يَكُونُ لِشَهْرٍ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ وَتَارَةً يَكُونُ لِشَهْرٍ وَنِصْفٍ فَإِذَا تَخَلَّقَ فِي شَهْرٍ بِمَعْنَى تَصَوَّرَتْ أَعْضَاؤُهُ تَحَرَّكَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ فَيَتَحَرَّكُ فِي شَهْرَيْنِ وَيُوضَعُ لِمِثْلَيْ مَا تَحَرَّكَ فِيهِ وَمِثْلَا الشَّهْرَيْنِ أَرْبَعُ أَشْهُرٍ وَأَرْبَعَةٌ مَعَ شَهْرَيْنِ سِتَّةٌ فَيُوضَعُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَإِنْ تَخَلَّقَ لِشَهْرٍ وَخَمْسَةٍ أَمْ تَحَرَّكَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَهُوَ شَهْرَانِ وَعَشْرَةُ أَيَّامٍ مِثْلَا ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعِشْرُونَ يَوْمًا فَإِذَا أُضِيفَ ذَلِكَ لِمُدَّةِ التَّحَرُّكِ كَانَ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ فَيُوضَعُ الْوَلَدُ لِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ وَإِنْ تَخَلَّقَ لِشَهْرٍ وَنِصْفٍ تَحَرَّكَ فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَوُضِعَ لِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ عَلَى التَّقْدِيرِ الْمُتَقَدِّمِ فَلِذَلِكَ لَا يَحْصُلُ الْوَضْعُ الطَّبِيعِيُّ إلَّا لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ سَبْعَةٍ أَوْ تِسْعَةٍ قَالُوا وَلِهَذَا السَّبَبِ يَعِيشُ الْوَلَدُ الَّذِي يُوضَعُ لِسَبْعَةٍ وَلَا يَعِيشُ الَّذِي يُوضَعُ لِثَمَانِيَةٍ.

وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ لِلْقُوَّةِ وَلِمُدَّةِ التِّسْعَةِ بِسَبَبِ أَنَّ الَّذِي يُوضَعُ لِسَبْعَةٍ وُضِعَ مِنْ غَيْرِ آفَةٍ سَلِيمًا عَلَى قَاعِدَةِ الْوِلَادَةِ وَاَلَّذِي وُضِعَ لِثَمَانِيَةٍ يَكُونُ بِهِ آفَةٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ قَدْ عَجَّلَهُ عَنْ التِّسْعَةِ آفَةٌ أَوْ أَخَّرَتْهُ عَنْ السَّبْعَةِ آفَةٌ وَاَلَّذِي بِهِ آفَةٌ لَا يَعِيشُ فَالْمَوْلُودُ لِثَمَانِيَةٍ لَا يَعِيشُ فَهَذَا هُوَ السِّرُّ فِي ذَلِكَ وَهَذَا هُوَ الْمَهْيِعُ الْعَامُّ وَالْعَادَةُ الْغَالِبَةُ قَالُوا وَقَدْ يَحْصُلُ عَارِضٌ مِنْ جِهَةِ الْمَنِيِّ فِي مِزَاجِهِ وَبَرْدِهِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (وَسَبَبُهُ مَا قَالَهُ ابْنُ جُمَيْعٍ وَغَيْرُهُ فِي التَّحَدُّثِ عَلَى الْأَجِنَّةِ) قُلْت مَا قَالَهُ هُنَا حِكَايَةُ أَقْوَالٍ وَتَقْرِيرُ كَلَامِ الْأَطِبَّاءِ فِي تَصَرُّفِ أَحْوَالٍ فَأَمَّا حِكَايَةُ الْأَقْوَالِ فَلَا كَلَامَ فِيهِ وَأَمَّا مَا حَكَاهُ عَنْ الْأَطِبَّاءِ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ عِنْدِي عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا لِمُخَالَفَتِهِ لِمُقْتَضَى الْآيَةِ وَلَا تَضُرُّ مُخَالَفَةُ الشَّرْعِ لِمُقْتَضَى الْحُسْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

لَا يُؤْكَلُ مِنْ غَيْرِ ذَكَاةٍ وَذَكَاتُهُ عِنْدَهُ هُوَ أَنْ يُقْتَلَ إمَّا بِقَطْعِ رَأْسِهِ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ وَقَالَ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ يَجُوزُ أَكْلُ مَيْتَتِهِ وَبِهِ قَالَ مُطَرِّفٌ وَذَكَاةُ مَا لَيْسَ بِذِي دَمٍ عِنْدَ مَالِكٍ كَذَكَاةِ الْجَرَادِ وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي مَيْتَةِ الْجَرَادِ هُوَ هَلْ يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْمَيْتَةِ أَمْ لَا فِي قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: ٣] وَلِلْخِلَافِ سَبَبٌ آخَرُ وَهُوَ هَلْ نَثْرَةُ حُوتٍ أَوْ حَيَوَانٍ بَرِّيٍّ اهـ.

وَقَالَ الْأَصْلُ لَمْ يُشْتَرَطْ الذَّكَاةُ فِي الْجَرَادِ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ مَنْ لَاحَظَ عَدَمَ الْفَضَلَاتِ فِيهَا بَلْ جَعَلَ اسْتِخْرَاجَ الْفَضَلَاتِ أَصْلًا وَإِرَاحَةَ الْحَيَوَانِ تَبَعًا وَأَجَازَ مَيْتَةَ ذَلِكَ كُلِّهِ وَهُوَ ظَاهِرُ حَدِيثِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ فَالدَّمَانِ الْكَبِدُ وَالطِّحَالُ وَالْمَيْتَتَانِ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ» وَأَمَّا مَنْ لَاحَظَ سُرْعَةَ زَهُوقِ الرُّوحِ وَجَعَلَهُ أَصْلًا فِي نَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يُجْزِهَا إلَّا بِذَكَاةٍ وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. اهـ. (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ أَيْضًا وَأَمَّا هَلْ لِلْحَيَوَانِ الَّذِي يَأْوِي فِي الْبَرِّ تَارَةً وَفِي الْبَحْرِ تَارَةً ذَكَاةٌ أَمْ لَا فَقَدْ غَلَّبَ قَوْمٌ فِيهِ حُكْمَ الْبَرِّ وَآخَرُونَ حُكْمَ الْبَحْرِ وَاعْتَبَرَ آخَرُونَ حَيْثُ يَكُونُ عَيْشُهُ وَمُتَصَرِّفُهُ مِنْهُمَا غَالِبًا اهـ.

وَقَالَ الْأَصْلُ مَنْ لَاحَظَ قَاعِدَةَ إلْحَاقِ النَّادِرِ بِالْغَالِبِ فِي الشَّرِيعَةِ أَسْقَطَ ذَكَاةَ مَا يَعِيشُ فِي الْبَرِّ مِنْ دَوَابِّ الْبَحْرِ كَالتِّمْسَاحِ وَالتُّرْسِ وَغَيْرِهِمَا نَظَرًا لِغَالِبِهِ فَإِنَّهُ لَا يَعِيشُ فِي الْبَرِّ وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَنْ لَاحَظَ قَاعِدَةَ تَذْكِيَةِ الْحَيَوَانِ وَجَعَلَ مَيْتَةَ الْبَحْرِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ لَمْ يُسْقِطْ الذَّكَاةَ فِي هَذَا النَّوْعِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: ٣] وَهَذِهِ مَيْتَةٌ إلَّا أَنْ يُلَاحِظَ قَاعِدَةَ حَمْلِ اللَّفْظِ الْعَامِّ عَلَى سَبَبِهِ دُونَ عُمُومِهِ فَيَخْتَصُّ بِالْمَيْتَةِ الَّتِي وَرَدَتْ الْآيَةُ فِيهَا وَهِيَ الْمَيْتَةُ الَّتِي كَانُوا يَأْكُلُونَهَا مِنْ الْحَيَوَانِ الْبَرِّيِّ وَيَقُولُونَ تَأْكُلُونَ مَا قَتَلْتُمْ وَلَا تَأْكُلُونَ مَا قَتَلَ اللَّهُ اهـ

(تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) مَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الذَّكَاةِ الْقَصْدُ إلَى اسْتِخْرَاجِ الدَّمِ الْحَرَامِ الْمُسْتَخْبَثِ مِنْ اللَّحْمِ الْحَلَالِ الطَّيِّبِ بِأَسْهَلِ الطُّرُقِ عَلَى الْحَيَوَانِ إنَّمَا يَتَيَسَّرُ فِي الْحَيَوَانِ الْإِنْسِيِّ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ أَمَّا الْوَحْشِيُّ فَقَدْ تَعَذَّرَ فِيهِ اسْتِخْرَاجُ الدَّمِ وَسُهُولَةُ الطَّرِيقِ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْقَصْدُ وَالْآلَةُ وَنُزِّلَ السَّهْمُ مَنْزِلَةَ الْمُدْيَةِ لِضَرُورَةِ الْفِرَارِ وَالتَّوَحُّشِ فَهُوَ أَيْ السَّهْمُ فِي الرُّتْبَةِ الثَّانِيَةِ وَيَلِيهِ فِي الرُّتْبَةِ الثَّالِثَةِ الْجَارِحُ لِأَنَّ لَهُ اخْتِيَارًا يَبْعُدُ بِسَبَبِهِ عَنْ كَوْنِهِ آلَةً لِأَنَّهُ يَجُوزُ لِنَفْسِهِ لَكِنْ عَارَضَ كَوْنُهُ مُخْتَارًا عَدَمَ الْعَقْلِ فِيهِ فَعَدَمُ عَقْلِهِ مُخِلٌّ بِاخْتِيَارِهِ مُضَافًا إلَى التَّعْلِيمِ الْحَاصِلِ فِيهِ وَالْأَوْهَامُ الَّتِي حَصَّلَهَا فِيهِ الْآدَمِيُّ بِسَبَبِ التَّعْلِيمِ وَالسِّيَاسَةِ الْخَاصَّةِ فَصَارَ ذَلِكَ مُقَرَّبًا لِكَوْنِهِ آلَةً لَهُ وَلِذَلِكَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الْمَجُوسِيُّ آلَةً لِعَقْلِهِ وَكَمَالِ اخْتِيَارِهِ وَإِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى جَعَلَ ذَبِيحَتَهُ مَيْتَةً كَافْتِرَاسِ الْوُحُوشِ كَمَا جَعَلَ نِسَاءَهُمْ كَالْبَهَائِمِ يَحْرُمُ وَطْؤُهُنَّ بِسَبَبِ عَدَمِ تَعْظِيمِهِمْ الْكُتُبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>