مَسْأَلَتَانِ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)
مَنْ أَبَانَ امْرَأَتَهُ حَلَّتْ لَهُ أُخْتُهَا فِي عِدَّتِهَا وَحَلَّتْ لَهُ الْخَامِسَةُ لِانْقِطَاعِ الْمُوَارَثَةِ بَيْنَهُمَا وَالْعِصْمَةِ وَإِنَّمَا الْعِدَّةُ لِحِفْظِ الْأَنْسَابِ وَوَافَقْنَا الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - تَحْرُمُ الْأُخْتُ وَالْخَامِسَةُ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ لِأَنَّ الْعِدَّةَ مِنْ آثَارِ النِّكَاحِ وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْمَعُ مَاءَهُ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ»
(وَالْجَوَابُ) عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ لُحُوقَ الْوَلَدِ بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ آثَارِ النِّكَاحِ وَلَا قَائِلَ بِالتَّحْرِيمِ إلَى تِلْكَ الْغَايَةِ إنَّمَا الْمُعْتَبَرُ الِاخْتِصَاصُ بِالزَّوْجِ حَتَّى تَحْصُلَ الْقَطِيعَةُ بَيْنَ الْأَقَارِبِ بِسَبَبِ الْجَمْعِ وَهُوَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَنْفِيٌّ
(وَالْجَوَابُ) عَنْ الْحَدِيثِ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ عَامًّا فِي الرِّجَالِ وَالْأُخْتَيْنِ غَيْرَ أَنَّهُ مُطْلَقٌ فِي الزَّمَانِ فَنَحْمِلُهُ عَلَى زَمَانِ الِاخْتِصَاصِ قَبْلَ الْبَيْنُونَةِ وَيَحْرُمُ الْجَمْعُ فِي عِدَّةِ الرَّجْعِيَّةِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ وَالِاخْتِصَاصُ بِالْمَوَارِيثِ وَغَيْرِهَا (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)
الْأُخْتَانِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ حَرُمَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: ٢٣] وَأُحِلَّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا قَوْله تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٣] وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا أَخَصَّ مِنْ الْأُخْرَى حَتَّى يُقَدَّمَ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ لِأَنَّ الْأُولَى تَتَنَاوَلُ الْمَمْلُوكَتَيْنِ وَالْحُرَّتَيْنِ فَهِيَ أَعَمُّ مِنْ الثَّانِيَةِ وَالثَّانِيَةَ تَتَنَاوَلُ الْأُخْتَيْنِ وَغَيْرَهُمَا فَتَكُونُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَعَمَّ مِنْ الْأُخْرَى مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصَّ مِنْ وَجْهٍ فَتَسْتَوِيَانِ وَلِذَلِكَ قَالَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ وَوَجْهُ التَّرْجِيحِ لِلتَّحْرِيمِ كَمَا قَالَهُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنْ ثَلَاثَة أَوْجُهٍ
(أَحَدُهَا) أَنَّ الْأُولَى سِيقَتْ لِلتَّحْرِيمِ وَالثَّانِيَةَ سِيقَتْ لِلْمَدْحِ بِحِفْظِ الْفُرُوجِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْكَلَامَ إذَا سِيقَ لِمَعْنًى لَا يُسْتَدَلُّ بِهِ فِي غَيْرِهِ فَلَا تُعَارِضُ الْأُولَى الثَّانِيَةَ فَتَكُونُ آيَةُ التَّحْرِيمِ سَالِمَةً عَنْ الْمُعَارِضِ فَتُقَدَّمُ
(وَثَانِيهَا) أَنَّ الْأُولَى لَمْ يُجْمَعْ عَلَى تَخْصِيصِهَا وَالثَّانِيَةَ أُجْمِعَ عَلَى تَخْصِيصِهَا بِمَا لَا يَقْبَلُ الْوَطْءَ مِنْ الْمَمْلُوكَاتِ وَبِمَا يَقْبَلُهُ لَكِنَّهُ مُحَرَّمٌ إجْمَاعًا كَالذُّكُورِ وَأَخَوَاتِ الرَّضَاعِ وَمَوْطُوآتِ الْآبَاءِ مِنْ الْإِمَاءِ وَغَيْرُ الْمَخْصُوصِ أَرْجَحُ مِمَّا أُجْمِعَ عَلَى تَخْصِيصِهِ
(وَثَالِثُهَا) أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْفُرُوجِ التَّحْرِيمُ حَتَّى يُتَيَقَّنَ الْحِلُّ فَتَكُونُ الْأُولَى عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ رُجْحَانُ الثَّانِيَةِ عَلَيْهَا فَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَاهَا مُوَافَقَةً لِلْأَصْلِ فَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ هُمَا اللَّتَانِ تَحْتَاجَانِ إلَى تَدْقِيقٍ فِي الْبَحْثِ فَلِذَلِكَ أَفْرَدْتهمَا عَنْ سَائِرِ الْمَسَائِلِ الَّتِي فِي الْبَابِ.
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
أَمْكَنَ أَنْ يَقُولَ مَالِكٌ ذَلِكَ عِنْدِي مُضَافٌ لِلتَّسْلِيمِ وَكَوْنُهُ مُتَصَرِّفًا بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ، وَالْأَصَالَةُ لَهَا قُوَّةٌ وَلَهُ أَيْضًا قُوَّةُ الْعَزْلِ وَالتَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ وَهُوَ مَعْنًى مُنَاسِبٌ مَفْقُودٌ فِي الْوَكِيلَيْنِ فَإِنَّ كِلَيْهِمَا فَرْعٌ لَا أَصَالَةَ لَهُ فَلَا يَنْعَقِدُ عَقْدُ اللَّاحِقِ مِنْهُمَا مُطْلَقًا اتَّصَلَ بِهِ قَبْضٌ أَمْ لَا وَمَهْمَا وَجَدْنَا مَعْنًى يُمْكِنُ أَنْ يُلَاحِظَهُ الْإِمَامُ امْتَنَعَ التَّخْرِيجُ عَلَى مَحَلِّ ذَلِكَ الْفَارِقِ كَمَا أَنَّ الْمُجْتَهِدَ إذْ وَجَدَ مَعْنًى يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فَارِقًا امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْقِيَاسُ فَالْمُقَلِّدُ مَعَ الْمُجْتَهِدِ كَالْمُجْتَهِدِ مَعَ الشَّارِعِ وَالْوَلِيَّانِ فِي النِّكَاحِ وَإِنْ كَانَا فَرَعَيْنَ لَا مُتَأَصِّلَ فِيهِمَا إلَّا أَنَّ الْمَرْأَةَ فِي النِّكَاحِ لَمَّا كَانَ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهَا الِاسْتِقْلَالُ سَقَطَ اعْتِبَارُ التَّأَصُّلِ فِيهَا بِخِلَافِ الْمُوَكِّلِ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ يُمْكِنُ اسْتِقْلَالُهُ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ إمْكَانُ اسْتِقْلَالِهِ فَرْقًا يُلَاحِظُهُ الْإِمَامُ فَيَتَعَذَّرُ التَّخْرِيجُ وَالصَّوَابُ عَدَمُ التَّخْرِيجِ مُطْلَقًا فِي الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ وَالْوَكِيلَيْنِ أَيْضًا فَتَكُونُ قَاعِدَةُ الْوَكِيلَيْنِ وَالْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ عِنْدَ مَالِكٍ تُخَالِفُ قَاعِدَةَ مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ وَالسَّبْعُ الْمَسَائِلُ نَظَائِرُهَا عِنْدَهُ فِي أَنَّ دُخُولَ الْأَخِيرِ بِالْمَرْأَةِ فِيهَا يُفِيتُهَا عَلَى مَنْ قَبْلَهُ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)
امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ تَتَزَوَّجُ بَعْدَ الْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ فَإِنْ قَدِمَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا وَإِلَّا فَاتَتْ عَلَيْهِ بِالدُّخُولِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)
الْمَرْأَةُ تَعْلَمُ بِالطَّلَاقِ دُونَ الرَّجْعَةِ فَتَتَزَوَّجُ ثُمَّ ثَبَتَتْ رَجْعَةُ الْأَوَّلِ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ الثَّانِي كَانَ أَحَقَّ بِهَا وَأُلْغِيَتْ الرَّجْعَةُ لِقَضَاءِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِذَلِكَ وَأَفَاتَاهَا بِالدُّخُولِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ)
قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا طَلَّقَ زَوْجُ الْأَمَةِ الْأَمَةَ طَلَاقًا رَجْعِيًّا فَرَاجَعَهَا فِي السَّفَرِ فَلَمْ تَعْلَمْ بِذَلِكَ فَوَطِئَهَا السَّيِّدُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ مَعَ عَدَمِ عِلْمِهِ بِالرَّجْعَةِ كَانَ وَطْءُ السَّيِّدِ مُفِيتًا لَهَا كَالْوَطْءِ بِالزَّوْجِ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ)
امْرَأَةُ الرَّجُلِ يَرْتَدُّ فَيُشَكُّ فِي كُفْرِهِ بِالْأَرْضِ الْبَعِيدَةِ هَلْ هُوَ إكْرَاهٌ أَوْ اخْتِيَارٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ إكْرَاهٌ وَقَدْ تَزَوَّجَتْ امْرَأَتُهُ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ كُفْرِهِ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَهِيَ لِلْأَوَّلِ (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ)
الرَّجُلُ يُسْلِمُ عَلَى عَشْرِ نِسْوَةٍ فَاخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا فَوَجَدَهُنَّ ذَوَاتِ مَحَارِمَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ وَيَخْتَارُ مِنْ الْبَوَاقِي مَا لَمْ يَتَزَوَّجْنَ وَيَدْخُلْ بِهِنَّ أَزْوَاجُهُنَّ فَمَنْ دَخَلَ بِهَا فَاتَ الْأَمْرُ فِيهَا بِالدُّخُولِ وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا كَانَ لَهُ أَخْذُهَا وَقِيلَ لَا يُفِيتُهُنَّ الدُّخُولُ (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ)
الْمَرْأَةُ تَطْلُقُ لِلْغَيْبَةِ ثُمَّ يَقْدَمُ بِحُجَّةٍ فَإِنْ وَجَدَهَا تَزَوَّجَتْ وَدُخِلَ بِهَا فَاتَتْ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا لَمْ تُفْتِ عَلَيْهِ (الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ)
الْمَرْأَةُ تُسْلِمُ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ يُبَيِّنُ تَقَدُّمَ إسْلَامِهِ عَلَيْهَا فَتَفُوتُ عَلَيْهِ إنْ تَزَوَّجَتْ وَدُخِلَ بِهَا وَإِنْ لَمْ يُدْخَلْ بِهَا لَمْ تَفُتْ عَلَيْهِ وَتُخَالِفُ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ أَعْنِي قَاعِدَةَ مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ وَنَظَائِرِهَا السَّبْعِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ فِي الْمَذْهَبِ