للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى وُقُوعِ ذَلِكَ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ أَوْ عَلَى تِلْكَ الْحَقِيقَةِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [الإسراء: ٣١] فَإِنَّ الْقَتْلَ الْغَالِبَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَقَعَ فِي الْأَوْلَادِ إلَّا لِتَوَقُّعِ ضَرَرٍ كَالْإِمْلَاقِ الَّذِي هُوَ الْفَقْرُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْفَضِيحَةِ فَلَا تَكُونُ لَهُ دَلَالَةً عَلَى جَوَازِ الْقَتْلِ عِنْدَ عَدَمِ خَوْفِ الْإِمْلَاقِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ» وَالْغَالِبُ عَلَى الْغَنَمِ السَّوْمُ لَا سِيَّمَا أَغْنَامُ الْحِجَازِ فَلَا يَكُونُ مَفْهُومُهُ حُجَّةً عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْمَعْلُوفَةِ وَكَذَلِكَ هَهُنَا الْغَالِبُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُقْدِمُ عَلَى زَوَاجِ نَفْسِهَا إلَّا خُفْيَةً عَنْ وَلِيِّهَا وَهُوَ غَيْرُ آذِنٍ لَهَا فِي ذَلِكَ وَالْعَادَةُ قَاضِيَةٌ بِذَلِكَ فَإِذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً إجْمَاعًا قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ لَا خِلَافَ عِنْدَنَا أَنَّهَا لَا تَكُونُ وَلِيًّا عَلَى امْرَأَةٍ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا تَكُونُ وَلِيَّةً عَلَى عَبِيدِهَا وَمَنْ وُصِّيَتْ عَلَيْهِ مِنْ أَصَاغِرِ الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ وَالْفَرْقُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ

(أَحَدُهَا) أَنَّ لِلصَّبِيِّ أَهْلِيَّةَ الْعَقْدِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ بَعْدَ الْعِتْقِ

(وَثَانِيهَا) أَنَّهُمَا قَادِرَانِ عَلَى رَفْعِ الْعَقْدِ بَعْدَ الْبُلُوغِ بِالطَّلَاقِ

(وَثَالِثُهَا) أَنَّ الْوِلَايَةَ عَلَيْهِمَا لَيْسَتْ لِطَلَبِ الْكَفَاءَةِ الْمُحْتَاجَةِ لِدَقِيقِ النَّظَرِ بِخِلَافِ الْأُنْثَى فِي ذَلِكَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)

فِي الْعَفْوِ عَنْ الصَّدَاقِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: ٢٣٧] أَيْ يَعْفُوَ النِّسَاءُ عَنْ النِّصْفِ الَّذِي وَجَبَ لَهُنَّ فَيَسْقُطُ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ ثُمَّ قَالَ {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: ٢٣٧] قَالَ مَالِكٌ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ الْمُشَارُ إلَيْهِ هُوَ الْأَبُ فِي ابْنَتِهِ وَالسَّيِّدُ فِي أَمَتِهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ هُوَ الزَّوْجُ وَاحْتَجُّوا عَلَى ذَلِكَ بِوَجْهَيْنِ

(أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ صَرِيحًا

(وَثَانِيهِمَا) أَنَّ الْأَصْلَ يَقْتَضِي عَدَمَ تَسْلِيطِ الْوَلِيِّ عَلَى مَالِ مُوَلِّيَتِهِ

(وَالْجَوَابُ) عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ ضَعِيفٌ لَا تَقُوم بِهِ حُجَّةٌ سَلَّمْنَا صِحَّتَهُ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْآيَةِ بَلْ إخْبَارٌ عَنْ حَالِ الزَّوْجِ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ

(وَعَنْ الثَّانِي) أَنَّ قَاعِدَةَ الْوِلَايَةِ تَقْتَضِي تَصَرُّفَ الْوَلِيِّ بِمَا هُوَ أَحْسَنُ لِلْمَوْلَى عَلَيْهِ وَقَدْ يَكُونُ الْعَفْوُ أَحْسَنَ لِلْمَرْأَةِ لِاطِّلَاعِ الْوَلِيِّ عَلَى التَّرْغِيبِ فِيهَا لِهَذَا الزَّوْجِ أَوْ غَيْرِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى تَحْصِيلِ أَضْعَافِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ فَيُفْعَلُ ذَلِكَ لِتَحْصِيلِ الْمَصْلَحَةِ فَمَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ تَفْوِيتٌ لِمَصْلَحَةِ الْمَرْأَةِ لَا رِفْقٌ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

عَلَى غَيْرِ الزَّوْجِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَمَا مَرَّ اُسْتُثْنِيَ كَذَلِكَ ثَلَاثُ زَوْجَاتٍ يُضَارُّ بِهِنَّ زَوْجَةٌ أُخْرَى هَذَا فِي الْأَجْنَبِيَّاتِ وَالْبَعِيدِ مِنْ الْقَرَابَاتِ.

أَمَّا الْقَرَابَاتُ الْقَرِيبَةُ فَقَدْ حَافَظَ الشَّرْعُ عَلَى زِيَادَةِ صَوْنِهَا عَنْ التَّفَرُّقِ وَالشَّحْنَاءِ فَمَنَعَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَابْنَتِهَا وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَأُمِّهَا حِفْظًا لِبِرِّ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ لِأَنَّ قَرَابَتَهُمَا أَعْظَمُ الْقَرَابَاتِ وَبَيْنَ الْأُخْتَيْنِ لِأَنَّ قَرَابَتَهُمَا تَلِي ذَلِكَ فِي الْقُرْبِ ثُمَّ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا لِكَوْنِهَا مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ الَّتِي بِرُّهَا آكَدُ مِنْ بِرِّ الْأَبِ ثُمَّ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا لِأَنَّهَا مِنْ جِهَةِ الْأَبِ ثُمَّ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَةِ أُمِّهَا ثُمَّ بَيْنَهَا وَخَالَةِ أَبِيهَا ثُمَّ بَيْنَهَا وَعَمَّةِ أُمِّهَا ثُمَّ بَيْنَهَا وَعَمَّةِ أَبِيهَا وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتْ الْأُمُّ أَشَدَّ بِرًّا بِبِنْتِهَا مِنْ الْبِنْتِ بِأُمِّهَا لَمْ يَجْعَلْ الشَّرْعُ الْعَقْدَ عَلَى الْأُمِّ كَافِيًا فِي بُغْضِهَا لِبِنْتِهَا إذَا عَقَدَ عَلَيْهَا لِضَعْفِ مَيْلِ الْأُمِّ لِلزَّوْجِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَعَدَمِ مُخَالَطَتِهِ بَلْ اشْتَرَطَ فِي التَّحْرِيمِ إضَافَةَ الدُّخُولِ إلَى الْعَقْدِ وَجَعَلَ الْعَقْدَ عَلَى الْبِنْتِ كَافِيًا فِي بُغْضِهَا لِأُمِّهَا فَحَرَّمَ الْأُمَّ عَلَى مَنْ عَقَدَ عَلَى الْبِنْتِ وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا لِئَلَّا تَعُقَّ أُمَّهَا نَعَمْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُشْتَرَطُ فِي تَحْرِيمِ الْأُمِّ الدُّخُولُ عَلَى الْبِنْتِ كَمَا اشْتَرَطَ فِي تَحْرِيمِ الْبِنْتِ الدُّخُولَ عَلَى الْأُمِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: ٢٣] ثُمَّ قَالَ {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: ٢٣] فَقَوْلِهِ تَعَالَى {اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: ٢٣] صِفَةٌ تَعَقَّبَتْ الْجُمْلَتَيْنِ فَتَعُمَّهُمَا كَمَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ وَالشَّرْطَ إذَا تَعَقَّبَا الْجُمَلَ عَمَّا.

وَلَا يَرُدُّ هَذَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّهُ يَرَى تَرْجِيحَ الْقَرِيبِ فِي الْجُمَلِ وَهِيَ الْجُمْلَةُ الْأَخِيرَةُ فَيَخُصُّهَا بِالِاسْتِثْنَاءِ وَالصِّفَةِ لَا سِيَّمَا وَالْقَرِيبُ هَاهُنَا هُوَ مَوْضِعُ الْإِجْمَاعِ فَلَا مُوجِبَ لِلْعُدُولِ بِاللَّفْظِ عَنْ مَوْضِعِ الْإِجْمَاعِ بَلْ الْمُوجِبُ وَهُوَ الْقُرْبُ يُصْرَفُ إلَى مَوْضِعِ الْإِجْمَاعِ فَإِنَّ اللَّفْظَ صَالِحٌ لِلْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَرُجِّحَتْ الثَّانِيَةُ الَّتِي هِيَ مَوْضِعُ الْإِجْمَاعِ بِالْقُرْبِ فَلَمْ يَكُنْ حَمْلُ اللَّفْظِ هَاهُنَا عَلَى الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ طَلَبًا لِمُسْتَنَدِ الْإِجْمَاعِ فَلَا يُرَدُّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُنَا هَاهُنَا طَلَبُ مُسْتَنَدِ الْإِجْمَاعِ فِي اشْتِرَاطِ الدُّخُولِ فِي تَحْرِيمِ الْبِنْتِ إذْ لَا يَلْزَمُنَا طَلَبُ دَلِيلٍ لِلْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُسْتَنَدٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا الْأَوْفَقُ أَنْ تُحْمَلَ عَلَى فَائِدَةٍ زَائِدَةٍ بِأَنْ يُجْعَلَ {اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: ٢٣] نَعْتًا عَائِدًا لِلْجُمْلَةِ الْأُولَى وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: ٢٣] دَالًّا عَلَى اشْتِرَاطِ الدُّخُولِ فِي تَحْرِيمِ الْأُمِّ كَمَا أَنَّ الدُّخُولَ شَرْطٌ فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ بِالْإِجْمَاعِ إذْ لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي شَرْطِيَّةِ الدُّخُولِ فِي تَحْرِيمِ الْبِنْتِ فَيَثْبُتُ الْحُكْمَانِ فِي الْجُمْلَتَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>