للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَمَا هُوَ مَرْوِيٌّ فِي مُعْجِزَاتِهِ وَكَرَامَاتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَإِنْ كَانَتْ مُخْتَلَفًا فِيهَا فَيَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ لَا يُهْمِلَهَا فَلَعَلَّ الْحَقَّ هُوَ الْوُصُولُ إلَى الْمَوْتَى فَإِنَّ هَذِهِ أُمُورٌ مُغَيَّبَةٌ عَنَّا، وَلَيْسَ الْخِلَافُ فِي حُكْمٍ شَرْعِيٍّ إنَّمَا هُوَ فِي أَمْرٍ وَاقِعٍ هَلْ هُوَ كَذَلِكَ أَمْ لَا، وَكَذَلِكَ التَّهْلِيلُ الَّذِي عَادَةُ النَّاسِ يَعْمَلُونَهُ الْيَوْمَ يَنْبَغِي أَنْ يُعْمَلَ وَيُعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ عَلَى فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا يُيَسِّرُهُ وَيُلْتَمَسَ فَضْلُ اللَّهِ بِكُلِّ سَبَبٍ مُمْكِنٍ وَمِنْ اللَّهِ الْجُودُ وَالْإِحْسَانُ هَذَا هُوَ اللَّائِقُ بِالْعَبْدِ.

(الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُبْطِلُ التَّتَابُعَ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَبْطُلُ التَّتَابُعُ)

اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ مِنْ الْمَوَاضِعِ الْمُشْكِلَةِ فَإِنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا أَكَلَ فِي صَوْمِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُبْطِلُ التَّتَابُعَ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُبْطِلُ التَّتَابُعَ)

قُلْت جَمِيعُ مَا قَالَهُ فِيهِ صَحِيحٌ إلَّا قَوْلَهُ فَالْمَفْهُومُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: ٣] أَنَّهُ يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَيْسَ قَبْلَهُمَا وَطْءٌ وَلَا فِي أَثْنَائِهَا وَطْءٌ فَإِنَّهُ ظَهَرَ مِنْهُ بِحَسَبِ مَسَاقِ كَلَامِهِ أَنَّ الْآيَةَ تَقْتَضِي عَدَمَ تَقَدُّمِ الْوَطْءِ مُطْلَقًا.

وَهَذَا لَا يَصِحُّ أَنْ تَقْتَضِيَهُ الْآيَةُ لِاشْتِمَالِ الْآيَةِ عَلَى مَنْ تَقَدَّمَ وَطْؤُهَا وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِالْآيَةِ أَنْ لَا يَتَقَدَّمَ الصَّوْمَ وَطْءٌ بَعْدَ الظِّهَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَجَمِيعُ مَا قَالَهُ بَعْدَهُ فِي الْفُرُوقِ السِّتَّةِ صَحِيحٌ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

إنَّمَا هُوَ لِاخْتِلَافِهِمْ فِي الضَّوَابِطِ هَلْ وُجِدَتْ أَمْ لَا وَإِلَّا فَكُلُّ مَنْ سَلَّمَ ضَابِطًا سُلِّمَ حُكْمُهُ وَيَكُونُ الْمَذْهَبُ الْحَقُّ مَنْ صَادَفَ الضَّابِطَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَالضَّعِيفُ الْفِقْهِ مَنْ تَوَهَّمَ وُجُودَهُ أَوْ عَدَمَهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَعَلَى الْفَقِيهِ اسْتِيفَاءُ النَّظَرِ فِي ذَلِكَ وَمِنْ ذَلِكَ اخْتِلَافُهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الْحَرَامِ فَمِنْ قَائِلٍ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ نَقْلٌ أَلْبَتَّةَ فَهِيَ كَذِبٌ فَلَا يَلْزَمُ بِهَا شَيْءٌ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَمِنْ قَائِلٍ حَصَلَ فِيهَا النَّقْلُ لِأَصْلِ الطَّلَاقِ فَيَلْزَمُ بِهَا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ.

وَمِنْ قَائِلٍ حَصَلَ فِيهَا النَّقْلُ لِلطَّلَاقِ الثَّلَاثِ فَيَلْزَمُ بِهَا الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ وَعَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ تَتَخَرَّجُ جَمِيعُ الصُّوَرِ هَذَا تَلْخِيصُ مَا عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ فَمِنْ هُنَا فِي الْخَرَشِيِّ وَحَاشِيَةِ الْعَدَوِيِّ عَلَيْهِ وَشَرْحِ أَقْرَبِ الْمَسَالِكِ وَالصَّاوِي عَلَيْهِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ أَلْفَاظَ الطَّلَاقِ تَنْقَسِمُ إلَى ثَمَانِيَةِ أَقْسَامٍ

(الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) مَا يَلْزَمُ بِهِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ إلَّا لِنِيَّةِ أَكْثَرَ وَهُوَ لَفْظُ التَّصْرِيحِ كَأَنْتِ طَالِقٌ وَنَحْوُ اعْتَدِّي مِنْ الْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ

(الْقِسْمُ الثَّانِي) مَا يَلْزَمُ بِهِ الثَّلَاثُ وَلَا يَنْوِي مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مَدْخُولًا بِهَا أَمْ لَا وَهُوَ نَحْوُ بَتَّةٍ وَحَبْلُك عَلَى غَارِبِك؛ لِأَنَّ الْبَتَّ هُوَ الْقَطْعُ فَكَأَنَّ الزَّوْجُ قَطَعَ الْعِصْمَةَ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ وَلَمْ يَبْقَ بِيَدِهِ مِنْهُ شَيْءٌ؛ وَلِأَنَّ الْحَبْلَ كِنَايَةٌ عَنْ الْعِصْمَةِ الَّتِي بِيَدِ الزَّوْجِ أَيْ عِبَارَةٌ عَنْ الْعِصْمَةِ وَكَوْنُهَا عَلَى غَارِبِهَا أَيْ كَتِفِهَا كِنَايَةٌ عَنْ مِلْكِهَا بِالطَّلَاقِ

٢ -

(الْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا يَلْزَمُ فِيهِ الثَّلَاثُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَوَاحِدَةٌ فِي غَيْرِهَا مَا لَمْ يَنْوِ أَكْثَرَ وَهُوَ نَحْوُ وَاحِدَةٍ بَائِنَةٍ نَظَرًا لِبَائِنَةٍ؛ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ بَعْدَ الدُّخُولِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَبِغَيْرِ لَفْظِ الْخُلْعِ إنَّمَا تَكُونُ ثَلَاثًا وَلَمْ يُنْظَرْ وَالْوَاحِدَةُ إمَّا لِكَوْنِهِ صِفَةً لِمَرَّةٍ مَحْذُوفًا أَيْ مَرَّةً وَاحِدَةً بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدُ بَائِنَةٌ وَإِمَّا لِأَنَّهُ يُحْتَاطُ فِي الْفُرُوجِ مَا لَا يُحْتَاطُ فِي غَيْرِهَا فَاعْتُبِرَ لَفْظُ بَائِنَةٍ وَأُلْغِيَ لَفْظُ وَاحِدَةٍ قَالَ الصَّاوِيُّ لَكِنَّ مَحَلَّ هَذَا إذَا كَانَ عُرْفُ التَّحَالُفِ أَنَّ مَعْنَى الْبَائِنَةِ الْمُنْفَصِلَةِ أَمَّا إذَا كَانَ مَعْنَاهَا الظَّاهِرَةَ الَّتِي لَا خَفَاءَ فِيهَا وَقَصَدَ ذَلِكَ الْمَعْنَى فَالظَّاهِرُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَتَكُونُ بَعْدَ الدُّخُولِ رَجْعِيَّةً اهـ فَتَنَبَّهْ.

(الْقِسْمُ الرَّابِعُ) مَا يَلْزَمُ فِيهِ الثَّلَاثُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا كَغَيْرِهَا إنْ لَمْ يَنْوِ أَقَلَّ وَهُوَ نَحْوُ أَنْتِ عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ أَوْ الدَّمِ أَوْ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ أَوْ وَهَبْتُك لِأَهْلِك أَوْ لَا عِصْمَةَ لِي عَلَيْك أَوْ أَنْتِ حَرَامٌ أَوْ أَوْ خَلِيَّةٌ أَيْ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ بَرِيَّةٌ أَوْ خَالِصَةٌ أَيْ مِنِّي أَوْ بَائِنَةٌ أَوْ أَنَا بَائِنٌ مِنْك أَوْ خَلِيٌّ أَوْ بَرِيءٌ أَوْ خَالِصٌ

(الْقِسْمُ الْخَامِسُ) مَا يَلْزَمُ فِيهِ الثَّلَاثُ مُطْلَقًا مَا لَمْ يَنْوِ أَقَلَّ وَهُوَ خَلَّيْت سَبِيلَك

(الْقِسْمُ السَّادِسُ) مَا يَلْزَمُ فِيهِ الثَّلَاثُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَيَنْوِي فِي غَيْرِهَا وَهُوَ نَحْوُ وَجْهِي مِنْ وَجْهِك حَرَامٌ أَوْ وَجْهِي عَلَى وَجْهِك حَرَامٌ أَوْ لَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَك أَوْ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك أَوْ أَنْتِ سَائِبَةٌ أَوْ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَك حَرَامٌ وَلَا حَلَالٌ، أَوْ مَا انْقَلَبَ إلَيْهِ مِنْ أَهْلٍ حَرَامٌ كَقَوْلِهِ يَا حَرَامُ إنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَكَقَوْلِهِ الْحَلَالُ حَرَامٌ أَوْ حَرَامٌ عَلَيَّ أَوْ جَمِيعُ مَا أَمْلِكُ حَرَامٌ وَقَصَدَ إدْخَالَ الزَّوْجَةِ

(الْقِسْمُ السَّابِعُ) مَا يَلْزَمُ فِيهِ وَاحِدَةٌ إلَّا لِنِيَّةٍ أَكْثَرَ وَهِيَ رَجْعِيَّةٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَهُوَ فَارَقْتُك قَالَ الدَّرْدِيرُ وَكُلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَدُلَّ الْبِسَاطُ وَالْقَرَائِنُ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ الطَّلَاقِ وَأَنَّ الْمُخَاطَبَةَ بِلَفْظٍ مِمَّا ذَكَرَ لَيْسَتْ فِي مَعْرِضِ الطَّلَاقِ بِحَالٍ وَإِلَّا صَدَقَ فِي نَفْيِ الطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ الْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ كَالصَّرِيحِ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي نَفْيِهِ عِنْدَ قِيَامِ الْقَرَائِنِ كَمَا لَوْ أَخَذَهَا الطَّلْقُ عِنْدَ وِلَادَتِهَا فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إعْلَامًا أَوْ اسْتِعْلَامًا أَوْ كَانَتْ مَرْبُوطَةً فَقَالَتْ لَهُ هِيَ أَوْ غَيْرُهَا أَطْلِقْنِي فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ أَيْ اسْتَطْلِقِي وَإِلَّا كَانَ كَاذِبًا فَيَقَعُ الطَّلَاقُ كَمَا فِي الْعَدَوِيِّ عَلَى الْخَرَشِيِّ قَالَ الدَّرْدِيرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>