للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَحْوَالِ لِمُنَافَاةِ النِّسْيَانِ وَالْإِكْرَاهِ وَالْمَرَضِ وَالْإِغْمَاءِ وَنَحْوِهَا التَّكْلِيفُ لُطْفًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِالْعِبَادِ وَعَدَمِ وَطْءِ الْمُظَاهِرِ مِنْهَا قَبْلَ التَّكْفِيرِ شَرْطٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: ٣] وَالْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ افْعَلْ كَذَا قَبْلَ كَذَا أَنَّ التَّقَدُّمَ شَرْطٌ وَلِذَلِكَ يَصْدُقُ قَوْلُنَا اسْتَأْذِنْ الْمَرْأَةَ فِي النِّكَاحِ وَأَحْضِرْ الْوَلِيَّ قَبْلَ الْعَقْدِ أَنَّ هَذَيْنِ شَرْطَانِ، وَكَذَلِكَ اسْتَتِرْ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَتَطَهَّرْ وَانْوِ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ شُرُوطٌ، وَإِذَا كَانَ هَذَا الْكَلَامُ يُفِيدُ الشَّرْطِيَّةَ كَانَ تَقَدُّمُ الْعَدَمِ شَرْطًا فَلِذَلِكَ قَدَحَ فِيهِ النِّسْيَانُ وَغَيْرُهُ فَإِنَّ مَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ يَثْبُتُ مُطْلَقًا وَمَا يَثْبُتُ مُطْلَقًا اُعْتُبِرَ مُطْلَقًا، فَيَكُونُ شَرْطًا فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ فَيُؤَثِّرُ فَقْدُهُ وَالتَّكْلِيفُ لَمَّا كَانَ الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ شَرْطَيْنِ فِيهِ فُقِدَ التَّكْلِيفُ عِنْدَ عَدَمِهِمَا فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَالْمَفْهُومُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: ٣] أَنَّهُ يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَيْسَ قَبْلَهُمَا وَطْءٌ وَلَا فِي أَثْنَائِهِمَا وَطْءٌ فَهَذَانِ أَمْرَانِ قَدْ يَتَغَيَّرُ أَحَدُهُمَا بِتَقَدُّمِ الْوَطْءِ فَاسْتَحَالَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُصَدَّقَ أَنَّهُ يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَيْسَ قَبْلَهُمَا وَطْءٌ لِأَجْلِ تَقَدُّمِ الْوَطْءِ وَبَقِيَ الْآخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَيْسَ فِي خِلَالِهِمَا وَطْءٌ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْمُتَعَذِّرَ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ وَالْمُمْكِنَ يُسْتَصْحَبُ فِيهِ التَّكْلِيفُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: ١٦] ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» فَلِذَلِكَ قُلْنَا يَبْتَدِي الصَّوْمَ فِي الظِّهَارِ مُتَتَابِعًا إذَا وَطِئَهَا قَبْلَهُ وَإِنْ كَانَ وَصْفُ تَقَدُّمِ عَدَمِ الْوَطْءِ قَدْ تَعَذَّرَ؛ لِأَنَّهُ الْمُمْكِنُ الْبَاقِي.

وَأَمَّا فِي النَّذْرِ وَنَحْوِهِ فَيَأْتِي

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

فِي قَوْلِهِمْ إنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ فِي الصَّرِيحِ إجْمَاعًا احْتِرَازًا مِنْ سَبْقِ اللِّسَانِ لِمَا لَمْ يُقْصَدْ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ اسْمُهَا طَارِقًا فَيُنَادِيهَا فَيَسْبِقُ لِسَانُهُ فَيَقُولُ لَهَا يَا طَالِقُ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ اللَّفْظَ وَمِثْلُ الصَّرِيحِ الْكِنَايَاتُ الظَّاهِرَةُ فَفِي الْخَرَشِيِّ وَحَاشِيَةِ الْعَدَوِيِّ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَرُكْنُهُ أَهْلٌ وَقَصْدٌ إلَخْ الْمُرَادُ بِالْقَصْدِ قَصْدُ النُّطْقِ بِاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَيْهِ فِي الصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ مَدْلُولَهُ وَهُوَ حَلُّ الْعِصْمَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَلَزِمَ، وَلَوْ هَزَلَ وَقَصَدَ حَلَّهَا فِي الْكِنَايَةِ الْخَفِيَّةِ اهـ

(الْإِطْلَاقُ الثَّانِي) بِمَعْنَى الْقَصْدِ لِاسْتِعْمَالِ الصِّيغَةِ فِي قَوْلِهِمْ النِّيَّةُ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي الصَّرِيحِ إجْمَاعًا وَمِثْلُهُ الْكِنَايَةُ الظَّاهِرَةُ كَمَا عَلِمْت فَقَوْلُ الْأَصْلِ وَإِنَّمَا مِنْ خَصَائِصِ الْكِنَايَاتِ أَنْ يَقْصِدَ بِهَا مَعْنَى الطَّلَاقِ أَيْ وَهُوَ حَلُّ الْعِصْمَةِ يُرِيدُ الْخَفِيَّةَ لَا الظَّاهِرَةَ

(الْإِطْلَاقُ الثَّالِثُ) بِمَعْنَى الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ فِي قَوْلِهِمْ فِي لُزُومِ الطَّلَاقِ بِالنِّيَّةِ قَوْلَانِ فَأَطْلَقُوا النِّيَّةَ هَا هُنَا عَلَى الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ يُرِيدُونَ هَلْ يَلْزَمُ إذَا أَنْشَأَ طَلَاقَهَا بِكَلَامِهِ النَّفْسِيِّ كَمَا يُنْشِئُهُ بِكَلَامِهِ اللِّسَانِيِّ أَمْ لَا يَلْزَمُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا قَالَهُ أَبُو الْوَلِيدِ قَوْلَانِ فَيُعَبِّرُونَ عَنْهُ بِالنِّيَّةِ وَإِلَّا فَمَنْ قَصَدَ وَعَزَمَ عَلَى طَلَاقِ امْرَأَتِهِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ عَدَمُهُ لَا يَلْزَمُهُ بِذَلِكَ طَلَاقٌ إجْمَاعًا، وَقَدْ عَبَّرَ ابْنُ الْجَلَّابِ عَنْ الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ بِالِاعْتِقَادِ بِقَلْبِهِ فَقَالَ، وَمَنْ اعْتَقَدَ الطَّلَاقَ بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَلْفِظْ بِلِسَانِهِ فَفِي لُزُومِ الطَّلَاقِ لَهُ قَوْلَانِ وَلَمْ يَرِدْ حَقِيقَةُ الِاعْتِقَادِ إذْ لَا يَلْزَمُ بِهِ طَلَاقٌ إجْمَاعًا فَمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ بُطْلَانُ اعْتِقَادِهِ بَقِيَتْ لَهُ زَوْجَةً اتِّفَاقًا فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ فِي كَلَامِهِمْ وَأَنَّهَا أَحْوَالٌ مُخْتَلِفَةٌ هَكَذَا يَنْبَغِي تَقْرِيرُ هَذِهِ الْإِطْلَاقَاتِ.

وَأَمَّا قَوْلُ الْأَصْلِ فِي الْإِطْلَاقِ الثَّالِثِ وَحَيْثُ قَالُوا فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي الصَّرِيحِ قَوْلَانِ فَيُرِيدُونَ بِالنِّيَّةِ هَا هُنَا الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ وَأَنَّهُمْ يُطْلِقُونَ النِّيَّةَ هَا هُنَا وَمُرَادُهُمْ أَنَّهُ إذَا أَنْشَأَ طَلَاقَهَا بِكَلَامِهِ اللِّسَانِيِّ فَفِي اشْتِرَاطِ إنْشَائِهِ أَيْضًا بِكَلَامِهِ النَّفْسِيِّ قَوْلَانِ وَالْمَشْهُورُ اشْتِرَاطُهُ كَمَا قَالَهُ أَبُو الْوَلِيدِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَأَنَّهُ إذَا طَلَّقَ بِلِسَانِهِ لَا بُدَّ أَنْ يُطَلِّقَ بِقَلْبِهِ اهـ بِتَوْضِيحٍ لِلْمُرَادِ فَقَدْ نَظَرَ فِيهِ ابْنُ الشَّاطِّ بِقَوْلِهِ مَا قَالَهُ فِي الْإِنْشَاءَاتِ فِيهِ نَظَرٌ اهـ

وَوَجْهُهُ أَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ إنَّمَا هُمَا فِي لُزُومِ الطَّلَاقِ إذَا أَنْشَأَهُ بِكَلَامِهِ اللِّسَانِيِّ فَقَطْ وَعَدَمِ لُزُومِهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا قَالَهُ أَبُو الْوَلِيدِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَهُوَ خِلَافُ مَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ إنَّمَا هُمَا فِي لُزُومِهِ إذَا أَنْشَأَهُ بِكَلَامِهِ النَّفْسِيِّ فَقَطْ وَعَدَمِ لُزُومِهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا قَالَهُ أَبُو الْوَلِيدِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فَفِي مُخْتَصَرِ خَلِيلٍ وَفِي لُزُومِهِ بِكَلَامِهِ النَّفْسِيِّ خِلَافٌ قَالَ الْبُنَانِيُّ (تَوْضِيحُ) الْخِلَافِ إنَّمَا هُوَ إذَا أَنْشَأَ الطَّلَاقَ بِقَلْبِهِ بِكَلَامِهِ النَّفْسَانِيِّ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ اللُّزُومِ لِمَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَهُوَ الَّذِي يَنْصُرُهُ أَهْلُ الْمَذْهَبِ الْقَرَافِيُّ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَالْقَوْلُ بِاللُّزُومِ لِمَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ فِي الْبَيَانِ وَالْمُقَدِّمَاتِ وَهُوَ الصَّحِيحُ.

وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ الْأَشْهَرُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ حَلَّ الْعِصْمَةَ الْمُنْعَقِدَةَ بِالنِّيَّةِ وَالْقَوْلِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَلُّهَا كَذَلِكَ إنَّمَا يَكْفِي بِالنِّيَّةِ فِي التَّكَالِيفِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالنِّيَّةِ لَا فِيمَا بَيْنَ الْآدَمِيِّينَ اهـ انْتَهَى كَلَامُ الْبُنَانِيِّ بِلَفْظِهِ، بَلْ يُشْعِرُ بِذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ الْأَصْلِ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ إذَا أَنْشَأَ طَلَاقَهَا بِكَلَامِهِ النَّفْسِيِّ كَمَا يُنْشِئُهُ بِكَلَامِهِ اللِّسَانِيِّ فَيُعَبِّرُونَ عَنْهُ بِالنِّيَّةِ وَعَبَّرَ عَنْهُ ابْنُ الْجَلَّابِ بِالِاعْتِقَادِ بِقَلْبِهِ فَقَالَ، وَمَنْ اعْتَقَدَ عَلَى أَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ إنْشَاءَ الطَّلَاقِ بِالْكَلَامِ اللِّسَانِيِّ فَقَطْ لَا يَتَأَتَّى كَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>