للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ الْيَوْمِ فِي حَالَةٍ يَثْبُتُ فِيهَا التَّكْلِيفُ فَبَقِيَتْ الْحَالَةُ الَّتِي لَا يَثْبُتُ فِيهَا التَّكْلِيفُ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ إنَّمَا يَجِبُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ فَيَقْتَصِرُ بِهِ حَيْثُ وَرَدَ (فَإِنْ قُلْت) الصَّوْمُ فِي رَمَضَانَ وَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ يُقْضَيَانِ مُطْلَقًا فَلِمَ لَا أَقْضِي هَذَا مُطْلَقًا، قُلْت الْمَشْهُورُ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّ الْقَضَاءَ إنَّمَا يَجِبُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ فَيُتَّبَعُ ذَلِكَ الْأَمْرُ عَلَى حَسَبِ وُرُودِهِ، وَقَدْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِالْقَضَاءِ فِي الْوَاجِبِ الْمُتَّصِلِ مَعَ الْعُذْرِ وَعَدَمِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤] وَالْمَرَضُ عُذْرٌ، وَقَدْ وَجَبَ مَعَهُ الْقَضَاءُ فَلِذَلِكَ أَوْجَبْنَا الْقَضَاءَ مُطْلَقًا وَلَمْ يَرِدْ لَنَا فِي التَّطَوُّعَاتِ مِثْلُ ذَلِكَ، بَلْ فِي صُورَةِ عَدَمِ الْعُذْرِ خَاصَّةً فَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ تَبَعٌ لِلْأَمْرِ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فَهَذَا هُوَ تَلْخِيصُ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُبْطِلُ التَّتَابُعَ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُبْطِلُهُ وَشَرْطُ قَاعِدَةِ خِطَابِ الْوَضْعِ وَقَاعِدَةِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ.

(الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُطَلَّقَاتِ يَقْضِي قَبْلَ عِلْمِهِنَّ بِالطَّلَاقِ وَأَمَدِ الْعِدَّةِ فَلَا يَلْزَمُهُنَّ اسْتِئْنَافهَا وَيَكْتَفِينَ بِمَا تَقَدَّمَ قَبْلَ عِلْمُهُنَّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُرْتَابَاتِ يَتَأَخَّرُ الْحَيْضُ وَلَا يُعْلَمُ لِتَأَخُّرِهِ سَبَبٌ)

فَإِنَّهُنَّ يَمْكُثْنَ عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تِسْعَةَ أَشْهُرٍ غَالِبَ مُدَّةِ الْحَمْلِ اسْتِبْرَاءً فَإِنْ حِضْنَ فِي خِلَالِهَا احْتَسَبْنَ بِذَلِكَ الْحَيْضِ وَانْتَظَرْنَ بَقِيَّةَ الْأَقْرَاءِ إلَى تِسْعَةِ أَشْهُرٍ وَلَا يَزَلْنَ كَذَلِكَ حَتَّى يَكْمُلَ لَهُنَّ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

دُونَ الْمُفْتِي وَثَانِيًا بِاشْتِرَاطِهِ الْقَرِينَةَ فَإِنَّ الْمُفْتِيَ يَتْبَعُ الْأَسْبَابَ وَالْمَقَاصِدَ دُونَ الْقَرَائِنِ وَإِلَّا فَيَلْزَمُ مُخَالَفَةُ الْقَوَاعِدِ وَيَتَعَذَّرُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ أَيْ مَسْأَلَةِ الْوَثَاقِ وَبَيْنَ مَا ذَكَرَ مِنْ النَّظَائِرِ فَافْهَمْ

(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) ذَهَبَ إمَامُنَا وَالشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهُ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ طَلَّقْتُك وَنَوَى عَدَدًا لَزِمَهُ مَا نَوَاهُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا نَوَى الثَّلَاثَ لَزِمَهُ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ مُحْتَجًّا بِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ لَا يُفِيدُ إلَّا أَصْلَ الْمَعْنَى فَالزَّائِدُ يَكُونُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَالنِّيَّةُ لَا تُوجِبُ طَلَاقًا وَاحْتِجَاجُهُ هَذَا مَدْفُوعٌ بِوَجْهَيْنِ

(الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) أَنَّ لَفْظَ ثَلَاثًا مَعَ صَرِيحِ الطَّلَاقِ كَلَفْظِ دِرْهَمًا مَعَ نَحْوِ عِشْرِينَ مِنْ أَلْفَاظِ الْعَدَدِ، فَكَمَا أَنَّ لَفْظَ دِرْهَمًا فِي نَحْوِ قَوْلِهِ عِنْدِي عِشْرِينَ دِرْهَمًا يُفِيدُ اخْتِصَاصَ الْعَدَدِ بِالدَّرَاهِمِ وَإِنْ كَانَ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لُغَةً كَذَلِكَ لَفْظُ ثَلَاثًا فِي نَحْوِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يُخَصَّصُ اللَّفْظُ بِالْبَيْنُونَةِ وَكُلُّ مَا كَانَ يَحْصُلُ مَعَ الْمُفَسَّرِ كَتَخْصِيصِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ بِالْبَيْنُونَةِ مَعَ لَفْظِ ثَلَاثًا وَجَبَ أَنْ يَحْصُلَ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْمُفَسَّرَ إنَّمَا جُعِلَ لِفَهْمِ السَّامِعِ لَا لِثُبُوتِ ذَلِكَ الْحُكْمِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَوَجَبَ أَنْ يُعَدَّ مَنْطُوقًا بِهِ فِيهِ إذْ الْقَاعِدَةُ أَنَّ كُلَّ بَيَانٍ لِمُجْمَلٍ يُعَدُّ مَنْطُوقًا بِهِ فِي ذَلِكَ الْمُجْمَلِ أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: ٤٣] لَا يَدُلُّ عَلَى خُصُوصِ الصَّلَوَاتِ الشَّرْعِيَّةِ لَكِنْ لَمَّا وَرَدَ الْبَيَانُ مِنْ السُّنَّةِ فِي خُصُوصِيَّاتِهَا وَهَيْئَتِهَا وَأَحْوَالِهَا عُدَّ ذَلِكَ ثَابِتًا بِلَفْظِ الْقُرْآنِ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ مَشْرُوعَةٌ بِالْقُرْآنِ

(الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَافَقْنَا عَلَى أَنَّهُ إذَا قَالَ أَنْتِ بَائِنٌ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا أَوْ طَلَّقْتُك أَوْ طَلِّقِي نَفْسَك وَنَوَى الثَّلَاثَ لَزِمَتْهُ فَكَذَلِكَ هَا هُنَا وَإِلَّا فَمَا الْفَارِقُ

(الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) حَكَى صَاحِبُ كِتَابِ مَجَالِسِ الْعُلَمَاءِ وَصَاحِبُ الْمُغْنِي أَنَّ الرَّشِيدَ كَتَبَ لَيْلَةً إلَى قَاضِيهِ أَبِي يُوسُفَ يَسْأَلُهُ عَنْ قَوْلِ الْقَائِلِ:

فَإِنْ تَرْفُقِي يَا هِنْدُ فَالرِّفْقُ أَيْمَنُ ... وَإِنْ تَخْرِقِي يَا هِنْدُ فَالْخَرْقُ أَشْأَمُ

فَأَنْتِ طَلَاقٌ وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ ... ثَلَاثًا وَمَنْ يَخْرِقْ أَعَقُّ وَأَظْلَمُ

فَبِينِي بِهَا أَنْ كُنْتِ غَيْرَ رَفِيقَةٍ ... وَمَا لِامْرِئٍ بَعْدَ الثَّلَاثِ مُقَدَّمُ

فَقَالَ مَاذَا يَلْزَمُهُ إذَا رَفَعَ الثَّلَاثَ، وَإِذَا نَصَبَهَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ فَقُلْت هَذِهِ مَسْأَلَةٌ نَحْوِيَّةٌ فِقْهِيَّةٌ وَلَا آمَنُ الْخَطَأَ فِيهَا إنْ قُلْت فِيهَا بِرَأْيِي فَأَتَيْت الْكِسَائِيَّ وَهُوَ فِي فِرَاشِهِ فَسَأَلْته فَقَالَ إنْ رَفَعَ ثَلَاثٌ طَلُقَتْ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَلَاقٌ وَأَخْبَرَ أَنَّ الطَّلَاقَ التَّامَّ ثَلَاثٌ وَإِنْ نَصْبَهَا طَلُقَتْ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَمَا بَيْنَهُمَا جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ فَكَتَبْت بِذَلِكَ إلَى الرَّشِيدِ أَوَّلَ اللَّيْلِ إثْرَ إرْسَالِهِ بِالسُّؤَالِ فَأَرْسَلَ إلَيَّ آخِرَ اللَّيْلِ بِغَالًا مُوسَقَةً قُمَاشًا وَتُحَفًا جَائِزَةً عَلَى الْجَوَابِ فَوَجَّهْت بِهَا إلَى الْكِسَائِيّ بِسَبَبِ أَنَّهُ أَعَانَنِي عَلَى الْجَوَابِ اهـ.

قَالَ الْأَمِيرُ عَلَى الْمُغْنِي وَالْأَبْيَارِيُّ عَلَيْهِ تَخْرِقِي مِنْ بَابِ فَتَحَ وَكَرَمَ وَأَيْمَنَ تَفْضِيلٌ مِنْ الْيُمْنِ الْبَرَكَةِ ضِدَّ أَشْأَمَ وَالْخَرْقُ الْعُنْفُ وَزْنًا وَمَعْنًى هُنَا اسْمٌ لَا غَيْرُ وَبِفَتْحِ الْخَاءِ وَالرَّاءِ مَصْدَرٌ وَاسْمٌ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْقَامُوسِ وَيَأْتِي بِمَعْنَى الدَّهْشِ لِخَوْفٍ أَوْ حَيَاءٍ وَعَدَمِ إتْقَانِ الْعَمَلِ بِالْيَدِ أَيْضًا، وَمَنْ يَخْرِقْ جَعَلَهَا ابْنُ يَعِيشَ شَرْطِيَّةً حَذَفَ صَدْرَ جَوَابِهَا أَيْ فَهُوَ أَعَقُّ، وَقَالَ الدَّمَامِينِيُّ مَوْصُولَةٌ خَبَرُهَا أَعَقُّ وَتَسْكِينُ يَخْرِقْ لِلتَّخْفِيفِ كَقِرَاءَةِ أَبِي عَمْرٍو فِي نَحْوِ يَأْمُرْكُمْ فَأَصْلُهُ الرَّفْعُ، وَقَوْلُهُ أَنْ كُنْت بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَلَامُ الْعِلَّةِ مُقَدَّرَةٌ مَعَهَا فَالْمَعْنَى بِينِي أَيْ ابْعَدِي عَنِّي وَفَارِقِينِي بِهَذِهِ التَّطْلِيقَاتِ لِأَجْلِ أَنْ كُنْت غَيْرَ رَفِيقَةٍ أَيْ لَمْ يَكُنْ فِيك رِفْقٌ وَلِينٌ، بَلْ شُؤْمٌ وَعُنْفٌ وَمُقَدَّمُ اسْمُ مَفْعُولٍ بِمَعْنَى التَّقَدُّمِ أَيْ الْمَصْدَرِ فَهُوَ مِنْ قَدَّمَ بِمَعْنَى تَقَدَّمَ فَالْمَعْنَى لَيْسَ لِأَحَدٍ تَقَدُّمٌ إلَى الْخَمْسَةِ مَثَلًا بَعْدَ إيقَاعِ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهَا نِهَايَةُ الطَّلَاقِ اهـ وَبُحِثَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِوُجُوهٍ

(الْوَجْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>