للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْنَا زَيْدٌ لَهُ ذِمَّةٌ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَهْلٌ لَأَنْ يُعَامَلَ وَهُمَا حَقِيقَتَانِ مُتَبَايِنَتَانِ بِمَعْنَى أَنَّهُمَا مُتَغَايِرَتَانِ وَتَحْقِيقُ التَّغَايُرِ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ الْحَقِيقَتَيْنِ أَعَمُّ مِنْ الْأُخْرَى مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصُّ مِنْ وَجْهٍ فَإِنَّ التَّصَرُّفَ يُوجَدُ بِدُونِ الذِّمَّةِ، وَالذِّمَّةُ تُوجَدُ بِدُونِ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ وَيَجْتَمِعَانِ مَعًا كَالْحَيَوَانِ وَالْأَبْيَضِ يُوجَدُ الْحَيَوَانُ وَلَا أَبْيَضُ كَالْأَسْوَدَانِ وَالْأَبْيَضِ وَلَا حَيَوَانَ كَالْجِيرِ وَالثَّلْجِ وَيَجْتَمِعَانِ مَعًا كَالصَّقَالِبَةِ وَالطُّيُورِ الْبِيضِ، وَهَذَا هُوَ ضَابِطُ الْأَعَمِّ وَالْأَخَصِّ مِنْ وَجْهٍ فَالصِّبْيَانُ عِنْدَنَا الْمُمَيِّزُونَ يَصِحُّ بَيْعُهُمْ وَشِرَاؤُهُمْ وَيَقِفُ اللُّزُومُ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَنْعَقِدُ أَصْلًا وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ وَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ فَإِنْ عَقَدَ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ وَقَفَ عَلَى إجَازَتِهِ، وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ إنْ عَقَدَهُ بِإِذْنٍ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى عَدَمِ الذِّمَّةِ فِي حَقِّهِ فَهَذَا الْقِسْمُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

أَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [المجادلة: ٤] عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ مِنْ التَّقَادِيرِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَعْنِي كَوْنَهُ خَبَرًا بِمَعْنَى الْأَمْرِ أَوْ عَلَى حَقِيقَتِهِ حُذِفَ مِنْهُ الْمُبْتَدَأُ أَوْ الْخَبَرُ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِطَلَبٍ لَا يُدْفَعُ فَكَيْفَ يُتَخَيَّلُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ النَّهْيِ عَنْ التَّفْرِيقِ، فَيَكُونُ مُحَرَّمًا.

وَالْمُحَرَّمُ لَا يَأْثَمُ الْإِنْسَانُ بِمُلَابَسَتِهِ مَعَ عَدَمِ الْقَصْدِ كَمَا هُوَ عَلَى أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ عَنْ ابْنِ بَشِيرٍ وَيَبْعُدُ الِاعْتِمَادُ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّ التَّتَابُعَ إذَا كَانَ وَاجِبًا كَانَ تَرْكُهُ مُحَرَّمًا فَإِنَّ كُلَّ وَاجِبٍ تَرْكُهُ مُحَرَّمٌ وَكُلَّ مُحَرَّمٍ تَرْكُهُ وَاجِبٌ فَالْوُجُوبُ مِنْ لَوَازِمِ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْرِيمُ مِنْ لَوَازِمِ الْوُجُوبِ فِي النَّقِيضِ الْمُقَابِلِ فَاَلَّذِي يَصِحُّ فِي الْآيَةِ أَنَّ التَّتَابُعَ مِنْ بَابِ الْوَاجِبِ وَأَنَّ الْمَطْلُوبَ طَلَبًا أَكِيدًا صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَالْمُكَلَّفُ النَّاسِيَ وَالْمُجْتَهِدُ وَالْمَكْرُوهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَدْ فَرَّقَ وَلَمْ يَقَعْ فِعْلُهُ مُطَابِقًا لِمُقْتَضَى الطَّلَبِ فَوَجَبَ الْبَقَاءُ فِي الْعُهْدَةِ كَمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى طَلَبَ الصَّلَاةَ بِالنِّيَّةِ وَالطَّهَارَةِ وَالسِّتَارَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ الشُّرُوطِ فَمَنْ نَسِيَ أَحَدَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَوْ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فِيهَا أَوْ أُكْرِهَ عَلَى عَدَمِهَا بَطَلَتْ الصَّلَاةُ، وَكَذَلِكَ إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْأَكْلِ أَوْ الشُّرْبِ فِي رَمَضَانَ أَوْ نَسِيَ أَوْ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَإِنَّ صَوْمَهُ يَبْطُلُ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ فَمَا بَالُ التَّتَابُعِ خَرَجَ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ هَذَا النَّمَطِ فِي الْكَفَّارَاتِ وَالْمَنْذُورَاتِ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ فِي الْإِغْمَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ التَّتَابُعُ كَمَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ بِالْإِغْمَاءِ، وَكَذَلِكَ عِنْدَهُ فِي الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُبْطِلَا التَّتَابُعَ كَمَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ بِهِمَا، وَكَذَلِكَ عِنْدَهُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِمَا فِي الْمَرَضِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ أَنَّ التَّفْرِيقَ مَتَى حَصَلَ أَيَّ طَرِيقٍ كَانَ وَجَبَ ابْتِدَاءُ الصَّوْمِ كَمَا قُلْنَا فِي جَمِيعِ النَّظَائِرِ الْمُتَقَدِّمَةِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ بِوَصْفِ التَّتَابُعِ لَمْ يَحْصُلْ وَمَتَى لَمْ يَحْصُلْ الْمَطْلُوبُ الشَّرْعِيُّ مَعَ إمْكَانِ الْإِتْيَانِ بِهِ وَجَبَ الْإِتْيَانُ بِهِ هَذِهِ هِيَ الْقَاعِدَةُ وَحَاصِلُ الدَّفْعِ أَنَّ النَّظَائِرَ الْمَذْكُورَةَ شُرُوطٌ مِنْ قَبِيلِ خِطَابِ الْوَضْعِ الَّذِي لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ عِلْمُ الْمُكَلَّفِ وَلَا قُدْرَتُهُ وَلَا إرَادَتُهُ فَهِيَ شُرُوطٌ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ فَيُؤَثِّرُ فَقْدُهَا وَالتَّتَابُعُ الْمَذْكُورُ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ صِفَةُ الصَّوْمِ الْمُكَلَّفِ بِوُجُوبِهِ وَصِفَةُ الْمُكَلَّفِ بِوُجُوبِهِ مُكَلَّفٌ بِوُجُوبِهَا فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ الَّذِي يُشْتَرَطُ فِيهِ عِلْمُ الْمُكَلَّفِ وَقُدْرَتُهُ وَإِرَادَتُهُ.

وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْمُتَعَذِّرَ مِنْهُ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ وَالْمُمْكِنَ مِنْهُ يُسْتَصْحَبُ فِيهِ التَّكْلِيفُ لِمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (مَسْأَلَةٌ)

قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا تَطَوَّعَ بِالصَّوْمِ أَوْ بِالصَّلَاةِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَجِبُ بِالشُّرُوعِ أَيْ مِنْ النَّوَافِلِ السَّبْعِ الْمَجْمُوعَةِ فِي قَوْلِ ابْنِ كَمَالِ بَاشَا:

مِنْ النَّوَافِلِ سَبْعٌ تَلْزَمُ الشَّارِعَ ... أَخْذًا لِذَلِكَ مِمَّا قَالَهُ الشَّارِعُ

صَوْمٌ صَلَاةٌ عُكُوفٌ حَجَّهُ الرَّابِعُ ... طَوَافُهُ عُمْرَةٌ إحْرَامُهُ السَّابِعُ

وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ إحْرَامُهُ السَّابِعُ الِائْتِمَامُ فِي قَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ السَّابِقِ:

صَلَاةٌ وَصَوْمٌ ثُمَّ حَجٌّ وَعُمْرَةٌ ... طَوَافٌ عُكُوفٌ وَائْتِمَامٌ تَحَتُّمًا

وَفِي غَيْرِ ذَا كَالْوَقْفِ وَالطُّهْرِ خَيِّرْنَ ... فَمَنْ شَاءَ فَلْيَقْطَعْ وَمَنْ شَاءَ تَمَّمَا

وَعَرَضَ عَارِضٌ يَقْتَضِي فَسَادَهُ نَاسِيًا أَوْ مُجْتَهِدًا لَمْ يَجِبْ قَضَاءُ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَإِنْ أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا أَوْ أَبْطَلَ الصَّلَاةَ وَجَبَ الْقَضَاءُ اهـ.

وَهَذَا وَإِنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ إشْكَالٌ كَبِيرٌ هُوَ أَنَّ قَاعِدَةَ الْوُجُوبِ بِالشُّرُوعِ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَا يَجِبُ بِالشُّرُوعِ نَظِيرَ الْوَاجِبِ الْمُتَّصِلِ كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ فِي كَوْنِ مَا فَسَدَ مِنْ كُلٍّ يَقْضِي بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ فَإِنَّ الْوَاجِبَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَخْتَلِفَ حَالُهُ إلَّا أَنَّ وَجْهَهُ هُوَ أَنَّ وُجُوبَ التَّطَوُّعَاتِ عِنْدَهُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: ٣٣] حَيْثُ نَهَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ الْإِبْطَالِ، فَيَكُونُ الْإِكْمَالُ وَاجِبًا مُكَلَّفًا بِهِ وَالتَّكْلِيفُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقُدْرَةُ وَالْعِلْمُ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَلَا يَجِبُ الْإِتْمَامُ حَالَةَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ.

وَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْإِتْمَامُ حَالَةَ الْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ فَإِذَا تَعَمَّدَ الْإِفْسَادَ وَلَمْ يَحْصُلْ الْإِتْمَامُ حَالَةَ الْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ وَجَبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>