للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَوَاعِدُ فَنَقُولُ: لَيْسَ فِي تَقْدِيمِ الطَّلَاقِ عَلَى زَمَنِ اللَّفْظِ وَزَمَنِ الْقُدُومِ تَقْدِيمٌ لِلْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ وَلَا الْمَشْرُوطِ عَلَى الشَّرْطِ لِأَنَّ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ الْقُدُومُ مَثَلًا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَشْرُوطُهُ بِوَصْفِ الِانْعِطَافِ عَلَى الْأَزْمِنَةِ الَّتِي قَبْلَهُ عَلَى حَسَبِ مَا عَلَّقَهُ فَهَذَا الِانْعِطَافُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الشَّرْطِ وَلَفْظُ التَّعْلِيقِ كَمَا أَنَّ انْعِطَافَ النِّيَّةِ عِنْدَهُمْ عَلَى النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنْ النَّهَارِ إذَا وَقَعَتْ نِصْفَ النَّهَارِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ إيقَاعِهَا فَالِانْعِطَافُ عَلَى الزَّمَانِ الْمَاضِي مُتَأَخِّرٌ عَنْ الشَّرْطِ وَسَبَبِهِ وَلَا يُقَالُ فِي الْمُنْعَطَفَاتِ إنَّا تَبَيَّنَّا تَقَدُّمَ الطَّلَاقِ حَقِيقَةً فِي الْمَاضِي بَلْ لَمْ يَكْشِفْ الْغَيْبَ عَنْ طَلَاقٍ حَقِيقِيٍّ فِي الْمَاضِي أَلْبَتَّةَ وَإِنَّمَا يَحْسُنُ ذَلِكَ حَيْثُ نَجْهَلُ أَمْرًا حَقِيقِيًّا ثُمَّ نَعْلَمُهُ كَمَا حَكَمْنَا بِوُجُوبِ النَّفَقَةِ بِنَاءً عَلَى ظُهُورِ الْحَمْلِ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ نَفْخٌ أَوْ حَكَمْنَا بِوَفَاةِ الْمَفْقُودِ ثُمَّ عَلِمْنَا حَيَاتَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ أَمَّا الِانْعِطَافَاتُ فَلَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ بَلْ نَجْزِمُ بَعْدَ الِانْعِطَافِ بِعَدَمِ الْمُنْعَطَفِ حَقِيقَةً فِي الزَّمَنِ الَّذِي انْعَطَفَ فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ ثَابِتٌ فِيهِ تَقْرِيرًا وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَظْهَرُ أَنَّ الْعِدَّةَ مِنْ يَوْمِ الْقُدُومِ لِأَنَّهُ يَوْمَ لُزُومِ الطَّلَاقِ وَتَحْرِيمِ الْفَرْجِ أَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَالْإِبَاحَةُ بِالْإِجْمَاعِ وَالْعِدَّةُ الَّتِي أَجْمَعْنَا عَلَيْهَا هِيَ الَّتِي تَتْبَعُ الْمُحَقَّقَ لَا الْمُقَدَّرَ.

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

مِنْ السَّبَبِ فِي كَوْنِهِ سَبَبًا لِلْمُسَبَّبِ فَذَلِكَ مَمْنُوعٌ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ سَبَبَ السَّبَبِ فِي كَوْنِهِ سَبَبًا لِلْمُسَبَّبِ أَضْعَفُ مِنْ السَّبَبِ فِي كَوْنِهِ سَبَبًا لِلْمُسَبَّبِ فَمُسَلَّمٌ وَوَجْهُ ضَعْفِهِ كَوْنُهُ غَيْرَ مُبَاشِرٍ لَكِنْ مَعَ تَسْلِيمِ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ جَوَازُ تَقْدِيمِ الْمُسَبَّبِ عَلَيْهِ أَوْلَى بَلْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ جَوَازَ تَقْدِيمِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ الْمُبَاشِرِ أَوْلَى مِنْ تَقْدِيمِهِ عَلَى غَيْرِ الْمُبَاشِرِ أَوْ يَقُولَ لَا أَوْلَوِيَّةَ بَلْ الْأَمْرُ فِيهِمَا عَلَى السَّوَاءِ فَمَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ دَعْوَى لَمْ يَأْتِ عَلَيْهَا بِحُجَّةٍ.

قَالَ: (إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَوَاعِدُ فَنَقُولُ: لَيْسَ فِي تَقْدِيمِ الطَّلَاقِ عَلَى زَمَنِ اللَّفْظِ وَزَمَنِ الْقُدُومِ تَقْدِيمٌ لِلْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ وَلَا الْمَشْرُوطِ عَلَى الشَّرْطِ لِأَنَّ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ الْقُدُومُ مَثَلًا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَشْرُوطُهُ بِوَصْفِ الِانْعِطَافِ عَلَى الْأَزْمِنَةِ الَّتِي قَبْلَهُ عَلَى حَسَبِ مَا عَلَّقَهُ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ فَالِانْعِطَافُ عَلَى الزَّمَنِ الْمَاضِي يَتَأَخَّرُ عَنْ الشَّرْطِ وَسَبَبِهِ) قُلْتُ: كَيْفَ يَكُونُ الِانْعِطَافُ مُتَأَخِّرًا عَنْ الشَّرْطِ وَهُوَ الْقُدُومُ وَقَدْ كَانَ لَفْظُ التَّعْلِيقِ السَّابِقِ عَلَى الْقُدُومِ يَقْتَضِيهِ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ بِالِانْعِطَافِ كَوْنَ اللَّفْظِ يَقْتَضِيهِ بَلْ يُرِيدُ لُزُومَ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى الْقُدُومِ قِيلَ لَهُ: أَتُرِيدُ لُزُومَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَمْ تُرِيدُ فِي عِلْمِنَا فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ التَّعْلِيقِ بِسَبَبٍ بَلْ هُوَ أَمْرٌ لَزِمَ عَنْ وُقُوعِ الْقُدُومِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ وَبِالْجُمْلَةِ يُقَالُ لَهُ: هَلْ وَقَعَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الْقُدُومِ أَمْ لَا؟ فَإِنْ قَالَ: لَمْ يَقَعْ فَلَا طَلَاقَ فَإِنَّ التَّعْلِيقَ عَلَى الْقُدُومِ إنَّمَا يَقْتَضِي بِحَسَبِ نَصِّ التَّعْلِيقِ تَقْدِيمَ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَقَعْ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ فَلَا مُوجِبَ لِوُقُوعِهِ وَإِنْ قَالَ: قَدْ وَقَعَ فَقَدْ اعْتَرَفَ بِتَقْدِيمِ الْمَشْرُوطِ عَلَى الشَّرْطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ: (وَلَا يُقَالُ فِي الْمُنْعَطَفَاتِ: إنَّا تَبَيَّنَّا تَقَدُّمَ الطَّلَاقِ حَقِيقَةً فِي الْمَاضِي إلَى آخِرِ قَوْلِهِ وَالْعِدَّةُ الَّتِي أَجْمَعْنَا عَلَيْهَا هِيَ الَّتِي تَتْبَعُ الْمُحَقَّقَ لَا الْمُقَدَّرَ) قُلْتُ: إذَا لَمْ يَلْزَمْ فِي الْمُنْعَطَفَاتِ وُقُوعٌ حَقِيقَةً فَلَا انْعِطَافَ وَلَا مُنْعَطَفَ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُنْعَطَفٌ فَلَا طَلَاقَ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ طَلَاقٌ فَقَدْ بَطَلَ مُقْتَضَى التَّعْلِيقِ الْمَفْرُوضِ فَإِنْ قَالَ بِثُبُوتِ طَلَاقٍ فَهُوَ طَلَاقٌ لَا مُوجِبَ لَهُ إذْ لَمْ يَصْدُرْ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

أُطَلِّقْك رَأْسَ الشَّهْرِ أَلْبَتَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ إذَا مَضَى زَمَنُهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَمَا قَالَهُ يَأْتِي عَلَى مَا لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا غَدًا لَكِنْ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ خِلَافُ أَصْلِ مَالِكٍ وَلَيْسَ لِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالْأَيَّامِ وَجْهٌ اهـ نج اُنْظُرْ غ اهـ بِتَوْضِيحٍ مَا.

فَعُلِمَ مِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ مَشْهُورَ مَذْهَبِ مَالِكٍ اللُّزُومُ خِلَافَ مَا نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، الثَّانِي أَنَّهَا تَطْلُقُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ كَمَا تَقَدَّمَ النَّقْلُ فِي الْجَوَاهِرِ فَيَتَقَدَّمُ الطَّلَاقُ عَلَى لَفْظِ التَّعْلِيقِ وَعَلَى الشَّرْطِ مَعًا وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي وَسِيطِهِ إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ بِالْأَمْسِ وَقَالَ: قَصَدْت إيقَاعَ الطَّلَاقِ بِالْأَمْسِ لَمْ يَقَعْ لِأَنَّ حُكْمَ اللَّفْظِ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ وَقِيلَ: يَقَعُ فِي الْحَالِ لِأَنَّ وُقُوعَهُ بِالْأَمْسِ يَقْتَضِي وُقُوعَهُ فِي الْحَالِ فَيَسْقُطُ الْمُتَعَذِّرُ وَيَثْبُتُ الْحَالُ وَقِيلَ: لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِأَنَّ حُكْمَ اللَّفْظِ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ وَإِنْ قَالَ: إنْ مَاتَ فُلَانٌ فَأَنْتَ طَالِقٌ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ إنْ مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ شَهْرٍ لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ لِئَلَّا يَتَقَدَّمَ الْحُكْمُ عَلَى اللَّفْظِ أَوْ بَعْدَ شَهْرٍ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: إنْ قَدِمَ فُلَانٌ أَوْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ.

قَالَ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَلْزَمُ الطَّلَاقُ فِي الْمَوْتِ دُونَ الدُّخُولِ وَالْقُدُومِ قَالَ: وَهُوَ تَحَكُّمٌ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي الْمُهَذَّبِ: إذَا قَالَ: إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا قَبْلَ قُدُومِهِ بِشَهْرٍ ثُمَّ خَالَعَهَا ثُمَّ قَدِمَ زَيْدٌ بَطَلَ الْخُلْعُ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا تَقَدُّمَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ عَلَيْهِ ثُمَّ أَنَّهُمْ أَرْدَفُوا ذَلِكَ بِأَنْ قَالُوا: إذَا قَالَ لَهَا إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ قُدُومِهِ بِسَنَةٍ فَقَدِمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِسَنَةٍ أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي عِنْدَ حُصُولِ الشَّرْطِ أَوْ قَبْلَهُ وَلَا تَعْتَدُّ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا وُقُوعَ الطَّلَاقِ مِنْ سَنَةٍ كَمَا لَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ طَلَّقَهَا مِنْ سَنَةٍ فَإِنَّهَا لَا تَسْتَأْنِفُ عِدَّةً، هَذَا مَا صَرَّحَ بِهِ أَعْيَانُهُمْ وَمَشَايِخُهُمْ فِي تَقْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَيَقْتَضِي قَوْلُهُمْ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِمَا كَانَ يُنْفِقُهُ عَلَيْهَا إنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا أَوْ مِمَّا أَنْفَقَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ عَلَى زَعْمِهِمْ إنْ كَانَ رَجْعِيًّا وَالْحَقُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْقُدُومِ الَّذِي جُعِلَ شَرْطًا وَعَلَى لَفْظِ

<<  <  ج: ص:  >  >>