للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ، بَلْ مِنْ الْحُقُوقِ مَا يَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ وَمِنْهَا مَا لَا يَنْتَقِلُ فَمِنْ حَقِّ الْإِنْسَانِ أَنْ يُلَاعِنَ عِنْدَ سَبَبِ اللِّعَانِ وَأَنْ يَفِيءَ بَعْدَ الْإِيلَاءِ وَأَنْ يَعُودَ بَعْدَ الظِّهَارِ وَأَنْ يَخْتَارَ مِنْ نِسْوَةٍ إذَا أَسْلَمَ عَلَيْهِنَّ وَهُنَّ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ وَأَنْ يَخْتَارَ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ إذَا أَسْلَمَ عَلَيْهِمَا، وَإِذَا جَعَلَ الْمُتَبَايِعَانِ لَهُ الْخِيَارَ فَمِنْ حَقِّهِ أَنْ يَمْلِكَ إمْضَاءَ الْبَيْعِ عَلَيْهِمَا وَفَسْخَهُ وَمِنْ حَقِّهِ مَا فُوِّضَ إلَيْهِ مِنْ الْوِلَايَاتِ وَالْمَنَاصِبِ كَالْقِصَاصِ وَالْإِمَامَةِ وَالْخَطَابَةِ وَغَيْرِهِمَا وَكَالْأَمَانَةِ وَالْوَكَالَةِ فَجَمِيعُ هَذِهِ الْحُقُوقِ لَا يَنْتَقِلُ لِلْوَارِثِ مِنْهَا شَيْءٌ وَإِنْ كَانَتْ ثَابِتَةً لِلْمُوَرِّثِ، بَلْ الضَّابِطُ لِمَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ مَا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِالْمَالِ أَوْ يَدْفَعُ ضَرَرًا عَنْ الْوَارِثِ فِي عِرْضِهِ بِتَخْفِيفِ أَلَمِهِ وَمَا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِنَفْسِ الْمُوَرِّثِ وَعَقْلِهِ وَشَهَوَاتِهِ لَا يَنْتَقِلُ لِلْوَارِثِ وَالسِّرُّ فِي الْفَرْقِ أَنَّ الْوَرَثَةَ يَرِثُونَ الْمَالَ فَيَرِثُونَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ تَبَعًا لَهُ وَلَا يَرِثُونَ عَقْلَهُ وَلَا شَهْوَتَهُ وَلَا نَفْسَهُ فَلَا يَرِثُونَ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ وَمَا لَا يُورَثُ لَا يَرِثُونَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، فَاللِّعَانُ يَرْجِعُ إلَى أَمْرٍ يَعْتَقِدُهُ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ غَالِبًا وَالِاعْتِقَادَاتُ لَيْسَتْ مِنْ بَابِ الْمَالِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

نَقْضُهُ وَعَدَمُ إقْرَارِهِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً لَهُ أَوْ هُوَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ فَخَشِيت أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ النَّاسُ فَيَنْفَتِحَ بَابُ الرِّبَا بِسَبَبِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ فِي صَحِيفَتِهِ فَيَعْظُمُ الْإِحْبَاطُ فِي حَقِّهِ.

قَالَ اللَّخْمِيُّ اُخْتُلِفَ فِي وَجْهِ الْمَنْعِ فِي بُيُوعِ الْآجَالِ قَالَ أَبُو الْفَرَجِ؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ مُعَامَلَاتِ أَهْلِ الرِّبَا.

وَقَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ، بَلْ سَدًّا لِذَرَائِعِ الرِّبَا فَعَلَى الْأَوَّلِ مَنْ عُلِمَ مِنْ عَادَتِهِ تَعَمُّدُ الْفَسَادِ حُمِلَ عَقْدُهُ عَلَيْهِ وَإِلَّا أُمْضِيَ فَإِنْ اخْتَلَفَ الْعَادَةُ مُنِعَ الْجَمِيعُ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالْفَضْلِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَإِنَّ زَيْدًا مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ قَصْدِ الرِّبَا قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ وَضَابِطُ هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إنْ كَانَا يَقْصِدَانِ إظْهَارَ مَا يَجُوزُ لِيَتَوَصَّلَا بِهِ إلَى مَا لَا يَجُوزُ فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ إذَا كَثُرَ الْقَصْدُ إلَيْهِ اتِّفَاقًا مِنْ الْمَذْهَبِ كَبَيْعٍ وَسَلَفٍ جَرَّ نَفْعًا فَإِنْ بَعُدَتْ التُّهْمَةُ بَعْضَ الْبُعْدِ وَأَمْكَنَ الْقَصْدُ بِهِ كَدَفْعِ الْأَكْثَرِ مِمَّا فِيهِ ضَمَانٌ وَأُخِذَ الْأَقَلُّ إلَى أَجَلٍ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فَأَمَّا مَعَ ظُهُورِ مَا يُبَرِّئُ مِنْ التُّهْمَةِ لَكِنَّ فِيهِ صُورَةَ الْمُتَّهَمِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ تَصَوَّرَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ غَيْرَ يَدٍ بِيَدٍ وَتَظْهَرُ الْبَرَاءَةُ بِتَعْجِيلِ الْأَكْثَرِ فَجَائِزٌ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ، وَقِيلَ يَمْتَنِعُ حِمَايَةً لِلذَّرِيعَةِ وَالْأَصْلُ أَنْ يُنْظَرَ مَا خَرَجَ مِنْ الْيَدِ وَمَا خَرَجَ إلَيْهَا فَإِنْ جَاءَ الْعَامِلُ بِهِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَلَا تُعْتَبَرُ أَقْوَالُهُمَا، بَلْ أَفْعَالُهُمَا فَقَطْ اهـ. وَوَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَنْبَلٍ فِي سَدِّ ذَرَائِعِ بُيُوعِ الْآجَالِ الَّتِي هِيَ صُورَةُ النِّزَاعِ وَإِنْ خَالَفَنَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي تَفْصِيلِ الْبَعْضِ، وَقَالَ يَمْتَنِعُ بَيْعُ السِّلْعَةِ مِنْ أَبٍ الْبَائِعِ بِمَا تَمْتَنِعُ بِهِ مِنْ الْبَائِعِ وَفِي الْإِقْنَاعِ مِنْ شَرْحِهِ.

وَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِنَسِيئَةٍ أَيْ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ أَوْ بِثَمَنٍ حَالٍّ لَمْ يَقْبِضْهُ صَحَّ الشِّرَاءُ حَيْثُ لَا مَانِعَ وَحَرُمَ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى بَائِعِهَا شِرَاؤُهَا وَلَمْ يَصِحَّ مِنْهُ شِرَاؤُهَا نَصًّا بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَكِيلِهِ بِنَقْدٍ مِنْ جِنْسِ الْأَوَّلِ أَقَلَّ مِمَّا بَاعَهَا بِهِ بِنَقْدٍ أَيْ حَالٍ أَوْ نَسِيئَتِهِ، وَلَوْ بَعْدَ حَلِّ أَجَلِهَا أَيْ أَجَلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ نَصًّا نَقَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَنَدٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ امْرَأَتِهِ الْعَالِيَةِ قَالَتْ دَخَلْت أَنَا وَأُمُّ وَلَدِ ابْنِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عَلَى عَائِشَةَ إلَخْ؛ وَلِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ إلَى الرِّبَا لِيَسْتَبِيحَ بَيْعَ أَلْفٍ بِنَحْوِ خَمْسِمِائَةٍ إلَى أَجَلٍ وَالذَّرَائِعُ مُعْتَبَرَةٌ فِي الشَّرْعِ بِدَلِيلِ مَنْعِ الْقَاتِلِ مِنْ الْإِرْثِ بِهَا إلَّا أَنْ تَتَغَيَّرَ صِفَتُهَا لِمَا يُنْقِصُهَا كَعَبْدٍ قُطِعَتْ يَدُهُ أَوْ يُقْبَضُ ثَمَنُهَا بِأَنْ بَاعَ السِّلْعَةَ وَقَبَضَ ثَمَنَهَا، ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَيَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا تَوَسُّلَ بِهِ إلَى الرِّبَا وَإِنْ اشْتَرَاهَا أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ وَنَحْوُهُمَا كَغُلَامِهِ أَوْ مُكَاتَبُهُ أَوْ زَوْجَتُهُ وَلَا حِيلَةَ جَازَ وَصَحَّ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَالْأَجْنَبِيِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الشِّرَاءِ أَوْ اشْتَرَاهَا بَائِعُهَا مِنْ غَيْرِ مُشْتَرِيهَا كَمَا لَوْ اشْتَرَاهَا مِنْ وَارِثِهِ أَوْ مِمَّنْ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ مِنْهُ بِتَبِيعٍ أَوْ نَحْوِهِ جَازَ لِعَدَمِ الْمَانِعِ أَوْ اشْتَرَاهَا بَائِعُهَا بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِنَقْدٍ آخَرَ غَيْرِ الَّذِي بَاعَهَا بِهِ أَوْ اشْتَرَاهَا بِعِوَضٍ أَوْ بَاعَهَا بِعِوَضٍ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِنَقْدٍ صَحَّ الشِّرَاءُ وَلَمْ يَحْرُمْ لِانْتِفَاءِ الرِّبَا الْمُتَوَسَّلِ إلَيْهِ بِهِ وَإِنْ قُصِدَ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ الْعَقْدُ الثَّانِي بَطَلَا أَيْ الْعَقْدَانِ قَالَهُ الشَّيْخُ.

وَقَالَ هُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي لِأَجْلِهَا بَطَلَ الثَّانِي وَهُوَ كَوْنُهُ ذَرِيعَةً لِلرِّبَا مَوْجُودَةٌ إذَنْ فِي الْأَوَّلِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُسَمَّى مَسْأَلَةَ الْعِينَةِ؛ لِأَنَّ مُشْتَرِيَ السِّلْعَةِ إلَى أَجَلٍ يَأْخُذُ بِهَا عَيْنًا أَيْ نَقْدًا حَاضِرًا قَالَ الشَّاعِرُ:

أَنَعْتَانِ أَمْ نِدَّانِ أَمْ يَنْبَرِي لَنَا ... فَتًى مِثْلُ نَقْلِ السَّيْفِ مُيِّزَتْ مَضَارِبُهُ

وَمَعْنَى نَعْتَانِ نَشْتَرِي عِينَةً كَمَا وَصَفْنَا.

وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عُمَرَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إلَى دِينِكُمْ» اهـ. وَخَالَفَنَا الشَّافِعِيُّ فَقَالَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ لَا يَثْبُتُ حَدِيثُ عَائِشَةَ عَلَى أَنَّ زَيْدًا قَدْ خَالَفَهَا، وَإِذَا اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ فَمَذْهَبُنَا الْقِيَاسُ وَاحْتَجُّوا بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ

(أَحَدُهَا) قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] وَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا عَامٌّ وَمَا ذَكَرْنَاهُ خَاصٌّ وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ

(الْأَمْرُ الثَّانِي) مَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَتَى بِتَمْرٍ جَنِيبٍ فَقَالَ أَتَمْرُ خَيْبَرُ كُلُّهُ هَكَذَا فَقَالُوا إنَّا نَبْتَاعُ الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ مِنْ تَمْرِ الْجَمْعِ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا تَفْعَلُوا هَذَا، وَلَكِنْ بِيعُوا تَمْرَ الْجَمْعِ بِالدَّرَاهِمِ وَاشْتَرُوا بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا» فَهُوَ بَيْعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>