لَيْسَ عَنْ مَالٍ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ، وَلَا عَنْ الْيَمِينِ، وَإِلَّا لَجَازَتْ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بَعْدَهُ، وَلَجَازَ أَخْذُ الْعَقَارِ بِالشُّفْعَةِ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ بِغَيْرِ مَالٍ، وَلَا هُوَ مِنْ الْخُصُومَةِ، وَإِلَّا لَجَازَ عَنْ النِّكَاحِ وَالْقَذْفِ.
(الثَّانِي) أَنَّهُ عَاوَضَ عَنْ مِلْكِهِ فَيَمْتَنِعُ كَشِرَاءِ مَالِهِ مِنْ وَكِيلِهِ.
(الثَّالِثُ) أَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ فَلَا تَصِحُّ مَعَ الْجَهْلِ كَالْبَيْعِ.
وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ أَخَذَ الْمَالَ بِحَقٍّ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ ثُبُوتِهِ عَدَمُهُ. نَعَمْ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ عَلَى بَاطِلٍ حَرُمَ عَلَيْهِ أَخْذُ ذَلِكَ الْمَالِ، وَأَمَّا إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بَعْدَةُ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ تَتَخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ حَلَّفَ خَصْمَهُ، وَلَهُ بَيِّنَةَ فَلَهُ إقَامَتُهَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ الْعُذْرِ وَعِنْدَ أَشْهَبَ مُطْلَقًا.
وَأَمَّا الْقَذْفُ فَلَا مَدْخَلَ لِلْمَالِ فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ فِيهِ الصُّلْحُ مَعَ الْإِقْرَارِ فَكَذَلِكَ مَعَ الْإِنْكَارِ، وَنَلْتَزِمُ الْجَوَازَ فِي النِّكَاحِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا أَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ الزَّوْجِيَّةَ أَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يُوجِبُ عَلَيْهَا الْيَمِينَ فَتَفْتَدِي بِيَمِينِهَا، وَنَلْتَزِمُ الشُّفْعَةَ، وَعَنْ الثَّانِي بِالْفَرْقِ بِأَنَّهُ مَعَ وَكِيلِهِ مُتَمَكِّنٌ مِنْ مَالِهِ بِخِلَافِ صُورَةِ النِّزَاعِ فَإِنَّهَا لِدَرْءِ مَفْسَدَةِ الْخُصُومَةِ، وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ الضَّرُورَةَ هُنَا تَدْعُوَا لِلْجَهْلِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ مِيرَاثًا مِنْ جِهَةِ مُوَرِّثٍ صَحَّ الصُّلْحُ فِيهِ مَعَ الْجَهْلِ، وَالْعَجَبُ مِنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ يَقُولُ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَدْخُلَ دَارَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِاللَّيْلِ، وَيَأْخُذُ قَدْرَ حَقِّهِ فَكَيْفَ يَمْنَعُ مَعَ الْمُوَافَقَةِ مِنْ الْخَصْمِ عَلَى الْأَخْذِ، وَيَتَأَكَّدُ قَوْلُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال: ١] وَغَيْرِهِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلِأَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى بَذْلِ الْمَالِ بِغَيْرِ حَقٍّ فِي فِدَاءِ الْأَسَارَى وَالْمُخَالَعَةِ وَالظَّلَمَةِ وَالْمُحَارَبِينَ وَالشُّعَرَاءِ فَكَذَلِكَ هَا هُنَا لِدَرْءِ الْخُصُومَةِ، وَلِأَنَّهُ قَاطِعٌ لِلْمُطَالَبَةِ فَيَكُونُ مَعَ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ كَالْإِبْرَاءِ، وَيَجُوزُ مَعَ عَدَمِ الْمَالِ مِنْ الْجِهَتَيْنِ كَالصُّلْحِ عَلَى دَمِ الْعَمْدِ، وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ فِيهِ مَعَ الْإِنْكَارِ فَصَحَّ الصُّلْحُ عَلَيْهِ قِيَاسًا عَلَيْهَا.
(الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُمْلَكُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ بِالْإِجَارَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُمْلَكُ مِنْهَا بِالْإِجَارَاتِ) فَأَقُولُ مَتَى اجْتَمَعَتْ فِي الْمَنْفَعَةِ ثَمَانِيَةُ شُرُوطٍ مُلِكَتْ بِالْإِجَارَةِ، وَمَتَى انْخَرَمَ مِنْهَا شَرْطٌ لَا تُمْلَكُ الْأَوَّلُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُمْلَكُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ بِالْإِجَارَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُمْلَكُ مِنْهَا بِالْإِجَارَاتِ إلَى قَوْلِهِ نَعَمْ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ وَالشُّفْعَةِ فِي الْأَرَضِينَ فَإِنَّهَا ثَابِتَةٌ)
قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الرَّهُونِيُّ وَكَنُونِ تَبَعًا لِلشَّيْخِ عَلَى الْمِسْنَاوِيِّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ تَمْلِيكُ مُتَمَوِّلٍ إلَخْ لِأَنَّ الْقَرْضَ يُوجَدُ قَبْلَ الدَّفْعِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ بِالْقَوْلِ اهـ قَالَ الْخَرَشِيُّ وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ مُتَمَوَّلٌ مَا لَيْسَ بِمُتَمَوَّلٍ أَيْ كَقِطْعَةِ نَارٍ إذْ دَفْعُهُ لَيْسَ بِقَرْضٍ إذْ لَا يُقْرَضُ مِثْلُ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ فِي عِوَضٍ أَخْرَجَ بِهِ دَفْعَهُ هِبَةً، وَقَوْلُهُ غَيْرِ مُخَالِفٍ لَهُ أَيْ لِذَلِكَ الْمُتَمَوِّلِ، وَقَوْلُهُ لَا عَاجِلًا أَخْرَجَ بِهِ الْمُبَادَلَةَ الْمِثْلِيَّةَ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ الْحَدُّ عَلَيْهَا كَمَا يَصْدُقُ عَلَى الْقَرْضِ الْفَاسِدِ لَوْلَا أَنْ يَخُصَّ الصَّحِيحَ بِزِيَادَةِ قَوْلِهِ تَفَضُّلًا فَقَطْ إلَخْ أَيْ حَالَ كَوْنِ الدَّفْعِ تَفَضُّلًا بِأَنْ يَقْصِدَ الْمُسَلِّفُ نَفْعَ الْمُتَسَلِّفِ فَقَطْ لَا نَفْعَهُ، وَلَا نَفْعَهُمَا، وَلَا نَفْعَ أَجْنَبِيٍّ بِأَنْ يَقْصِدَ بِالدَّفْعِ لِزَيْدٍ نَفْعَ عَمْرٍو، وَلِكَوْنِ عَمْرٍو يَعُودُ عَلَيْهِ مَنْفَعَةٌ مِنْ ذَلِكَ الْقَرْضِ كَأَنْ يَكُونَ لِعَمْرٍو دَيْنٌ عَلَى زَيْدٍ فَيُقْرِضَ زَيْدًا لِأَجْلِ أَنْ يَدْفَعَ لِعَمْرٍو دَيْنَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ سَلَفٌ فَاسِدٌ فَانْدَفَعَ تَنْظِيرُ الْبُنَانِيِّ فِي الْحَدِّ بِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ الصُّوَرَ الْفَاسِدَةَ، وَشَأْنُ التَّعْرِيفِ شُمُولُ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ اهـ.
فَافْهَمْ، وَقَوْلُهُ لَا يُوجِبُ إلَخْ أَيْ حَالَ كَوْنِ الدَّفْعِ لَا يُوجِبُ إمْكَانَ نَفْسِ الْعَارِيَّةِ الَّتِي لَا تَحِلُّ احْتِرَازًا مِنْ قَرْضٍ يُوجِبُ إمْكَانَ الْعَارِيَّةِ الَّتِي لَا تَحِلُّ فَلَا يَجُوزُ قَرْضُ جَارِيَةٍ تَحِلُّ لِلْمُسْتَقْرِضِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ عَارِيَّةِ الْفُرُوجِ اهـ.
بِزِيَادَةٍ مِنْ الْعَدَوِيِّ عَلَيْهِ، وَفِي الرَّهُونِيِّ وَكَنُونِ قَالَ الْحَطَّابُ وَيُسْتَثْنَى مِنْ مَنْعِ قَرْضِ جَارِيَةٍ تَحِلُّ إلَخْ مَا لَوْ أَمَرَتْ شَخْصًا يَبْتَاعُ لَك عَبْدَ فُلَانٍ مَثَلًا بِجَارِيَتِهِ هَذِهِ، وَيَكُونُ عَلَيْك مِثْلُهَا، وَكَذَا لَوْ أَمَرْتَهُ أَنْ يَقْضِيَ عَنْك دَيْنًا بِهَا، وَيَكُونُ عَلَيْك مِثْلُهَا إذْ لَا يَتَأَتَّى فِيهَا غَايَةُ الْفُرُوجِ لِأَنَّهَا لَا تَصِلُ لِيَدِ الْمُسْتَقْرِضِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ، وَرُبَّمَا أَلْغَزَتْ فَيُقَالُ أَيْنَ يَجُوزُ قَرْضُ الْجَارِيَةِ مِنْ غَيْرِ الْمَحْرَمِ مِنْهَا فَيُقَالُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْ الْأُولَى أَوْ تَقْضِي عَنْهُ فِي الدَّيْنِ اهـ.
أَيْ الَّتِي هِيَ الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ قَالَ الْبُنَانِيُّ فِي التَّوْضِيحِ أَجَازَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي الْحَمْدِيسِيَّةِ قَرْضَهُنَّ أَيْ الْجَوَارِي إذَا اُشْتُرِطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَرُدَّ عَيْنَهَا، وَإِنَّمَا يَرُدَّ مِثْلَهَا ثُمَّ قَالَ وَعَلَى هَذَا، وَهُوَ نَفْلُ الْمَوْثُوقِ بِهِمْ لَا تَبْعُدُ مُوَافَقَتُهُ لِلْمَشْهُورِ اهـ.
وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ اهـ.
قَالَ الْخَرَشِيُّ وَقَوْلُهُ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّمَّةِ صِفَةٌ لِمُتَمَوَّلٍ فَيَجُوزُ جَرُّهُ وَنَصْبُهُ مُرَاعَاةً لِلَفْظِ مُتَمَوَّلٍ وَلِمَحَلِّهِ اهـ قَالَ الْعَدَوِيُّ عَلَيْهِ وَالْأَوْلَى زُورٌ بِمَا يُقَدَّمُ قَوْلُهُ مُتَعَلِّقٌ عَلَى قَوْلِهِ لَا عَاجِلًا، وَيُقْرَأُ بِالْجَرِّ اهـ وَبِالْجُمْلَةِ قَالَ الْبُنَانِيُّ عَلَى عبق إنَّ كُلَّ مَا يَصِحُّ أَنْ يُسْلَمَ فِيهِ إلَّا الْجَوَارِي يَصِحُّ أَنْ يُقْرَضَ، وَكُلُّ مَا يَصِحُّ أَنْ يُقْرَضَ يَصِحُّ أَنْ يُسْلَمَ فِيهِ غَيْرَ أَنَّ هَذَا الْعَكْسَ لَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى اسْتِثْنَاءِ شَيْءٍ، وَلَا يَصِحُّ بِكُلِّ اعْتِبَارٍ الْقَوْلُ بِأَنَّ جَلْدَ الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغِ يَصِحُّ قَرْضُهُ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُسْلَمَ فِيهِ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ