للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيْنَ الْفَتَاوَى وَالْأَحْكَامِ وَتَصَرُّفِ الْقَاضِي وَالْإِمَامِ.

وَهُوَ كِتَابٌ نَفِيسٌ فِيهِ أَرْبَعُونَ مَسْأَلَةً مِنْ هَذَا النَّوْعِ.

(الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لِلْمُسْتَأْجِرِ أَخْذُهُ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْإِجَارَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ)

الْفَرْقُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةٍ، وَهِيَ أَنَّ الشَّرْعَ لَا يُعْتَبَرُ مِنْ الْمَقَاصِدِ إلَّا مَا تَعَلَّقَ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ مُحَصِّلٌ لِمَصْلَحَةٍ أَوْ دَارِئٌ لِمَفْسَدَةٍ لِذَلِكَ لَا يَسْمَعُ الْحَاكِمُ الدَّعْوَى فِي الْأَشْيَاءِ التَّافِهَةِ الْحَقِيرَةِ الَّتِي لَا يَتَشَاحُّ الْعُقَلَاءُ فِيهَا عَادَةً كَالسِّمْسِمَةِ، وَنَحْوِهَا فَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَيْضًا لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ فِي قَلْعِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا قِيمَةَ لَهَا بَعْدَ الْقَلْعِ، وَإِنْ كَانَتْ عَظِيمَةَ الْمَالِيَّةِ قَبْلَ الْقَلْعِ، وَكَذَلِكَ الْبِنَاءُ الْعَظِيمُ الَّذِي لَا قِيمَةَ لَهُ بَعْدَ الْهَدْمِ، وَإِنْ عَظُمَتْ قِيمَتُهُ قَبْلَ الْهَدْمِ، وَكَذَلِكَ الْمُسْتَحِقُّ مِنْهُ، وَالْغَاصِبُ وَنَحْوُهُمَا الْجَمِيعُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ لِأَنَّ قَلْعَهُ لِمُجَرَّدِ الْفَسَادِ لَا لِحُصُولِ مَصْلَحَةٍ تَحْصُلُ لِلْقَالِعِ، وَلَا لِدَرْءِ مَفْسَدَةٍ عَنْهُ فَيَتَعَيَّنُ بَقَاؤُهُ فِي الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ يَنْتَفِعُ بِهِ صَاحِبُ الْأَرْضِ، وَيَحْصُلُ لَهُ بِسَبَبِهِ تِلْكَ الْمَالِيَّةُ الْعَظِيمَةُ، وَيُعْطِيهِ لَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَإِنَّهُ مُسْتَحِقٌّ الْإِزَالَةَ شَرْعًا، وَعَلَى تَقْدِيرِ الْإِزَالَةِ تَبْطُلُ تِلْكَ الْمَالِيَّةُ فَهِيَ مَالِيَّةٌ مُسْتَهْلَكَةٌ عَلَى، وَاضِعِهَا شَرْعًا، وَالْمُسْتَهْلَكُ شَرْعًا لَا يَجِبُ فِيهِ قِيمَةٌ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ «نَهْيُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ» ، وَهَدْمُ مِثْلِ هَذَا الْبِنَاءِ.

وَقَلْعُ مِثْلِ هَذَا الشَّجَرِ إضَاعَةٌ لِلْمَالِ فَوَجَبَ الْمَنْعُ مِنْهُ فَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ الْعُرُوضَ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، وَكَذَلِكَ الْحَيَوَانُ وَالطَّعَامُ لِأَنَّ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِنْ الْخُصُوصِيَّاتِ وَالْأَوْصَافِ مَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَغْرَاضُ الصَّحِيحَةُ، وَتَمِيلُ إلَيْهِ الْعُقُولُ السَّلِيمَةُ، وَالنُّفُوسُ الْخَالِصَةُ لِمَا فِي تِلْكَ الْمَعْنِيَّاتِ مِنْ الْمَلَاذِّ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

بَيْنَ الْفَتَاوَى وَالْأَحْكَامِ وَتَصَرُّفِ الْقَاضِي وَالْإِمَامِ وَهُوَ كِتَابٌ نَفِيسٌ فِيهِ أَرْبَعُونَ مَسْأَلَةً مِنْ هَذَا النَّوْعِ) قُلْت إنْ كَانَتْ تِلْكَ الْمَسَائِلُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَيْسَ ذَلِكَ الْكِتَابُ بِنَفِيسٍ قَالَ.

(الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لِلْمُسْتَأْجِرِ أَخْذُهُ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ انْقِضَاء الْإِجَارَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ)

قُلْت فِيهِ نَقْلُ أَقْوَالٍ، وَلَكِنْ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ نَظَرٌ فَإِنَّ تَقْدِيرَ بِنَاءٍ أَوْ شَجَرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَا تَكُونُ لَهُ قِيمَةٌ بَعْدَ الْقَلْعِ بِخِلَافِ.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

إنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَيْسَ عَنْ مَالٍ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ ثُبُوتِهِ عَدَمُهُ نَعَمْ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ عَلَى بَاطِلٍ حَرُمَ عَلَيْهِ أَخْذُ ذَلِكَ الْمَالِ، سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ عَنْ مَالٍ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ حِينَئِذٍ بَلْ نَقُولُ هُوَ عِوَضٌ إمَّا عَنْ انْدِفَاعِ الْيَمِينِ عَنْهُ، وَنَلْتَزِمُ جَوَازَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بَعْدَهُ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ تَتَخَرَّجُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بَعْدَهُ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ حَلَّفَ خَصْمَهُ، وَلَهُ بَيِّنَةٌ فَلَهُ إقَامَتُهَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ الْعُذْرِ، وَعِنْدَ أَشْهَبَ مُطْلَقًا اهـ.

وَإِمَّا عَنْ سُقُوطِ الْخُصُومَةِ عَنْهُ، وَنَلْتَزِمُ الْجَوَازَ فِي النِّكَاحِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا أَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ الزَّوْجِيَّةَ أَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يُوجِبُ عَلَيْهَا الْيَمِينَ فَتَفْتَدِي بِيَمِينِهَا اهـ. وَنَلْتَزِمُ الشُّفْعَةَ، وَأَمَّا الْقَذْفُ فَلَا مَدْخَلَ لِلْمَالِ فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ فِيهِ الصُّلْحُ مَعَ الْإِقْرَارِ فَكَذَلِكَ مَعَ الْإِنْكَارِ

(وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ عَاوَضَ عَنْ مِلْكِهِ فَيَمْتَنِعُ كَشِرَاءِ مَالِهِ مِنْ وَكِيلِهِ

(وَجَوَابُهُ) بِالْفَرْقِ بِأَنَّهُ مَعَ وَكِيلِهِ مُتَمَكِّنٌ مِنْ مَالِهِ بِخِلَافِ صُورَةِ النِّزَاعِ فَإِنَّهَا لِدَرْءِ مَفْسَدَةِ الْخُصُومَةِ.

(وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ فَلَا تَصِحُّ مَعَ الْجَهْلِ كَالْبَيْعِ

(وَجَوَابُهُ) أَنَّ الضَّرُورَةَ هُنَا تَدْعُو لِلْجَهْلِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ مِيرَاثًا مِنْ جِهَةِ مُوَرِّثٍ صَحَّ الصُّلْحُ فِيهِ مَعَ الْجَهْلِ اهـ.

وَالْعَجَبُ مِنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ يَقُولُ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَدْخُلَ دَارَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِاللَّيْلِ، وَيَأْخُذَ قَدْرَ حَقِّهِ فَكَيْفَ يَمْنَعُ مَعَ الْمُوَافَقَةِ مِنْ الْخَصْمِ عَلَى الْأَخْذِ عَلَى أَنَّ قَوْلَنَا يَتَأَكَّدُ بِوُجُوهٍ

(الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) مَا وَرَدَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي الصُّلْحِ فَمِنْ الْكِتَابِ قَوْله تَعَالَى {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: ١٢٨] وقَوْله تَعَالَى {وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال: ١] وقَوْله تَعَالَى {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء: ١١٤] ، وَمِنْ السُّنَّةِ حَدِيثُ «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِصَدَقَةٍ يَسِيرَةٍ يُحِبُّهَا اللَّهُ تَعَالَى قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ إذَا تَقَاطَعُوا» ، وَمَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «أَفْضَلُ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصْلِحُونَ بَيْنَ النَّاسِ، وَمَا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ» وَعَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُ قَالَ مَنْ أَرَادَ فَضْلَ الْعَابِدِينَ فَلْيُصْلِحْ بَيْنَ النَّاسِ، وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَعْطَاهُ اللَّهُ بِكُلِّ كَلِمَةٍ عِتْقَ رَقَبَةٍ، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ الْقَائِلِ:

إنَّ الْفَضَائِلَ كُلَّهَا لَوْ جُمِعَتْ ... رَجَعَتْ بِأَجْمَعِهَا إلَى ثِنْتَيْنِ

تَعْظِيمُ أَمْرِ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ ... وَالسَّعْيُ فِي إصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>