(الْفَرْقُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ اجْتِمَاعُ الشُّرُوطِ وَالْأَسْبَابِ وَانْتِفَاءِ الْمَوَانِعِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ مُقَارَنَةُ شُرُوطِهِ وَأَسْبَابِهِ وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهِ) :
اعْلَمْ أَنَّ الْإِنْشَاءَاتِ كُلَّهَا كَالْبِيَاعَاتِ وَالْإِجَارَاتِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَجَمِيعُ مَا يَنْشَأُ مِنْ ذَلِكَ يُشْتَرَطُ فِيهِ حَالَةُ إنْشَائِهِنَّ مُقَارَنَةُ مَا هُوَ مُعْتَبَرٌ فِيهِ حَالَةَ الْإِنْشَاءِ فَهَذِهِ شَأْنُ الْإِنْشَاءَاتِ كُلِّهَا بِخِلَافِ الْإِقْرَارَاتِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا حُضُورُ مَا هُوَ مُعْتَبَرٌ فِي المقربة حَالَةَ الْإِقْرَارِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَيْسَ سَبَبًا فِي نَفْسِهِ بَلْ هُوَ دَلِيلُ السَّبَبِ لِاسْتِحْقَاقِ المقربة فِي زَمَنٍ سَابِقٍ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ السَّبَبَ مَعَ مَا هُوَ مُعْتَبَرٌ فِيهِ قَدْ تَقَدَّمَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَبَرِ الشَّرْعِيِّ فَمَنْ قَالَ هُوَ يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ دِينَارًا مِنْ ثَمَنِ دَابَّةٍ حَمَلْنَا هَذَا الْإِقْرَارَ عَلَى تَقَدُّمِ بَيْعٍ صَحِيحٍ عَلَى الْأَوْضَاعِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَاتٍ تَقْبَلُ الْبَيْعَ لَا خَمْرٍ، وَلَا خِنْزِيرٍ عَلَى مَا هُوَ مُعْتَبَرٌ فِي الْبَيْعِ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْعُلَمَاءُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا إذَا بَاعَهُ بِدِينَارٍ، وَفِي الْبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةُ السِّكَّةِ تَعَيَّنَ الْغَالِبُ مِنْهَا هُنَا لِأَنَّ التَّصَرُّفَ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِدِينَارٍ فِي بَلَدٍ، وَفِيهَا نَقْدٌ غَالِبٌ لَا يَتَعَيَّنُ الْغَالِبُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ دَلِيلٌ عَلَى تَقَدُّمِ السَّبَبِ لِاسْتِحْقَاقِ الدِّينَارِ فَلَعَلَّ السَّبَبَ وَقَعَ فِي بَلَدٍ آخَرَ وَزَمَانٍ مُتَقَدِّمٍ تَقَدُّمًا كَثِيرًا يَكُونُ الْوَاقِعُ حِينَئِذٍ سِكَّةً غَيْرَ هَذَا الْغَالِبِ، وَتَكُونُ هِيَ الْغَالِبَةُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَفِي ذَلِكَ الْبَلَدِ، وَالِاسْتِحْقَاقُ يَتْبَعُ زَمَنَ وُقُوعِ السَّبَبِ لَا زَمَنَ الْإِقْرَارِ بِهِ.
وَيَكُونُ هَذَا الْغَالِبُ مُتَجَدِّدًا بَعْدَ تَجَدُّدِ ذَلِكَ الْغَالِبِ، وَنَاسِخًا لَهُ فَمَا تَعَيَّنَ هَذَا الْغَالِبُ الْحَاضِرُ الْآنَ فَيُحْمَلُ الْإِقْرَارُ عَلَيْهِ كَمَا تَعَيَّنَ الْغَالِبُ الْمَوْجُودُ حَالَةَ الْإِقْرَارِ فَيُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ فِي إقْرَارِهِ بِأَيِّ سِكَّةٍ ذَلِكَ الدِّينَارُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ الْمَجْنُونُ الْآنَ أَوْ سَكْرَانُ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ بِدِينَارٍ مِنْ ثَمَنِ بَيْعٍ قَبْلَ إقْرَارِهِ، وَحُمِلَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْبَيْعَ وَقَعَ مِنْ الْمَجْنُونِ حَالَةَ عَقْلِهِ، وَمِنْ السَّكْرَانِ حَالَةَ صَحْوِهِ، وَمِنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ حَالَةَ إفَاقَتِهِ، وَأَنَّ شُرُوطَ الْبَيْعِ الْآنَ مَفْقُودَةٌ فِي حَقِّهِمْ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ ثَمَنَ بَيْعِ هَذِهِ الدَّارِ الْمَوْقُوفَةِ الْآنَ صَحَّ إقْرَارُهُ، وَحُمِلَ عَلَى حَالَةٍ تَكُونُ فِيهَا هَذِهِ الدَّارُ طَلْقًا، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ هَذِهِ النَّظَائِرِ الَّتِي تَكُونُ الشُّرُوطُ فِيهَا فَائِتَةً حَالَةَ الْإِقْرَارِ، وَيُمْكِنُ اعْتِبَارُهَا فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي أَمَّا لَوْ عُلِمَ التَّعَذُّرُ فِي الْمَاضِي، وَالْحَاضِرِ بَطَلَ الْإِقْرَارُ كَمَا لَوْ قَالَ مِنْ ثَمَنِ هَذَا الْخِنْزِيرِ فَإِنَّ الْخِنْزِيرَ لَا يَكُونُ فِي الْمَاضِي غَيْرَ خِنْزِيرٍ، وَالْوَقْفُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ طَلْقًا، وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ النَّظَائِرِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
ابْنِ الْقَاسِمِ إلَّا بِلَفْظِهَا خَلِيلٌ بِسَاقَيْتُكَ سَحْنُونٍ بِمَا يَدُلُّ اهـ.
تَاوَدِيٌّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ، وَفِي التَّسَوُّلِيِّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْمُسَاقَاةُ تَجُوزُ بِثَمَانِيَةِ شُرُوطٍ (أَوَّلُهَا) أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا فِي أَصْلٍ بِثَمَرٍ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَزْهَارِ وَالْأَوْرَاقِ الْمُنْتَفَعِ بِهَا كَالْوَرْدِ وَالْآسِ يَعْنِي الرَّيْحَانَ (ثَانِيهَا) أَنْ تَكُونَ قَبْلَ طِيبِ الثَّمَرَةِ وَجَوَازِ بَيْعِهَا (وَثَالِثُهَا) أَنْ تَكُونَ إلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ مَا لَمْ تَطُلْ جِدًّا أَوْ إلَى الْجَذَاذِ إذَا لَمْ يُؤَجَّلَا (رَابِعُهَا) أَنْ تَكُونَ بِلَفْظِ الْمُسَاقَاةِ لِأَنَّ الرُّخَصَ تَفْتَقِرُ إلَى أَلْفَاظٍ تَخْتَصُّ بِهَا (خَامِسُهَا) أَنْ تَكُونَ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ لَا عَلَى عَدَدٍ مِنْ آصُعٍ أَوْ أَوْسُقٍ (سَادِسُهَا) أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ كُلُّهُ عَلَى الْعَامِلِ (سَابِعُهَا) أَنْ لَا يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا مِنْ الثَّمَرَةِ، وَلَا مِنْ غَيْرِهَا شَيْئًا مُعَيَّنًا خَاصًّا بِنَفْسِهِ (ثَامِنُهَا) أَنْ لَا يُشْتَرَطَ عَلَى الْعَامِلِ أَشْيَاءُ خَارِجَةٌ عَنْ الثِّمَارِ أَوْ مُتَعَلِّقَةٌ بِالثَّمَرَةِ، وَلَكِنْ تَبْقَى بَعْدَ الثَّمَرَةِ مِمَّا لَهُ قَدْرٌ وَبَالٌ اهـ.
وَزَادَ بَعْضُهُمْ تَاسِعًا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الشَّجَرُ مِمَّا لَا يُخَلَّفُ اهـ.
، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ التَّاوَدِيِّ مَا فِي الشَّرْطِ الرَّابِعِ مِنْ الْخِلَافِ، وَالْأَصْلُ فِي فَاسِدِهَا الرَّدُّ إلَى مُسَاقَاةِ الْمِثْلِ كَمَا مَرَّ فِي الْقِرَاضِ إلَّا أَنَّهُمْ خَصُّوا هَذَا الْأَصْلَ بِمَسَائِلَ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ فِي كِتَابِ النَّظَائِرِ يُرَدُّ الْعَامِلُ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ إلَّا فِي خَمْسِ مَسَائِلَ فَلَهُ مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ إذَا سَاقَاهُ عَلَى حَائِطٍ فِيهِ ثَمَرٌ قَدْ أَطْعَمَ، وَإِذَا شُرِطَ الْعَمَلُ مَعَهُ، وَاجْتِمَاعُهَا مَعَ الْبَيْعِ، وَمُسَاقَاةِ سَنَتَيْنِ عَلَى جُزْأَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَإِذَا اخْتَلَفَا وَأَتَيَا بِمَا لَا يُشْبِهُ فَحَلَفَا عَلَى دَعْوَاهُمَا أَوْ نَكَلَا، وَقَدْ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ:
وَأُجْرَةُ مِثْلٍ فِي الْمُسَاقَاةِ عُيِّنَتْ ... سِوَى خَمْسَةٍ قَدْ خَالَفَ الشَّرْعَ حُكْمُهَا
مُسَاقَاةٌ إبَّانَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا ... وَجُزْءَانِ فِي عَامَيْنِ شَرْطٌ يَعُمُّهَا
وَإِنْ شَرَطَ السَّاقِي عَلَى مَالِكٍ لَهُ ... مُسَاعَدَةً وَالْبَيْعُ مَعَهَا يَضُمُّهَا
وَإِنْ حَلَفَا فِي الْخُلْفِ مِنْ غَيْرِ شُبْهَةٍ ... أَوْ اجْتَنَبَا الْأَيْمَانَ وَالْجَزْمَ ذَمُّهَا
كَمَا فِي الْأَصْلِ، وَنَصُّ خَلِيلٍ فِي مُخْتَصَرِهِ وَفُسِخَتْ فَاسِدَةً بِلَا عَمَلٍ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ أَوْ بَعْدَ سَنَةٍ مِنْ أَكْثَرَ إنْ وَجَبَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَبَعْدَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ إنْ خَرَجَا عَنْهَا كَأَنْ ازْدَادَ عَيْنًا أَوْ عَرْضًا، وَإِلَّا فَمُسَاقَاةُ الْمِثْلِ اهـ.
يَعْنِي أَنَّ الْمُسَاقَاةَ إذَا وَقَعَتْ فَاسِدَةً لِأَجْلِ خَلَلٍ بِرُكْنٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ وُجُودِ مَانِعٍ فَإِنْ عَثَرَ عَلَيْهَا قَبْلَ شُرُوعِ الْعَامِلِ فِي الْعَمَلِ وَجَبَ فَسْخُهَا مُطْلَقًا، وَإِنْ عَثَرَ عَلَيْهَا فِي أَثْنَاءِ الْعَمَلِ أَوْ بَعْدَ سَنَةٍ مِنْ أَكْثَرَ مِنْهَا فَإِنَّهَا تُفْسَخُ، وَيَكُونُ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِيمَا عَمِلَ أَيْ لَهُ بِحِسَابِ مَا عَمِلَ كَالْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ إنْ وَجَبَتْ