عَلَيْهِ شَهَادَةٌ يُؤَدِّيهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ، فَهَذَا الشَّبَهُ ضَعِيفٌ فَإِنْ قُلْت: الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّاهِدِ أَنَّ الْقَائِفَ يَخْتَصُّ بِقَبِيلَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَهُمْ بَنُو مُدْلِجٍ فَيُنَصِّبُ الْحَاكِمُ مِنْهُمْ مَنْ يَرَاهُ أَهْلًا لِذَلِكَ فَدُخُولُ نَصْبِ الْحَاكِمِ لِذَلِكَ وَاجْتِهَادِهِ وَتَوَسُّطِ نَظَرِهِ يُبْعِدُ احْتِمَالَ الْعَدَاوَةِ وَيُخَفِّفُ الضَّغِينَةَ فِي قَلْبِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الشَّاهِدِ فَإِنَّ مَنْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ شَهَادَةٌ أَدَّاهَا وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَيَأْتِي مَنْ يُزَكِّيهِ وَيُنَفِّذُ الْحُكْمَ وَلَا يَتَوَسَّطُ نَظَرُ الْحَاكِمِ فَتَقْوَى دَاعِيَةُ الْعَدَاوَةِ وَتَنْفِرُ النُّفُوسُ مِنْ سَلْطَنَةِ الْمُخْبِرِ عَلَيْهَا بِالْإِلْزَامِ قُلْت هُوَ فَرْقٌ حَسَنٌ وَهُوَ الْمُسْتَنَدُ لِمُعْتَقِدِي تَرْجِيحَ شِبْهِ الرِّوَايَةِ غَيْرَ أَنَّ الْفَرْقَ قَدْ رَجَّحَ فِي النَّفْسِ إضَافَةَ الْحُكْمِ إلَى الْمُشْتَرَكِ دُونَهُ لِقُوَّتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَائِفَ قَدْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ نَصْبِ الْإِمَامِ لِذَلِكَ الشَّخْصِ كَمَا «قَبِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلَ مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيِّ فِي نَسَبِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ» وَلَمْ يُنْقَلْ لَنَا أَنَّهُ نَصَّبَهُ لِذَلِكَ، وَلَوْ وُجِدَ مِنْ النَّاسِ أَوْ مِنْ الْقَبَائِلِ فِي عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ مَنْ يُودِعُهُ اللَّهُ تَعَالَى تِلْكَ الْخَاصِّيَّةَ الَّتِي أَوْدَعَهَا فِي بَنِي مُدْلِجٍ قُبِلَ قَوْلُهُ أَيْضًا فَعَلِمْنَا أَنَّ عِنْدَ كَثْرَةِ الْبَحْثِ وَالْكَشْفِ تَقْوَى شَائِبَةُ الشَّهَادَةِ، وَهَذَا الْبَحْثُ كُلُّهُ وَهَذَا التَّرْجِيحُ إنَّمَا تَمَكَّنَّا مِنْهُ عِنْدَ مَعْرِفَتِنَا بِحَقِيقَةِ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ مِنْ حَيْثُ هُمَا وَلَوْ لَمْ يَحْصُل كَلَامُ الْمَازِرِيِّ صَعُبَ عَلَيْنَا ذَلِكَ، وَانْسَدَّ الْبَابُ وَانْحَسَمَ الْفِقْهُ وَرَجَعْنَا إلَى التَّقْلِيدِ الصِّرْفِ الَّذِي لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ وَثَالِثُهَا الْمُتَرْجِمُ لِلْفَتَاوَى وَالْخُطُوطِ.
قَالَ مَالِكٌ: يَكْفِي الْوَاحِدُ وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ حُصُولُ الشَّبَهَيْنِ أَمَّا شَبَهُ الرِّوَايَةِ فَلِأَنَّهُ نُصِبَ نَصْبًا عَامًّا لِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَخْتَصُّ نَصْبُهُ بِمُعَيَّنٍ.
وَأَمَّا شَبَهُ الشَّهَادَةِ فَلِأَنَّهُ يُخْبِرُ عَنْ مُعَيَّنٍ مِنْ الْفَتَاوَى وَالْخُطُوطِ لَا يَتَعَدَّى إخْبَارُهُ ذَلِكَ الْخَطَّ الْمُعَيَّنَ أَوْ الْكَلَامَ الْمُعَيَّنَ وَيَأْتِي السُّؤَالُ بِالْفَارِقِ الْمُتَقَدِّمِ وَالْبَحْثِ بِعَيْنِهِ فِي الْقَائِفِ، وَرَابِعُهَا الْمُقَوِّمُ لِلسِّلَعِ وَأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ وَالسَّرِقَاتِ وَالْغُصُوبِ وَغَيْرِهَا.
قَالَ مَالِكٌ يَكْفِي الْوَاحِدُ فِي التَّقْوِيمِ إلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْقِيَمِ حَدٌّ كَالسَّرِقَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ وَرُوِيَ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ حُصُولُ ثَلَاثَةِ أَشْبَاهٍ: شَبَهُ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُ إلْزَامٌ لِمُعَيَّنٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَشَبَهُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمُقَوِّمَ مُتَصَدٍّ لِمَا لَا يَتَنَاهَى كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُتَرْجِمِ وَالْقَائِفِ وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (وَثَالِثُهَا الْمُتَرْجِمُ) قُلْتُ لَمْ يُحَرَّرْ الْكَلَامُ فِي هَذَا الضَّرْبِ فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الْقَوْلَ فِيهِ، وَالصَّحِيحُ التَّفْصِيلُ، وَهُوَ أَنَّ التَّرْجَمَةَ تَابِعَةٌ لِمَا هِيَ تَرْجَمَةٌ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ مِنْ نَوْعِ الرِّوَايَةِ فَحُكْمُهُ حُكْمُهَا وَإِنْ كَانَ مِنْ نَوْعِ الشَّهَادَةِ، فَكَذَلِكَ وَهَذَا وَاضِحٌ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَرَّرَ قَبْلُ، وَمَا ذُكِرَ فِيهِ مِنْ شِبْهِ الرِّوَايَةِ لِنَصْبِهِ نَصْبًا عَامًّا فَضَعِيفٌ، وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ شِبْهِ الشَّهَادَةِ بِكَوْنِهِ يُخْبِرُ عَنْ مُعَيَّنٍ مِنْ الْفَتَاوَى وَالْخُطُوطِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ وُرُودِ السُّؤَالِ وَالْبَحْثِ فِيهِ كَمَا فِي الْقَائِفِ صَحِيحٌ.
قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (وَرَابِعُهَا الْمُقَوِّمُ) ذَكَرَ فِيهِ شِبْهَ الرِّوَايَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا قَالَ وَشِبْهَ الْحُكْمِ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مِنْ نَوْعِ الشَّهَادَةِ لِتَرَتُّبِ فَصْلِ الْقَضَاءِ بِإِلْزَامِ ذَلِكَ الْقَدْرِ الْمُعَيَّنِ مِنْ الْعِوَضِ عَلَيْهِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ كَوْنِ الْخِلَافِ فِي كَوْنِهِ رِوَايَةً أَوْ شَهَادَةً فَشُبْهَةٌ يُدْرَأُ بِهَا الْحَدُّ ضَعِيفٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ أَنَّ سَارِقًا ثَبَتَتْ سَرِقَتُهُ لِمَا قَوَّمَهُ عَدْلَانِ عَارِفَانِ بِرُبْعِ دِينَارٍ، فَلَا شَكَّ أَنَّ الْخِلَافَ فِي مِثْلِ هَذَا الْفَرْضِ مُرْتَفِعٌ، وَالْحَدَّ لَازِمٌ مَعَ أَنَّ احْتِمَالَ كَوْنِ الْمُقَوِّمِ كَالرَّاوِي
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
مَالِكٍ وَبَيَانِ صِفَاتِ الْمُجْتَهِدِينَ.
وَأَمَّا طَرِيقَا الْفِعْلِ وَالْإِقْرَارَاتِ فَلَا يَنْشَأُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْءٌ مِنْ قَوَاعِدِ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّ الْبَحْثَ عَنْ الْفِعْلِ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ مِنْ الطُّرُقِ الَّتِي تُتَلَقَّى مِنْهَا الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ، وَمِنْ حَيْثُ الْخِلَافُ فِي نَوْعِ الْحُكْمِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْفِعْلُ هَلْ الْوُجُوبُ أَوْ النَّدْبُ، وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ إنْ أَتَى بَيَانًا لِمُجْمَلٍ وَاجِبٍ دَلَّ عَلَى الْوُجُوبِ أَوْ لِمُجْمَلٍ مَنْدُوبٍ دَلَّ عَلَى النَّدْبِ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بَيَانًا لِمُجْمَلٍ فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْقُرْبَةِ دَلَّ عَلَى النَّدْبِ أَوْ مِنْ جِنْسِ الْمُبَاحَاتِ دَلَّ عَلَى الْإِبَاحَةِ.
وَالْبَحْثُ عَنْ الْإِقْرَارَاتِ فِيهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ وَمِنْ حَيْثُ إنَّ مُعَارَضَةَ الْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ لَهُ كَمُعَارَضَتِهِ لِلْقِيَاسِ، وَمُعَارَضَةُ الْقَوْلِ لِلْفِعْلِ تَكُونُ سَبَبًا لِلِاخْتِلَافِ فِي تَأْدِيَةِ الْأَحْكَامِ مِنْ الطُّرُقِ الْأَرْبَعِ الْمَذْكُورَةِ لِتَلَقِّيهَا عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَلَا يَكُونُ إلَّا مُسْتَنِدًا لِأَحَدِ هَذِهِ الطُّرُقِ الْأَرْبَعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أَصْلًا مُسْتَقِلًّا لَاقْتَضَى إثْبَاتَ شَرْعٍ زَائِدٍ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِحَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ وَعَبْدِ السَّلَامِ وَالْأَمِيرِ عَلَى الْجَوْهَرَةِ وَرِسَالَةِ الصَّبَّانِ الْبَيَانِيَّةِ وَالْأُنْبَابِيُّ عَلَيْهَا.
(وَالْقِسْمُ الثَّانِي) : قَوَاعِدُ كُلِّيَّةٌ فِقْهِيَّةٌ جَلِيلَةٌ كَثِيرَةُ الْعَدَدِ عَظِيمَةُ الْمَدَدِ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى أَسْرَارِ الشَّرْعِ وَحِكَمِهِ، لِكُلِّ قَاعِدَةٍ مِنْ الْفُرُوعِ مَا لَا يُحْصَى وَلَمْ يُذْكَرْ شَيْءٌ مِنْهَا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ، وَإِنَّمَا أَتَّفَقَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ هُنَالِكَ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ، وَقَدْ وَضَعَ الْمُحَقِّقُونَ لِتَفْصِيلِهِ كُتُبَ الْقَوَاعِدِ مُهْتَمِّينَ بِتَحْصِيلِهِ اهْتِمَامَهُمْ بِتَحْصِيلِ الْأُصُولِ بَلْ هَذِهِ الْقَوَاعِدُ مُهِمَّةٌ عَظِيمَةُ النَّفْعِ فِي الْفِقْهِ بِقَدْرِ الْإِحَاطَةِ بِهَا يَعْظُمُ قَدْرُ الْفَقِيهِ، وَيَظْهَرُ رَوْنَقُ الْفِقْهِ بِلَا تَمْوِيهٍ وَتَتَّضِحُ مَنَاهِجُ الْفَتَاوَى وَتَنْكَشِفُ، وَيَحُوزُ قَصَبَ السَّبَقِ مَنْ بِالْبَرَاعَةِ فِيهَا يَتَّصِفُ نَعَمْ فِي حَاشِيَةِ الرَّهُونِيّ عَلَى شَرْحِ عبق عَلَى خَلِيلٍ أَنَّ صَاحِبَ الدِّيبَاجِ عِنْدَ تَرْجَمَةِ ابْنِ بَشِيرِ بْنِ الطَّاهِرِ إبْرَاهِيمَ بْنَ عَبْد الصَّمَدِ قَالَ مَا نَصُّهُ: وَكَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -