للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْأَحْوَالِ الْمُقْتَرِنَةِ وَالْقَرَائِنِ الْمُصَاحِبَةِ وَصُورَةِ الْفَاعِلِ وَهَيْئَةِ الْفِعْلِ، وَالْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ مَا يُؤَدِّي إلَى مَا يُوجَدُ فِي الْقَلْبِ السَّلِيمِ عَنْ الْهَوَاءِ الْمُعْتَدِلِ الْمِزَاجِ وَالْعَقْلِ وَالدِّيَانَةِ الْعَارِفِ بِالْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ فَهَذَا هُوَ الْمُتَعَيَّنُ لِوَزْنِ هَذِهِ الْأُمُورِ فَإِنَّ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ التَّسَاهُلُ فِي طَبْعِهِ لَا يَعُدُّ الْكَبِيرَةَ شَيْئًا، وَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ التَّشْدِيدُ فِي طَبْعِهِ يَجْعَلُ الصَّغِيرَةَ كَبِيرَةً فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْعَقْلِ الْوَازِنِ لِهَذِهِ الِاعْتِبَارَاتِ، وَمَتَى تَخَلَّلَتْ التَّوْبَةُ الصَّغَائِرَ فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا لَا تَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي إذَا كَانَتْ مِنْ أَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الشَّبَهُ وَاللَّبْسُ إذَا تَقَرَّرَتْ مِنْ النَّوْعِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مَوْضُوعُ النَّظَرِ الَّذِي تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الْمَشْهُورُ عِنْدَنَا قَبُولُ شَهَادَةِ الْقَاذِفِ قَبْلَ جَلْدِهِ، وَإِنْ كَانَ الْقَذْفُ كَبِيرَةً اتِّفَاقًا، وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَرَدَّهَا عَبْدُ الْمَلِكِ وَمُطَرِّفٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَنَا أَنَّهُ قَبْلَ الْجَلْدِ غَيْرُ فَاسِقٍ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْ جَلْدِهِ يَجُوزُ رُجُوعُ الْبَيِّنَةِ أَوْ تَصْدِيقُ الْمَقْذُوفِ لَهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْفِسْقُ إلَّا بَعْدَ الْجَلْدِ، وَالْأَصْلُ اسْتِصْحَابُ الْعَدَالَةِ وَالْحَالَةِ السَّابِقَةِ احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ: (الْأَوَّلُ) أَنَّ الْآيَةَ اقْتَضَتْ تَرْتِيبَ الْفِسْقِ عَلَى الْقَذْفِ، وَقَدْ تَحَقَّقَ الْقَذْفُ فَيَتَحَقَّقُ الْفِسْقُ سَوَاءٌ جُلِدَ أَمْ لَا.

(الثَّانِي) أَنَّ الْجَلْدَ فَرْعُ ثُبُوتِ الْفِسْقِ فَلَوْ تَوَقَّفَ الْفِسْقُ عَلَى الْجَلْدِ لَزِمَ الدَّوْرُ.

(الثَّالِثُ) أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ إلَّا حَيْثُ تَيَقُّنِ الْعَدَالَةِ، وَلَمْ تُتَيَقَّنْ هُنَا فَتُرَدُّ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْآيَةَ اقْتَضَتْ صِحَّةَ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَبُطْلَانَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: ٤] فَرَتَّبَ رَدَّ الشَّهَادَةِ وَالْفِسْقِ عَلَى الْجَلْدِ وَتَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَى عِلِّيَّةِ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ فَيَكُونُ الْجَلْدُ هُوَ السَّبَبَ الْمُفَسِّقَ فَحَيْثُ لَا جَلْدَ لَا فُسُوقَ.

وَهُوَ مَطْلُوبُنَا أَوْ عَكْسُ مَطْلُوبِكُمْ، وَعَنْ الْوَجْهِ الثَّانِي أَنَّ الْجَلْدَ فَرْعُ ثُبُوتِ الْفِسْقِ ظَاهِرًا ظُهُورًا ضَعِيفًا لِجَوَازِ رُجُوعِ الْبَيِّنَةِ أَوْ تَصْدِيقِ الْمَقْذُوفِ فَإِذَا أُقِيمَ الْجَلْدُ قَوِيَ الظُّهُورُ بِإِقْدَامِ الْبَيِّنَةِ وَتَصْمِيمِهَا عَلَى أَذِيَّتِهِ، وَكَذَلِكَ الْمَقْذُوفُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْأَحْوَالِ الْمُقْتَرِنَةِ وَالْقَرَائِنِ الْمُصَاحِبَةِ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ وَمَا قَالَهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بَعْدَهَا نَقْلٌ وَتَوْجِيهٌ وَلَا كَلَامَ فِيهِ وَجَمِيعُ مَا قَالَهُ فِي الْفُرُوقِ السِّتَّةِ بَعْدَهُ صَحِيحٌ أَوْ نَقْلٌ وَتَرْجِيحٌ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

يَقْدَحُ عِنْدَهُ تَضْيِيعُ غَيْرِهِ لَهُ، وَإِنْ أَخَلَّ بِرُكْنٍ ظَاهِرٍ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَنَحْوِهِمَا فَالِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ ضَرُورِيٌّ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْعَدَالَةِ فِيهِ لِأَنَّ الْعِلْمَ الظَّاهِرَ نَابَ عَنْ الْعَدَالَةِ فِي ضَبْطِ الْمَصْلَحَةِ فَاسْتَغْنَى عَنْهَا فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِمَامَةِ وَالْأَذَانِ، وَأَمَّا مَنْ يُؤَذِّنُ لِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْتَمَدَ عَلَى قَوْلِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ عَدَالَةٌ كَسَائِرِ الْأَذْكَارِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ فَإِنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ يَصِحُّ مِنْ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ.

(الْقِسْمُ الثَّالِثُ) أَنْ تَكُونَ فِي مَحَلِّ التَّتِمَّاتِ فَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي اشْتِرَاطِهَا وَعَدَمِ اشْتِرَاطِهَا لِتَعَارُضِ شَائِبَتَيْنِ فِيهِ، وَلِهَذَا نَظَائِرُ هُنَا أَيْضًا مِنْهَا الْوِلَايَةُ فِي النِّكَاحِ فَإِنَّهَا تَتِمَّةٌ، وَلَيْسَتْ بِحَاجِيَّةٍ بِسَبَبِ أَنَّ الْوَازِعَ الطَّبِيعِيَّ فِي الشَّفَقَةِ عَلَى الْمُوَلَّى عَلَيْهَا يَمْنَعُ مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْعَارِ، وَمِنْ السَّعْيِ فِي الْإِضْرَارِ فَقَرَّبَ ذَلِكَ عَدَمَ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِيهَا كَالْإِقْرَارَاتِ لِقِيَامِ الْوَازِعِ الطَّبِيعِيِّ فِيهَا إلَّا أَنَّ الْفَاسِقَ لَمَّا كَانَ قَدْ يُوَالِي أَهْلَ شِيعَتِهِ فَيُؤْثِرُهُمْ بِتَوْلِيَتِهِ كَأُخْتِهِ وَابْنَتِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيَحْصُلُ لَهَا الْمَفْسَدَةُ الْعَظِيمَةُ فَاشْتُرِطَتْ الْعَدَالَةُ تَتِمَّةً لِأَجْلِ تَعَارُضِ هَاتَيْنِ الشَّائِبَتَيْنِ، وَلِهَذَا التَّعَارُضِ وَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ، وَهَلْ تَصِحُّ وِلَايَةُ الْفَاسِقِ أَمْ لَا، وَفِي مَذْهَبِ مَالِكٍ قَوْلَانِ، وَمِنْهَا الْأَوْصِيَاءُ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنَّهُ لَا يُوصِي عَلَى ذُرِّيَّتِهِ إلَّا مَنْ يَثِقُ بِشَفَقَتِهِ فَوَازِعُهُ الطَّبِيعِيُّ يُحَصِّلُ مَصْلَحَةَ الْوَصِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ قَدْ يُوَلِّي أَهْلَ شِيعَتِهِ مِنْ الْفَسَقَةِ فَتَحْصُلُ الْمَفَاسِدُ مِنْ وِلَايَتِهِمْ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالتَّزْوِيجِ تَعَارَضَتْ هَاتَانِ الشَّائِبَتَانِ فَكَانَ تَعَارُضُهُمَا سَبَبًا فِي كَوْنِ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي الْأَوْصِيَاءِ تَتِمَّةً كَمَا تَقَدَّمَ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ، وَفِي الْخِلَافِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي الْأَوْصِيَاءِ

(الْقِسْمُ الرَّابِعُ) أَنْ تَكُونَ فِيمَا خَرَجَ عَنْ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ الضَّرُورَةُ، وَالْحَاجَةُ وَالتَّتِمَّةُ فَيَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهَا فِيهِ، وَلِذَلِكَ نَظَائِرُ هُنَا (مِنْهَا) الْإِقْرَارُ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْوَازِعِ الطَّبِيعِيِّ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ فِي مَالِهِ أَوْ نَفْسِهِ أَوْ أَعْضَائِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَالطَّبْعُ يَمْنَعُ مِنْ الْمُسَامَحَةِ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ يَقْتَضِيهِ بَلْ هُوَ مَعَ السَّبَبِ الْمُقْتَضِي لَهُ شَأْنُ الطِّبَاعِ جَحْدُهُ فَلَا يُعَارِضُ الطَّبْعَ هُنَا مُوَالَاتُهُ لِأَهْلِ شِيعَتِهِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ مَطْبُوعٌ عَلَى تَقْدِيمِ نَفْسِهِ عَلَى غَيْرِهِ كَانَ مِنْ أَهْلِ شِيعَتِهِ وَأَصْدِقَائِهِ أَمْ لَا فَلِذَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهَا فِيهِ، وَلَمْ يَنْعَقِدْ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ وَالْوَصِيَّةِ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْوَلِيَّ وَالْوَصِيَّ يَتَصَرَّفَانِ لِغَيْرِهِمَا فَيُمْكِنُ فِيهِمَا مُرَاعَاةُ الْأَصْدِقَاءِ فِي ذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِمْ لِأَنَّهُ تَرْجِيحٌ لِأَحَدِ الْغَيْرَيْنِ عَلَى الْآخَرِ.

(وَمِنْهَا) الدَّعَاوَى فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا يَدَّعِي لِنَفْسِهِ فَدَعْوَاهُ عَلَى، وَفْقِ طَبْعِهِ عَكْسُ الْأَقَارِيرِ إلَّا أَنَّ إلْزَامَهُ الْبَيِّنَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>