للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا فَسَادِ عَرْضٍ أَوْ عُضْوٍ فَيَجُوزُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِ رَفْعٍ لِلْحَاكِمِ فَمَنْ أَخَذَ عَيْنَ الْمَغْصُوبِ أَوْ وَجَدَ عَيْنَ سِلْعَتِهِ الَّتِي اشْتَرَاهَا أَوْ وَرِثَهَا، وَلَا يَخَافُ مِنْ أَخْذِهَا ضَرَرًا فَلَهُ أَخْذُهَا، وَمَا يَحْتَاجُ لِلْحَاكِمِ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ

(النَّوْعُ الْأَوَّلُ) الْمُخْتَلَفُ فِيهِ هَلْ هُوَ ثَابِتٌ أَمْ لَا فَلَا بُدَّ مِنْ رَفْعٍ لِلْحَاكِمِ حَتَّى يَتَوَجَّهَ ثُبُوتُهُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ فَهَذَا النَّوْعُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ يَفْتَقِرُ إلَى الْحَاكِمِ فِي بَعْضِ مَسَائِلِهِ دُونَ بَعْضٍ كَاسْتِحْقَاقِ الْغُرَمَاءِ لِرَدِّ عِتْقِ الْمِدْيَانِ وَتَبَرُّعَاتِهِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يُثْبِتُ لَهُمْ حَقًّا فِي ذَلِكَ وَمَالِكٌ يُثْبِتُهُ فَيَحْتَاجُ لِقَضَاءِ الْحَاكِمِ بِذَلِكَ، وَقَدْ لَا يَفْتَقِرُ هَذَا النَّوْعُ لِلْحَاكِمِ كَمَنْ وُهِبَ لَهُ مَشَاعٌ فِي عَقَارٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ اشْتَرَى مَبِيعًا عَلَى الصِّفَةِ أَوْ أَسْلَمَ فِي حَيَوَانٍ، وَنَحْوُ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُسْتَحِقَّ الْمُعْتَقِدَ لِصِحَّةِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ يَتَنَاوَلُ هَذِهِ الْأُمُورَ مِنْ غَيْرِ حَاكِمٍ، وَهُوَ كَثِيرٌ، وَالْمُفْتَقِرُ مِنْهُ لِلْحَاكِمِ قَلِيلٌ، وَفِي الْفَرْقِ بَيْنَ مَا يَفْتَقِرُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ وَمَا لَا يَفْتَقِرُ عُسْرٌ.

(النَّوْعُ الثَّانِي) مَا يَحْتَاجُ لِلِاجْتِهَادِ وَالتَّحْرِيرِ فَإِنَّهُ يَفْتَقِرُ لِلْحَاكِمِ كَتَقْوِيمِ الرَّقِيقِ فِي إعْتَاقِ الْبَعْضِ عَلَى الْمُعْتِقِ وَتَقْدِيرِ النَّفَقَاتِ لِلزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ، وَالطَّلَاقُ عَلَى الْمُولِي بِعَدَمِ الْفَيْئَةِ فَإِنَّ فِيهِ تَحْرِيرَ عَدَمِ فَيْئَتِهِ، وَالْمُعْسِرُ بِالنَّفَقَةِ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَمَنَعَهُ الْحَنَفِيَّةُ، وَلِأَنَّهُ يَفْتَقِرُ لِتَحْرِيرِ إعْسَارِهِ وَتَقْدِيرِهِ، وَمَا مِقْدَارُ الْإِعْسَارِ الَّذِي يُطْلَقُ بِهِ فَإِنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَعِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُطْلَقُ بِالْعَجْزِ عَنْ أَصْلِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ اللَّتَانِ يُفْرَضَانِ بَلْ بِالْعَجْزِ عَنْ الضَّرُورِيِّ الْمُقِيمِ لِلْبَيِّنَةِ، وَإِنْ كُنَّا لَا نَفْرِضُهُ ابْتِدَاءً.

(النَّوْعُ الثَّالِثُ) مَا يُؤَدِّي أَخْذُهُ لِلْفِتْنَةِ كَالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَالْأَعْضَاءِ يُرْفَعُ ذَلِكَ لِلْأَئِمَّةِ لِئَلَّا يَقَعَ لِسَبَبِ تَنَاوُلِهِ تَمَانُعٌ وَقَتْلٌ وَفِتْنَةٌ أَعْظَمُ مِنْ الْأُولَى، وَكَذَلِكَ التَّعْزِيرُ، وَفِيهِ أَيْضًا الْحَاجَةُ لِلِاجْتِهَادِ فِي مِقْدَارِهِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ فِي الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ فِي الْأَطْرَافِ.

(النَّوْعُ الرَّابِعُ) مَا يُؤَدِّي إلَى فَسَادِ الْعِرْضِ وَسُوءِ الْعَاقِبَةِ كَمَنْ ظَفِرَ بِالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ أَوْ الْمُشْتَرَاةِ أَوْ الْمَوْرُوثَةِ لَكِنْ يَخَافُ مِنْ أَخْذِهَا أَنْ يُنْسَبَ إلَى السَّرِقَةِ فَلَا يَأْخُذُهَا بِنَفْسِهِ، وَيَرْفَعُهَا لِلْحَاكِمِ دَفْعًا لِهَذِهِ الْمَفْسَدَةِ.

(النَّوْعُ الْخَامِسُ) مَا يُؤَدِّي إلَى خِيَانَةِ الْأَمَانَةِ إذَا أَوْدَعَ عِنْدَك مَنْ لَك عَلَيْهِ حَقٌّ، وَعَجَزْتَ عَنْ أَخْذِهِ مِنْهُ لِعَدَمِ اعْتِرَافِهِ أَوْ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ فَهَلْ لَك جَحْدُ وَدِيعَتِهِ إذَا كَانَتْ قَدْرَ حَقِّك مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَمَنَعَهُ مَالِكٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَك، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك» ، وَأَجَازَهُ الشَّافِعِيُّ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

إلَخْ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الْمَالِكَ لِأَمْرِهِ تَارَةً يُقِرُّ فِي صِحَّتِهِ، وَتَارَةً فِي مَرَضِهِ، وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ لَهُ وَارِثًا أَوْ أَجْنَبِيًّا اُنْظُرْ شُرُوحَ الْعَاصِمِيَّةِ

(وَالْقِسْمُ الثَّانِي) مَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْهُ، وَضَابِطُهُ مَا لِلْمُقِرِّ عُذْرٌ عَادِيٌّ فِي رُجُوعِهِ عَنْهُ، وَمَثَّلَ لَهُ الْأَصْلُ بِثَلَاثِ مَسَائِلَ فَقَالَ.

(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) إذَا أَقَرَّ الْوَارِثُ لِلْوَرَثَةِ أَنَّ مَا تَرَكَهُ أَبُوهُ مِيرَاثٌ بَيْنَهُمْ عَلَى مَا عُهِدَ فِي الشَّرِيعَةِ، وَمَا تُحْمَلُ عَلَيْهِ الدِّيَانَةُ ثُمَّ جَاءَ شُهُودٌ أَخْبَرُوهُ أَنَّ أَبَاهُ أَشْهَدَهُمْ أَنَّهُ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ فِي صِغَرِهِ بِهَذِهِ الدَّارِ، وَحَازَهَا لَهُ أَوْ أَنَّ وَالِدَهُ أَقَرَّ أَنَّهُ مَلَّكَهَا عَلَيْهِ بِوَجْهٍ شَرْعِيٍّ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْ إقْرَارِهِ، وَأَنَّهُ كَانَ بِنَاءً عَلَى الْعَادَةِ، وَمُقْتَضَى ظَاهِرِ الشَّرِيعَةِ، وَعُذْرُهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِمَا أَخْبَرَتْهُ الْبَيِّنَةُ بِهِ مِنْ أَنَّ التَّرِكَةَ كُلَّهَا مَوْرُوثَةٌ إلَّا هَذِهِ الدَّارَ الْمَشْهُودَ بِهَا لَهُ دُونَ الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ عُذْرٌ عَادِيٌّ يُسْمَعُ مِثْلُهُ فَيُقِيمُ بَيِّنَتَهُ، وَلَا يَكُونُ إقْرَارُهُ السَّابِقُ مُكَذِّبًا لِلْبَيِّنَةِ وَقَادِحًا فِيهَا اهـ.

وَسَلَّمَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنِ الشَّاطِّ، وَفِي شَرْحِ التَّسَوُّلِيِّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ مَا نَصُّهُ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَلَوِيُّ اعْتَمَدَ مَا لِلْقَرَافِيِّ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْحُفَّاظِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَتَلَقَّوْهُ بِالْقَبُولِ مِنْهُمْ أَبُو سَالِمٍ إبْرَاهِيمُ الْيَزَنَاسَنِيُّ اهـ.

وَبِهِ يُعْلَمُ ضَعْفُ مَا فِي الْحَطَّابِ عَنْ سَحْنُونٍ مِنْ أَنَّ إقْرَارَهُ الْأَوَّلَ مُكَذِّبٌ لِلْبَيِّنَةِ فَلَا يُنْتَفَعُ بِهَا نَقَلَهُ فِي بَابَيْ الْإِقْرَارِ وَالْقِسْمَةِ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّهُ أَفْتَى بِمِثْلِ مَا لِلْقَرَافِيِّ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُعْتَمَدُ مَا لِلْقَرَافِيِّ، وَبِهِ كُنْت أَفْتَيْت اُنْظُرْ شَرْحَنَا لِلشَّامِلِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ أَوَّلَ الِاسْتِحْقَاقِ اهـ.

بِلَفْظِهِ، وَمَا مَرَّ أَوَّلَ الِاسْتِحْقَاقِ هُوَ مَا نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ مِنْ أَنَّ حُكْمَ الِاسْتِحْقَاقِ الْوُجُوبُ عِنْدَ تَيَسُّرِ أَسْبَابِهِ فِي الرَّبْعِ وَالْعَقَارِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ يَمِينِ مُسْتَحِقِّهِ، وَعَلَى يَمِينِهِ هُوَ مُبَاحٌ كَغَيْرِ الْعَقَارِ وَالرَّبْعِ لِأَنَّ الْحَلِفَ مَشَقَّةٌ اهـ.

قَالَ وَمُرَادُ ابْنِ عَرَفَةَ إذَا لَمْ تَسْمَحْ نَفْسُهُ بِذَلِكَ لِمَا فِيهِ حِينَئِذٍ مِنْ إطْعَامِ الْحَرَامِ لِغَيْرِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى مَنْعِهِ مِنْهُ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» .

وَقَالَ «اُنْصُرْ أَخَاك وَإِنْ ظَالِمًا، وَنَصْرُهُ أَنْ تَمْنَعَهُ عَنْ ظُلْمِهِ» فَالْمُسْتَحِقُّ حِينَئِذٍ آثِمٌ بِعَدَمِ قِيَامِهِ بِالِاسْتِحْقَاقِ لِأَنَّهُ تَرَكَ وَاجِبًا عَلَيْهِ فَهُوَ رَاجِعٌ إلَى تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ، وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَالْمُسْتَحِقُّ مِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ، وَهَذَا عَامٌّ سَوَاءٌ كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ مِنْ ذِي الشُّبْهَةِ أَوْ مِنْ غَاصِبٍ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعْلِمَ ذَا الشُّبْهَةِ بِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ، وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ تَسْمَحْ نَفْسُهُ بِهِ، وَيُطْلِعُهُ عَلَى بَيَانِ مِلْكِهِ لِلشَّيْءِ الْمُسْتَحَقِّ، وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْهُ كَانَ قَدْ تَرَكَ وَاجِبًا عَلَيْهِ آثِمًا بِذَلِكَ، وَهُوَ مَعْنَى وُجُوبِ قِيَامِهِ بِالِاسْتِحْقَاقِ خِلَافًا لِمَا لِلشَّيْخِ الرَّهُونِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ وُجُوبُهُ بِالنِّسْبَةِ لِذِي

<<  <  ج: ص:  >  >>