للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنْ ادَّعَى، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» فَجَعَلَ الْيَمِينَ فِي جِهَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَمْ يَبْقَ يَمِينٌ تُجْعَلُ فِي جِهَةِ الْمُدَّعِي، وَجَعَلَ حُجَّةَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ، وَحَجَّةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْيَمِينَ، وَلَمَّا لَمْ يَجُزْ نَقْلُ حُجَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَى جِهَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ أَيْضًا نَقْلُ جِهَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَى جِهَةِ الْمُدَّعِي

(الْخَامِسُ) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «شَاهِدَاك وَيَمِينُهُ» ، وَلَمْ يَقُلْ أَوْ يَمِينُك

(السَّادِسُ) أَنَّ الْبَيِّنَةَ لِلْإِثْبَاتِ، وَيَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلنَّفْيِ فَلَمَّا تَعَذَّرَ جَعْلُ الْبَيِّنَةِ لِلنَّفْيِ تَعَذَّرَ أَيْضًا جَعْلُ الْيَمِينِ لِلْإِثْبَاتِ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ أَنْ لَا تَنْفُذَ الْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ لِيَقْطَعَ بِهَا مَالَ غَيْرِهِ، وَهَذِهِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، وَمُجَرَّدُ الِاحْتِمَالِ لَا يَمْنَعُ، وَإِلَّا مُنِعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْيَمِينِ الدَّافِعَةِ لِئَلَّا يَأْخُذَ بِهَا مَالَ غَيْرِهِ بَلْ يَحْكُمُ بِالظَّاهِرِ، وَهُوَ الصِّدْقُ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الْمُوجِبَ لِحَدِّ الْمُلَاعِنِ قَذْفُهُ، وَإِنَّمَا أَيْمَانُهُ مُسْقِطَةٌ فَإِذَا فُقِدَ الْمَانِعُ عُمِلَ بِالْمُقْتَضَى، وَالنُّكُولُ عِنْدَكُمْ مُقْتَضَى فَلَا جَامِعَ بَيْنَهُمَا، وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّهُ رَوَى عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّهُ قَالَ اعْتَرَفَتْ فَأَلْزَمْتهَا ذَلِكَ، وَلَعَلَّهُ بِرَأْيِهِ لَا بِرَأْيِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْحُكْمِ عَلَيْهَا بِذَلِكَ، وَالتَّابِعِيُّ لَا حُجَّةَ فِي فِعْلِهِ، وَعَنْ الرَّابِعِ أَنَّهُ وَرَدَ لِمَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ ابْتِدَاءً، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ، وَأَمَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْحَدِيثُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُنْكِرَ قَدْ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ إذَا ادَّعَى وَفَاءَ الدَّيْنِ فَكَذَلِكَ الْيَمِينُ قَدْ تُوجَدُ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي فِي الرُّتْبَةِ الثَّانِيَةِ، وَعَنْ الْخَامِسِ أَنَّهُ لِبَيَانِ مَنْ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ ابْتِدَاءً فِي الرُّتْبَةِ الْأُولَى كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ، وَعَنْ السَّادِسِ أَنَّا لَمْ نَجْعَلْ الْيَمِينَ وَحْدَهَا لِلْإِثْبَاتِ بَلْ الْيَمِينُ مَعَ النُّكُولِ ثُمَّ إنَّ الْبَيِّنَةَ قَدْ تَكُونُ لِلنَّفْيِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ مِثْلُ بَيِّنَةِ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ نَفْيٌ.

(الْحُجَّةُ التَّاسِعَةُ) أَيْمَانُ اللِّعَانِ وَهِيَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا أَيْضًا فِيمَا عَلِمْت مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ.

(الْحُجَّةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) الْمَرْأَتَانِ فَقَطْ أَمَّا شَهَادَةُ النِّسَاءِ فَوَقَعَ الْخِلَافُ فِيهَا فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ

(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ لَا يُقْبَلْنَ فِي أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُقْبَلُ فِي أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ إلَّا فِي الْجِرَاحِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَوَدِ فِي النُّفُوسِ وَالْأَطْرَافِ لَنَا وُجُوهٌ:

(الْأَوَّلُ) قَوْله تَعَالَى فِي مَسَائِلِ الْمُدَايَنَاتِ {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: ٢٨٢] فَكَانَ كُلُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ مِثْلُهُ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِ فَلَا تَجُوزُ فِي أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ

(الثَّانِي) قَوْلُهُ فِي الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: ٢] الْآيَةَ، وَهُوَ حُكْمٌ بَدَنِيٌّ فَكَانَتْ الْأَحْكَامُ الْبَدَنِيَّةُ كُلُّهَا كَذَلِكَ إلَّا مَوْضِعَ لَا يَطَّلِعُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

أَنَّ الْحَاكِمَ لَوْ ثَبَتَ عِنْدَهُ بِوَجْهِ الثُّبُوتِ أَنَّ لِزَيْدٍ عِنْدَ عَمْرٍو مِائَةَ دِينَارٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ إيَّاهَا أَنَّ ذَلِكَ الْأَمْرَ لَا يَصِحُّ بِوَجْهٍ أَنْ يَكُونَ إخْبَارًا، وَهَذَا الْمَوْضِعُ، وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ مَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ قَالَ وَتَفْرِيقُهُ بَيْنَ الْحُكْمِ فِي مَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ وَفِي مَوَاقِعِ الْخِلَافِ بِتَعَذُّرِ الْإِنْشَاءِ فِي الْأَوَّلِ لِتَعَيُّنِهِ وَثُبُوتِهِ إجْمَاعًا بِخِلَافِ الثَّانِي سَاقِطٌ إذْ كَمَا أَنَّ الْحُكْمَ فِي مَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ فَالْحُكْمُ فِي مَوَاقِعِ الْخِلَافِ ثَابِتٌ بِالْخِلَافِ فَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّصْوِيبِ كِلَاهُمَا حَقٌّ، وَحُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ التَّصْوِيبِ أَحَدُهُمَا حَقٌّ، وَحُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَكِنْ ثَبَتَ الْعُذْرُ لِلْمُكَلَّفِ فِي ذَلِكَ، وَمَا أَوْقَعَهُ فِيمَا وَقَعَ فِيهِ إلَّا الِاشْتِرَاكَ الَّذِي فِي لَفْظِ الْحُكْمِ فَإِنَّهُ يُقَالُ الْحُكْمُ فِي الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى النِّكَاحِ اللُّزُومُ لِلْمُقَلِّدِ الْمَالِكِيِّ، وَيُقَالُ الْحُكْمُ الَّذِي حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ الْفُلَانِيُّ عَلَى فُلَانٍ مُعَلِّقِ الطَّلَاقِ لُزُومُ الطَّلَاقِ، وَالْمُرَادُ بِالْحُكْمِ الْأَوَّلِ لُزُومُ الطَّلَاقِ لِكُلِّ مُعَلِّقٍ لِلطَّلَاقِ مِنْ مَالِكِيٍّ أَوْ مُقَلِّدٍ لِمَالِكِيٍّ، وَالْمُرَادُ بِالْحُكْمِ الثَّانِي لُزُومُ الطَّلَاقِ بِإِلْزَامِ الْحَاكِمِ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِكِيٍّ أَوْ غَيْرِ مَالِكِيٍّ اهـ. قُلْت وَيُوَافِقُهُ إطْلَاقُ ابْنِ فَرْحُونٍ أَنَّ غَيْرَ الْعِبَادَاتِ يَدْخُلُهُ الْحُكْمُ مُطْلَقًا كَمَا تَقَدَّمَ

(الْمَوْضِعُ الثَّانِي) قَوْلُهُ وَيَكُونُ إنْشَاؤُهُ إخْبَارًا خَاصًّا عَنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي تِلْكَ الصُّورَةِ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ حَيْثُ قَالَ إنَّهُ لَا يَصِحُّ بِوَجْهٍ إذْ كَيْفَ يَكُونُ إنْشَاءً، وَيَكُونُ مَعَ ذَلِكَ خَبَرًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِنْشَاءِ وَالْخَبَرِ (الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ) قَوْلُهُ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى إنْشَاءَهُ فِي مَوَاطِنِ الْخِلَافِ نَصًّا وَرَدَ مِنْ قِبَلِهِ فِي خُصُوصِ تِلْكَ الصُّورَةِ إلَى قَوْلِهِ فَهَذَا مَعْنَى الْإِنْشَاءِ حَيْثُ قَالَ لَا كَلَامَ أَشَدَّ فَسَادًا مِنْ قَوْلِهِ هَذَا فِي هَذَا الْفَصْلِ إذْ كَيْفَ يَكُونُ إنْشَاءُ الْحَاكِمِ الْحُكْمَ فِي مَوَاقِعِ الْخِلَافِ نَصًّا خَاصًّا مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اجْتَهَدَ أَحَدُكُمْ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِنْ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ» ، وَكَيْفَ يَصِحُّ الْخَطَأُ فِيمَا فِيهِ النَّصُّ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى هَذَا بَيِّنُ الْخَطَأِ بِلَا شَكٍّ فِيهِ، وَمَا تَخَيَّلَ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ يُعَيِّنُ فِي الْقَضِيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْأَقْوَالَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ حُكْمُ الْحَاكِمِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَصْلَحَةِ فِي نُفُوذِ الْحُكْمِ وَثَبَاتِهِ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْمَفْسَدَةِ لَوْ لَمْ يَنْفُذْ لَا لِمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ إنْشَاءٌ مِنْ الْحَاكِمِ مَوْضُوعٌ كَنَصٍّ خَاصٍّ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَصِيرُ حُكْمُ الشَّافِعِيِّ مَثَلًا مَذْهَبًا لَنَا وَلِغَيْرِنَا مِنْ الْأَحْنَافِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَلَكِنَّا لَا نَنْقُضُهُ، وَلَا رُجُوعَ هُنَا لِلْقَاعِدَةِ الْأُصُولِيَّةِ الَّتِي هِيَ قَاعِدَةُ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ، وَلَكِنْ مَا هُنَا يَرْجِعُ إلَى قَاعِدَةٍ فِقْهِيَّةٍ، وَهِيَ أَنَّ الْحُكْمَ إذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>