للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الْأَمْصَارِ وَالْأَعْصَارِ لَا عَلَى مُعَيَّنٍ فَلَيْسَتْ مَظِنَّةَ الْعَدَاوَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْعَدَدُ فَتُقْبَلُ الْوَاحِدَةُ فِي الرِّوَايَةِ، وَلَا تُقْبَلُ فِي الشَّهَادَةِ اتِّفَاقًا.

(الْحُجَّةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) الْيَمِينُ الْوَاحِدَةُ إذَا تَنَازَعَا دَارًا لَيْسَتْ فِي أَيْدِيهِمَا أَوْ فِي أَيْدِيهِمَا قُسِّمَتْ بَيْنَهُمَا بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا فَيَقْضِي لِكُلِّ وَاحِدٍ بِمُجَرَّدِ يَمِينِهِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهِيَ أَقَلُّ حُجَّةٍ فِي الشَّرِيعَةِ بِسَبَبِ أَنَّا لَمْ نَجِدْ مُرَجِّحًا عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ إلَّا الْيَمِينَ، وَكَذَلِكَ إذَا اسْتَوَتْ الْبَيِّنَتَانِ، وَالْأَيْدِي أَوْ الْبَيِّنَتَانِ مِنْ غَيْرِ يَدٍ بَلْ هِيَ فِي يَدِ ثَالِثٍ قُسِّمَتْ بَيْنَهُمَا بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا لِوُجُودِ التَّرْجِيحِ بِالْيَمِينِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أُمِرْت أَنْ أَقْضِيَ بِالظَّاهِرِ، وَاَللَّهُ مُتَوَلِّي السَّرَائِرِ» ، وَهَذَا قَدْ صَارَ ظَاهِرًا بِالْيَمِينِ فَيَقْضِي بِهِ لِصَاحِبِهِ، وَلِأَنَّهُمَا إنْ كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا فَكُلُّ وَاحِدٍ يَدُهُ عَلَى النِّصْفِ فَدَفَعَ عَنْهُ يَمِينَهُ كَسَائِرِ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ ثَالِثٍ فَأَقَرَّ لَهُمَا عَلَى نِسْبَةٍ اتَّفَقَا عَلَيْهَا قَسَّمَ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَإِنْ تَنَازَعَا، وَالثَّالِثُ يَقُولُ هِيَ لَا تَعْدُوهُمَا فَهِيَ كَمَا لَوْ كَانَتْ بِأَيْدِيهِمَا بِسَبَبِ إقْرَارِهِ لَهُمَا، وَإِنْ قَالَ الثَّالِثُ لَا أَعْلَمُ هِيَ لَهُمَا أَمْ لِغَيْرِهِمَا فَهُوَ مَوْضِعُ نَظَرٍ وَتَوَقُّفٍ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ تَكُونُ الْأَيْمَانَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ دَافِعَةً لَا جَالِبَةً، وَلَا يَقْضِي فِيهَا بِمِلْكٍ بَلْ بِالدَّفْعِ كَمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ، وَحَلَفَ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ يَعْتَقِدُ أَنَّهَا جَالِبَةٌ، وَأَنَّهَا تَقْضِي بِالْمِلْكِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَيْضًا تَنْدَرِجُ هَذِهِ الْيَمِينُ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ» لِأَنَّ الْمُرَادَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْيَمِينُ الدَّافِعَةُ، وَهِيَ هَذِهِ بِعَيْنِهَا فَتَنْدَرِجُ.

(الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ عَشْرَةَ) الْإِقْرَارُ مَنْ أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِحَقٍّ أَوْ عَيْنٍ قَضَى عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ كَانَ الْمُقِرُّ بَرًّا أَوْ فَاجِرًا فَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ بِهِ فِي الذِّمَّةِ كَالدَّيْنِ أَوْ عَيْنًا أَقَرَّ بِهَا مَنْ سَلَّمَ أُخِذَتْ مِنْهُ، وَقَضَى فِي جَمِيعِ ذَلِكَ بِالْمِلْكِ لِلْمُقِرِّ لَهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ بِهِ عَيْنًا قَضَى عَلَى الْمُقِرِّ بِتَسْلِيمِهَا لِلْمُقِرِّ لَهُ إنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُقِرِّ، وَلَا يَقْضِي بِالْمِلْكِ بَلْ بِإِلْزَامِ التَّسْلِيمِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِثَالِثٍ، وَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ بِهِ بِيَدِ الْغَيْرِ لَمْ يَقْضِ بِهِ، وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ الْإِقْرَارُ فِيمَا فِي يَدِ الْمُقِرِّ أَوْ يَنْتَقِلُ بِيَدِهِ يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ فَيَقْضِي عَلَيْهِ حِينَئِذٍ بِمُوجَبِ إقْرَارِهِ.

(الْحُجَّةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ خَاصَّةً، وَلِقَبُولِهَا عَشَرَةُ شُرُوطٍ: (الْأَوَّلُ) الْعَقْلُ لِيَفْهَمُوا مَا رَأَوْا (الثَّانِي) الذُّكُورِيَّةُ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ لَا تَحْصُلُ فِي اجْتِمَاعِ الْإِنَاثِ، وَرُوِيَ عَنْ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

نَصًّا فِي الْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْشَاءِ فَهُوَ لَفْظُ الْحُكْمِ الَّذِي جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُمْ فَيَلْزَمُ، وَمَا كَانَ مُحْتَمَلًا لِصِحَّةِ مَضْمُونِ الْإِقْرَارِ وَنَحْوِهِ، وَصِحَّةُ مَضْمُونِ الْكِتَابِ فَلَيْسَ بِلَفْظِ الْحُكْمِ الَّذِي جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُمْ فَلَا يَلْزَمُ بَلْ لِمَنْ بَعْدَهُ النَّظَرُ فِيهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ

(فَائِدَةٌ) قَالَ التَّسَوُّلِيُّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ عِلْمَا الْقَضَاءِ، وَالْفَتْوَى أَخَصُّ مِنْ الْعِلْمِ بِالْفِقْهِ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ الْفِقْهِ كُلِّيٌّ مِنْ حَيْثُ صِدْقُ كُلِّيَّتِهِ عَلَى جُزْئِيَّاتٍ فَحَالُ الْفَقِيهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَقِيهٌ كَحَالِ عَالِمٍ بِكُبْرَى قِيَاسِ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ فَقَطْ، وَحَالُ الْقَاضِي وَالْمُفْتِي كَحَالِ عَالِمٍ بِهَا مَعَ عِلْمِهِ بِصُغْرَاهُ، وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الْعِلْمَ بِهَا أَشَقُّ وَأَخَصُّ، وَأَيْضًا فِقْهَا الْقَضَاءِ وَالْفَتْوَى مَبْنِيَّانِ عَلَى إعْمَالِ النَّظَرِ فِي الصُّوَرِ الْجُزْئِيَّةِ وَإِدْرَاكِ مَا اسْتَمَلْت عَلَيْهِ مِنْ الْأَوْصَافِ الْكَائِنَةِ فِيهَا فَيُلْغِي طَرْدِيَّهَا، وَيُعْمِلُ مُعْتَبَرُهَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَقَوْلُهُ، وَأَيْضًا فِقْهَا إلَخْ هُوَ بَيَانُ وَجْهِ كَوْنِهِمَا بَعْدَ أَنْ بَيَّنَهُ بِالْمِثَالِ.

وَقَوْلُهُ طَرْدِيُّهَا أَيْ الْأَوْصَافَ الطَّرْدِيَّةَ الَّتِي لَا تَنْبَنِي عَلَى وُجُودِهَا أَوْ فَقْدِهَا ثَمَرَةٌ، وَهَذَا وَجْهُ تَخْطِئَةِ الْمُفْتِينَ وَالْقُضَاةِ لِبَعْضِهِمْ بَعْضًا فَقَدْ يَبْنِي الْقَاضِي وَالْمُفْتِي حُكْمَهُ وَفَتْوَاهُ عَلَى الْأَوْصَافِ الطَّرْدِيَّةِ الْمُخْتَلِفَةِ بِالنَّازِلَةِ، وَيَغْفُلُ عَنْ أَوْصَافِهَا الْمُعْتَبَرَةِ، وَأَصْلُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَنَصُّهُ وَعِلْمُ الْقَضَاءِ وَإِنْ كَانَ أَحَدَ أَنْوَاعِ عِلْمِ الْفِقْهِ، وَلَكِنَّهُ يَتَمَيَّزُ بِأُمُورٍ لَا يُحْسِنُهَا كُلُّ الْفُقَهَاءِ، وَرُبَّمَا كَانَ بَعْضُ النَّاسِ عَارِفًا بِفَصْلِ الْخِصَامِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَاعٌ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ كَمَا أَنَّ عِلْمَ الْفَرَائِضِ كَذَلِكَ، وَلَا غَرَابَةَ فِي امْتِيَازِ عِلْمِ الْقَضَاءِ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْفِقْهِ، وَإِنَّمَا الْغَرَابَةُ فِي اسْتِعْمَالِ كُلِّيَّاتِ الْفِقْهِ وَتَطْبِيقِهَا عَلَى جُزْئِيَّاتِ الْوَقَائِعِ، وَهُوَ عَسِيرٌ فَتَجِدُ الرَّجُلَ يَحْفَظُ كَثِيرًا مِنْ الْعِلْمِ، وَيَفْهَمُ وَيُعَلِّمُ غَيْرَهُ، وَإِذَا سُئِلَ عَنْ وَاقِعَةٍ بِبَعْضِ الْعَوَامّ مِنْ مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ وَنَحْوِهَا لَا يُحْسِنُ الْجَوَابَ عَنْهَا، وَلِلشُّيُوخِ فِي ذَلِكَ حِكَايَاتٌ نَبَّهَ ابْنُ سَهْلٍ أَوَّلَ كِتَابِهِ عَلَى بَعْضِهَا اهـ.

وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ خَلِيلٍ فِي التَّوْضِيحِ: وَعِلْمُ الْقَضَاءِ وَإِنْ كَانَ أَحَد أَنْوَاعَ الْفِقْهِ لَكِنَّهُ يَتَمَيَّزُ بِأُمُورٍ لَا يُحْسِنُهَا كُلُّ الْفُقَهَاءِ، وَقَدْ يُحْسِنُهَا مَنْ لَا بَاعَ لَهُ فِي الْفِقْهِ اهـ.

هُوَ أَنَّهُ مَنْ لَا بَاعَ لَهُ فِي حِفْظِ مَسَائِلِ الْفِقْهِ لَكِنْ مَعَهُ مِنْ الْفَطِنَةِ مَا يُدْخِلُ بِهِ الْجُزْئِيَّاتِ تَحْتَ كُلِّيَّاتِهَا بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ كَثِيرَ الْحِفْظِ لِمَسَائِلِهِ لَكِنْ لَيْسَ مَعَهُ مِنْ تِلْكَ الْفَطِنَةِ شَيْءٌ كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَلِذَلِكَ نَقَلْته بِرُمَّتِهِ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْحَمْقَاءِ اغْتَرَّ بِظَاهِرِ كَلَامِ التَّوْضِيحِ حَتَّى قَالَ إنَّ الْقَضَاءَ صِنَاعَةٌ يُحْسِنُهُ مَنْ لَا شَيْءَ مَعَهُ مِنْ الْفِقْهِ، وَجَرَى ذَلِكَ عَلَى أَلْسِنَةِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ ابْنِ عَاصِمٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>