ذَلِكَ الْجَيْشَ الْمُصَوَّرَ أَوْ رِجَالَهُ مِنْ قَلْعِ الْأَعْيُنِ أَوْ ضَرْبِ الرِّقَابِ وَقَعَ بِذَلِكَ الْعَسْكَرِ فِي مَوْضِعِهِ فَتُحَاشِيهِمْ الْعَسَاكِرُ فَأَقَامُوا سِتَّمِائَةِ سَنَةً وَالنِّسَاءُ هُنَّ الْمُلُوكُ وَالْأُمَرَاءُ بِمِصْرَ بَعْدَ غَرَقِ فِرْعَوْنَ وَجُيُوشِهِ كَذَلِكَ حَكَاهُ الْمُؤَرِّخُونَ.
وَأَمَّا سَحَرَةُ فِرْعَوْنَ فَالْجَوَابُ عَنْهُمْ مِنْ وُجُوهٍ. (الْأَوَّلِ) أَنَّهُمْ تَابُوا فَمَنَعَتْهُمْ التَّوْبَةُ وَالْإِسْلَامُ الْعَوْدَةَ إلَى مُعَاوَدَةِ الْكُفْرِ الَّذِي تَكُونُ بِهِ تِلْكَ الْآثَارُ وَرَغِبُوا فِيمَا عِنْدَ اللَّهِ وَلِذَلِكَ قَالُوا {لا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ} [الشعراء: ٥٠] (الثَّانِي) لَعَلَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِمَّا وَصَلُوا لِذَلِكَ، وَإِنَّمَا قَصَدَ مِنْ السَّحَرَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى قَلْبِ الْعَصَا حَيَّةً لِأَجْلِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.
(الثَّالِثِ) أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِرْعَوْنُ قَدْ عَلَّمَهُ بَعْضُ السَّحَرَةِ حُجُبًا وَمَوَانِعَ يُبْطِلُ بِهَا سِحْرَ السَّحَرَةِ اعْتِنَاءً بِهِ وَالْحُجُبُ وَالْمُبْطِلَاتُ فِيهِ مُشْتَهِرَةٌ عِنْدَ أَهْلِهِ فَانْدَفَعَ السُّؤَالُ فَهَذِهِ أَنْوَاعُ السِّحْرِ الثَّلَاثَةِ ثُمَّ هَذِهِ الْأَنْوَاعُ قَدْ تَقَعُ بِلَفْظٍ وَهُوَ كُفْرٌ أَوْ اعْتِقَادٍ هُوَ كُفْرٌ أَوْ فِعْلٍ هُوَ كُفْرٌ فَالْأَوَّلُ كَالسَّبِّ الْمُتَعَلِّقِ بِمَنْ سَبَّهُ كُفْرٌ وَالثَّانِي كَاعْتِقَادِ انْفِرَادِ الْكَوَاكِبِ أَوْ بَعْضِهَا بِالرُّبُوبِيَّةِ، وَالثَّالِثِ كَإِهَانَةِ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعْظِيمَهُ مِنْ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَغَيْرِهِ فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ مَتَى وَقَعَ شَيْءٌ مِنْهَا فِي السِّحْرِ فَذَلِكَ السِّحْرُ كُفْرٌ لَا مِرْيَةَ فِيهِ وَقَدْ يَقَعُ السِّحْرُ بِشَيْءٍ مُبَاحٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي وَضْعِ الْأَحْجَارِ فِي الْمَاءِ فَإِنَّهَا مُبَاحَةٌ وَكَذَلِكَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ: (ثُمَّ هَذِهِ الْأَنْوَاعُ قَدْ تَقَعُ بِلَفْظٍ هُوَ كُفْرٌ أَوْ اعْتِقَادٍ هُوَ كُفْرٌ أَوْ فِعْلٍ هُوَ كُفْرٌ إلَى آخِرِهِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
تَمَامُ الْفَائِدَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(الْبَابُ الْأَوَّلُ) فِي بَيَانِ مَا تَكُونُ فِيهِ الْحُجَّةُ الْأُولَى، وَدَلِيلُهَا وَشُرُوطُهَا، وَفِيهِ وَصْلَانِ:
(الْوَصْلُ الْأَوَّلُ) تَكُونُ هَذِهِ الْحُجَّةُ فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ كَمَا فِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ (الْأَوَّلُ) الزِّنَا فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: ٤] وَهِيَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: (الْأَوَّلُ) عَلَى مُعَايَنَتِهِ، وَهُوَ الْمُتَّفَقُ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ أَرْبَعَةِ شُهُودٍ.
(الْوَجْهُ الثَّانِي) عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ وَلَوْ مَرَّةً خِلَافًا لِمَنْ يَشْتَرِطُ الْإِقْرَارَ بِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَاخْتُلِفَ هَلْ لَا بُدَّ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ أَرْبَعَةً لِأَنَّهَا تَئُولُ إلَى إقَامَةِ الْحَدِّ فَسَاوَتْ الشَّهَادَةَ عَلَى الْمُعَايَنَةِ لِتَسَاوِي مُوجِبِهَا أَوْ يَكْفِي فِيهَا رَجُلَانِ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الشَّهَادَاتِ عَلَى الْإِقْرَارَاتِ إجْرَاءً لِلْإِقْرَارِ بِالزِّنَا عَلَى ذَلِكَ الْأَصْلِ؟
(الْوَجْهُ الثَّالِثُ) عَلَى الشَّهَادَةِ بِهِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ يَكْفِي اثْنَانِ عَلَى شَهَادَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى الْمُعَايَنَةِ أَيْ فَتَكُونُ ثَمَانِيَةً أَوْ لَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ فَتَكُونُ سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ يَكْفِي أَرْبَعَةٌ فَقَطْ يَشْهَدُونَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ
(الْوَجْهُ الرَّابِعُ) عَلَى كِتَابِ الْقَاضِي بِثُبُوتِهِ، وَالْحُكْمُ بِهِ، وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي ذَلِكَ هَلْ يَكْفِي اثْنَانِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ.
(الْمَوْضِعُ الثَّانِي) الْمُلَاعَنَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ أَقَلَّ مَنْ يَحْضُرُ لِعَانَ الزَّوْجَيْنِ أَرْبَعَةُ شُهُودٍ
(الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ) شَهَادَةُ الْأَبْدَانِ فِي النِّكَاحِ، وَهِيَ كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ أَنْ يُنْكِحَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ الْبِكْرَ مِنْ رَجُلٍ، وَلَمْ يَحْضُرْهُمَا شُهُودٌ بَلْ إنَّمَا عَقَدَ النِّكَاحَ وَتَفَرَّقَا، وَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ أَشْهِدْ مَنْ لَاقَيْت فَلَا تَتِمُّ الشَّهَادَةُ إلَّا بِأَرْبَعَةٍ شَاهِدَانِ عَلَى الْأَبِ وَشَاهِدَانِ عَلَى الزَّوْجِ فَإِنْ أَشْهَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا الشُّهُودَ الَّذِينَ أَشْهَدَهُمْ صَاحِبُهُ لَمْ تُسَمَّ هَذِهِ أَبْدَادًا فَلَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مَالِكَةً أَمْرَ نَفْسِهَا لَمْ تَكْمُلْ الشَّهَادَةُ عَلَى النِّكَاحِ إلَّا بِسِتَّةٍ اثْنَانِ عَلَى النَّاكِحِ وَاثْنَانِ عَلَى الْمُنْكَحِ، وَاثْنَانِ عَلَى الزَّوْجَةِ.
(الْمَوْضِعُ الرَّابِعُ) شَهَادَةُ جَلْدِ حَدِّ الزِّنَا لِمَنْ قَذَفَهُ شَخْصٌ فَلَا تَنْفَعُ الْقَاذِفُ إلَّا إذَا كَانَ الشُّهُودُ بِذَلِكَ أَرْبَعَةً نَعَمْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَدْخُلُ الْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ اخْتِلَافِهِمْ فِي كِتَابِ الْقَاضِي بِثُبُوتِ الزِّنَا أَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ اثْنَانِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ
(الْمَوْضِعُ الْخَامِسُ) شَهَادَةُ عُقُوبَةِ الزَّانِي فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ شُهُودٍ يَحْضُرُونَهُ.
(الْمَوْضِعُ السَّادِسُ) شَهَادَةُ السَّمَاعِ فِي الْأَحْبَاسِ، وَغَيْرِهِمَا فَلَا يَجْزِي فِيهَا أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ نَعَمْ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُجْزِئُ فِيهَا اثْنَانِ.
(الْمَوْضِعُ السَّابِعُ) الشَّهَادَةُ فِي بَابِ الِاسْتِرْعَاءِ فَأَقَلُّهُمْ أَرْبَعَةٌ أَيْضًا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَالْمَشْهُورُ اثْنَانِ.
(الْمَوْضِعُ الثَّامِنُ) مِنْ الشَّهَادَةِ فِي التَّرْشِيدِ وَالتَّسْفِيهِ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ يَشْتَرِطُ فِيهِمْ الْكَثْرَةَ وَأَقَلُّهُمْ أَرْبَعَةُ شُهُودٍ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ اثْنَانِ.
(الْمَوْضِعُ التَّاسِعُ) شَهَادَةُ مَنْ قَطَعَ اللُّصُوصُ عَلَيْهِمْ الطَّرِيقَ قَالَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ عَلَيْهِمْ إذَا كَانُوا كَثِيرًا وَأَقَلُّ الْكَثِيرِ أَرْبَعَةٌ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَالْمُغِيرَةُ وَابْنُ دِينَارٍ لَا يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ يَجُوزُ عَدْلَانِ.
(الْمَوْضِعُ الْعَاشِرُ) الشَّهَادَةُ فِي الرَّضَاعِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ حَكَى بَعْضُهُمْ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْجَهْمِ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِيهِ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِشَاهِدَيْنِ وَبِامْرَأَتَيْنِ اهـ الْمُرَادُ مِنْ التَّبْصِرَةِ فَانْظُرْهَا
(الْوَصْلُ الثَّانِي) فِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا أَنْ يَكُونُوا أَرْبَعَةَ رِجَالٍ ذُكُورٍ عُدُولٍ يَشْهَدُونَ بِزِنًا وَاحِدٍ مُجْتَمِعِينَ فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ غَيْرَ مُفْتَرِقِينَ بِأَنَّهُ أَدْخَلَ فَرْجَهُ فِي فَرْجِهَا كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ جَوَازُ النَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ قَصْدًا لِلتَّحَمُّلِ، وَلِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْأَلَهُمْ كَمَا يَسْأَلُ الشُّهُودَ فِي السَّرِقَةِ مَا هِيَ، وَمِنْ أَيْنَ، وَإِلَى أَيْنَ، وَفُرُوعُ