للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَنَّهُ خَاصٌّ بِرُوحَانِيَّاتِ الْكَوَاكِبِ، وَمُلُوكِ الْجَانِّ وَشُرُوطُ هَذِهِ الْأُمُورِ مُسْتَوْعَبَةٌ فِي كُتُبِ الْقَوْمِ وَالْغَالِبُ عَلَيْهِمْ الْكُفْرُ فَلَا جَرَمَ لَا يَشْتَغِلُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ مُفْلِحٌ، وَهَاهُنَا قَدْ انْتَهَى الْعَدَدُ إلَى أَحَدَ عَشَرَ وَكَانَ أَصْلُهُ عَشَرَ بِسَبَبِ أَنَّ أَحَدَ بَعْضِ الْخَوَاصِّ مِنْ أَنْوَاعِ السِّحْرِ فَاخْتَلَفَ الْعَدَدُ لِذَلِكَ.

وَهَاهُنَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) . قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ بْنُ الْخَطِيبِ فِي كِتَابِهِ الْمُلَخَّصِ: السِّحْرُ وَالْعَيْنُ لَا يَكُونَانِ مِنْ فَاضِلٍ، وَلَا يَقَعَانِ وَلَا يَصِحَّانِ مِنْهُ أَبَدًا؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ السِّحْرِ الْجَزْمَ بِصُدُورِ الْأَثَرِ وَكَذَلِكَ أَكْثَرُ الْأَعْمَالِ مِنْ شَرْطِهَا الْجَزْمُ وَالْفَاضِلُ الْمُتَبَحِّرُ فِي الْعُلُومِ يَرَى وُقُوعَ ذَلِكَ مِنْ الْمُمْكِنَاتِ الَّتِي يَجُوزُ أَنْ تُوجَدَ وَأَنْ لَا تُوجَدَ فَلَا يَصِحُّ لَهُ عَمَلٌ أَصْلًا، وَأَمَّا الْعَيْنُ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ فَرْطِ التَّعْظِيمِ لِلْمَرْئِيِّ وَالنُّفُوسُ الْفَاضِلَةُ لَا تَصِلُ فِي تَعْظِيمِ مَا تَرَاهُ إلَى هَذِهِ الْغَايَةِ فَلِذَلِكَ لَا يَصِحُّ السِّحْرُ إلَّا مِنْ الْعَجَائِزِ وَالتُّرْكُمَانِ أَوْ السُّودَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ النُّفُوسِ الْجَاهِلَةِ.

(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) السِّحْرُ لَهُ حَقِيقَةٌ وَقَدْ يَمُوتُ الْمَسْحُورُ أَوْ يَتَغَيَّرُ طَبْعُهُ وَعَادَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْهُ وَقَالَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ إنْ وَصَلَ إلَى بَدَنِهِ كَالدُّخَانِ وَنَحْوِهِ جَازَ أَنْ يُؤَثِّرَ، وَإِلَّا

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ: (وَهَاهُنَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى إلَى آخِرِ مَا حَكَاهُ عَنْ الْفَخْرِ) قُلْتُ: لَا كَلَامَ مَعَهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ نَقْلٌ، وَمَا قَالَهُ الْفَخْرُ يَتَوَقَّفُ عَلَى الِاخْتِبَارِ وَالتَّجْرِبَةِ، وَلَا نَعْلَمُ صِحَّةَ ذَلِكَ مِنْ سَقَمِهِ، وَمَا قَالَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ صَحِيحٌ.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

فِي جِهَةِ الْمُنْكِرِ لِأَنَّ الْمُبْتَدِئَ مَحْصُورٌ فِي خَبَرِهِ، وَاللَّامُ لِلْعُمُومِ فَلَمْ تَبْقَ يَمِينٌ فِي جِهَةِ الْمُدَّعِي.

(وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ) أَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ نَقْلُ الْبَيِّنَةِ لِلْمُنْكِرِ تَعَذَّرَ نَقْلُ الْيَمِينِ لِلْمُدَّعِي، وَجَوَابُهُمَا أَنَّ الْيَمِينَ الَّتِي عَلَى الْمُنْكِرِ لَا تَتَعَدَّاهُ لِأَنَّ الْيَمِينَ الَّتِي عَلَيْهِ هِيَ الْيَمِينُ الدَّافِعَةُ، وَالْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ هِيَ الْجَالِبَةُ فَهِيَ غَيْرُهَا فَلَمْ يَبْطُلْ الْحَصْرُ، وَلَمْ يَكُنْ قَوْلُنَا بِيَمِينِ الْمُدَّعِي مَعَ الشَّاهِدِ تَحْوِيلًا مِنْ يَمِينِ الْمُنْكِرِ بَلْ إثْبَاتٌ لِيَمِينٍ أُخْرَى بِالسُّنَّةِ فَلَا يُرَدُّ أَنَّهُ لَمَّا تَتَحَوَّلُ الْبَيِّنَةُ لَمْ تَتَحَوَّلْ الْيَمِينُ مَعَ أَنَّ التَّحْوِيلَ وَاقِعٌ غَيْرُ مُنْكَرٌ لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ لَمْ يَكُنْ لِلْمُنْكِرِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ، وَلَوْ ادَّعَى الْقَضَاءَ كَانَ لَهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ مَعَ أَنَّهَا بَيِّنَةٌ ثَابِتَةٌ فِي الْحَالَيْنِ.

(وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ) أَنَّ الْيَمِينَ لَوْ كَانَ كَالشَّاهِدِ لَجَازَ تَقْدِيمُهُ عَلَى الشَّاهِدِ كَأَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ مَعَ الْآخَرِ، وَلَجَازَ إثْبَاتُ الدَّعْوَى بِيَمِينٍ، وَجَوَابُهُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ مَعْنَاهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فَلَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فِي التَّقْدِيمِ، وَأَمَّا الْيَمِينُ فَإِنَّمَا تَدْخُلُ لِتَقْوِيَةِ جِهَةِ الشَّاهِدِ فَقَبْلَهُ لَا قُوَّةَ فَلَا تَدْخُلُ، وَلَا تُشْرَعُ وَشُرِعَ الشَّاهِدَانِ لِأَنَّهُمَا حُجَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ مَعَ الضَّعْفِ.

(وَالْوَجْهُ السَّادِسُ) الْقِيَاسُ عَلَى أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ أَحْكَامَ الْأَبْدَانِ أَعْظَمُ، وَلِذَلِكَ لَا يُقْبَلُ فِيهَا النِّسَاءُ، وَلَا نَثْبُتُ بِالْيَمِينِ مَعَ النُّكُولِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ حَيْثُ قَالَ بِحَلِفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَبْلَ قِيَامِ شَاهِدٍ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي لَنَا وُجُوهٌ

(الْأَوَّلُ) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» فَأَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِهِمَا فَمَنْ قَالَ بِالْيَمِينِ مَعَ النُّكُولِ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ.

(وَالْوَجْهُ الثَّانِي) قَوْله تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: ٢] وَإِنَّمَا أَمَرَ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهَا سَبَبُ الثُّبُوتِ فَيَنْحَصِرُ الثُّبُوتُ فِيهَا عَمَلًا بِالْمَفْهُومِ، وَإِلَّا لَزِمَ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ فِي تَأْسِيسِ الْقَوَاعِدِ، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ

(وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ وَالْمَرْأَتَيْنِ أَقْوَى مِنْ الْيَمِينِ مَعَ النُّكُولِ لِأَنَّهَا حُجَّةٌ مِنْ جِهَةِ الْمُدَّعِي، وَلَمْ تَثْبُتْ أَحْكَامُ الْأَبْدَانِ بِهَا فَلَا تَثْبُتُ بِالْيَمِينِ مَعَ النُّكُولِ.

(وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ) أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ يُؤَدِّي إلَى اسْتِبَاحَةِ الْفُرُوجِ بِالْبَاطِلِ لِأَنَّهُ إذَا أَحَبَّهَا ادَّعَى عَلَيْهَا فَتُنْكِرُ فَيُحَلِّفُهَا فَتَنْكُلُ فَيَحْلِفُ، وَيَسْتَحِقُّهَا بِتَوَاطُؤٍ مِنْهُمَا.

(وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ) أَنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ تَكْرَهُ زَوْجَهَا فَتَدَّعِي عَلَيْهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ فَتُحَلِّفُهُ وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ تَدَّعِي الْعِتْقَ، وَهَذَا ضَرَرٌ عَظِيمٌ.

وَأَمَّا الْوُجُوهُ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا: (فَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ) قَضِيَّةُ حُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ فِي قَضِيَّةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ، وَهِيَ فِي الصِّحَاحِ، وَقَالَ فِيهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «تَحْلِفُ لَكُمْ يَهُودُ خَمْسِينَ يَمِينًا» ، وَجَوَابُهُ وَالْأَيْمَانُ تَثْبُتُ بَعْدَ اللَّوْثِ، وَهُوَ وُجُودُهُ مَطْرُوحًا بَيْنَهُمْ، وَهُوَ أَعْدَاؤُهُ، وَغَلُظَتْ خَمْسِينَ يَمِينًا بِخِلَافِ صُورَةِ النِّزَاعِ فِي الْمَقِيسِ، وَلِأَنَّ الْقَتْلَ نَادِرٌ فِي الْخَلَوَاتِ حَيْثُ يَتَعَذَّرُ الْإِشْهَادُ فَغَلُظَ أَمْرُهُ لِحُرْمَةِ الدِّمَاءِ.

(وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ كُلَّ حَقٍّ تَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ فِيهِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِذَا نَكَلَ رُدَّتْ عَلَى الْمُدَّعِي قِيَاسًا عَلَى الْمَالِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَاهُنَا لَا يَحْلِفُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى فَانْحَسَمَتْ الْمُدَّةُ.

(وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) الْقِيَاسُ عَلَى اللِّعَانِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ تُحَدُّ بِيَمِينِ الزَّوْجِ، وَنُكُولُهَا عَنْ الْيَمِينِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ اللِّعَانَ مُسْتَثْنًى لِلضَّرُورَةِ فَجُعِلَتْ الْأَيْمَانُ مَقَامَ الشَّهَادَةِ لِتَعَذُّرِهَا وَضَرُورَةِ الْأَزْوَاجِ لِنَفْيِ الْعَارِ وَحِفْظِ النَّسَبِ، وَلَا ضَرُورَةَ هَاهُنَا.

(الْوَجْهُ الرَّابِعُ) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» ، وَهُوَ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ صُورَةَ النِّزَاعِ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الضَّرُورَاتِ، وَخَطَرِ الْبَابِ.

(وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ) أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ لِرُكَانَةَ لَمَّا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ مَا أَرَدْتَ بِالْبَتَّةِ قَالَ وَاحِدَةٌ فَقَالَ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اللَّهُ مَا أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً

<<  <  ج: ص:  >  >>