للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ سَحَرَ أَهْلَ مِلَّتِهِ فَيُؤَدَّبُ إلَّا أَنْ يَقْتُلَ أَحَدًا فَيُقْتَلُ بِهِ وَقَالَ سَحْنُونٌ يُقْتَلُ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ كَالسَّابِّ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ فَإِنْ ذَهَبَ لِمَنْ يَعْمَلُ لَهُ سِحْرًا، وَلَمْ يُبَاشِرْ أُدِّبَ أَدَبًا شَدِيدًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكْفُرْ، وَإِنَّمَا رَكَنَ لِلْكَفَرَةِ.

قَالَ وَتَعَلُّمُهُ وَتَعْلِيمُهُ عِنْدَ مَالِكٍ كُفْرٌ وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ إنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الشَّيَاطِينَ تَفْعَلُ لَهُ مَا يَشَاءُ فَهُوَ كَافِرٌ وَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ تَخْيِيلٌ وَتَمْوِيهٌ لَمْ يَكْفُرْ وَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ يَصِفُهُ فَإِنْ وَجَدْنَا فِيهِ مَا هُوَ كُفْرٌ كَالتَّقَرُّبِ لِلْكَوَاكِبِ وَيَعْتَقِدُ أَنَّهَا تَفْعَلُ مَا يَلْتَمِسُ مِنْهَا فَهُوَ كُفْرٌ، وَإِنْ لَمْ نَجِدْ فِيهِ كُفْرًا فَإِنْ اعْتَقَدَ إبَاحَتَهُ فَهُوَ كُفْرٌ قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ نَطَقَ بِتَحْرِيمِهِ قَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ إنْ قَالَ سِحْرِي يَقْتُلُ غَالِبًا وَقَتَلْتُ بِهِ قُتِلَ، وَإِنْ قَالَ الْغَالِبُ مِنْهُ السَّلَامَةُ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ مُغَلَّظَةً فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ الْإِقْرَارَ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ قَالَ قَتَلْتُ بِسِحْرِي لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقَوَدُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْ بِمُثْقَلٍ، وَإِنْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ قُتِلَ؛ لِأَنَّهُ سَعَى فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ، قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ وَدَلِيلُ الْمَالِكِيَّةِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: ١٠٢] أَيْ بِتَعَلُّمِهِ {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: ١٠٢] وَلِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا مِمَّنْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَقْدِرُ بِهِ عَلَى تَغْيِيرِ الْأَجْسَامِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ: الطُّرْطُوشِيُّ وَدَلِيلُ الْمَالِكِيَّةِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: ١٠٢] أَيْ بِتَعْلِيمِهِ {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: ١٠٢] ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا مِمَّنْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَقْدِرُ بِهِ عَلَى تَغْيِيرِ الْأَجْسَامِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

عَنْهَا فَتَنْقَلِبُ الْيَمِينُ عَلَى الطَّالِبِ، وَهِيَ الْيَمِينُ الْمُنْقَلِبَةُ فَيَحْلِفُ، وَيَسْتَحِقُّ فَإِنْ جَهِلَ الْمَطْلُوبُ رَدَّهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يُعْلِمَهُ بِذَلِكَ، وَلَا يَقْضِي حَتَّى يَرُدَّهَا فَإِنْ نَكَلَ الطَّالِبُ فَلَا شَيْءَ لَهُ قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ فَإِنْ حَلَفَ الْمُدَّعِي حِينَ نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَخَذَ مَا ادَّعَاهُ ثُمَّ إنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَجَدَ بَيِّنَةً

بِبَرَاءَتِهِ مِنْ ذَلِكَ نَفَعَهُ ذَلِكَ، وَاسْتَعَادَ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْمُدَّعِي اهـ، وَتَكُونُ أَيْضًا فِيمَا إذَا ادَّعَى الْمَطْلُوبُ الْعَدَمَ، وَقَالَ إنَّ الْمُدَّعِيَ عَالِمٌ بِذَلِكَ فَلَهُ أَخْذُ الْيَمِينِ الرَّافِعَةِ لِلدَّعْوَى فَإِنْ نَكَلَ الْمُدَّعِي فَلَا مَقَالَ وَحَلَفَ الْمَطْلُوبُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ وَلَا بَاطِنٌ، وَهَذِهِ الْيَمِينُ تُسَمَّى الْيَمِينَ الْمُصَحِّحَةَ، وَالْمُدَّعِي فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مُدَّعًى عَلَيْهِ اُنْظُرْ الْمُتَيْطِيَّةِ أَفَادَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي التَّبْصِرَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(الْوَصْلُ الثَّانِي) فِي الْأَصْلِ الْيَمِينُ، وَالنُّكُولُ حُجَّةٌ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَقْضِي بِالنُّكُولِ، وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الطَّالِبِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي مَالٍ كُرِّرَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ لَزِمَهُ الْحَقُّ، وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ، وَإِنْ كَانَتْ فِي عَقْدٍ فَلَا يَحْكُمُ بِالنُّكُولِ بَلْ يُحْبَسُ حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يَعْتَرِفَ، وَفِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالنَّسَبِ وَغَيْرِهِ لَا مَدْخَلَ لِلْيَمِينِ فِيهِ فَلَا نُكُولٌ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يُحْبَسُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ حَتَّى يَحْلِفَ لَنَا وُجُوهٌ: (الْأَوَّلُ) قَوْله تَعَالَى ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَلَا يَمِينَ بَعْدَ يَمِينٍ، وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى يَمِينٍ بَعْدَ رَدِّهِ يَمِينٌ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ، وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ مُقَامَهُ لِأَنَّ اللَّفْظَ إذَا تُرِكَ مِنْ وَجْهٍ بَقِيَ حُجَّةً فِي الْبَاقِي (الثَّانِي) مَا رُوِيَ «أَنَّ الْأَنْصَارَ جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَتْ إنَّ الْيَهُودَ قَتَلَتْ عَبْدَ اللَّهِ وَطَرَحَتْهُ فِي قَفِيرٍ أَيْ بِئْرٍ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَتَحْلِفُونَ، وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ قَالُوا لَا قَالَ فَتَحْلِفُ لَكُمْ الْيَهُودُ قَالُوا كَيْفَ يَحْلِفُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ» فَجَعَلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْيَمِينَ فِي جِهَةِ الْخَصْمِ أَخْرَجَهُ صَاحِبُ الْمُوَطَّإِ، وَغَيْرُهُ (الثَّالِثُ) مَا رُوِيَ أَنَّ الْمِقْدَادَ اقْتَرَضَ مِنْ عُثْمَانَ سَبْعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ الْقَضَاءِ جَاءَ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَقَالَ عُثْمَانُ أَقْرَضْتُك سَبْعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَتَرَافَعَا إلَى عُمَرَ فَقَالَ الْمِقْدَادُ يَحْلِفُ عُثْمَانُ فَقَالَ عُمَرُ لِعُثْمَانَ لَقَدْ أَنْصَفَك فَلَمْ يَحْلِفْ عُثْمَانُ فَنَقَلَ عُمَرُ الْيَمِينَ إلَى الْمُدَّعِي، وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي ذَلِكَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَالْمِقْدَادُ، وَلَمْ يُخَالِفْهُمْ غَيْرُهُمْ فَكَانَ إجْمَاعًا

(الرَّابِعُ) الْقِيَاسُ عَلَى النُّكُولِ فِي بَابِ الْقَوَدِ وَالْمُلَاعَنَةِ لَاتَّحَدَ بِنُكُولِ الزَّوْجِ

(الْخَامِسُ) لَوْ نَكَلَ عَنْ الْجَوَابِ فِي الدَّعْوَةِ لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ نُكُولٌ عَنْ الْيَمِينِ، وَالْجَوَابُ فَالْيَمِينُ وَحْدَهُ أَوْلَى بِعَدَمِ الْحُكْمِ

(السَّادِسُ) أَوْ الْبَيِّنَةُ حُجَّةُ الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ حُجَّةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي النَّفْيِ، وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فَكَذَلِكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْيَمِينِ لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ

(السَّابِعُ) أَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا امْتَنَعَ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ كَانَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ إقَامَتُهَا فَكَذَلِكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْيَمِينِ فَيَكُونُ لِلْآخَرِ فِعْلُهَا

(الثَّامِنُ) أَنَّ النُّكُولَ إذَا كَانَ حُجَّةً تَامَّةً كَالشَّاهِدَيْنِ وَجَبَ الْقَضَاءُ بِهِ فِي الدِّمَاءِ أَوْ نَاقِصَةً كَالشَّاهِدَيْنِ، وَالْمَرْأَتَيْنِ أَوْ كَالشَّاهِدِ، وَيَمِينٍ وَجَبَ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنْ التَّكْرَارِ أَوْ كَالِاعْتِرَافِ يُقْبَلُ فِي الْقَوَدِ، وَلَا يَفْتَقِرُ أَيْ إلَى تَكْرَارٍ بِخِلَافِهِ النُّكُولُ، وَأَمَّا الْوُجُوهُ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا

(فَالْأَوَّلُ) قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمران: ٧٧] يَمْنَعُ سُبْحَانَهُ أَنْ يَسْتَحِقَّ بِيَمِينِهِ عَلَى غَيْرِهِ حَقًّا فَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ لِئَلَّا يَسْتَحِقَّ بِيَمِينِهِ مَالَ غَيْرِهِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ أَنْ لَا تَنْفُذَ الْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ لِيَقْطَعَ بِهَا مَالَ غَيْرِهِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، وَمُجَرَّدُ الِاحْتِمَالِ لَا يَمْنَعُ، وَإِلَّا لَمَنَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْيَمِينِ

<<  <  ج: ص:  >  >>