إذَا ظَهَرَ هَذَا فَإِنْ أَرَادُوا حَصْرَ الْأَسْبَابِ التَّامَّةِ فِي ثَلَاثَةٍ فَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةٍ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا تَقَدَّمَ أَوْ النَّاقِصَةِ الَّتِي هِيَ أَجْزَاءُ أَسْبَابٍ فَالْخُصُوصَاتُ كَمَا رَأَيْت كَثِيرَةٌ فَلَا يَسْتَقِيمُ الْحَصْرُ مُطْلَقًا لَا فِي التَّامِّ، وَلَا فِي النَّاقِصِ فَتَنَبَّهْ لِهَذَا الْمَعْنَى فَهُوَ حَسَنٌ لَمْ أَرَ أَحَدًا تَعَرَّضَ لَهُ، وَلَا لَخَّصَهُ، وَحِينَئِذٍ أَقُولُ: إنَّ أَسْبَابَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (إذَا ظَهَرَ هَذَا فَإِنْ أَرَادُوا حَصْرَ الْأَسْبَابِ التَّامَّةِ فِي ثَلَاثَةٍ فَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةٍ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا تَقَدَّمَ، أَوْ النَّاقِصَةَ الَّتِي هِيَ أَجْزَاءُ الْأَسْبَابِ فَالْخُصُوصَاتُ كَمَا رَأَيْت كَثِيرَةٌ فَلَا يَسْتَقِيمُ الْحَصْرُ مُطْلَقًا لَا فِي التَّامِّ، وَلَا فِي النَّاقِصِ) قُلْت: قَوْلُهُ: هِيَ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةٍ إنْ أَرَادَ بِذَلِكَ مَا يَخُصُّ كُلَّ صِنْفٍ مِنْ الْوَارِثِينَ وَالْوَارِثَاتِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ أَكْثَرِ الْفَرْضِيِّينَ فِي عَدِّهِمْ أَصْنَافَ الْوَارِثِينَ عَشَرَةً وَأَصْنَافَ الْوَارِثَاتِ سَبْعَةً فَذَلِكَ صَحِيحٌ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ مَا يَخُصُّ كُلَّ صِنْفٍ عَلَى مَا هُوَ الْأَوْلَى فِي ذَلِكَ فَلَيْسَ قَوْلُهُ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّهَا أَكْثَرُ مِنْ عِشْرِينَ لَا أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةٍ، وَقَوْلُهُ: بِالْإِجْمَاعِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَأَيُّ إجْمَاعٍ فِي ذَلِكَ مَعَ تَوْرِيثِ الْحَنَفِيَّةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَقَوْلُهُ: أَوْ النَّاقِصَةُ الَّتِي هِيَ أَجْزَاءُ الْأَسْبَابِ فَالْخُصُوصَاتُ كَمَا رَأَيْت كَثِيرَةٌ إنْ أَرَادَ بِالْخُصُوصَاتِ مُطْلَقَ الْقَرَابَةِ الَّتِي كُلُّ خُصُوصٍ مِنْهَا أَعَمُّ مِنْ الْخُصُوصِ الَّذِي تَحْتَهُ مِنْ الْخُصُوصَاتِ الَّتِي عَدَّهَا الْفَرَضِيُّونَ فَذَلِكَ صَحِيحٌ، وَإِلَّا فَلَا أَدْرِي مَا أَرَادَ قَالَ (فَتَنَبَّهْ لِهَذَا الْمَعْنَى فَهُوَ حَسَنٌ لَمْ أَرَ أَحَدًا تَعَرَّضَ لَهُ وَلَا لَخَّصَهُ وَحِينَئِذٍ أَقُولُ إنَّ أَسْبَابَ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
أَنَّهَا نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ السِّحْرِ، وَإِمَّا مُخْتَصَّةٌ بِانْفِعَالَاتِ الْأَمْزِجَةِ صِحَّةً أَوْ سَقَمًا كَالْأَغْذِيَةِ وَالْأَدْوِيَةِ مِنْ الْجَمَادِ وَالنَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ الْمَسْطُورَةِ فِي كُتُبِ الْأَطِبَّاءِ وَالْعَشَّابِينَ والطبائعيين وَهَذِهِ مِنْ عِلْمِ الطِّبِّ لَا مِنْ عِلْمِ السِّحْرِ قَالَهُ الْأَصْلُ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ.
(الْوَصْلُ الثَّانِي) الرُّقَى أَلْفَاظٌ خَاصَّةٌ يَحْدُثُ عِنْدَهَا الشِّفَاءُ مِنْ الْأَسْقَامِ وَالْأَدْوَاءِ وَالْأَسْبَابِ الْمُهْلِكَةِ، وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ مِنْهَا مَا هُوَ مَشْرُوعٌ كَالْفَاتِحَةِ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا} [يوسف: ٦٨] تُقْرَأُ سَبْعَ مَرَّاتٍ عِنْدَ دُخُولِ مَحَلٍّ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ مَا وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ} [الأعراف: ١٥٤] إلَى {يَرْهَبُونَ} [الأعراف: ١٥٤] سَبْعَ مَرَّاتٍ لِتَعْطِيفِ الْقُلُوبِ وَتَسْكِينِ غَضَبِ الْمُلُوكِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ كَرُقَى الْجَاهِلِيَّةِ وَالْهِنْدِ وَغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ كُفْرًا أَوْ مُحَرَّمًا وَلِذَلِكَ نَهَى مَالِكٌ وَغَيْرُهُ عَنْ الرُّقَى بِالْعَجَمِيَّةِ وَغَيْرُ الْمَشْرُوعِ قَدْ يُحْدِثُ ضَرَرًا فَيُقَالُ لَهُ السِّحْرُ، وَلَا يُقَالُ لَفْظُ الرُّقَى عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ الْأَصْلُ: وَقَدْ نَهَى عُلَمَاءُ الْعَصْرِ عَنْ الرُّقْيَةِ الَّتِي تُكْتَبُ فِي آخِرِ جُمُعَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ لِمَا فِيهَا مِنْ اللَّفْظِ الْأَعْجَمِيِّ؛ وَلِأَنَّهُمْ يَشْتَغِلُونَ بِهَا عَنْ الْخُطْبَةِ وَيَحْصُلُ بِهَا مَعَ ذَلِكَ مَفَاسِدُ اهـ.
وَفِي الِاعْتِصَامِ لِأَبِي إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيِّ وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الدُّعَاءِ وَالْأَذْكَارِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ كَالَّتِي يَزْعُمُ الْعُلَمَاءُ أَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى عِلْمِ الْحُرُوفِ، وَهُوَ الَّذِي اعْتَنَى بِهِ الْبَوْنِيُّ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ حَذَا حَذْوَهُ أَوْ قَارَبَهُ فَهِيَ بِدْعَةٌ حَقِيقَةٌ مُرَكَّبَةٌ فَإِنَّ ذَلِكَ الْعِلْمَ فَلْسَفَةٌ أَلْطَفُ مِنْ فَلْسَفَةِ مُعَلِّمِهِمْ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَرِسْطُو طَالِيسَ فَرَدُّوهَا إلَى أَوْضَاعِ الْحُرُوفِ وَجَعَلُوهَا هِيَ الْحَاكِمَةَ فِي الْعَالَمِ وَرُبَّمَا أَشَارُوا عِنْدَ الْعَمَلِ بِمُقْتَضَى تِلْكَ الْأَذْكَارِ.
وَمَا قُصِدَ بِهَا إلَى تَحَرِّي الْأَوْقَاتِ وَالْأَحْوَالِ الْمُلَائِمَةِ لِطَبَائِعِ الْكَوَاكِبِ لِيَحْصُلَ التَّأْثِيرُ عِنْدَهُمْ وَحْيًا فَحَكَّمُوا الْعُقُولَ وَالطَّبَائِعَ كَمَا تَرَى وَتَوَجَّهُوا شَطْرَهَا، وَأَعْرَضُوا عَنْ رَبِّ الْعَقْلِ وَالطَّبَائِعِ، وَإِنْ ظَنُّوا أَنَّهُمْ يَقْصِدُونَهُ اعْتِقَادًا فِي اسْتِدْلَالِهِمْ بِصِحَّةِ مَا انْتَحَلُوا عَلَى وُقُوعِ الْأَمْرِ وَفْقَ مَا يَقْصِدُونَهُ فَإِذَا تَوَجَّهُوا بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ الْمَفْرُوضِ عَلَى الْفَرْضِ الْمَطْلُوبِ حَصَلَ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَنَفْعًا كَانَ أَمْ ضَرًّا وَخَيْرًا كَانَ أَمْ شَرًّا وَيَبْنُونَ عَلَى ذَلِكَ اعْتِقَادَ بُلُوغِ النِّهَايَةِ فِي إجَابَةِ الدُّعَاءِ أَوْ حُصُولِ نَوْعٍ مِنْ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ، كَلًّا لَيْسَ طَرِيقُ ذَلِكَ التَّأْثِيرِ مِنْ مُرَادِهِمْ، وَلَا كَرَامَاتُ الْأَوْلِيَاءِ مِنْ نَتَائِجِ أَوْرَادِهِمْ فَلَا تَلَاقِيَ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَلَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَ النَّارِ وَالْمَاءِ وَحُصُولُ التَّأْثِيرِ حَسْبَمَا قَصَدُوا هُوَ فِي الْأَصْلِ مِنْ قَبِيلِ الْفِتْنَةِ الَّتِي اقْتَضَاهَا فِي الْخَلْقِ {ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [الأنعام: ٩٦] فَالنَّظَرُ إلَى وَضْعِ الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ أَحْكَامٌ وَضَعَهَا الْبَارِي تَعَالَى فِي النُّفُوسِ يَظْهَرُ عِنْدَهَا مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ التَّأْثِيرَاتِ عَلَى نَحْوِ مَا يَظْهَرُ عَلَى الْمَعْيُونِ عِنْدَ الْإِصَابَةِ، وَعَلَى الْمَسْحُورِ عِنْدَ عَمَلِ السِّحْرِ بَلْ هُوَ بِالسِّحْرِ أَشْبَهُ لِاسْتِمْدَادِهَا مِنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ وَشَاهِدُهُ مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ يَقُولُ أَنَا عِنْدَ ظَنَّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إذَا دَعَانِي» وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ» وَشَرْحُ هَذِهِ الْمَعَانِي لَا يَلِيقُ بِمَا نَحْنُ فِيهِ اهـ.
(الْوَصْلُ الثَّالِثُ) خَوَاصُّ النُّفُوسِ بِمَعْنَى مُقْتَضَى الْأَمْزِجَةِ وَالطَّبَائِعِ نَوْعٌ خَاصٌّ مِنْ الْخَوَاصِّ الْمُودَعَةِ فِي الْعَالَمِ فَالْحَيَوَانَاتُ لَا تَكَادُ تَتَّفِقُ طَبَائِعُهَا بَلْ نَقْطَعُ بِأَنَّهُ، وَلَوْ عَظُمَ شَبَهُ فَرْدٍ مِنْهَا بِفَرْدٍ آخَرَ لَا بُدَّ مِنْ فَرْقٍ بَيْنَهُمَا، وَذَلِكَ أَنَّ التَّبَايُنَ لَمَّا حَصَلَ فِي الصِّفَاتِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَجَبَ حُصُولُهُ فِي الْأَمْزِجَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّ نَفْسًا مِنْ الْأَنَاسِيِّ طُبِعَتْ عَلَى الشَّجَاعَةِ إلَى الْغَايَةِ وَنَفْسًا عَلَى الْجُبْنِ إلَى الْغَايَةِ وَنَفْسًا عَلَى الشَّرِّ إلَى