للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دَرْءِ الْمَفَاسِدِ أَوْلَى مِنْ رِعَايَةِ حُصُولِ الْمَصَالِحِ، وَهُوَ الْأَنْظَرُ فَيُقَدَّمُ الْمُحَرَّمُ هَا هُنَا فَيَكُونُ الْوَرَعُ التَّرْكَ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ أَوْ مَكْرُوهٌ فَلَا وَرَعَ لِتَسَاوِي الْجِهَتَيْنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْمُحَرَّمِ وَالْوَاجِبِ وَيُمْكِنُ تَرْجِيحُ الْمَكْرُوهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُحَرَّمِ وَعَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ تَجْرِي قَاعِدَةُ الْوَرَعِ وَهَذَا مَعَ تَقَارُبِ الْأَدِلَّةِ أَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُ الْمَذْهَبَيْنِ ضَعِيفَ الدَّلِيلِ جِدًّا بِحَيْثُ لَوْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ لَنَقَضْنَاهُ لَمْ يَحْسُنْ الْوَرَعُ فِي مِثْلِهِ، وَإِنَّمَا يَحْسُنُ إذَا كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ تَقْرِيرُهُ شَرِيعَةً

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

دَرْءِ الْمَفَاسِدِ أَوْلَى مِنْ رِعَايَةِ حُصُولِ الْمَصَالِحِ، وَهُوَ الْأَنْظَرُ فَيُقَدَّمُ الْمُحَرَّمُ هَا هُنَا فَيَكُونُ الْوَرَعُ التَّرْكَ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ أَوْ مَكْرُوهٌ فَلَا وَرَعَ لِتَسَاوِي الْجِهَتَيْنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْمُحَرَّمِ وَالْوَاجِبِ يُمْكِنُ تَرْجِيحُ الْمَكْرُوهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُحَرَّمِ، وَعَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ تَجْرِي قَاعِدَةُ الْوَرَعِ، وَهَذَا مَعَ تَقَارُبِ الْأَدِلَّةِ أَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُ الْمَذْهَبَيْنِ ضَعِيفَ الدَّلِيلِ جِدًّا بِحَيْثُ لَوْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ لَنَقَضْنَاهُ لَمْ يَحْسُنْ الْوَرَعُ فِي مِثْلِهِ، وَإِنَّمَا يَحْسُنُ إذَا كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ تَقْرِيرُهُ شَرِيعَةً) قُلْت: لَا يَصِحُّ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْخُرُوجَ عَنْ الْخِلَافِ يَكُونُ وَرَعًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَرَعَ فِي ذَلِكَ لِتَوَقُّعِ الْعِقَابِ وَأَيُّ عِقَابٍ يُتَوَقَّعُ فِي ذَلِكَ أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِتَصْوِيبِ الْمُجْتَهِدِينَ فَالْأَمْرُ وَاضِحٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ.

وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِتَصْوِيبِ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْأَقْوَالِ دُونَ غَيْرِهِ فَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى عَدَمِ تَأْثِيمِ الْمُخْطِئِ وَعَدَمِ تَعْيِينِهِ فَلَا يَصِحُّ دُخُولُ الْوَرَعِ فِي خِلَافِ الْعُلَمَاءِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ

وَأَمَّا الدَّلِيلُ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الْآخَرِ قَالَ حَفِيدُ ابْنِ رُشْدٍ فِي بِدَايَتِهِ وَهَذَا الِاحْتِجَاجُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى أَنَّا مُخَاطَبُونَ بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا. اهـ. (الثَّانِي) أَنَّهُ فَرَّطَ فَيَضْمَنُ كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا. (الثَّالِثُ) الْمُرْسَلُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ «نَاقَةً لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ دَخَلَتْ حَائِطَ قَوْمٍ فَأَفْسَدَتْ فِيهِ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ عَلَى أَهْلِ الْحَوَائِطِ بِالنَّهَارِ حِفْظَهَا، وَأَنَّ مَا أَفْسَدَتْهُ الْمَوَاشِي بِاللَّيْلِ ضَامِنٌ عَلَى أَهْلِهَا» أَيْ مَضْمُونٌ وَجْهُهُ أَنَّهُ بِالنَّهَارِ يُمْكِنُ التَّحَفُّظُ دُونَ اللَّيْلِ. (الرَّابِعُ) أَنَّكُمْ قَدْ اعْتَبَرْتُمْ ذَلِكَ فِي قَوْلِكُمْ إنْ رَمَتْ الدَّابَّةُ حَصَاةً كَبِيرَةً أَصَابَتْ إنْسَانًا ضَمِنَ الرَّاكِبُ بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ التَّحَفُّظُ مِنْهَا وَالتَّحَفُّظُ مِنْ الْكَبِيرِ بِالتَّنْكِيبِ عَنْهُ وَقُلْتُمْ يَضْمَنُ مَا نَفَحَتْ بِيَدِهَا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ رَدُّهَا بِلِجَامِهَا، وَلَا يَضْمَنُ مَا أَفْسَدَتْ بِرِجْلِهَا وَذَنَبِهَا.

وَعُمْدَةُ أَبِي حَنِيفَةَ وُجُوهٌ. (الْأَوَّلُ) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «جُرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ» وَجَوَابُهُ أَنَّ الْجُرْحَ عِنْدَنَا جُبَارٌ إنَّمَا النِّزَاعُ فِي غَيْرِ الْجُرْحِ وَاتَّفَقْنَا عَلَى تَضْمِينِ السَّائِقِ وَالرَّاكِبِ وَالْقَائِدِ. (الثَّانِي) الْقِيَاسُ عَلَى النَّهَارِ، وَمَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ الْفَرْقِ بِالْحِرَاسَةِ بِالنَّهَارِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ حَفِظَ مَالَهُ فَأَتْلَفَهُ إنْسَانٌ أَوْ أَهْمَلَهُ فَأَتْلَفَهُ أَنَّهُ يَضْمَنُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْقِيَاسَ عَلَى النَّهَارِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ بُطْلَانَ الْفَرْقِ الْمُتَقَدِّمِ بِالْحِرَاسَةِ بِالنَّهَارِ؛ لِأَنَّ إتْلَافَ الْمَالِ هَاهُنَا كَمَنْ تَرَكَ غُلَامَهُ يَصُولُ فَيَقْتُلُ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ بِسَبَبِ الْمَالِكِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتُمُوهُ فَلَيْسَ كَذَلِكَ. (الثَّالِثُ) الْقِيَاسُ عَلَى جِنَايَةِ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ، وَمَالِهِ وَجِنَايَةُ مَالِهِ عَلَيْهِ وَجِنَايَتُهُ عَلَى مَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ أَوْ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَيْهِ وَعَكْسُهُ جِنَايَةُ صَاحِبِ الْبَهِيمَةِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ قِيَاسٌ مُخَالِفٌ لِلْآيَةِ؛ لِأَنَّهُ بِاللَّيْلِ مُفَرِّطٌ وَبِالنَّهَارِ لَيْسَ بِمُفَرِّطٍ عَلَى أَنَّ تِلْكَ النُّقُوضَ لَا يُمْكِنُ فِيهَا التَّضْمِينُ؛ لِأَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الضَّمَانِ وَهَاهُنَا أَمْكَنَ التَّضْمِينُ.

(الْقَوْلُ الثَّالِثُ) لِلَّيْثِ أَنَّ كُلَّ دَابَّةٍ مُرْسَلَةٍ فَصَاحِبُهَا ضَامِنٌ وَعُمْدَتُهُ أَنَّهُ تَعَدٍّ مِنْ الْمُرْسِلِ، وَالْأُصُولُ عَلَى أَنَّ عَلَى الْمُتَعَدِّي الضَّمَانَ وَجَوَابُهُ أَنَّ مَحَلَّ كَوْنِهِ تَعَدِّيًا مِنْ الْمُرْسِلِ إذَا لَمْ يَتَسَبَّبْ الْمَالِكُ فِي الْإِتْلَافِ، وَإِلَّا فَالتَّعَدِّي مِنْ الْمَالِكِ لَا مِنْ الْمُرْسِلِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا تَقَدَّمَ فَافْهَمْ. (الْقَوْلُ الرَّابِعُ) وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وُجُوبُ الضَّمَانِ فِي غَيْرِ الْمُنْفَلِتِ، وَلَا ضَمَانَ فِي الْمُنْفَلِتِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْلَكُ قَالَ فِي الْبِدَايَةِ فَسَبَبُ الْخِلَافِ فِي هَذَا الْبَابِ مُعَارَضَةُ الْأَصْلِ لِلسَّمْعِ وَمُعَارَضَةُ السَّمَاعِ بَعْضُهُ لِبَعْضٍ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَصْلَ يُعَارِضُ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «جُرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ» وَيُعَارِضُ أَيْضًا التَّفْرِقَةَ الَّتِي فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ وَكَذَلِكَ التَّفْرِقَةُ الَّتِي فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ تُعَارِضُ أَيْضًا قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جُرْحُ إلَخْ. اهـ. فَافْهَمْ. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) أَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء: ٧٩] وَإِنْ اقْتَضَى ظَاهِرُهُ أَنَّ حُكْمَ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ أَقْرَبَ لِلصَّوَابِ مِنْ حُكْمِ دَاوُد وَهُوَ خِلَافُ مَا تَقْتَضِيهِ أُصُولُ شَرِيعَتِنَا مِنْ أَنَّ حُكْمَ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إيجَابٌ لِقِيمَةٍ مُؤَجَّلَةٍ، وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ صَاحِبَ الْحَرْثِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْقِيَمِ الْحُلُولُ إذَا وَجَبَتْ فِي الْإِتْلَافَاتِ؛ وَلِأَنَّهُ إحَالَةٌ عَلَى أَعْيَانٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا، وَمَا لَا يُبَاعُ لَا يُعَارَضُ بِهِ فِي الْقِيَمِ فَلِذَا لَوْ وَقَعَ حُكْمُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي شَرْعِنَا مِنْ بَعْضِ الْقُضَاةِ مَا أَمْضَيْنَاهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَقَعَ حُكْمُ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي شَرْعِنَا فَإِنَّنَا نُمْضِيهِ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الزَّرْعِ يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ فِيهَا غَنَمٌ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا مُفْلِسٌ مَثَلًا أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ وَحِينَئِذٍ فَيَلْزَمُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ تَكُونَ شَرِيعَتُنَا أَتَمَّ فِي الْمَصَالِحِ، وَأَكْمَلَ الشَّرَائِعِ أَوْ يَكُونَ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَهِمَ دُونَ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْآيَةِ إلَّا أَنَّا إذَا قُلْنَا أَنَّ اخْتِلَافَ الْمَصَالِحِ

<<  <  ج: ص:  >  >>