للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْعَمَلُ بِمُقْتَضَى كُلِّ دَلِيلٍ فَلَا يَبْقَى فِي النُّفُوسِ تَوَهُّمٌ أَنَّهُ قَدْ أَهْمَلَ دَلِيلًا لَعَلَّ مُقْتَضَاهُ هُوَ الصَّحِيحُ فَبِالْجَمْعِ يَنْتَفِي ذَلِكَ، فَأَثَرُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ فِي جَمِيعِ مُقْتَضَيَاتِ الْأَدِلَّةِ فِي صِحَّةِ الْعِبَادَةِ وَالتَّصَرُّفِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ الْمَالِكِيُّ يَعْتَقِدُ بُطْلَانَ صَلَاةِ الشَّافِعِيِّ وَبِالْعَكْسِ لَكَانَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ عِنْدَ الْأُخْرَى مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ فِسْقًا لِتَرْكِهَا الصَّلَاةَ طُولَ عُمْرِهَا، وَلَا تُقْبَلُ لَهَا شَهَادَةٌ، وَتَجْرِي عَلَيْهَا أَحْكَامُ الْفُسَّاقِ أَبَدَ الدَّهْرِ، وَيَطَّرِدُ ذَلِكَ فِي الْفِرَقِ كُلِّهَا مِنْ جِهَةِ مُخَالِفِهَا، وَهَذَا فَسَادٌ عَظِيمٌ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ بَلْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمِيعُ الْأَئِمَّةِ مِنْ أَعْدَلِ النَّاسِ عِنْدَ جَمِيعِ النَّاسِ، وَلَا يَقُولُ بِفِسْقِ أَحَدٍ مِنْهُمْ إلَّا مُنَافِقٌ مَارِقٌ مِنْ الدِّينِ

(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَوَّلِ الْعَصْرِ الَّذِي

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

وَالْعَمَلُ بِمُقْتَضَى كُلِّ دَلِيلٍ فَلَا يَبْقَى فِي النَّفْسِ تَوَهُّمٌ أَنَّهُ قَدْ أَهْمَلَ دَلِيلًا لَعَلَّ مُقْتَضَاهُ هُوَ الصَّحِيحُ فَبِالْجَمْعِ يَنْتَفِي ذَلِكَ فَأَثَرُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ فِي جَمِيعِ مُقْتَضَيَاتِ الْأَدِلَّةِ فِي صِحَّةِ الْعِبَادَةِ وَالتَّصَرُّفِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ) قُلْت: قَدْ تَأَمَّلْت ذَلِكَ فَلَمْ أَجِدْهُ صَحِيحًا وَكَيْفَ يَصِحُّ الْجَمْعُ بَيْنَ مُقْتَضَى دَلِيلَيْنِ مُوجِبٍ وَمُحَرِّمٍ، وَأَحَدُهُمَا يَقْتَضِي لُزُومَ الْفِعْلِ، وَالثَّانِي يَقْتَضِيَ لُزُومَ التَّرْكِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَمْرِ الْوَاحِدِ مُحَالٌ، وَلَا يُغْنِي فِي ذَلِكَ اعْتِقَادُ اخْتِلَافِ الْإِضَافَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِمَامَيْنِ وَمَا قَالَهُ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ صَحِيحٌ.

، وَكَذَلِكَ مَا قَالَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ وَجَمِيعُ مَا قَالَ فِي الْفُرُوقِ الْخَمْسَةِ بَعْدَ هَذَا الْفَرْقِ صَحِيحٌ.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَنَفْلِك فَبِهَذَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا فَقَالَ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَصَابَ اللَّهُ بِك يَا ابْنَ الْخَطَّابِ» يُرِيدُ عُمَرُ أَنَّ مَنْ قَبْلَنَا وَصَلُوا النَّوَافِلَ بِالْفَرَائِضِ فَاعْتَقَدُوا الْجَمِيعَ وَاجِبًا فَهَلَكُوا بِتَغْيِيرِهِمْ لِلشَّرَائِعِ

(الْخَامِسُ) : مُبَاحٌ، وَهُوَ مَا تَنَاوَلَتْهُ قَوَاعِدُ الْمُبَاحِ وَأَدِلَّتُهُ مِنْ الشَّرْعِ كَاِتِّخَاذِ الْمَنَاخِلِ لِلدَّقِيقِ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ شَيْءٍ أَحْدَثُهُ النَّاسُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي الْآثَارِ وَتَلْيِينُ الْعَيْشِ وَإِصْلَاحُهُ مِنْ الْمُبَاحَاتِ فَوَسَائِلِهِ كَذَلِكَ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْبِدْعَةُ إنَّمَا تَنْقَسِمُ لِهَذِهِ الْأَقْسَامِ إذَا نُظِرَ إلَيْهَا بِاعْتِبَارِ مَا يَتَقَاضَاهَا وَيَتَنَاوَلُهَا مِنْ الْقَوَاعِدِ وَالْأَدِلَّةِ فَأُلْحِقَتْ بِمَا تَنَاوَلَهَا مِنْ قَوَاعِدِ وَأَدِلَّةِ الْوُجُوبِ أَوْ التَّحْرِيمِ أَوْ النَّدْبِ أَوْ الْكَرَاهَةِ أَوْ الْإِبَاحَةِ، وَأَمَّا إنْ قُطِعَ النَّظَرُ عَنْ ذَلِكَ وَنُظِرَ إلَى كَوْنِهَا بِدْعَةً مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ لَمْ تَكُنْ إلَّا مَكْرُوهَةً أَيْ إمَّا تَنْزِيهًا، وَإِمَّا تَحْرِيمًا فَإِنَّ الْخَيْرَ كُلَّهُ فِي الِاتِّبَاعِ، وَالشَّرُّ كُلُّهُ فِي الِابْتِدَاعِ وَلِبَعْضِ السَّلَفِ الصَّالِحِ وَيُسَمَّى أَبَا الْعَبَّاسِ الْأَبْيَانِيَّ مِنْ أَهْلِ الْأَنْدَلُسِ ثَلَاثٌ لَوْ كُتِبْنَ فِي ظُفْرٍ لَوَسِعَهُنَّ، وَفِيهِنَّ خَيْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اتَّبِعْ وَلَا تَبْتَدِعْ اتَّضِعْ وَلَا تَرْتَفِعْ مَنْ تَوَرَّعَ لَا يَتَّسِعُ. اهـ. كَلَامُ الْأَصْلِ بِتَهْذِيبٍ وَزِيَادَةٍ فَقَوْلُهُ: وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ إلَخْ هِيَ الطَّرِيقَةُ الَّتِي بَنَى عَلَيْهَا الْفَرْقَ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ، وَإِلَيْهَا ذَهَبَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ غَيْرُ وَاحِدٍ كَالْإِمَامِ مُحَمَّدٍ الزَّرْقَانِيِّ فَقَالَ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُوَطَّإِ: وَتَنْقَسِمُ الْبِدْعَةُ إلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ وَحَدِيثُ كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ عَامٌّ مَخْصُوصٌ قَالَ: وَالْبِدْعَةُ لُغَةً مَا أُحْدِثَ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَبَقَ وَتُطْلَقُ شَرْعًا عَلَى مُقَابِلِ السُّنَّةِ، وَهِيَ مَا لَمْ تَكُنْ فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ مِنْهُمْ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ وَالْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ شَيْخُ الْأَصْلِ فَفِي الْعَزِيزِيِّ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ الْعَلْقَمِيِّ قَالَ النَّوَوِيُّ: الْبِدْعَةُ بِكَسْرِ الْبَاءِ فِي الشَّرْعِ هِيَ إحْدَاثُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهِيَ مُنْقَسِمَةٌ إلَى حَسَنَةٍ وَقَبِيحَةٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي آخِرِ الْقَوَاعِدِ الْبِدْعَةُ مُنْقَسِمَةٌ إلَى وَاجِبَةٍ وَمُحَرَّمَةٍ وَمَنْدُوبَةٍ وَمَكْرُوهَةٍ وَمُبَاحَةٍ قَالَ: وَالطَّرِيقُ فِي ذَلِكَ أَنْ تُعْرَضَ الْبِدْعَةُ عَلَى قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ، فَإِنْ دَخَلَتْ فِي قَوَاعِدِ الْإِيجَابِ فَهِيَ وَاجِبَةٌ، أَوْ فِي قَوَاعِدِ التَّحْرِيمِ فَهِيَ مُحَرَّمَةٌ، أَوْ النَّدْبِ فَمَنْدُوبَةٌ، أَوْ الْمَكْرُوهِ فَمَكْرُوهَةٌ، أَوْ الْمُبَاحِ فَمُبَاحَةٌ وَلِلْوَاجِبَةِ أَمْثِلَةٌ مِنْهَا الِاشْتِغَالُ بِعِلْمِ النَّحْوِ الَّذِي يُفْهِمُ كَلَامَ اللَّهِ - تَعَالَى - وَكَلَامَ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْهَا حِفْظُ غَرِيبِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ اللُّغَةِ، وَمِنْهَا تَدْرِيسُ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَمِنْهَا الْكَلَامُ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَتَمْيِيزِ الصَّحِيحِ مِنْ السَّقِيمِ، وَمِنْهَا الرَّدُّ عَلَى مَذَاهِبِ نَحْوِ الْقَدَرِيَّةِ وَالْجَبْرِيَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ وَالْمُجَسِّمَةِ؛ إذْ لَا يَتَأَتَّى حِفْظُ الشَّرِيعَةِ إلَّا بِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَقَدْ دَلَّتْ قَوَاعِدُ الشَّرِيعَةِ عَلَى أَنَّ حِفْظَ الشَّرِيعَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ فِيمَا زَادَ عَلَى الْمُتَعَيِّنِ، وَلِلْمُحَرَّمَةِ أَمْثِلَةٌ مِنْهَا مَذَاهِبُ الْقَدَرِيَّةِ وَالْجَبْرِيَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ وَالْمُجَسِّمَةِ، وَلِلْمَنْدُوبَةِ أَمْثِلَةٌ مِنْهَا التَّرَاوِيحُ، وَالْكَلَامُ فِي دَقَائِقِ التَّصَوُّفِ، وَفِي الْجَدَلِ.

وَمِنْهَا جَمْعُ الْمَحَافِلِ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْمَسَائِلِ إنْ يُقْصَدْ بِذَلِكَ وَجْهُ اللَّهِ، وَالْمَكْرُوهَةُ أَمْثِلَةٌ مِنْهَا زَخْرَفَةُ الْمَسَاجِدِ وَتَزْوِيقُ الْمَصَاحِفِ، وَلِلْمُبَاحَةِ أَمْثِلَةٌ مِنْهَا الْمُصَافَحَةُ عَقِبَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ وَمِنْهَا التَّوَسُّعُ فِي اللَّذِيذِ مِنْ الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَلَابِسِ وَالْمَسَاكِنِ وَلُبْسِ الطَّيَالِسَةِ وَتَوْسِيعِ الْأَكْمَامِ، وَقَدْ نَخْتَلِفُ فِي بَعْضِ ذَلِكَ فَيَجْعَلُهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الْبِدَعِ الْمَكْرُوهَةِ وَيَجْعَلُهُ آخَرُونَ مِنْ السُّنَنِ الْمَفْعُولَةِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا بَعْدَهُ وَذَلِكَ كَالِاسْتِعَاذَةِ وَالْبَسْمَلَةِ فِي الصَّلَاةِ. اهـ. بِتَصَرُّفٍ فَمَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ كَرَاهَتُهُمَا فِي الْفَرِيضَةِ دُونَ النَّافِلَةِ إذَا اعْتَقَدَ أَنَّ الصَّلَاةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>